في هذه اللحظة لم يتسطع أن يتجاوز ما يراه، تلاشت إبتسامته تدريجيًا و هو يقول بجدية :

-في إيه يا بطة.. مالك يابنتي. إيه التكشيرة الغريبة إللي على وشك دي ؟!!

تدخلت "نجوى" على الفور :

-و لا تكشيرة و لا حاجة يا أبو علي. دي بس من الرهبة.. البت لحد إمبارح كانت خالية و لا حد جاب سيرة خطوبة و لا جواز !!

-إسكتي إنتي يا نجوى ! .. هكذا أسكت "إمام" زوجته

لتضع "نجوى" يدها على قلبها و هي تسمعه يستجوب إبنته تاليًا :

-قوليلي يا فاطمة.. مالك ؟ حد ضايقك يابنتي. ليه حاسك حزينة و مهمومة كده في يوم زي ده. قوليلي. صارحيني يا حبيبتي أنا أبوكي !

حدقت "فاطمة" بأبيها بصمتٍ فقط، تزاحمت رأسها بالأصوات.. عدة أصواتٍ متداخلة... بعضها يحثها على البوح لوالدها و مصارحته كما يناشدها أن تفعل.. و البغض الآخر ينهاها عن فعل ذلك كما إستشعرت نفس الرأي صادرًا عن والدتها

ماذا يحدث إن صارحت أبيها ؟

إن قالت له كل ما بقلبها.. و أنها تحب "رزق" و ليس "مصطفى"... هل سيتفهم مشاعرها ؟ هل سيتقبلها و ينزل عند رغبتها منهيًا تلك الزيجة ؟؟؟

ماذا لو حدث العكس !!!

هي تعلم علم اليقين بأن رجال عائلتها لا يؤمنون بالمشاعر.. أو بمعنى أصح لا يؤمنون بالحب... ما يتطلعون إليه بالمقام الأول هو الاستقرار و ما يصب بالمصلحة العامة

و إذ تأتي هي و تخرب هذا النظام فجأة مفصحة عن حبها للأخ غير الشقيق لخطيبها.. حتى أن "رزق" لا علم له بهذا الحب الذي تضمره له بقلبها.. و لا أمها التي تخشى فقط من فكرة عدم قبولها الزواج من "مصطفى " !

يبدو أن الأمر محسوم عقليًا، لا ينبغي أن يدري مخلوقٍ بهذا.. ستكون هي كبش الفداء في الأخير.. هي دون غيرها

و لكن ما الفائدة.. "مصطفى" بالفعل لديه خبر مسبقًا ....

-مافيش حاجة يا بابا ! .. نطقت "فاطمة" أخيرًا راسمة على ثغرها ابتسامة رقيقة

-أنا زي الفل.. ممكن زي ما أمي قالتلك بس !

تنفست "نجوى" الصعداء و هي تشكر الله من أعماقها بأن تعقلت إبنتها أخيرًا

أما "إمام"... لأنه لم يود أن يرى السوء في إبنته أو أن شيئًا قد يعكر صفو هذه الليلة.. صدق كلامها بدون عناء

رد لها الابتسامة و هو يمسد على خدها بحنانٍ :

-بس أنا مش عايزك تتهزي أبدًا. إنتي مهما كان من نسل الجزارين.. يعني مش زي أي واحدة برانا. و خليكي واثقة إن مصطفى هايشيلك على كفوف الراحة. مش عشان رايدك و بس.. لأ. عشان إنتي تبقي فاطمة بنت إمام الجزار. بنت أخو سالم الجزار. الكبير.. إنتي فوق أوي يا بطة. فاهماني ؟

وقبل أن تبصر عيناكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن