🍁الفصل الرابع عشر🍁

1.1K 41 4
                                    



🍁الفصل الرابع عشر🍁

🍁أصداء من الأمس🍁

في غسق الفجر خرج المصلين من باب المسجد مهللين مستغفرين تلفهم هالة من السكون والراحة، ومن بينهم إنسل ذلك الشاب غريب الشكل والهيئة بجبينه المعصوب وأصابع يديه المتورمة مخلفاً وراءه أصوات خطواته الرتيبة يجرّ بها جسده المنهك فيكسر بها سكون الفجر المشهود ورغم جهلهم له إلا أنهم لم يستطيعوا إلا تذييله بمشفق من النظرات ومستعجب، نظرات لم تعتقه إلا حين إلْتَّفَتُه عباءة الفجر الحنون!!

أما هو فتابع خطواته متجاهلا تلك النظرات التي كان مدركا لها تماما فيما بسمة من السخرية... سخرية من الذات... كانت تزين قساوة وجهه... وكأنّ بالناس لم يروا رجلا مضروبا قط... وكأنهم عموا عن كل المصائب من حولهم فركزوا جلّ إهتمامهم عليه هو... لم يكن يعلم أنّ إهتمامهم وشفقتهم لم يكن سببه تلك الكدمات البسيطة، إنما لكونه كان تجسيداً حياً للوحة خالصة من التراجيديا... هو كان غافلاً أنّ بؤس روحه فاض بقلبه وأختنق فتسلل بغفلة منه يشهق متنفسا عبر عينيه!!!

وكعادته منذ أربعة أيام مذ قدم الى العقبة تابع السير وحيداً إلا من ظله الذي لا يفتأ يظهر له طويلاً ضخماً متباهياً ثم لا يلبث أن يتعب ويتناقص رويداً رويداً كلما إقترب أكثر من الشاطئ... ظلّ يثير سخريته كلما طال تأمله له لشدة ما يذكره بنفسه، فلكم كان يظن نفسه كبيراً عظيماً متغذياً بظنّه على غضبه... الى أن وصل هذا البلد فبدأ بالتناقص رويدا رويدا حتى جاءت تلك اللحظة... اللحظة القاتلة التي أردته صريعاً لقهرها حيث وضعته عند حده... قدَّرَته حق قدره... أرته بشاعة حقيقته... ليكون حجمه في النهاية كظله لحظة إنتصاف النهار... لا شئ!!

تسمرت قدماه أمام الشاطئ شامخاً طويلاً كالطود... جامداً كجثة خاوية إلا من بؤس يعيث فيها فساداً يتخبط فيه ذات اليمين وذات الشمال باحثاً عن روح مختنقة تسكنه ولكن عبثاً يحاول أن يجدها فكيف يفعل وهي بقيت هناك على بعد مئات الكيلومترات تتلوّى وجعاً لدى الحبيبة... غزل... فاتنته الشقية... شقية بشقائها دون الشقاوة... وبصورة عن الشقاء حيّة، إنتفخ صدره العريض بشهقة حارقة إنحشرت في إنتفاخات قلبه لتزيده ألما فيلفظها بوجع من بين دقاته المتزايدة

أربعة أيام مرّت مذ رآها آخر مرة، بقسوة شديدة نأى بنفسه عنها، ، نبذ نفسه بعيداً عن ناظريها كعقاب ثان فرضه على نفسه كما نبذها بذاته من قبل... ولدى وصوله بفكره لهذه النقطة، رفع كرم يده إلى جبينه متذكراً العقاب الأول... وأكثر... متذكرا صورتها الدامية تلك التي زادت على أعوام عمره مئة... لحظات من العمر لن ينساها أبداً ولو إغتال البياض كل سواد شعره... صورتها متكومة في زاوية الحمام مرتجفة متألمة مختنقة بدموعها تنزف وجعاً وظلماً وضعفاً.. تلفظه دما يخفف من الارتفاع الشديد بضغطها بلطف من اللطيف

عيون لاتعرف النوم (ج1 من سلسلة مغتربون في الحب) لِـ "نيڤين أبو غنيم"Where stories live. Discover now