الفصل التاسع عشر

9.6K 301 16
                                    

الفصل التاسع عشر
سرادق عزاء ونساء متشحات بالسواد .. أعين باكية , والقرآن صوته يعلوا بالمكان ..!
الموت قريب للغاية , الموت يجاورنا وقد يفاجئنا بأي لحظة..!
الموت يا عزيزي هو الحقيقة الوحيدة بحياة الانسان, الحقيقة الخالية من الزيف والخداع!
فقط معبئة بالفقد والألم!

الجميع هنا يبكى أو يجلس بوجه جامد يشوبه الجمود , هنا وهناك يجلس المعزوون وأقداح القهوة توزع برتابة وهدوء!

أما هي كانت تنزوي بعيداً عن الجميع تبكي والدها , تبكي لأنه توفي معتقداً أنها لم تسامحه علي ما حدث لها وما كان , وليتها تستطيع العودة حيث آخر لقاء بينهم بزفاف نورا عندما طلب لقاءها هي وزوجها غسان..!
ليتها أخبرته وراعت مرضه الشديد يومها ولكنها لم تقدر على ذلك , لم تقدر أن تنطق الغفران والسماح بسهولة!
هي لا ترى سوى أب تركها متخاذلاً ملتزماً لصمت خشية من فضيحة ما!
لم ترى وقتها وعلى مر ما حدث سوى أخطائه عندما أهمل الجميع مغدقاً عليها بحنانه تاركاً البقية لوالدتهم دون الالتفات لهم!
ورغم ندمها ووجعها إلا أن الاعتراف هنا مقرون بحقيقة لا ترى سواها .. حقيقة ساطعة ألا وهي حقيقة ضعف وسلبية والدها بكل شيء في حياته!

ترقرقت الدموع من عينيها السوداء .. كابحة لشهقاتها بصعوبة بالغة فتعود بذاكرتها إلى ذلك اليوم عندما دخلت هي وغسان إلى غرفة والدها الراقد بها على فراشه بملامح متعبة.. اصابه الوهن و تمكن به الإنهاك, فقط جسد مسجى ونفس يدل على الحياة!
كانت تقف أمامه بعد أن طلب مقابلتها تتأمله بقلب موجوع تود لو تقترب منه ترتمى بأحضانه, ولكن اليوم هي ترى الجميع خائنون! همس عبد الله  بعد لحظات متجاهلاً غسان ووجوده بالغرفة يسيطر بنظراته قدر استطاعته بعينيها الشبيهة بوالدتها رحمها الله:
-تعالي يافريدة..
لم تمتثل لطلبه بل كانت كالتمثال فاقدة للحركة والقدرة على التصرف فيكمل هو ونظراته تتأملها:
كده ماتجيش تشوفيني الفترة الي فاتت..
كما هي فلم تجاوب عتابه ولم تعطيه الرد,  فقط التزمت الصمت تتهرب من نظراته اللائمة والتي أصابتها بالاستياء بداخلها.. ولكن رغم كل شيء هناك حاجز يمنعها عن تلك المشاعر المطلوب منها تفعيلها!
فقط اقتربت من سريره بخطوات متمهلة ثم جلست علي المقعد المجاور للسرير الراقد أعلاه قائلة بنبرة جاهدت أن تتخلى فيها عن جمودها الذي تلبسها منذ أن شاهدت نورا بفستان الزفاف:
-اسفة يا بابا.. معلش ..
فقط كلمتان نطقت بهم , قد يراهم أي شخص آخر منتهى الإجحاف بحالة والدها ولكن هو هنا مكتفي بأي شيء قد تقول بل هو مرحب بانفجارها بالكامل!
ابتسم لها بوهن عقب ما قالته ثم مد أنامله يلمس يدها .. يمسكها بين يده رابتاً عليها بحنان هاتفا بنبرة مرحة يتخللها نبرته المتعبة:
-ولا يهمك ياقلب بابا المهم تكوني مرتاحة..وبخير
لم تكن في راحة, فيومها كانت تشعر بالغدر بطريقة ما..!
أي راحة وخير يتحدث والدها عنهم , ترى هل يريح نفسه المتعبة بتلك الكلمات أم يراها بخير حقاً..!
ألا يرى ندوبها وجرحها النازف أم يتجاهل هو الآخر بكل بساطة!
شاهدت هي اللهفة بنظراته أن تعطيه تأكيد أنها بخير وألف خير.. اغتصبت هي ابتسامتها بصعوبة فقط انفراجه بين شفتيها دون حديث ,  وهو هنا وكأنه اكتفى بتلك الابتسامة أو يقنع نفسه بصحتها رغم علمه أنها غير صادقة بالمرة ليلتفت بعدها إلى الواقف خلفها هامسا لها  :
-معلش يافريدة ممكن تسيبني مع غسان شوية ..
طالعته بنظرات يشوبها التعجب جراء طلبه الغريب بالنسبة إليها , ذلك الطلب الذي أثار فضولها أن تبقى وتستمع ما قد يقال ولكنها كبحت كل ذلك و هزت رأسها بإيجاب ثم استقامت من مكانها وخرجت من الغرفة تاركة لهم المكان.. دون النظر إلى غسان الذي كان يعانقها بنظراته, متأملاً لذلك الحزن المرتسم على ملامحها وكأنها لوحة فنان نسي أن يضع بها بهجة الألوان!

للعشق طريق اخر(١+٢)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن