سُقُوطْ الْأَقْنِعَةْ || The...

By ftoma5000

93.7K 7.5K 8.9K

قَدْ تَنْقَلِبُ الْحَيَاةُ رَأْساً عَلَى عَقِبْ فِي غَمْضَةِ عَيْنْ، أَوْ تُكْشَفُ أَسْرَارُهَا فِي لَحْظَةٍ... More

~الْمُقَدِّمَةْ~
1~حَيَاتِي
2~جُونْغْكُوكْ
3~الْبَحْثْ عَنْ وَظِيفَةْ
4~بِدَايَةْ جَدِيدَةْ
5~لِقَاءْ مُبْهَمْ
6~مَسْكَنِي الْجَدِيدْ
7~صُدْفَةْ أَنْقَذَتْنِي!
8~شُرُوذْ وَإِنْتِبَاهْ
9~مُطَارَدَةْ وَتَحَدِّي
10~فُوبْيَا الظَّلَامْ؟!
11~سُوءْ فَهِمْ!
12~خَبَرٌ مُحْزِنْ
13~النِّهَايَةْ وَالْبِدَايَةْ؟!
14~أَشْعُرْ بِالشَّفَقَةْ وَلَكِنْ...
15~نُقْطَةْ تَحَوُّلْ
16~مَشَاعِرْ مُبَعْثَرَةْ!
~لِقَاءْ مَعَ الشَّخْصِيَّاتْ 1~
~أَجْوِبَةْ الشَّخْصِيَّاتْ عَلَى أَسْئِلَتِكُمْ 1~
17~بَحْرٌ مِنَ الْعَوَاطِفْ
18~وَهَلْ يَنَامُ الْقَمَرْ؟!..
19~إِشْتِبَاهْ
20~ تَقَمُّصْ أَدْوَارْ!
21~قَلْبٌ يَئِنُّ وَيَصْرُخْ
22~أَحَاسِيسٌ مُرْهَفَةْ...
23~جُولْيَانَا...
24~جَوَانِبْ خَفِيَّةْ!
25~صِرَاعُ الْأَفْكَارْ!
26~نِصْفُ الْحَقِيقَةْ..!
27~سِرُّهْ..!
28~إِنْقِشَاعُ الضَّبَابْ...
29~سُقُوطْ الْأَقْنِعَةْ
~لقاء مع الشخصيات 2~
~أجوبة الشخصيات على اسئلتكم 2~
31~مَلَامِحُ السَّعَادَةْ
32~تَعَارُفْ وَإِرْتِبَاطْ
33~بِينْكِيبَايْ
34~تَجَاذُبَاتْ وَأَحَادِيثْ
35~إِنْتِقَامُ الْعَاقِلْ
36~وَدَاعْ لَطِيفْ
37~دَافِئْ كَصَيْفِ حُزَيْرَانْ...
38~إِتِّخَاذُ الْقَرَارْ
39~جُولْيَانَتِي...لَا تَبْكِي
40~أُمِّي...هَذِهِ حِكَايَتِي
تنويه هام 1
~معرض الصور 1~
~معرض الصور 2~
~معرض الصور 3~
~معرض الصور 4~
الرواية الجديدة
تنويه هام

30~ذَوَبَانُ الْجَلِيدْ

2.1K 142 267
By ftoma5000


قراءة ممتعة💛

﴿مَا كَانَ حُبُّكَ إِلَّا فِتْنَةً قُدِّرَتْ...فَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْفَتَى أَنْ يَدْفَعَ الْقَدَرا﴾

- إبن زيدون.

●•●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

تقدمت نحو باب الحمام بخطواتٍ مرتعشة نظراً لعدم صدور أي صوتٍ منه، ثم فتحته ببطئٍ وحذر، فوسعت عيناها لما رأت!

كان تايهيونغ نائماً داخل حوض الإستحمام المليء بالماء ومن دون أي حراك!

أسرعت نحوه، وما إن حشرت يدها في الحوض حتى إستشعرت برودة الماء الشديدة، وكذلك برودة جسده.

- تاي...تايهيونغ! أتسمعني؟!
صفعت وجهه بلطف حتى يستيقظ لكنه لم يُجبها، فبدأت يداها بالإرتعاش وكذلك عيناها بهطل الدموع في ذعر...هل...هل أصابه مكروه؟!

- تاي أجبني أرجوك!
بدأت تبكي وتحاول سحبه من الحوض تزامناً مع دخول تايمين، وأول ما قام بفعله هو وضع يده أسفل أنف الآخر حتى يستشعر أنفاسه، وقد كان يتنفس بالفعل.

- إنه يتنفس.
نطق بهاتين الكلمتين حتى يهدأها، ثم ساعدها على سحبه وحمله فوق ظهره.

- يجب أن نُدفّئه.
نطقت بها ايرين في قلق ما إن لاحظت إرتعاش جسده بشكلٍ كبير وكذلك شحوب وجهه، لذا أسرعت في جلب المنشفة من الحمام، بينما الآخر قد وضعه على الأريكة الجلدية حتى لا يبلل فراشه بالماء.

- جففيه ريثما أحضر الحطب وآتي.
طلب منها تايمين لتومأ بسرعة...سيجلب الحطب للمدفأة التي بالغرفة، ففوق برودة جسده، الغرفة متجمدة أيضاً!

أخذت ايرين تجفف شعره وهو فاقدٌ للوعي جزئياً، ثم إستقامت وفتحت الخزانة وأخرجت ملابس صوفية وثقيلة لتدفأه بها.

باشرت بعد ذلك في نزع ملابسه المبللة دون أن تلقي لخجلها أي أهمية، فهو يكاد يموت برداً ويجب عليها التصرف بسرعة.

لاحظت هذيانه وتمتمته بكلماتٍ غريبة...يبدو انه قد أصيب بحمى!

ألبسته قدر ما أمكنها قبل أن تحاول إسناده وجره نحو سريره.

- أ...أمي...أمي.

حدقت به مقطبةَ الحاجبين، فكل ما فهمته من بين تمتماته هو كلمة أمي.

عضت شفتيها كابحةً دموعها...هي تشفق عليه كثيراً.

وصلت به الى سريره وأخيراً، لتضعه وتقوم بتغطيته، لمست جبينه بعد ذلك فوجدته يكاد يحترق بينما يرتعش بشدة.

غطته جيداً، ثم عادت للبحث في الخزانة عن لحافٍ آخر.

وجدت واحداً بالفعل فقامت بوضعه فوقه، ثم وقفت وحدّقت به بينما تعض أصابعها بتوتر...ماذا ستفعل؟! حرارته تأبى النزول!

جلست بقربه، وما كادت تمسك يداه حتى لمحت الجرح الذي بكفه، فإستقامت وبحثت عن علبة الإسعافات في خزانة الحمام، ثم عادت وضمّدتها له.

وسرعان ما أخذت يده السليمة، وبدأت تفركها حتى تدفّئها بينما تناظر وجهه الذي ينكمش كل لحظةٍ كما لو أنّ كابوساً ما يراوده، ووسط كل هذا كانت تحدق بالباب خلفها على أمل عودة تايمين بالحطب سريعاً.

- لما فعلت هذا بنفسك؟ لما؟
أنبست بهاذين السؤالين مع غصّةٍ قد نالت من صوتها، ولكنه لا يستجيب...ولا يسمعها.

دخل تايمين بعد لحظات وهو يحمل الحطب، والذي وضعه بسرعة داخل المدفئة ليقوم بإضرام النار به، وما هي إلا دقائق حتى إشتعل كلياً.

- هل إنخفضت حرارته؟
سألها بينما يقترب للوقوف بجوارها مع عينان لم تبارح النائم أمامه، فنفت برأسها وقالت:
- كلا...ربما سأضطر لوضع بعض الكمادات له حتى تخفّ الحمى.

- حسنا، إبقي بقربه وسأذهب لجلبها لكِ.
خاطبها بهدوء  فأومأت له وراقبته بينما يخرج.

لم تتوقع أنّ تايمين بهذا الشكل من قبل!

ولكن كما يُقال، الأيام تظهر جوانب الناس الخفية كلما تقربنا منهم.

عادت بنظراتها الذابلة نحو الذي يفترش سريره بوهنٍ وضُعف، هي لم تره بهذا الحال من قبل، ولم تتصور أن يضعف هكذا ويسبب لنفسه الأذى.

شكرت الحظ على قدومهما في الوقت المناسب هي وتايمين، كما وشكرته أكثر على عدم إلحاق ضررٍ أكبر من هذا بحق نفسه...فما يحصل حالياً يعتبر أمراً بسيطاً مقارنةً بأشياء أبشع!

ظلت تتأمل وجهه المحمر إثر حرارته بسيماء معاتبة.
- لن أُسامحكَ إن أُصبتَ بمكروه!

ثم نظرت ليده المتموضعة بين كفيها، شابكت أناملهما، وتوسلته برجاء:
- أرجوك إستيقظ، فأنا أعاني في صمت!

دخل تايمين وبيده وعاء الماء البارد مع منشفتين صغيرتين.

- شكرا لك...إذهب وإرتح قليلاً.

- ألن تحتاجِ لأي شيء؟
سألها بهدوء، فنفت.

- لا أظن هذا، وإن إضطررت لشيءٍ ما فسأخبرك.

همهم لها، ثم غادر الغرفة ليتركها برفقة النائم.

هو لن يغادر المنزل، بل سيبقى الى حين تحسن حالة تايهيونغ وكذلك الى حين إنبثاق نور الصباح.

اما هي، فقد باشرت بوضع الكمادات الباردة على جبينه وتبديلها له بين الحين والآخر.

وبعد مدّةٍ من محاولاتها، تحسست وجنته اليسرى وإبتسمت.
- جيد...حرارتك إنخفضت قليلاً.

لم تتوقف عن وضع الكمادات له الى أن أشارت الساعة الى الواحدة بعد منتصف الليل، فبدأ جفناها بالتثاقل وكذلك جسدها المرهق بدأ يفقد طاقته، فغطّت في نومٍ عميقٍ بقربه دون أن تشعر، بينما يدها لم تفارق خاصته مطلقاً.

وبعد ساعتين، إستفاق هو بجبينٍ وجسدٍ متعرق إثر نزول حرارته، فشعر بصداعٍ حاد يداهم رأسه بفضل بكائه طيلة اليوم السابق.

ولكن ما إن شعر بنفسه على سريره حتى نظر لجانبيه فوجدها تغطّ في نومٍ عميق.

