🍁الفصل السادس عشر🍁

1.1K 43 9
                                    




🍁الفصل السادس عشر🍁

🍁بوادر أمل🍁


كانت غزل تجلس أمام الطاولة تعمل على مشروعها للتخرج... أو هكذا كانت تبدو فقد كانت محلّقة بأفكارها بتهوّر، كما تلك اللحظة منذ أسبوع مضى، التي حلّقت فيها منزلقة بسرعة مخيفة وقد دفعها كرم بكلّ قوّته نحو الأسفل صارخاً بها مطالباً ايّاها بأن تعيش، لقد كانت فعلاً لحظة لا تُنسى... عاشت بها... كما وعدها هو!
تتخيل مظهرهم المضحك وقد تراموا فوق بعضهم فيكون هو حاجزاً منيعا بينها وبين الثلاثة الآخرين متلقياً بجسده ثقلهم واحداً تلو الآخر فلا تستطيع إلّا أن تبتسم، لا تستطيع أن تنسى جزعه إثر إهتزازة جسدها العنيفة تحت جسده وقد ظنها تبكي ألماً فينتفض ويتحرك سريعاً عنها سائلاً إيّاها بلهفة عن مكان الألم، فإذا بتلك الضحكة المختنقة إحراجا والتي كانت تهز جسدها اثر كبحها جورا تحولت إلى ضحكة مجنونة بدموع سائلة وقد رأت لهفته عليها... وكأنه فتح لها باباً واسعاً كي تطير منه محلّقة هاربة من همومها تتجنح سعادتها
خفيفة... كلّ ما كانت تشعر به أنها كانت خفيفة في تلك الليلة... خفة رافقتها بقية السهرة وطوال الطريق من منطقة البحر الميت حتى بيتهم في عمان، إبتسامة رائقة لم تفارق شفتيها طوال الوقت وهي هائمة تفكر باللاشئ ولا تشعر إلا بذلك الكائن بجانبها والذي كانت ممتنة له جداً على هذا اليوم الرائع، تتأمل الدنيا من حولها بعيون جديدة، تراقب الشفق وقد بدأت الشمس تستفيق ناعسة خجلة تتزين بأبهى حللها تنفض السواد حولها بقزحية مبهرجة تحيي النفس بأمل جديد، وبعد بعض الوقت شعرت بيده تمتد لحافظة السيارة أمامها يلتقط نظارته ويضعها على عيناه وقد قابلته الشمس بنصال إشعاعاتها لتدرك غزل أنّ يوماً جديداً قد ولد حقا... بينهما ولهما... وبكل وجل، كسفت عيناها إجلالاً ولم تدري كيف نامت دون شعور وقد هزمها الإرهاق والنعس... والأمل، ولم تشعر إلا ويد كرم تفيقها وقد وصلو لبيتهم، حيث عادت مرغمة وقد تكسرت جناحاها لأرض الواقع ... ولكم آلمتها صدمة الوقوع............

قبل أسبوع
كان كرم متوجهاً إلى الحمام كي يغسل عن جسده ما علق به من ملوحة رذاذ البحر وبعض الرمال عندما لمحها جالسة تسند رأسها على ذراع الكنبة وكأنها تكمل غفوتها التي بدأتها في السيارة، إبتسم وتوجه إليها يناديها، فرفعت جفنيها بنصف فتحة تهمهم له ببعض الكلمات، إقترب منها يناديها من جديد مع هزة خفيفة على أعلى ذراعها فتمتمت له: امممممم
إبتسم لها كرم وقال: إذا ما بدك توخدي شاور قبل ما تنامي قومي غيري أواعيكي على الأقل
فتحت عينيها لا تكاد ترى فيهما لشدة نعاسها وقالت: أوكي يلا هيني هلأ بقوم
فأجابها بإبتسامة يغلق الستائر الداكنة من حولها فلا تتسلل لها شمس الصباح فتقلق نومها: وأنا هيني رايح أتحمم... مش ترجعي تنامي
ما إن إلتفّ كرم بجسده متجهاً لغرفته حتى همست له غزل منادية بإسمه وهي على ذات الوضعية: كرم!!
إستدار لها يتأملها وكل شبر في جسده ينادي صارخاً بأن لبيك، ثم هزّ برأسه لها بأن تكلمي فإبتسمت له إبتسامة شفافة رقيقة أشرقت لها جميع ظلمات قلبه وقالت: شكراً!
فأجابها بصوت أجش هامساً بداخله لدواخله أن تصمت فلا تعكر على الحبيبة إبتسامتها: كلها تسكيرة برادي "ستائر" مش مستاهلة الشكر
فأومأت له برأسها وقالت: شكراً على اليوم الحلو
إبتسم لها سعيداً بسعادتها وقال بمناغشة يغطي بها ما بقلبه من إضطرابات: إحنا بس بدنا الرضا ليش كم غزل في عنا
وإنطلق بعدها مغادراً الغرفة يهرب من هدير مشاعره الجارفة نحوها ويدعو لنفسه بصبر أيوب........
بعد بعض الوقت خرج من غرفة النوم لا يغطيه سوى شورت قصير يتسحب بمشيته لا يريد سوى الإطمئنان عليها وتطمين قلبه بوجودها هنا في بيته قريبة منه يتنفس ذات هوائها، وعندما لم يجدها بالصالة هدر قلبه إحتجاجاً وجزعاً، فتوجه إلى المطبخ يبحث عنها بعينيه تتسابقان مع قلبه فتنهزمان، ما إن ولج باب المطبخ حتى إصطدم بها بقوة لهفته وضخامة جسده فإرتدت بعنف توشك على السقوط فإلتقفها بسرعة وشوق يقربها منه ويتشمم وجودها في محور وجوده يتشاركان هواءً واحداً... هواءً دافئاً ناعماً متقطعاً... يخرج من فم كرزي شهي يكاد يدك حصونه كلّها فينحني هو له راضي في جوره
لم يشعر كرم بنفسه إلّا وهي تدفعه على صدره فتعانق بيدها صدره عارياً فتشعله ناراً تتلظى، راقب شفتيها تتحركان تقولان مالا يصل إلى مكامن إدراكه وقد تعطلت جميعها مغيبة تتعذب في محراب جمالها الباغي كما وأنّ شدة إرهاقه أيضاً وقد أكمل أربعة وعشرين ساعة حتى الآن دون أن يغمض له جفن لم تساعده
جرت عيناه على وجهها مبهوراً بكلّ تفاصيلها... يتأملها علّه يدرك ما تريد... ذلك الفم الشهيّ الذي لم يتوقف عن طلاسم الكلام... تلك البشرة القشدية الوضاءة تتوهج إحمراراً لا يدرك له سبباً... ذلك العسل الحريري المتهدل على جبينها يحجب عنه القليل من ربيع عينيها بإستفزاز مثير لكلّ رجولته
رفع يداً مرتجفة تنازع حياة لا ترى لها سبيلاً الّا بملمسها... تلك الحبيبة التي حقق إنتقامه من كومة شعرها مبعداً إيّاه بغيرة عن جبينها لتنكشف له عيناها... عينان مع خضرة الربيع تتنافسان، تقتلانه بجمالهما وبرائتهما ورعبهما.... مهلاً... رعبهما!!
إستيقظت كلّ حواس كرم ويا لعار قلبك يا كرم فها أنت تؤلمها من جديد... لقد كانت غزل تنظر لعريّ صدره والنظرة المشتهية الفاضحة بعينيه فلا ترى فيه إلا حيواناً بغريزة منفلته... تلوّى قلبه كمداً وغضباً و تعباً
زفر كرم بحدّة أجفلتها دون أن يفلتها وقال بنظرة صارمة دافئة إعتادتها منه: غزل... أنا مستحيل أأذيكي في يوم... خوفك مني بيدبحني... والله بيدبحني... نظرة عيونك المرعوبة هاي بتخليني أموت في اليوم مية مرة... أنا بحبك... وإبن عمك... وزوجك... وبحبك!
باغتها إعترافه فأخذها على حين غرّة سالخاً إيّاها من واقعها المريض، نظرت في عينيه بنظرة مفاجأة وعدم تصديق، فيؤكد لها بقوة وبطء ووضوح: أنا بحبك يا غزل بتعرفي شو يعني بحبك... يعني خوفك مني بزلزلني... يعني كلّ نظرة رعب بشوفها بعيونك بتدبحني... أنا بحبك وطول عمري بحبك وكلّ نقطة دم بقلبي بتحبك... حبيتك زمان وبحبك هلأ وراح أحبك بكرة وراح أضل أحبك لحتى الله يوخد أمانته... وراح أضل أصلي وأصوم وأتصدق وأستغفر عن كل ذنب عظيم عملته لحتى الله يكرمني فيكي وتكوني أنت مرتي بالجنة... بدّي إنت وبس لأنه بالنسبة إلي ما في إلّا أنت... غزل وبس!!
كانت غزل تسمع ولا تفقه، ترى ولا تدرك، ولكنها كانت لا تصدق فتهزّ رأسها يمنة وشمالاً بعنف يتزايد بإضطراد مع كلّ كلمة ينطقها ليمسك هو بكلتا كفيّه وجنتيها يثبت وجهها يقربه من وجهه يدحر بثقة وصدق نظراته تشكّك نظراتها المبتلة بالدموع... رفعها إليه ووضع جبينه على جبينها ينهت بعنف ويقول: خوفك بيقتلني يا غزل... نظرة الشكّ اللي بعيونك بتطعني بوسط قلبي... دموعك اللي ما بتوقف تعبتني... والله تعبتني...

عيون لاتعرف النوم (ج1 من سلسلة مغتربون في الحب) لِـ "نيڤين أبو غنيم"Where stories live. Discover now