_ ثقة ! _

13.6K 731 31
                                    

أبدًا لم يكن الاختيار رفاهية تتمتع بها ...

فمثلًا هي لم تختر عائلتها، لم تختر نشأتها، لم تختر الجلوس بالمنزل و الحرمان من الدراسة.. أشياء كثيرة فرضت عليها

و آخرهم كان هو

زوجها المستقبلي... "مصطفى سالم الجزار".. خلال أيامٍ قليلة سوف تمسي زوجة له.. و الله وحده يعلم ما الذي يخبئه لها و ما عناه بوعيده المتلهف !!!

كان رداءً مزركش قرمزي اللون، جميلًا، ذاك الذي تذرعت والدتها بالحاجة إليه أمام عمها لتخرجا من المأزق الأسوأ.. و هو لو فقدت "فاطمة" عقلها و تفوّت بالترهات أمام كبيرهم... حتمًا لكانت العواقب وخيمة

لكنها أنقذت الموقف و عوض إثارة الكارثة أخذتها و أشترت لها بنقود "سالم" ذلك الفستان الذي ألبستها إياه بيديها.. كانت "فاطمة" على قدرٍ من الجمال ما بين مرحلة الطفولة و المراهقة، إنما بعد أن إرتدت فستانها صارت أنثى !

أجل... الآن فقط هي أنثى ناضجة _ جسمانيًا _ بكل ما للكملة من معنى

علّها لم ترتدي فستانًا منذ بلوغها الحادية عشر من عمرها... لكن بما إن هذا اليوم هو يومها فكان مسموحًا لها بتجربة كل شيء في حدود أعراف و تقاليد عائلة "الجزار" طبعًا

أخيرًا

ها هي على أتم الإستعداد، بعد أن وضعت أمها بأصابعٍ محترفة آخر لمساتها الجمالية على بشرتها.. و إحقاقًا للحق... قد برعت في تزيينها.. و لكن بقى شيئًا ناقصًا

و هذا الشيء بالذات لا يمكن إكتسابه أو إضفاؤه... بل أنه يكون جزءً من الروح.. أما روحها.. فقد انطفأت لحظة إعلان هذا الزواج ...

-عقبال ما ألبسك الطرحة البيضة يا حبيبتي ! .. همست السيدة "نجوى" عند أذن إبنتها

ربتت على رأسها بحنوٍ، في نفس التوقيت يلج أبيها إلى الغرفة مزدانًا بأفخم ملابسه المؤلفة من جلبابٍ و شالٍ ثمينٍ حول العنق.. كان و كأنه يقتبس من مظهر أخيه الأكبر و قدوته الحسنة على الإطلاق... "سالم الجزار" !!!

-إيه يا نجوى لسا ماخلصتوش ؟ الجماعة كلهم مستنيين تحت أعمليلك همة أمال !

نجوى و هي ترتد خطوتين بعيدًا عن "فاطمة" :

-خلاص يا سي إمام.. بطة جهزت و أنا كمان جاهزة أهو

و أشارت إلى نفسها و ما ترتديه من عباءة على الطراز الخليجي، بينما لم يكن "إمام" ينظر إلا صوب إبنته.. و بابتسامة خفيفة حث الخطى نحوها و هو يهتف مبهورًا :

-اللهم صل على كامل النور.. لما عروستي. بنتي الحلوة طالعة زي القمر كده ليلة شبكتها. أومال ليلة الدخلة هاتبقي إزاي يا حبيبة أبوكي ؟!

و توقف خلفها مباشرةً

مد يده و إلتقط رسغها، شدها بلطفٍ فاستجابت له و قامت لتقف قبالته، ليتمكن بسهولة من رؤية الحزن في عمق نظراتها الواجمة

وقبل أن تبصر عيناكِحيث تعيش القصص. اكتشف الآن