نزع الكمادة وجعّد حاجبيه محاولاً تذكر ما حدث، هو لا يذكر أي شيءٍ بعد أن جلس لمدةٍ طويلة داخل المياه الباردة...فلطالما كانت عادةً يفعلها كلما شعر بالألم النفسي.

وأول ما تبادر لذهنه هو أنّ ايرين قد أتت الى هنا وساعدته على إخفاض حرارته.

فمن البديهي أن يصاب بحمى بعد ما فعل، كما وقد علِم بهوية الذي جلبها، فمن غيره قد يعلم بقدومه الى هنا.

تنهد بتضايق لشدة سخونته، وما إن أراد نزع بعضٍ من ثيابه حتى شعر بيده مقيدة، فأنزل نظراته نحوها ليجد انها بين يدي ايرين الصغيرة.

إبتسم لا شعورياً على فعلتها اللطيفة، وكذلك على هدوء ملامحها وهي نائمة.

فسحب يده ببطء، ليلاحظ أنّ الأخرى قد ضُمّدت بالفعل...هي قد إعتنت به كثيراً، وهذا ما جعل قلبه يرفرف حتى طار فوق السحاب.

باشر بعد ذلك في نزع ملابسه، وإستبدلها بأخرى مريحة ومناسبة.

وما إن إنتهى حتى وقف أمام النافذة فتلامح ظلام الليل الذي لم يبرح السماء بعد، إستدار بعد ذلك ونظر لإيرين النائمة بشكلٍ غير مريح، فتقدم نحوها وحملها بخفة قبل أن يضعها على سريره ويغطيها جيداً خوفاً عليها من البرد.

جلس مكانها وقد قُلب الوضع كلياً بينهما، فهي من تفترش السرير الآن وهو من يجلس بقربها ويراقبها.

زارته ومضاتٌ سريعة من صدمات الأمس، فقطب حاجبيه بتكدُّر، مجرد تفكيره بالأمر يجعله يتمنى لو لم يُولد أبداً!

ولكنه طرد تلك الأفكار بعيداً، فهذا واقعه وعليه تقبله بأي شكلٍ كان.

شعر بقلبه يأمر عيناه بإختلاس النظر إليها، فما كان منه إلا أن أطاعه دون نقاش.

تأمل سكونها وجمالها الذي يزداد يوماً بعد يوم، فلن يستطيع لا هو ولا غيره قول او رؤية غير ذلك.

تردد في البداية، ولكنه دنى إليها وفعل ما كان متعطّشاً له...اجل إنهما شفتيها.

طبع قبلةً خفيفة عليهما، ثم إبتعد حتى يُكمل تأمله لحُسن خلقها.

انه يشفق عليها كثيراً رغم حبه الشديد لها، فما كُشِف اليوم لن يكون بالسّار لها...وهو لم يعلم أيضاً بأنها قد إكتشفت كل شيء بالفعل.

تنهد بثقل وهو مغمض العينين، ثم فتحهما من جديد ليكمل تأملها الذي بات هوايته المفضلة مؤخراً.

- كنتِ ومازلتِ وستبقي من أروع ما أدخله القدر الى عالمي..أعشقكِ الى الأبد يا من سرقتِ قلبي.
نطق كلماته العاشقة بحب، فإبتسم من كان على وشك الدخول لسماعه هذا الكلام قبل أن ينسحب تاركاً له المكان وحده.

اما عن العاشق الذي لم يزحزح عيناه عن معشوقته أبداً، فهاهو ذا يستقيم ليجلب دفتراً وقلماً حتى يرسم هذه اللوحة ويحتفظ بها لنفسه الى حين إشتياقه لجمالها
وهي نائمة.

وأثناء رسمه لتفاصيلها، أُعجِب بلطافة ملامحها التي تمزج الحدة والطفولية تحت مسمى الأنوثة الخالصة.

فلم يكن أنيسه في تلك الليلة عدى عيناه الهائمة بها وقلبه الناطق بإسمها.

_________________________

أشرقت الشمس وحل الصباح، فأُستبدلت أصوات الذئاب في تلك الغابة بزقزقة العصافير الجميلة.

لم تشعر ايرين بنفسها وهي تنام حتى العاشرة صباحاً، فإستيقظت بينما تفرك عيناها وتحاول تمييز ما حولها.

وجدت نفسها في سريره بينما هو غير موجود، فرسمت التعجب والحيرة على محياها قبل أن تستقيم وتمد ذراعيها بتكسّل.

فتحت باب الغرفة وأطلّت برأسها، ولكن ما من أحدٍ في الرواق! لذا سارت بخطواتها باحثةً عنه بنوعٍ من القلق.

أكملت سيرها نحو الأسفل، فإستنشقت رائحة طعامٍ ما من المطبخ.

وما إن دخلته حتى وجدته يقلي البيض!

- صباح الخير!
نطقتها بنوعٍ من التعحب بينما تضيّق عيناها، فإستدار نحوها وإبتسم.
- صباح الخير...تعالي، لقد أعددت الإفطار لكلينا.

إختتم جملته بوضعه للبيض في الصحن ثم على الطاولة، اما هي فقد رمشت عيناها وجلست كما طلب.

- هل انت بخير؟!
سألته بينما تنظر لوجهه، إذ أنها إستشعرت غرابة مزاجه رغم ما حدث بالأمس، لكنه أجابها بإعتيادية:
- اجل...شكراً على إعتنائكِ بي.

- كلا لا أقصد هذا! أعني هل أنت بخير بعد ما حدث بالأمس؟! أرى أنّ حالتك قد تحسنت بالفعل!
كلماتها هذه جعلت ملامحه ترتخي فوراً، فقال بهدوء بينما يركِّز على صحنه:
- ماذا سأفعل برأيكِ؟ لقد حدث ما حدث ولن أستطيع منع هذا...إنه واقعي وحياتي ويجب أن أتقبل مرارتها، ولكنني لا أريد العودة الى المنزل خلال هذه الفترة حتى أرتب أفكاري.

- أُقدِّرُ شعورك بالفعل، ولكن ألا تظنُّ بأنّ قرارك هذا خاطئ؟! ما ذنبُ البقية إن كُنت غاضباً من أبيك؟
كما ويجب أن تعلم بأنه يعاني الآن وهو في المستشفى!
عاتبته، فنظر إليها عند نطقها لأخر جملة بعينان تحاكيان القلق رغم محاولته لإخفائه، وقد عادت هي لتكمل:
- لقد تعرّض لهبوط في ضغط الدم بسبب ما حدث، وهذا أدّى الى فقدانه للوعي، ورغم أنّ الأطباء لا يشيدون بخطورة حالته، إلا انهم لا يعلمون بموعد إستيقاظه، فأنا لم أسمع أي شيءٍ من بعد قدومي الى هنا.

صمت ولم ينطق بحرف، إذ أنه قد أدار وجهه مرةً أخرى نحو صحنه، لكنها ضيقت عيناها وتحدثت من جديد:
- لا تتصرف بهذا الشكل تايهيونغ!
لا ذنب لوالدك في موت خالتي، ولن تستطيع تغيير هذه الحقيقة مهما فعلت! يجب أن تذهب وتطمأن عليه، كما وأنّ الجميع قلقون عليك منذ الأمس...لا تكن أنانياً أرجوك!

أغمض عيناه بوهن وظل يفكر...قلبه لا يزال جريحاً ومتحسراً على والدته الراحلة، بالإضافةِ الى حقيقة كونه لقيط! هو يثور غضباً كلما تذكر ذلك!

- لا أعلم...كان بإمكانه قول الحقيقة منذ البداية، وليس التكتم وجعل كل من حوله يبدون كالأغبياء!

- مالذي لا تعلمه؟! كدنا نموت قلقاً عليك وانت تقول لا أعلم! أدرك كم أنّ الأمر صعبٌ ويحتاج شخصاً قوياً ليجتازه، وانا لم أعهدك ضعيفاً من قبل تايهيونغ!
لا تجعل هذا الأمر يؤثر عليك، فهأنا قد إكتشفت بأن والدي ليس هو من قتل أمي وبأنه السيد يونغجاي بحد ذاته، ومالذي حصل لي؟! تقبلت الأمر حتى لا تتوقف حياتي.
عاتبته من جديد، إلا انه قد وسّع عيناه بتفاجؤ للحقيقة الأخيرة.
- هل السيد يونغجاي والدك حقاً؟!

- اجل...رأيت؟ لقد صُدمت انت أيضاً بهذا، ولكن هل تغير شيء؟! كلا...لم يتغير شيء! لهذا أخبرك بأن كل ما يحدث وكل ما سيحدث هو قصةٌ كتبها لنا القدر دون أن يكون لنا السلطة او القدرة على تغييرها.
كلامها أقنعه نوعاً ما، فهمهم وإلتزم الصمت.

لاحظت هي توتر الأجواء حولهما، لذا سألته بينما تجوب بعيناها أرجاء المكان:
- أين تايمين؟!

- لقد أرسلته لجلب بعض الأشياء.

- انه لطيف...لم أكن أتوقع هذا، فقد ظننته كالروبوتات في البداية!
علّقت برأيها، فإبتسم بخفة...هي محقة، انه هادئ وقليل الكلام.

- كيف حال أمي ريونغ؟
سألها بقلقٍ عن الأخرى، فطأطأت ايرين برأسها قبل أن تزم شفتيها وتجيب:
- كانت مشوشة ومصدومة...كانت كالجثةِ الهامدة!
آخر ما أعلمه هو إعتناء جين بها هي ولورا جيداً، اما الباقي فلا فكرة لي عنه، فأنا قد أغلقت هاتفي ولم أفتحه منذ الأمس.

تبيّن لها حزنه من نظراته، فهذه المرأة هي من وهبته حنان الأم الذي فقده، وهي التي ربته كإبنها ومن دون أن تشعره بالنقص في أي شيء، كما ولها الفضل الأكبر في جعله على ما هو عليه الآن...هو شاكرٌ لها ولن ينسى ما فعلته لأجله طيلة حياته.

قلق على أخته أيضاً، والتى وبلا شك ستكونُ مكتئبة الآن!

- لا تحزن، على الأقل إكتشفنا الحقيقة الكاملة وبتنا نعرف كل شيء...ألا يعجبك كوني إبنة خالتك؟
حاولت تحسين مزاجه مع مزحتها بينما تنكز ذراعه وتبتسم بمرح، فأمال شفتيه بخفة قبل أن يناظرها ويجيب:
- بالطبع...الأمر مثيرٌ للإهتمام.

أظهرت له أسنانها في إبتسامة ساحرة جعلته يذوب أمامها ويبتسم لوحده.

- إذاً...هل وافقت على الذهاب؟
سألته من جديد، فأجبها بسؤالٍ إدّعى فيه عدم فهمه بينما يأكل وينظر الى صحنه:
- الى أين؟

- الى والدك.

أطلق تنهيدةً منزعجة، إلا انها عبست بلطف وشابكت أناملها برجاء.
- هيا تايهيونغ! انت لن ترفض طلبي صحيح؟

- آه...حسناً.
أجابها بعد أن رمش بنفاذ صبر...هو لا يريد رؤيته الآن!

صفقت ايرين بسعادة وإبتسمت كالأطفال...على الأقل سيفعل هذا من أجلها، كما فعلت هي الكثير من أجله، وأهمها هو قدرتها على منحه أجمل شعور لمجرد رؤيتها تبتسم.

إنتهيا من تناول الإفطار، فذهب هو للإستحمام وتبديل ملابسه إستعداداً للخروج، اما هي فقد بقيت تنتظره بالأسفل.

جلست على درج الردهة الخشبية وتأملت الحديقة الصغيرة التي تحيط بالمنزل بينما تصنع بالوناتٍ بالعلكة التي وجدتها في المطبخ.

لمحت دخول سيارةٍ ما، وقد كان تايمين.

نزل وهو يحمل أكياساً ما، فخمنت بأنه كان في البقالة، وقد كان تخمينها في محله.

- صباح الخير.
ألقى عليها تحية الصباح، فلوحت له بينما تبتسم.
- صباح الخير تايمين.

إبتسم داخلياً لعفويتها، وسرعان ما وضع الأكياس بالداخل وعاد إليها.

لا يعلم لما يرتاح لهذه الفتاة، ولكنه يطمئِن إليها كثيراً لصفاء قلبها المرتسم على محياها، لذا تقدم وجلس بقربها، وقد كانت أول فتاةٍ يفعل هذا معها ويحادثها بأكثر من جملتين أيضاً!

- أين السيد تايهيونغ؟
سألها ما إن جلس بقربها، فأجابته بينما تؤرجح قدميها وتنظر للأمام:
- انه يستحم...سنذهب لزيارة والده بعد قليل.

رفع تايمين حاجباه بذهول، فهذه الفتاة مميزة بحق، لقد إستطاعت إقناعه وبكل سهولة رغم كل ما حدث!

ولكن ما إن تذكر كلام الآخر ليلة البارحة حتى إبتسم بخفة وفهم سبب موافقته...فمن الواضح انها تستحوذ على تفكيره كلياً.

- جيد.
هذا كل ما نطق به، وسرعان ما تخلل مسامعهما صوت تايهيونغ الذي قال:
- تايمين هل عدت؟

- اجل.

- حسنا...نحن سنذهب الى المستشفى، وانت يمكنك أخذ قسطٍ من الراحة هنا.
خاطبه تايهيونغ بينما يتجه نحو سيارته ويرتدي نظاراته الشمسية وايرين خلفه بالفعل.

- حسنا سيدي، شكرا لك.

صعد تايهيونغ سيارته رفقة ايرين التي سألته بينما تقطب حاجبيها:
- هل انت من تجبره على قول كلمة سيدي؟

- في البداية كان يقولها وكنت لا أبالي بهذا بما انه جديد، ولكن حينما إعتدت عليه وبات قريباً مني طلبت منه عدم قولها، ولكنه عنيدٌ ولا يرضى، او ربما ينسى...لا أعلم.
أجابها وهو يدير المقود ويخرج من البوابة نحو الطريق الترابي والمحصور بين الأشجار الشاهقة.

راقبته من الجانب وهو يقود، وكل ما كانت تردده في عقلها هو أنّ لها إبن خالةٍ وسيم بشكلٍ خطير، خاصةً مع هذه النظارات!

- هل أبدو وسيماً الى هذا الحد؟
سألها بينما يبتسم ويركِّز على الطريق أمامه.

توقع أن تخجل او ان تتلعثم كالعادة، ولكنها فاقت كل توقعاته بقولها وبنبرةٍ عاديةٍ أيضاً:
- اجل انت كذلك...كما وكنت أبحث عن الشبه الذي بينك وبين خالتي.

وسّع عيناه بذهول وبشكلٍ طفيف من خلف نظاراته على ردودها التي باتت غير متوقعة مؤخراً، ثم إبتسم بخفة وتسائل مجدداً:
- وهل وجدتِه؟

- كلا...انت لا تشبهها كثيراً، ولكنك تشبه عمي جينهو أكثر، أعتقد بأنك أكثر من يشبهه من بين إخوتك.
أجابته ببساطة وهي تنظر للطريق مثله، فأرخى ملامحه لتذكر سيره أبيه والذي سيقابله بعد قليل ولا يعرف كيف! فنيران غضبه لم تخمد بعد!

- يبدو انك لن تعود الى القصر او بيت المزرعة في الوقت الراهن؟!
سألته بعد صمت متهكنةً بذلك، فقال مؤكداً لها:
- اجل...أريد فترة نقاهة حتى أصفي ذهني من مشاكل الحياة.

بوزت شفتيها بعبوس...هذا يعني انها لن تراه لفترة.

شعرت بالإستياء لذلك...هي لا تستطيع البقاء بعيدةً عنه لنصف يوم، هذا ما إستنتجته بعد جوابه، لذا قالت دون تفكير:
- سأبقى معك إذاً.

عقدت حاجبيها بعد جملتها الغبية هذه، لكنه إبتسم بخفة وقال:
- أهلاً وسهلاً بكِ...على الأقل سأجد أنيساً لطيفاً.

إبتسمت بإتساع، فهو لم يسخر منها، لذا فوجهتها الجديدة هي بيت الغابة...كما وتسائلت عن كم لهذه العائلة من بيوت؟!

وصلا بعد مدة الى المستشفى، ترجل تايهيونغ من السيارة وأبقى على نظاراته التي تزيد من وسامته أضعاف الأضعاف، وايرين برفقته طبعاً.

أمسكت ذراعه وشدت عليها بقوة قبل أن تُعلق نظراتها على وجهه وتبتسم بهدوء.
- دع الأمور تمر بسلاسة...حسناً؟

نظر إليها للحظات، ثم أومأ لها، لينطلقا بخطواتهما نحو الداخل.

هي تعرف مكان الغرفة بالفعل، لذا إكتفى باللحاق بها هذه المرة.

وما كادا يصلانِ إليها فإذا بشخصٍ غير محببٍ إليه يخرج منها برفقة مرافقه.

إبتسم ذاك الشخص بجانبية قبل أن يتقدم نحو الذي توقف مكانه بينما يقبض يديه بتهكم.

- واو...يالها من صدفةٍ جميلة! ظننتك لن تأتي!
نطق بها جيبوم مع إبتسامة مستفزة ونظراتٍ ثابتة، تحركت فقط عندما لمح التي بجانبه.
- ايرين! مرحباً يا فتاة، لم أركِ منذ مدة، كيف حالكِ؟
مدّ يده بنيّةِ مصافحتها، فإبتسمت هي بخفة وقد أوشكت على مد يدها ومصافحته هي الأخرى لولا وضع تايهيونغ لذراعه أمامها بمنع ودفعِه لها بخفة حتى تقف خلفه، وقد قطبت حاجبيها لفعلته هذه...ما شأنها بالنهاية!

هي لا تمتلك أي عداواةٍ مع جيبوم، لذا لا يفترض به إقحامها في مشاكله.

أمال جيبوم فكه السفلي قليلاً مع رفعه لحاجبه بينما ذراعه لا تزال ممدودة.

رمش عدة مرات قبل أن ينزلها ببطئ وينقل نظراته نحو الواقف بثبات وتحدي أمامه.
- يبدو أنّ غيرتك من النوع المتملك!

أقطبت ايرين حاجبيها.

- لا شأن لك.
أجابه تايهيونغ ببرودٍ لم يسبق لإيرين رؤيته من قبل، فإبتسم جيبوم بإصفرار وقال:
- على كل حال أتيت لزيارة والدك والقيام بالواجب نحوه، كما وجلبت هديةً لطيفة معي من أجله، وقد أحبها كثيراً.
حاول بكلماته هذه إغاظة تايهيونغ، ولكن حتى ولو نجح في ذلك فالآخر لن يتنازل ويظهر له ذلك أبداً.

- شكرا لك.
قالها بملامح جامدة ونظراتٍ غير مفسرة تختبئ خلف نظّاراته بنية إستفزازه.

- العفو...أوليس هذا واجب الأصدقاء تايهيونغ؟
شدد جيبوم على نطقه لإسم الآخر، فإبتسم تايهيونغ بسخرية.
- لا أعلم بصفتك ماذا ولكنني لا أعتبرها بصفة الأصدقاء!

صمت للحظاتٍ، ثم أضاف:
- والآن...أفسح لي المجال قليلاً، فلدي أمورٌ أهم من تفاهات الأطفال هذه!

قبض جيبوم كفيه بحقد محاولاً تمالك أعصابه، ثم دنى نحو الآخر وهمس قرب أذنه بصوتٍ خافت قبل أن يتجاوزه مغادراً:
- صدقني...ستندم أشد الندم على كلامك هذا، فأنت من سيعترف بهذا يوماً ما وأمامي أيضاً.

- حقاً! لا مشكلة لدي، سأخبرك قبلها بمدة حتى تخصص لي دقيقة من وقتك الثمين وترى فيها ندمي...هل هذا جيد؟
إدعى اللامبالاة مع إبتسامة ساخرة يليها محاوطته لكفِّ ايرين وسحبها للّحاق به حتى يثبت للآخر انها ملكه وحده.

حدق جيبوم بيديهما المتشابكة وبعينان تشعّان حقداً ووعيداً...هو لن يتراجع أبداً، وقد أعلن الحرب عليه!

تعجبت ايرين من فعلته هذه، لتنظر لكفيهما اللذان أُفلتتا من قِبله بعد أن فتح باب غرفة أبيه.

لمحا لورا الجالسة وجيمين بقربها وكذلك جين وايونها التي تبتسم وتحاول تغيير مزاج السيد جينهو المكتئب بينما تعدل باقة الزهور التي جلبها جيبوم معه.

وما إن لمح المعني بالزيارة طيف إبنه الواقف عند الباب، حتى لمعت عيناه ببريقٍ متلهّف ومتوتر في ذات الوقت.

كما وأنّ تفاجؤ الجميع من حوله لم يكن أقل قدراً بعد غيابه ليومٍ كامل دون أن يسمعوا عنه شيئاً...وخصوصاً انه يبدو بحالٍ جيدة! لا بل ممتازة أيضاً!

- بني...
أخرج والده هذه الكلمة بصوتٍ متحشرج إثر صمته الطويل، فنزع تايهيونغ نظّاراته وقال بهدوء:
- هل تشعر بالتحسن؟
سؤاله هذا جعل والده يحتار، فقد توقع أن يتشاجر معه مرة أخرى او يرمي إليه بكلامٍ جارح!

- اجل...كيف حالك انت اليوم، هل يدك بخير؟
سأله والده بدوره...كان الوضع بينهما كما لو انهما غريبيْن!

إبتسمت ايرين بخفة نظراً لأخذه نصيحتها في عين الإعتبار وجعل الأمر طبيعياً رغم أنّ نظراته ساكنة.

- إنها بخير.

شعر الجميع انه من المفترض تركهما بمفردهما قليلاً حتى يحلّا مشاكلهما بهدوء، فإستقاموا جميعاً وخرجوا.

- تعال وإجلس.
ربت له والده على مكان جلوس إيونها قبل قليل، والذي يكون قرب سريره، فإمتثل الآخر إليه رغم إجتياح الغضب لكل خلاياه مع القليل من الشفقة على حاله...فهو بالنهاية والده.

- في الواقع أردت أن...
فهم أنّ والده سيبدأ بتبرير موقفه، لذا قاطعه قائلاً بجدية:
- ألا تعتقد أنّ التبرير لن يجدي نفعاً الآن؟!
على كل حال...أردت أن أفهم سبب إخفائك لهذا عن الجميع! وانت من سيخبرني بهذا الآن.
نظر لأبيه بشكلٍ مباشر، فأغمض الآخر عيناه وتنهد قبل أن يلفظ جوابه:
- أخبرتك فيما سبق عن كل ما حدث بالفعل، ولكن كيف برأيك ستكون ردة فعل والدة إخوتك على هذا؟!

- انها والدتي أيضاً أبي.
صحح له حتى لا يتلفظ بها مجدداً، فأضاف الآخر من جديد:
- هل تظن بأن الأمر كان ليسعدها إن علِمت؟ أعلم بأنني المُخطأ هنا، ولكنني لم أشأ تخريب عائلتي بسبب طيشي، لذا قررت إصلاح الأمور وإختلقت تلك الكذبة، أما انت فلم أتمكن من قول ذات الكذبة إليك وأخبرك بأنك إبنٌ متبني رغم انك ابني الحقيقي بالفعل!
صدقني بني...لم يكن لدي خيارٌ آخر حينها، ولكن هانذا أدفع الثمن غالياً، فوالدتك قد تشاجرت معي وذهبت وتركتني وحيداً ولن ألومها أبداً!
اما شقيقاك فأعلم بأن أمر تشتت العائلة الذي حدث الآن يحزنهما كثيراً.
آه...آمل فقط أن تسامحني، فيكفيني ما حدث حتى الآن، الأمر بات أشبه بالموت البطيء!

كان تايهيونغ يصغي لكل كلمةٍ يقولها والده بهدوء، الى أن انهى كلامه، فظل صامتاً للحظات ثم قال وهو ينظر نحو النافذة حيث السماء الصافية:
- لقد عانيت كثيراً بالأمس حتى كدتُ أُجن!
وقد فكرت بالأمر مليًّا قبل أن آتي إليك، وقررت أن أبدأ صفحةً جديدة وحياةً جديدة، ولكن بعيدةٌ عن الجميع لفترة...على الأقل حتى أجمع شُتات نفسي وأتقبل الأمر بعيداً عن ضجة الحياة.
اما بالنسبة لأمي ريونغ، فلا تقلق بشأنها، فأنا من سيحل المشكلة وسأصلح كل شيء.

تحدث بصوتٍ رزين بينما لا يزالُ يحدق نحو النافذة، وعند آخر حديثه صوّب نظراته نحو أبيه الذي إبتسم بإنكسار وعينانِ لامعتان.
- بني...أتمنى أن تكون قد سامحتني من أعماق قلبك، لأنه إن لم يكن كذلك فلن يرتاح ضميري أبداً.

لانت ملامح تايهيونغ في تلك اللحظة مع إمالة خفيفة لشفتيه في إبتسامة هادئة قبل أن يضع كفه فوق كفِّ والده وينطق بما أعاد إحياء قلب الآخر:
- لا تقلق ابي...انا أسامحك، ومن أعماق قلبي أيضاً.

ومن بعد هذه الكلمات هربت دمعتيْنِ صادقتيْن من مقلتي والده الذي يبتسم بإمتنان تجاهه، ثم وضع كفه الثاني فوق كفّ إبنه ليحتويه ويربت عليه بشكر.
- شكراً لك تايهيونغ...شكراً لك بني.

حل الصمت بينهما للحظاتٍ وجيزة الى أن تسائل تايهيونغ بنظراتٍ مستفهمة:
- كيف عرفت أنّ ايرين هي إبنة خالتي؟

________________________

وفي رواق المستشفى، كان البقية جالسون على المقاعد في الرواق بينما يطرحون الأسئلة اللامتناهية على ايرين، إبتداءاً من طريقتها في إيجاد تايهيونغ الى إقناعها له بالمجيء لوالده بعد كل ما حدث.

وهي لم تتردد في إخبارهم بكل شيء عدا الجزء الذي أُصيب فيه بالحمى بفضل جلوسه في الماء البارد...هي لا تريد إقلاقهم عليه اكثر.

- شكرا لكِ ايرين...انا ممتنٌّ لكِ على كل ما فعلتيه من أجله.
شكرها جين معبراً عن ذلك بحضنٍ خفيف، كما وفعلت لورا المثل، فهي قد ساعدت شقيقهما وإنتشلته من دوامة حزنه.

وحتى بعد علمهما بأنه شقيقهما من الأب فقط، إلا أنّ هذا لم يقلل من ترابطهم كإخوة، فبالنهاية لم تفشل والدتهم وكذلك والدهم بتنمية المحبة في وجدانهم وتربيتهم تحت شعار العائلة المتماسكة.

سمعوا بعد لحظات صوت فتح الباب، يليه خروج تايهيونغ بملامح مرتاحة، فإبتسمت ايرين نحوه بفخر لفهمها انه قد حلَّ الخلاف وتصرف بعقلانية...إنها تحب هذا الجانب المتريث والرزين من شخصيته، والتي باتت تتعلق بها يوماً بعد يوم.

وكذلك البقية فهموا نتائج الحوار بالداخل، فإكتفوا بالإبتسام.

وقبل مغادرته هو وايرين لم يسلم من تذمرات لورا وتعلقها برقبته كالكوالا مدّعية انها منزعجةٌ من إختفائه بالأمس وجعلهم يقلقون عليه، فما كان امامه سوى تهدأتها بإخبارها أن تطلب ما تريد وهو سيجلبه لها...انه الحل الوحيد لإرضائها.

وهي لم تقصر في حقه! فقد طلبت أن يشتري لها الكثير والكثير من الملابس والأحذية كذلك الحقائب من علاماتها التجارية المفضلة.

فما كان أمامه إلا أن قهقه على إنتهازيتها وشقاوتها قبل أن يبعثر شعرها ويهمهم بالموافقة.

وقبل أن يغادر أخيراً وقف بالقرب من جين وهمس له قرب أذنه بنبرةٍ موصية:
- فلتعتني جيداً بأبي وكذلك امي ولورا، فأنا ذاهبٌ لمنزل المزرعة الآن حتى أحل مشكلة امي وابي، ثم سأذهب للبقاء لفترة في منزل الغابة.

- وانا أيضاً.
همست ايرين قربهما بإبتسامة مرحة، فضحكا عليها سوياً.

هز جين رأسه وإبتسم بإتساع، قبل أن يربت على كتف شقيقه الأصغر.
- لا تقلق.

غادرا بعد ذلك وقد كانت وجهتهما هي بيت المزرعة، حيث سيذهب لرؤية والدته التي لن ينكر العالم بأسره كم يحبها ويقدّس حضنها الذي إحتواه في مهده.

اما عن ايرين، فهي ستأخذ بعضاً من ثيابها ومستلزماتها التي ستحتاجها طوال فترة مكوثها برفقته.

ركن سيارته وسط تلك الساحة المحاطة بالأشجار الخضراء الجميلة والزهور بكافة ألوانها وأمام منزلهم الريفي الكبير.

دخلا ولكن كلٌ منهما قد سار في إتجاه...هو بحثاً عن والدته، وهي حتى تجهز أغراضها فلعلها تجد وقتاً لرؤية والدها الذي لم تشبع حنينها إليه بعد قبل أن يغادرا.

لمح تايهيونغ السيدة شين في طريقه، والتي أتت مسرعةً نحوه وإحتضنته بينما تتفقده بقلق.

- سيدي الصغير، هل أنت بخير.

إبتسم بحنية نحوها بينما يربت على يديها مطمئناً إياها:
- لا تقلقي...هانذا بخيرٍ أمامكِ.

رسمت بدورها إبتسامة تظهر ما خلّفه الزمان على محياها الحاني والذي يشعُّ طيبةً ونقاء.

هذه المرأة تواجدت معه منذ نعومة أظافره هو وأخويْه، لذا فهي بمثامة أمٌّ حنونٍ لهم.

قصرهم بمن فيه من خدمٍ وعائلة لم يتوقف عن إغداقهم بالحنان منذ أن أبصرت أعينهم الحياة...لهذا هم يبنون علاقة الجميع دون إستثناء على انهم أسرةٌ واحدة ومترابطة.

- سيدة شين...أين أمي؟
سألها بعد لحظات وهو يبحث عنها بعينيه، فأجابته مشيرةً للأعلى:
- إنها في غرفتك.

قطب حاجبيه لإجابتها، لكنه أسرع في الذهاب إليها.

دخل فوجدها تجلس على سريره وتحدق بصورته وهو طفلٌ بعمر العشر سنوات بينما تبتسم بإنكسار وتمسح عليها بلطف.

لانت ملامحه بإبتسامة تماثل خاصتها قبل أن تدمع عيناه وينطق حروفه وسط حشرجة صوته...ولهذا السبب هو متعلقٌ بها وقلقٌ عليها، لأنها تحبه كما لو كان قطعةً من قلبها.

- أمي...

رفعت مقلتيها ما إن تردد صوته لمسامعها، فرسمت التفاجؤ على محياها قبل أن تضع صورته جانباً وتطلق العنان لدموعها المحبوسة بينما تستقيم.
- تـ...تاي!

فتحت ذراعيها بإبتسامة تتوسط دموعها المنسابة على وجنتيها دون توقف، فلم يجد نفسه إلا وهو يرتمي في حضنها الذي لن ينسى انه كان مئواه الدافئ حينما فقد والدته الحقيقية.

إحتضنها بقوة وأجهش بالبكاء، دفن رأسه في عنقها، وهي لم تكن أقل منه شوقاً.

فرغم انها لم تره ليومٍ واحد فقط، إلا أنّ ما حدث كان كفيلاً بجعلها تضمه وبقوةٍ بينما تبكي هي الأخرى مشفقةً على حاله.

تايهيونغ ليس من ذاك الصنف الذي قد يرضى بنزول دموعه لأي سبب بهذه السهولة، فرغم كونه يمتلكٌ جانباً حساساً ومرهفاً في شخصيته، إلا أنّ دموعه عزيزة وتأبى الظهور أمام أيٍّ كان!

ولكن هذه المرة إستثناء! هذه المرة كُسِرت قواعده بالكامل، فما حدث معه لم يكن ليتحمل كبريائه الذي يحمل جبالاً لا قمة لها، ولا قلبه الذي كان يطالب بتحرير كل ما يؤلمه دون قيود.

إستمر حضنهما لمدةٍ وجيزة أشبعت فيها هي إشتياقها لمن أحبته كإبنها وفلذة كبدها، وهو أيضاً.

إبتعدت عنه بدموعٍ لا تزال تغطي وجهها المُصفرْ، لتبدأ في تفقده بقلق الى أن تذكرت أمر يده فحملتها بسرعة حتى تراها، وقد لاحظت انها مضمضة بالفعل.

- تاي...هل يدك يخير؟

إبتسم بحنية ضد وجهها الباكي، وسرعان ما قال بما جعلها تبتسم بإمتنان:
- انها بخير...أرجوكِ لا تفعلي هذا! لا تتوقفِ عن قول كلمة بني لي، فأنا إبنكِ وانتِ أمي التي لن أنسى ما فعلته من أجلي ما دامت أنفاسي تخرج...لا أريد أن تغيري أي شيء بعد معرفتي بالحقيقة، فقط إبقي كما انتِ...أمي.

أعادته لحضنها من جديد بينما تبكي بفرح.

وبعد حين، إبتعد عنها وكفكف دموعها عن وجهها بلطف، ثم سحبها للجلوس بقربه على سريره.

- امي...أظن أنكِ على درايةٍ تامة بما حدث، أليس كذلك؟
سألها حتى يتأكد رغم معرفته بالأمر، فهمهمت له بينما تنتظر ما سيقول وهي تمسك كفيْه بين يديها الدافئتين وتناظره بعينيها اللامعتين.

- حسناً...أعلم أنّ ما إقترفه أبي في حقكِ ليس بالهيِّن، وأعلم أيضاً أنّ لا ذنب لكِ في كل ما حدث، فأنتِ كنتِ ضحيةً مثلي تماماً.
وأتفهّم كونكِ تحبينه وقد ظننته الزوج المخلص، ولكن ظنكِ قد خاب به الآن.
ضعي نفسكِ مكانه...لقد أحب فتاةً في صغره ولم يتمكن من الحصول عليها بفضل التفرقة الإجتماعية التي وقفت في وجهه بكل قسوة، صحيحٌ انه كان يجب عليه تناسي حبه هذا بعد زواجه وبنائه لأسرة، ولكن طيشه وصغر سنه حينها هو من أعمى بصيرته، فكل ما حدث في الماضي وما يحدث الآن هو خطةٌ رسمها القدر وما علينا سوى تقبلها مهما كانت مرارتها.
امي...والدي يحبك بالفعل، وانا متأكد وبشدة من هذا الأمر، فكيف لا يفعل وانت كنت سنداً له في كل شيء، وانت من وقفتي معه وبقيتِ بقربه في كل مصاعبه ولم تتركيه ولو لمرة.
انا لن أنسى نظراته المليئة بالحب والإحترام نحوكِ كلما حدق بكِ، قد لا تكونين لاحظتي هذا من قبل، ولكن في كل مرةٍ كنا نجلس فيها معاً كعائلة ألاحظ هذا، إنه يحبكِ بالفعل، فأنتِ زوجته ورفيقة دربه ووالدة أبنائه أيضاً...أرجوكِ أمي، لا تهجريه وتتركيه وحيداً.
أنتِ لم تري حجم ندمه الذي يكاد يقتله من بعد ما حصل، إنه نادمٌ وبشدة، ولا يريد من عائلته أن تنهار هكذا في رمشة عين!
إنه نادم على ما حدث في الماضي، وقد دفع ثمن ذلك حقاً، لكِ الحق في أن تتألمي وتحزني وتلوميه أيضاً، ولكن أرجوكِ لا تهدمي سقف عائلتكِ.
ألا يكفيك ندمه الكبير؟..أتوسلكِ أمي، سامحيه من أجلنا...من أجلنا نحن أبنائكِ.
توسلها بنبرةٍ خافتة وراجية، لكنها كانت تحدق بعيناه تحت مسمى الصمت والسكون.

هي أنثى بالنهاية، وجرحٌ عميقٌ كهذا لن يسهل ترميمه!

- انا لا أريد تخريب أسرتي بالفعل، ولكن ما حدث يجعلني أبدو كالحمقاء طيلة السبعةِ والعشرين سنة التي قضيتها من عمري برفقته!

- أعلم هذا...وسأعيدها للمرة الألف أمي، هو نادمٌ أشد الندم ويريد إصلاح أخطائه بأي ثمن.

صمتت لبرهة محدقةً للأسفل بنظراتٍ تائهة، هي لا تريد ان تتشتت عائلتها بهذه البساطة، ولكنها ستشفي غليلها بعدم لقائه لعدة أيام على الأقل...هي لم تزره بعد ولم تسأل عنه حتى!

- تاي...لن أرفض طلبك هذا مبدئياً، حسنا؟
ولكن دعني أفكر في الأمر جيداً، على الأقل حتى أردّ إعتباري وأتأكد من ذلك.

همهم لها في صمت، فهو لا يريد أن يضغط عليها كثيراً، بل سيتركها لتفكر جيداً وتتخذ قرارها والذي تأكد من انه سيكون الأنسب.

أغلق سيرة هذا الموضوع وإستبدلها بأحاديث مختلفة رفقتها حتى يحسّن مزاجها الذي كان من الواضح انه متقلب.

وفي مثل هذه الأثناء كانت ايرين قد جهّزت أغراضها بالفعل ووضعتهم بقرب سيارة تايهيونغ، وهاهيذا تجلس قرب والدها الذي إتضح لها انه صاحب شخصيةٍ مرحة وودودة للغاية...هي لا تعرفه من قبل، فهذه الأحاديث ستكون بمثابة فرصةٍ حتى تكتشفه أكثر.

باتت تحس أنّ لها من يحميها الآن، رغم أنّ عائلة كيم لم تقصر معها في اي شيء، ولكن شعور أن تجد أحداً من أفراد أسرتك هو بمثابة برِّ الأمان.

كانت تجلس بقربه بينما يصقل حذوة أحد الأحصنة، ولم تكفّ عن سؤاله أبداً.

- أبي...كيف تعرفت على أمي؟
لطالما دار هذا السؤال في عقلها، وهاهيذا تجد من يجيبها، فقال لها بعد أن توقف وناظر الفراغ للحظات بينما يبتسم:
- كانت والدتكِ تعمل في متجرٍ للزهور، وكنت أمر يومياً من أمامه أثناء ذهابي إلى العمل، فكنت أجدها تعدل الأزهار وتصنع الباقات للزبائن بوجهٍ بشوش ومشرق، كما وكنت أتسائل كيف لزهرةٍ مثلها أن تجلس وسط الزهور وتبدو أكثر جمالاً منها!..لفتت إنتباهي، ولكن لم أتجرأ على الإقتراب منها، والدتكِ كانت جميلة للغاية!
وفي أحد المرات وتحديداً في فصل الصيف، مررت من أمام المتجر، فوجدتها تجلس على إحدى الدرجات بينما تبرّد وجهها المحمر إثر سخونة الجو، ترددت في الإقتراب منها، ولكنني عزمت على فعل ذلك فيما بعد.
إدّعيت انني زبونٌ يود شراء بعض الأزهار الحمراء، وعندما وقفت امام كاشير التخليص، وضعت لها وردةً ممن إشتريتهم وأرفقتها بورقة تحتوي على رقمي وإسمي وكذلك بعض كلمات الغزل.
لم أكن اتوقع أن تتصل بي، وقد كان توقعي في محله، ولكنني لم أكتفي او أستسلم حتى واجهتها وإعترفت لها بإعجابي، لقد كان ذلك اليوم حاراً جداً، ولن أنسى انني إصطحبتها لتناول المثلجات في موعدنا الأول بفضل حرارة الطقس حينها...والدتك كانت جميلةً مثلك تماماً ايرين.

كانت ايرين تسند وجنتها بمشط يدها بينما تبتسم بهيام لمجرد تخيلها للطافة الأمر، ثم تأملت إبتسامة والدها الصادقة آخر حديثه، ولكن سرعان ما فترت ملامحها عند تذكرها لشيءٍ ما، فلم تتردد في طرح سؤالها ولكن بخفوت:
- ولكن...مالذي قادك الى شرب الكحول بإفراط؟!
هل كنت مدمناً عليه قبل تعرفك عليها؟

سكنت ملامحه فجأة، ولكنه فكر في أنّ من حق إبنته معرفة كل شيء...هو سيخبرها بالحقيقة ولا شيء غيرها بعد الآن.
- كلا لم أكن مدمناً عليه، أدمنته بعد الزواج.
حدثت لي الكثير من المشاكل حينها بدايةً من فصلي وإقصائي من العمل.
كنت بحاجةٍ ماسّة الى المال والعمل حينها لأنني بتُّ متزوجاً ويجب أن أهتم بزوجتي، ولكنني لم أجد، كما وتعرضت لسوء فهم مع عصابةٍ تجوب في المدينة، فلم أسلم من ملاحقاتهم لي، ناهيكِ عن مصادفتي لرجلٍ حينها كان سكّيراً وانا كنت بحاجة لشيءٍ ينسيني همي، ولكنني كنت غبياً وسلكت هذا الطريق.
لم أجد أي عمل بفضل ملاحقات تلك العصابة لي ومضايقتهم لحياتي، والأسوء من هذا انني لم أجد ما أعيل به والدتك التي إكتشفت انها حاملٌ بكِ بعد مدة، كنت أعود إليها كل ليلة وانا ثملٌ بعد مقابلة عملٍ فاشلة، وكانت تؤنبني على ذلك وتبكي، ولكنني كنت أضربها فحسب لعجزي أمامها، ثم أستيقظ صباحاً لأقبّل جبينها وأخرج للبحث عن عملٍ جديد وقلبي يؤلمني على ما فعلته بها.
سائت الأوضاع بيني وبينها كثيراً، وباتت مشاكلنا تأخذ القسط الأكبر من يومياتنا.
الى أن هربت من المنزل في أحد الأيام تاركةً خلفها رسالةً تطلب فيها الطلاق مني...بقيت وحيداً وجُنّ جنوني حينها، ظللت أتوسلها، ولكنها في كل مرةٍ تسامحني فيها أعود إليها ثملاً من جديد وأعنفها رغم قرب ولادتها، فلم يكن هناك خيارٌ آخر لديها سوى تركي مجدداً والإصرار بجد على الطلاق خوفاً على نفسها وطفلها الذي سيبصر الحياة قريباً.
لم أكن أريد ذلك، فبهذا سأُحرمُ من طفلي ومنها هي أيضاً، فرغم كل هذا كنت أحبها حد الجنون! كنت مجنوناً بها!
هجرتني وبقيت وحيداً مجدداً، فكان هذا الحافز الأول لإزدياد حالتي سوءاً بأضعاف الأضعاف، وفي أحد الأيام سمعت بأنها قد أنجبت، ولكنني لم أتمكن من رؤيتها او رؤية طفلي الذي علمت بأنه فتاة!
كدت أقتل نفسي، ولم أتمكن من إصلاح أي شيء.
وبعد مرور شهرٍ ونصف تقريباً أتت الى المنزل بعد أن أخبرها أحد الجيران اني لست موجوداً حتى تأخذ آخر أغراضها وتستقر رغم اني لم أُطلّقها بعد!
ولكنني عدت فجأة وانا ثمل فتشاجرنا وإحتد الأمر بيننا، ولكنني لم أتذكر اي شيء الى أن إستفقت ووجدت الشرطة تحيطني وتحيط المنزل بينما دماؤها تملأ المكان بقربي، فأدركت حينها انني إرتكبت خطأً فادحاً ولن يُغفر لي مهما فعلت، ولكن بالنهاية ظهرت برائتي ولم أكن الفاعل رغم إمضائي لعشرين سنة من عمري في السجن دون فائدة، ولكن الشيء الوحيد الجيد انني إمتلكت الوقت الكافي حتى أفكر وأصلح نفسي وأعزم على البحث عنكِ ما إن أخرج.
زوّرت هويتي حتى يتم قبولي في اي عمل لأكوّن نفسي، ثم بدأت البحث عنكِ، ولكن كل ما علِمته هو أنّ جدتكِ قد توفيت، وانتِ قد إنتقلت الى العاصمة، ولكن يالدهاء القدر!
جمعكِ بي دون أن أعلم تحت سقف هذه العائلة..انا شاكرٌ لهم على ما فعلوه من أجلكِ، ولن أنسى معروفهم هذا رغم ما فعله جدهم بوالدتكِ، ولكنني سأنسى طالما انه ندم قبل موته وإعترف بكل شيء...انا لن أحقد على أي أحد بعد الآن، ومع العلم انني إكتشفت هويتكِ في تلك الليلة التي وجدتكِ بها في الإسطبل وانت حزينة، لكنني لم أشأ أن أُفصح لكِ عن هذا ظناً مني انكِ ستنفرين مني ولن تتقبلي وجودي...فكما تعلمين كنت لا أزال على حقيقة انني انا المجرم حينها.

حدقت بوالدها، ورسمت إبتسامة جميلة على ثغرها ذكرته بإبتسامة زوجته الراحلة قبل أن تنهض وتحتضنه بحب.
- ابي...أعدك بأنني لن أتركك بعد الآن، أحبك.

قبّل فروة رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال بخفوت:
- وانا لن أترككِ أبداً غاليتي.

كان تايهيونغ يقف على بعدٍ منهما بينما يراقب هذا المشهد اللطيف بينها وبين والدها ويبتسم بصدق وبسعادة على إيجادها لما تمنّت...سعادته تكمن في رؤيتها سعيدة وتضحك.

إقترب بعد أن لاحظ فصلهما للعناق حتى لا يفسد أي شيء، وما إن وقف بقربهما حتى قال:
- مرحباً عمي سانغهيون.

ناداه بإسمه الحقيقي، فإبتسم الآخر وحيّاه بدوره:
- اوه تايهيونغ...مرحباً بك.

أحنى تايهيونغ رأسه قليلاً كنوعٍ من الترحيب قبل أن يخاطب ايرين المبتسمة:
- هيا بنا ايرين

- الى أين؟
تسائل والدها بتعجب، فأجابته بخجل:
- في الواقع، سنذهب انا وتايهيونغ الى منزل الغابة، وسنمكث فيه لعدة أيام.

لمح والدها تورد وجنتيها وكذلك نظراتها نحو إبن خالتها والذي إبتسم ما إن فهِم مغزاها.
- حسناً يا مخادعة، لقد أخبرتِني قبل قليل انكِ لن تتركيني مجددا!
أنّبها بمزاح فضحكت عليه رفقة الواقف بقربها.
- كلا ابي...انا لن أغيب دهراً!
كما وسأتصل بك كل يوم وسآتي لرؤيتكِ إن سنحت لي الفرصة.

همهم لها بينما يبتسم، فذهبت لإحتضانه قبل مغادرتها...هي متحمسة لقضاء وقتٍ منفرد مع تايهيونغ.

كما وتأْمَلُ أن تُحسّن من نفسيته خلال هذه الفترة.

______________________

- حبيبتي...لما تبدين شارذة؟!
تسائل جونغكوك بعد ملاحظته لهدوء هيري وتحديقها بالفراغ طويلاً.

- كنت أفكّر في ايرين وتايهيونغ.
أجابته بينما تنهض وتجلس بقربه على الأريكة، لتسند رأسها على كتفه وهو يشاهد التلفاز.

رفع يده ومسح على شعرها بحب قبل أن يمسك وجهها ويديره بإتجاهه حتى يتسنّى له رؤيته بوضوح بينما يبتسم بهدوء.

- لا تقلقِ...لقد إتصل بي تايهيونغ قبل قليل وطمأنني على نفسه وكذلك ايرين، لقد كانت برفقته طوال الوقت وستظل معه بمفردها.

قطبت حاجبيها لعدم فهمها آخر جملة، فسألته بتعجب امام وجهه الباسم:
- مالذي تعنيه بستظل معه وبمفردها؟!

قهقه جونغكوك بينما يدير جسده حتى يقابلها ويشرح لها:
- بالأمس ذهب تايهيونغ الى منزل الغابة ووجدته ايرين وبقيت معه، أخبرني الآن انه سيعود للبقاء فيه لعدة أيام بعيداً عن عائلته، وايرين ستكون برفقته.

لم تزل هيري عُقدة حاجبيها لغرابة ما يحدث، ولكن قبلة جونغكوك المفاجئة والسريعة على شفتيها جعلتها تستفيق!

- هااي يالك من إنتهازي!
أنّبته بينما توسع عينيها، فضحك أكثر ونقر جبينها.
- ما كنت أقصده هو أنّ ايرين وتايهيونغ سيفعلان ما نفعله عمّا قريب.

حدقت نحوه بغباء في البداية، الى أن تفاجئت ووضعت كفها على ثغرها الذي فغرته حتى كاد يلامس الأرض.
- ماذا تقصد؟! هل تعني انهما...

لم تكد تنهي ما توقعته فإذا به يبعد كفها ويقبلها من جديد.

- وسيفعلان ما فعلته بكِ الآن كثيراً.

صفعت كتفه بإنزعاج لإنتهازه أتفه الفرص حتى يقبلها...بدأت تدرك انّ هرموناته مهتاجة في الآونة الأخيرة!

- ولكن هل أخبرك هو انه يحبها او شيء من هذا القبيل؟!

- هيري...لم أعهدك غبيةً من قبل!
ألم تلاحظي نظراتهما العاشقة لبعضهما البعض؟!
أولم تلاحظي أيضاً إهتمام صديقتكِ به وكذلك هو! لا أعلم ما بال عقلك!

نقر جبينها مرةً أخرى، لكنها تغاضت عن الأمر وأمالت رأسها بسؤالٍ آخر:
- لا يوجد أي أحدٍ قد لاحظ هذا غيرك! كيف هذا؟!

- لأنني وببساطة أفهم ما يدور بعقل تايهيونغ دون أن يتحدث حتى!..هو لا يهتم بالنساء كثيراً، ولكن منذ أن أتت ايرين قُلِب كل شيء!
لم أرى هذا الجانب من شخصيته منذ وقتٍ طويل، كما وأنّ إهتمامه الزائد والملحوظ بها كان كفيلاً بشرح كل شيء...بربكِ هيري! ألم تري كيف يحدج كل من يقترب منها بشكلٍ مفرط! انا أعني الرجال وعلى وجه الخصوص انا والرفاق! نظراته تطلق ليزراً قاتلاً وفتاكاً!
بوّزت شفتيها بتخمين قبل أن تجيبه، وكم بدت له حركتها ظريفة مما قاده للإبتسام على شكلها.
- أظن انه معك حق...إنهما مناسبان لبعضهما كثيراً.
صفقت بحماس آخر حديثها كالمجنونة، ما جعله يبعثر شعرها البنّي ويقهقه.

- اجل...رجلٌ بشخصيةٍ قوية وكريزما ملفتة، مع فتاةٍ أنعم من الحرير وأطيب من الطيبة نفسها.

وصفهما وكم نسج في خياله آلاف الصور لهما سوياً وكم سيبدوان لطيفيْنِ معاً.

أنزل نظراته نحو هيري التي تبتسم بشروذ، وحملها كما لو انها من دون وزن.

وضعها بين ساقيه المتباعدان، ثم إحتضنها بإحكام.
- إبقي هكذا ولا تتحركِ...فإن تحركتِ لن أضمن لكِ عدم إنجابي لطفلٍ قبل أن أتزوجكِ حتى!

جحظت عيناها لفهمها ما يرمي إليه، لذا أدارت رأسها لتقابله وهو يضحك بخبث.

- عزيزتي...انت تثيرينني بتحركاتكِ العشوائيةِ هذه! إجلسي بهدوء وتذكري انكِ قابعةٌ بين ساقاي بينما ترتدين كنزتي القصيرة...صدقيني، الوضع ملائمٌ من جميع النواحي.

ولأول مرةٍ يرى خجلها بوضوح!
فهي لم تتذمر منه او تحاول ضربه كالسابق! بل إكتفى وجهها بالتصبغ باللون الأحمر القاني وهي تديره للأمام وتلتزم الصمت، فربت على شعرها مبتسماً ببلاهة.
- فتاةٌ جيدة.
وإختتمها بقبلةٍ خفيفة على عنقها جعلتها تتجمد من الخجل...انه لا ينوي على خيرٍ مطلقاً!

فحركاته هذه تبعثرها وبشدة...وهو يعلم بهذا جيداً ويفعله حتى يستمتع.

_____________________

وصلت ايرين وتايهيونغ الى منزل الغابة بالفعل، فوجدا تايمين الذي قرر الإنصراف بما أنّ لا حاجة له الآن، وأخبرهما انه سيأتي إن كان تايهيونغ يحتاج شيئاً ما...وكذلك حتى يمنحهما فرصةً للإنفراد بنفسيْهما.

دخلت برفقته الى المطبخ بعد أن غادر تايمين، فوجدت أنّ الأكياس التي جلبها هذا الصباح لا تزال فوق الطاولة.

شرعت في ترتيبها بينما تبحث عن أماكنها الصحيحة، وتايهيونغ يفتش الأكياس بحثاً عن شيءٍ ما.

- يبدو انه لم يجلب كل الأشياء!
تحدث بعد أن لاحظ نقصان بعض الأغراض، فلربما ذهب تايمين الى أقرب متجرٍ صغير بقرب مكان هذا المنزل المعزول نسبياً عن المدينة.

شدت كلماته إنتباه ايرين، والتي أطلقت 'همم؟!' متسائلة.

عاد للتحدث بينما يرى الساعة في هاتفه:
- سأذهب لشراء بعض الأشياء من السوق، هل تودين مرافقتي؟

همهمت له دون تردد.

- إذاً هيا بنا...لا نريد التأخر.

لحقت به سريعاً وإرتدت معطفها وحقيبة ظهرها قبل أن ينطلقا نحو المدينة.

ركن سيارته في مرآب المتجر الكبير، ثم دخل برفقتها بينما يدفع عربة التسوق.

- بما انكِ ستمكثين معي، خذي ما ترينه مناسباً وما سنحتاجه، فأنا لا أعلم ما تحبين وثلاجة المنزل تكاد تكون فارغة! لقد وضعت آخر الأشياء عند الإفطار بالفعل.
خاطبها بينما يسير بمحاذاتها، فرفعت نظرها نحو وجهه بما أنّ فارق الطول بينهما شاسع...هي تميل لأن تكون قصيرة وضئيلة البنية، وهو ذو قامةٍ فارعة وجسدٍ ينبض بالرجولة.

أومأت له ثم إبتسمت بخفة...لوهلةٍ راودها شعور انهما زوجيْن خارجيْنِ للتّبضع من أجل البيت والأطفال، انه شعورٌ لطيف جعل من قلبها يرفرف.

هي لم تعلم من قبل بأنها مغرمةٌ به الى هذا الحد!

كانت تلحق به بين ممرات السوق الواسعة بينما ترى ما ستشتريه وتتفقده بعناية...النساء جميعاً هكذا.

وأثناء إنشغالها بتفقد الخضار والفواكه، لمح هو الفراولة!
فلمعت عيناه حباً وسار نحوها تاركاً ايرين خلفه.

أخذ منها الكثير والكثير كما لو انه سيطعم الجيران برفقته!

ولكنه مستعدٌ لإنهائها ولوحده أيضاً...لا مشكلة لديه! هو يعشق هذه الفاكهة كثيراً.

رفعت ايرين رأسها وإستدارت حتى تضع الطماطم في عربة التسوق، ولكنها لم تجده بقربها!

لذا تعجبت وبحثت عنه بناظريها الى أن لمحته يحمل صندوقاً كبيراً من الفراولة، فزادت من عُقدة حاجبيها.

- ما كل هذا تاي؟!
سألته بنبرةٍ يتخللها التفاجؤ لهذه الكمية الكبيرة من الفراولة، والتي وضعها للتو في عربة التسوق.

- انها فراولة.

- أرى هذا جيداً، ولكن لما كل هذا الكم منها؟!

- انا أحبها كثيراً، لذا لا تقلقي من فكرة انها ستفسد قبل أن أتناولها كلّها...سأقضي عليها في غضون ثلاثة أيام.
أجابها ببساطة، فرفعت حاجبيها بدهشة ثم همهمت بإبتسامة خفيفة.

- يبدو انك قد ورثت حبك للفراولة من جدتي!

قهقه عليها بخفة، ثم نطق بنبرةٍ يشوبها بعض الإستياء:
- تمنيت لو رأيتها لمرةٍ واحدة، انتِ محظوظة ايرين.

ربتت على كتفه بهدوء، وقالت بينما تصنع وجهاً لطيفاً كان من شأنه أن يحول مزاجه الى الأفضل في ثوانٍ ويرسم إبتسامة صادقة على شفتيه:
- لا بأس تايهيونغي...بما انك تعشق الفراولة الى هذا الحد، فما رأيك أن نخصص يوماً لنذهب فيه الى بستان الفراولة في بوسان؟

تفادى كل ما قالته، وركز على كلمةٍ واحدة بينما يقهقه وينظر إليها.
- تايهيونغي؟ لقد أعجبتني.

قرص وجنتها، فسمعا أصوتاً لطيفة في الجوار!

وما كانت تلك الأصوات سوى لبضعة عجائز يقفون على بُعد مترين تقريباً منهما، بينما يُشرن نحوهما بظرافة وإنسجام لما يفعلانه.

رمش تايهيونغ عدة مرات قبل أن يتحمحم ويتمتم لإيرين بتساؤل:
- لماذا أشعر بأنهن يظناننا ثنائياً؟

وما كاد ينهي جملته فإلا بأولئك العجائز يسرعن نحوهما بينما إحداهن نكزت كتف تايهيونغ بخفة وقالت بلطافة:
- انتما لطيفيْن سوياً...بني، حافظ عليها جيداً ولا تتركها، حسناً؟
وبكلامها هذا أكدت صحة ما تمتم به.

إبتسم بتوتر، ثم دعك رقبته بإحراج.
- ولكن يا جدة نحن...

- انه لطيفٌ معي حقاً، شكرا لكِ جدتي.
قاطعته ايرين بينما تتشبث بذراعه وتبتسم بلطف نحو تلك العجوز مع إحنائةٍ خفيفة كنوعٍ من الشكر.

فغر فاهه وكذلك إعترته الدهشة، كما كان على وشك الإستفسار عما يحدث ولكن أولئك العجائز قد غادرن بالفعل بينما يقهقهن بلطافة على ظرافتهما سوياً.

وهذا كان أفضل حتى يفهم ما فعلت.

- مالذي تفعلينه ايرين؟!
سألها بينما يضيق عينيه وينظر إليها.

أفلتت ذراعه ما إن تأكدت من إختفاء وفد العجائز ذاك، ثم أجابته ببساطة:
- فعلت هذا حتى لا نعلق معهن في أحاديثٍ لا طائل لها...العجائز كثيرات الكلام بحق!
بوزت شفتيها ووسعت عينيها كما لو انها تقول حقيقةً علمية مثيرة للإهتمام.

وقد صنع نفس ملامحها دون أن يشعر وهو يناظرها بتمعن...كانا لطيفيْن بحق.

ظل شارذاً بها مع ذات تعابيره، الى أن قهقهت منتشلةً إياه من تأمله لوجهها.

- هيا بنا سنتأخر.

رمش عينيه ليهز رأسه حتى يستعيد وعيه الذي أضاعه بين ملاحها الناعمة...لقد أحب تلك العجوز لأنها جعلت ايرين تمسك ذراعه بهذا الشكل، وهو سيستغل هذا لصالحه بما أنّ العجائز لم يغادرن المتجر بعد!

سار برفقتها بينما يقود العربة وهي من تتبضع بعناية، الى ٦ان لمح العجائز مرةٌ أخرى، فسحبها من خصرها دون سابقِ إنذار ما أدى إلى تفاجؤها.

ألصقها بصدره مع نظرةٍ ساحرة، اما هي فقد بادلته بنظراتٍ مندهشة وغير مدركة لما يحدث بينما تضع يديها على صدره العريض.

وقبل أن تتسائل هسهس لها بصوتٍ خافت جذّاب جعل عقلها يتوقف:
- إنهن العجائز مرة أخرى...يجب أن تتحملي عواقب كذبتكِ.

إختتم جملته بتمريرة خفيفة على خصلات شعرها وهو يلفها حول أصابعه بنعومة، بالإضافة الى نظراته المثيرة.

إبتلعت ريقها ورمشت بإرتباك، كما وقد أقسمت انه لولا إمساكه لها لكانت إفترشت الأرض منذ زمن.

تحمحمت بتوتر قبل أن تشيح بعينيها نحو العجائز، فوجدت انهن قد إختفين مجدداً، لذا حفاظاً على سلامتها الأمنية إبتعدت عنه بخفة ونطقت بهمسٍ وخجل:
- لقد رحلنَ من هنا.

عادت للسير مجدداً بينما تبرّد وجهها الذي يحترق من الخجل بواسطة تحريك كفيها كالمروحة.

اما هو، فقد إبتسم بجانبية على ما سببه لها من خجلٍ وتوتر قبل أن يتوقف لتوقفها المفاجئ.

- انظر تاي، أليس ذاك إعلانٌ عن تخفيضاتٍ في سعر المخلل؟!
أشارت نحو لوحة إعلاناتٍ ضخمة تتوسط المتجر، فأومأ لها.

- فلنشتري القليل منها، انه لذيذٌ مع السلطة.
سحبته من ذراعه نحو مكان المخلل وقد أخذت منه بالفعل.

إنتهيا بعد مدةٍ، وقد دفع هو ثمن المشتريات ثم وضع الأكياس في العربة وخرج برفقتها نحو السيارة.

وضعا الأكياس في صندوق السيارة، ثم أعاد هو العربة الى مكانها، وأخيراً وصلا الى المنزل ولم يخلو حديثهما من المزاح والضحك طوال الطريق.

- أرى أنّ مزاجك قد تحسن كثيراً!
خاطبته بينما تحدق به مع إمالة خفيفة لشفتيها، فقهقه بصوته الثخين وطأطأ برأسه قليلاً.
- هذا بفضلكِ.

