110 مواجهة

10.7K 711 3K
                                    

جيني

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

جيني

لم يعد ما جمعتهُ من دفء في صدري صامداً أمام وطأة الصقيع. الطنين يعلو في أذني ما إن انسحق الصوت مُخلّفاً صمتاً رهيباً. لا شيء يتحرك، لا شيء يعكس لوناً غير الرماديّ، وقُرص الشمس وراء القُبّة الجليدية يبدو كطبق باهت البياض بالكاد يُنير الأرض. هذا ليس شتاءً، بل قبر. أُوصدت الأبواب بالجليد من خلفي ليُغادرني آخر بصيص نور قد يبثّهُ، آخر تواصل حسّي حقيقيّ بيننا، فتقدّمت خطوة، ملأتُ ذاتي بكلماتهِ، أثق بكِ بقدر ثقتكِ بي، ارتعشت، وأُكملتُ طريقي تماماً كما كان يفعل باحثاً عن البيت، بلا خوف، بلا تردد، وبأمل يتجدد مع كل خطوة. لقد جابهتَ نيران ماضيّ في أول معركة، وها أنا الآن أجابه صقيع ماضيك في آخر معركة، فهل ترقد طفولتنا الضائعة بسلام ما إن نُنهي حربنا؟ لن أعلم بلا مواجهة، فإمّا بِها، أو الموت.

إن الثلج الوسخ بالأتربة يكتسح جميع الطرق الفرعية للشارع الرئيسي، فتابعتُ المسير عليهِ في خطّ مُستقيم علّها تكون وسيلة عدوّي في قيادتي إلى وكرهِ. إلّا أنّني توقفت ما إن شعرتُ بحركة بسيطة من إحدى البنايات الكالحة المُصطفّة بجانب بعضها. ظهر بتروّي رجل بدرع ساموراي متحطّم، بلا خوذة، وبسيف يرتجف في قبضتهِ لم يقم بالتلويح بهِ كما اعتقدتُ بأنّهُ سيفعل. فتح فمهُ كمن سيقول شيئاً وتوقف ما إن هبّت ريح عاصفة أثارت سكون المُحيط، ليختبئ، ارتعد واختبأ كمن تلقّى تحذيراً. تابعتُ المسير، ولكنني توقفتُ مرة أخرى ما إن شعرتُ بالمزيد من التحرّكات من حولي، فقلتُ بأعلى صوتي: "لا تقلقوا، لستُ عدوّة من لا رغبة لهُ في القتال، ارموا أسلحتكم ولا تقاوموا بعد الآن، استسلموا حيث أنتم وستُحفظ حياتكم في الأسر لديّ". خيّم السكون، هل اطمئنوا من تصريحي؟

تقدّمتُ في خُطاي على الطريق السالك الوحيد، الشهيق مؤلم، والهواء يخرج ثقيلاً وواضحاً مع كل زفرة، شعرتُ بتنمّل أطراف أصابعي، وتباطؤ دقّات قلبي في استمرار. أهذا ما يشعر بهِ الإنسان عندما يحتضر؟ كيف استطاع الجنود النجاة لأيّام إن كان هذا تأثير عدّة دقائق فقط؟

أفضى الطريق إلى ساحة دائريّة خالية من الثلوج، الطوب في منتصفها يكوّن شمساً عملاقة تسقط منها قطرة، البنايات الفاخرة تحوّطها، ويتوّسطها مبنى ذو شُرفة عملاقة بسور منخفض، إنّها تُحاكي ساحة الشروق في العاصمة. استطعتُ تمييز سيف كاتانا طويل ذو قبضة حمراء مغروس في السور. فدخلتُ المبنى لأقصد الدرج، وعندما خرجتُ للنور المُظلم فوق الشرفة لم أجد أحدهم عند السيف لأقترب منهُ حتّى أصبحت المدينة الهامدة على مرآي بالكامل. لا يُمكنني رؤية ما بعد القبّة الجليدية وكأنّ جيوش العالم لا تحتشد استعداداً للهجوم. دقّقتُ في النصل، إنّهُ مُتّسخ، بُقع بقايا الدماء القديمة تُلطّخهُ على طولهِ مما دلّني على أنّهُ لم يُستخدم مُنذ زمن، حافّتهُ في حالة مزرية، إنّني واثقة بأنّهُ ليس حادّاً كفاية لقطع رأسي.

المفقودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن