🍁الفصل الخامس🍁

1.1K 57 6
                                    



🍁الفصل الخامس🍁

🍁طيف من الماضي🍁


أغلق باب خزانة غرفة نومه في شقته بعد ان أحاط نفسه برشات من عطره الفخم المفضل وخرج من باب الغرفة ولكن بدلا من التوجه نحو باب الغرفة قادته قدماه نحو غرفة المعيشة الحميمية والبسيطة التي اختارتها غزل بنفسها كما اختارت كل ما في المنزل من اثاث... بسيط...كل ما حوله بسيط وضروري!! نعم اقتصرت تجهيزاتها على الضروريات فقط وكأنها حددت تواجدها في بيته تحت بند ضروري فقط.

تأمل الغرفة وجلس على صوفا حمراء مختلفة عن بقية طقم الكنب المريح القابع بالغرفة وتحسسها ليعرف سبب اختلافها ووجودها أساسا هنا ليدرك أنها تتحول الى سرير!! اذا فقد أخطأ عندما اعتقد أن تواجدها في منزله ضروري فقط... اذا هو ضروري و مؤقت!!
أرجع كرم رأسه للخلف بعد أن أشعل سيجارة وأخذ منها نفسا طويلا وأغمض عينيه بينما نفسا عميقاً جدا يخرج من أعماقه ليقتل الصمت المحيط به ويتخلله القليل من الضجيج القادم من الأسفل.

لم يرها كثيرا خلال الأيام الماضية فقد أجادت التهرب منه باحتراف فتارة تدرس لامتحاناتها وتارة تتحضر لهذا اليوم، هذا طبعا في الاوقات التي لا يكون فيها هو بنفسه مشغولا بالتأسيس لشركته الصغيرة جدا للمقاولات التي يخطط لها!! لكنه لم يستطع منع نفسه أمس من اللحاق بها حال أن عرف انها ترتب ملابسها في غرفتهم وحدها دون وجود ظلها الدائم هذه الأيام... سراب!!

تسلل بخفة حتى وصل غرفة نومهم وما ان خطا بقدميه داخلها حتى بهت واقفا مكانه خافق الفؤاد يتأملها منحنية الظهر وخصلات شعرها العسلي المحمرة تتهدل فتُخفي ملامحها كما الغيوم وشمس الصباح الدافئة حولها تُخفي بهاء طلتها بعبث فوضوي مغيظ، لا ينكر أن دقات قلبه الخائنة تهافتت على رؤيا ذلك الشعر الذي حُرم رؤيته منذ وصوله أرض الأردن..

زجر عقله قلبه بقسوة بينما يستمع لهمهمات غير واضحة ، فاقترب بخطى وئيدة فرآها تحاول اقفال حقيبة ملابس كبيرة بطريقة فوضوية بحتة بأصابع مرتبكة بينما تقول: يا الله يلا بسرعة... شو هالمصيبة يا ربي ... قولتلهم ما بدي مااا بد..
فقاطعها قائلا بصوت تعمد جعله مرتفعا ليثير فزعها: يعني مش بكفيني كل العبر اللي فيكي.. كمان مجنونة وبتحكي مع حالك
تجمدت أصابعها لثوان معدودة لتعود لما كانت تفعله بسرعة اكبر وفوضوية اكثر فما تزيدها محاولاتها الا فشلا!! أثارت ريبته باصرارها الغريب على قفل الحقيبة فاقترب أكثر بينما صوت لهاثها السريع يصله بوضوح وقال: شو اللي مخبيته بالشنتة وخايفة هالقد اني اشوفه!
تجمد غزل تماما لتهمس بتلعثم: ووولا اششي!
اقترب منها أكثر وانحنى امامها قائلا: ابعدي ايديكي خليني اشوف شو مخبية بهالشنتة وما بدك اياني أشوفه!
وقبل أن تبدر منها أية ردة فعل أزاح يدها وأمسك بسحاب الحقيبة ليبدأ بتحريكه ليتفاجأ بها تمسك بيده تمنعه عن المواصلة قائلة بتوسل: لا تفتحها.. ما فيها شي.. ما فيها شي!
تجاهل الاحتراق الملامس لذراعه والشعاع الصادر من عينيها بينما ينظر لها بتركيز شديد متفحصا ملامحها وقال: طيب طالما ما فيها اشي ليش هيك خايفة؟
بدأت دموعها بالجري على خديها تحت الحاح نظراته لتهمس: أشششيااااء خخاصصة
ابتسم بتهكم قاسي ليجيبها بكل الحقارة التي ولدت وترعرعت بظل مكيدتها القاتلة له منذ أربع سنوات : حلو... طالما انها أشياء خاصة فلازم أعرف ايش هي ولا نسيتي اني جوزك!
غزل بدأت تهذي برعب: من شان الله لا تفتحها.. لا تفتحها!
رعبها واصرارها حركت كل الفئران التي لا تغادر صدره أساسا ليزيحها بقسوة من طريقه فتقع مباشرة على السرير وبدأ بفتح الحقيبة تحت انظارها الهلعة! بحلقة عينيه واحمرارهم المفاجيء أنبأت عما به من صدمة... عدا ذلك ما كان الا صنم هامد لا حياة فيه بينما يقف أمام ما كانت تستقتل لاخفاءه عن ناظريه.... رزمة مغلفة بأكياس من النايلون الشفاف ظهرت بقاع الحقيبة... حمراء وسوداء وخضراء و نيليه والكثير غيرها وتحتهم كلهم ملقى بفخامة قميص النوم الأبيض!!!
وفجأة لف وجهه ناحية السرير لينظر لها بقسوة مذهولة بينما هي بدأت بالتراجع فوقه وهي تهمس برعب: مش أنا.. والله مش أنا.. عمتو.. عمتو.. ما كنت أعرف... أنا ما بدي...
اقترب منها بهدوء مميت مناقض لنظرات عينيه الحارقة حتى وضع ركبته على السرير ومال بكل جسده ليقبض على فكها بقبضة يده الشديدة وقال بهمس مقهور: شو بتفكريني ابن مبارح تضحكي على عقله بكم قميص نوم وحركة اغراء ينسى كل اللي عملتيه فيه؟!!
أكمل بينما يشعر بعينيها تكاد تفيض من محجريهما رعبا: لا صحصحي منيح و ركزي... أنا كرم... كرم اللي انخدع فيكي مرة ومش ناوي يكون حمار مرة تانية!!
تأمل احتقان وجهها وبروز ذلك العرق الاخضر الواضح ببشرتها الشفافة لينزل بعينيه متأملا حبات العرق المزينة رقبتها وجيدها بحباتها اللؤلؤية... نزل بنظراته أكثر رافضا صوت العقل الصارخ بالنهي ليتأمل صدرها المختنق بأنفاس يصارع للفظها بصعوده وهبوطه المتكرر!!
غافلا عن حالة الرعب التي اجتاحتها همس بصوت متحشرج بكلمات حاول اقناع نفسه بها قبل اقناعها: بس ما في مشكلة ممكن نجرب عينة من اللي انت ممكن تقدميلي اياه
ما ان اقترب برأسه من الحد الفاصل ما بين عنقها والكتف حتى أطبقت على رأسه بكلتا كفيها تبعده عنها بقوة لا تلائم جسدها الصغير ولكن توازي رعبها القادر على اقتلاع شعره من جذوره.
ابتعد عنها ما ان احس برعبها الشديد ليتركها فاغر الفاه متلاحق الانفاس بينما هي تركته لتركض على عجل تفرغ كل ما في جوفها بالحمام التابع للغرفة امام نظراته المتعجبه وتشهق بقوة أثارت جزعه... لحظات وسمع صوت الماء الجاري وهي ترشقه على وجهها لتخرج بعد القليل من الوقت فتاخذ حجابها وتخرج بوهن صامت أمام عينيه المبهوتتين!!!
أخذ نفسا عميقا آخر حارقا به جوفه فالرئتين ليطلق آهة منطوقة بحرقة قلب محاولا بعثرة الأفكار التي تلوح له بالحاح شديد!! لا يريد أن يصل لنقطة لطالما تجاهلها بتعنت رجل شرقي مجروح الفؤاد... مكسور الكرامة... مهدور الشرف!! ما أسهل أن يعلق كل آلامه وعذاباته على شماعة انوثتها المغبونة ليريح العقل من اعمال الفكر... ما أسهل أن يقنع نفسه بخطئها ليخفف على روحه الهائمة بها تخيل ما عانته من ألم وامتهان!!! وما اسهل اقناع نفسه بثعلبة كل الاناث ان كانت ملاكهن ثعلبة باحتراف!!
وقف ساحقا السيجارة في منفضتها وأمسك بكيس فخم متربعا على الطاولة أمامه متوجها للطابق الأرضي حيث عذاباته بانتظاره!!
.................................................. ................................

عيون لاتعرف النوم (ج1 من سلسلة مغتربون في الحب) لِـ "نيڤين أبو غنيم"Where stories live. Discover now