- جيد...على الأقل جعلتك تبتهج.

- كثيراً.
أوضح لها مدى تأثيرها على تحسن مزاجه بهذه الكلمة، ولكن كل ما تلقّاه منها هو ضحكةٌ خفيفة ورنّانة أطربت مسامعه حتى ذاب في ألحانها...كل شيءٍ بها فاتن! هذا كل ما تراود لذهنه.

وعند حلول المساء...

أعدت العشاء وتناولاه سوياً...إكتشف أنّ لها موهبةً كبيرة في الطبخ حقاً! وهذا ما زاد إعجابه بمهاراتها اللامتناهية في إتقان كل شيء.

وأخيراً تركها تذهب لغرفتها التي كانت شاغرة وبقرب غرفته أيضاً، وذلك بعد أن نظفا المطبخ سوياً، اما هو فقد خرج لجلب بعض الحطب من اجل التدفئة.

غيرت ملابسها وإرتدت منامتها المتلخصة في فستانٍ فضفاض يعلو ركبتيها...بدى كما لو انها اكبر من مقاسها بثلاثةِ أضعاف، لكنها بدت لطيفةً أيضاً بداخله.

لم تعلم اين سيجلسان تحديداً...هل في غرفته ام في غرفة المعيشة بالأسفل ام ماذا؟!

بوزت شفتيها قبل أن تخاطب نفسها بتمتمة خفيفة:
- سأسأله.

نزلت الدرج بحثاً عنه في الأرجاء، لكنها لم تجده، لذا خمنت انه لربما لم يعد بعد.

لذا ذهبت نحو المطبخ وفتحت الثلاجة لشرب الماء، ولكنها قابلت صندوق الفراولة الذي ملئ جزءً كبيراً منها، فإبتسمت بقلة حيلة.

لقد تنازل عن وضع الكثير من الأشياء في الثلاجة مقابل أن يضع صندوق فراولته الغالية.

فكرت في أخذ القليل منها حتى يتناولانه الآن، لذا ملأت صحناً متوسطاً وجلست به على درج المنزل بإنتظار قدومه.

لم تتمكن من مقاومة شكل الفراولة، والتي تبدو لذيذة للغاية، لذا حشرت واحدةً كبيرة في فمها.

وفي لحظتها دخل تايهيونغ وهو يحمل الحطب، فلمح شكلها اللطيف والمتلخص في وجنتيها الممتلئتين بالفراولة وتحديقاتها البريئة به.

ودّ لو يتناولها هي بدل الفراولة!

لم يسعه سوى القهقهة على مظهرها الظريف قبل أن تقف هي ما إن رأته.

زادت إبتسامته إتساعاً عندما رأى فستانها الكبير والقصير وكيف تبدو به...انها كالدمية تماماً.

- أحياناً أشك في أنك طفلة!
خاطبها ولا يزال يضحك، بيد أنه تخطاها ليصعد الدرج.

لحقت به وهي تمضغ الفراولة وتبتلعها، وكذلك تحمل الصحن في حضنها.

- لما؟!
سألته فور أن إبتلعت الفراولة، وقد كانا في غرفته بالفعل.

- لأنك تشبهينهم في كل شيءٍ تقريباً.
أجابها بينما يضع الحطب ويوقد النار به، وما إن إنتهى حتى نفض يديه ودخل الحمام ليغسلهم.

خرج فوجدها تجلس على الأريكة القابعة أمام المدفئة بينما تتناول المزيد من الفراولة.

- هااي ستنهينها علي!
تذمر ممازحاً إياها بينما يجلس بمحاذاتها ويأخذ حبة فراولة ليأكلها.

تناولا الفراولة برفقة الصمت الذي كان ثالثهما لمدةٍ لا بأس بها.

الى أن نطقت هي...

- تاي...أخبرني القليل حول معرفتك بالنساء.
سألته بعد مدةٍ من التحديق بنار المدفأة التي تأكل الحطب دون رحمة، فتعجب لطلبها هذا، ولكنه سيجيب فحسب:
- لست خبيراً بما أنّ كافة تجاربي بائت بالفشل...ولكنني أعلم أنّ الأنثى تشبه البحر تماماً!
جميلةٌ في مظهرها...وجحيمٌ عند غضبها...وغامضةٌ في أعماقها، أليس كذلك؟

همهمت له فكلامه صحيح، ولكن ما شدّ إنتباهها هو:
- هل تعني من جملتك أنّ كافة تجاربك بائت بالفشل هو انك قد جرّبت المواعدة من قبل او أحببت فتاةً ما؟
تلهف قلبها لإجابته رغم أنها كانت على دراية تامة بكل شيء، حتى قلبها باتت تحرقه نار الغيرة في صمت!

- اجل...مرة واحدة فقط!
كانت عندما كنت في المرحلة الثانوية، لقد أحببت فتاةً حينها ثم إكتشفت انها كانت تستغلني!
لذا لم أفكر بالدخول في علاقة او فتح قلبي مرة أخرى حتى لا أتألم أكثر...كانت تجربةً سيئة!

نظرت نحوه بهدوء بدل لهيب النار أمامها مع قلبها الذي إشتعل ألماً كحال المدفئة...فقد إستشفّت انه لا يفكر في الحب مطلقاً الآن!

ولكنه أشفى غليلها وروى ظمأ قلبها المتعطش له ما إن أنبس بعد صمتٍ وجيز، وقد وقعت نظراته العاشقة نحو عينيها اللامعتين كالنجوم.
- ولكنني قررت فتحه من جدبد!
قررت فتحه للمرأة التي أذابت الجليد من حوله وتمكنت من سرقته دون إذنٍ مني!
للمرأة التي أناظرها للتو، ايرين...ذوبيني، أنثريني، وإجمعيني، وأملكيني وإجعليني كل شيء...انت يا من عشقتكٍ وبتّي أكسجيني ونبض قلبي وكل ما أملك.
إمنحيني حبّكِ جوليانتي...إمنحيني إياه.

أفصح لها عما يخالجه تجاهها هذه المرة دون أي خوف...يكفيه ألماً بحبه السجين لوحده!

شعر انه الوقت المناسبة لوضع الحد الفاصل!..إما أن تقبل به فيجعلها ملكة هذا الكون، او ترفضه فيمسى جريحاً كما حاله في الماضي...وحينها، سيغلق أبواب قلبه ولن يمنحه أي فرصةٍ لعشق إمرأة أخرى.

هو يريدها ويريد تملكها لنفسه...يريد ضمها لحضنه كل ليلة وإستنشاق عبيرها المُسكِر الى أن يغفو على صوت دقات قلبها المنشدة لأجله...يريد تقبيلها حتى الموت دون أن يشبع...يريد إحتوائها في قلبه الذي بات ينبض بجنون كلما رآها...وأخيراً، يريد حبها الذي أرهقه كثيراً وجعله على شفى حفرةٍ من الجنون!

يريدها، وقد باتت أقصى أحلامه...

●•●•●•●•●•●•●•●•●•●

#يتبع...

- رأيكم بالبارت؟

- كلمة لتايهيونغ؟

- كلمة لإيرين؟

- كلمة لجين؟

- كلمة للورا؟

- كلمة لجيمين؟

- كلمة لجونغكوك؟

- كلمة لهيري؟

- كلمة للسيد جينهو؟

- كلمة للسيدة ريونغ؟

- كلمة للسيد سانغهيون (يونغجاي)؟

- كلمة لجيبوم؟

- كلمة لإيونها؟

- كلمة لتايمين؟

- نسبة حماسكم للبارت الجاي؟

- شو اكثر جزئية عجبتكم بالبارت؟

يا جماعة خبروني وش رأيكم بمومنتات التايرين، ترا انا عن نفسي خقيت😭

احسني شرشبيل وانا اوقف البارت على هيك لقطة😈

عموماً...رح انزل بارت الأسئلة تبع الشخصيات اليوم، رح تلاقونه بعد هاد البارت على طول.

وياريت تجهزوا أسئلتكم وتسألوهم لأني ما بدي أسويه ع الفاضي.

سو فيكم تسألوا اي شخصية اكثر من مرة عادي، بس طبعا اسئلة الحرق ما رح جاوب عليها عشان ما افسد الاحداث😁

وفضلا وليس امرا حاولوا تكتبوا الاسئلة باللغة العربية الفصحى.

اعتقد اني رح انشر بارت الاجوبة يوم الاثنين او الثلاثاء مدري، بس المهم ما رح اتجاوزهم.

وهاد الفراولة عاشق الفراولة:

نجي الحين لفقرة التشويقات...

*عنوان البارت الجاي: ملامح السعادة.

*المقتطفات التشويقية:~

- إن كان ما أخوضه الآن حُلُماً...فأرجوكِ لا توقظيني.

~

- ملف القضية قد أُغلِق منذ يومين نظراً لعدم وجود أي أدلّة أو أقوال جديدة.

~

- أهلا أهلا...صهرنا العزيز!

~

- لقد طلبت منها أن نخرج في موعد ونتناول العشاء الليلة.

~

- أيُّ نوعٍ من أنواع المتعة تقصد؟ مالذي تفعلانه بصدق؟!

~

- شرب الشاي من دونك كان مملاً...عزيزي.

~

- مالذي تخفيه خلف ظهرك؟

~

- سألقى حتفي بين يديه يوماً ما!

~

- آه هذا لطيف، انت مازلت محتفظاً بهذه الميدالية!

~

- آه كم إشتقت لهذه النسمات...وأخيراً عدتُ الى كوريا.

~

- لقد غادرت منذ أسبوع تقريباً.

~

- لا تتحرك ولا تتكلم وإلا دفعتك في النهر!

~

- حسناً كيم تايهيونغ...سنرى من سيفوز بها.

إكتبوا شو فهمتوا هون👇

طبعاً في شخصية جديدة رح تنضم للرواية في البارت الجديد ورح تحبوها كتير.

كمان جيبوا معكم مراوح وكل شي للتبريد عشان كمية الرومانسية والتصحر يلي بتستناكم في البارت القادم.

مع العلم انه مِكس بين اغلب الشخصيات.

باي باي مارسيلينز👋💜





See you next part...

Continue Reading

You'll Also Like

839 176 30
مشاعرٌ غريبة جرفتني لأكتبَ لكَ ثلاثونَ رسالةً تستهوي روحي، ربما لم أكن قادرةً على دفنِ تلكَ المشاعرِ فقررتُ إرسالها رغمَ كلِ ذلكَ البؤس الذي حاصرني أ...
41.7K 5.5K 45
" هذا ليس صف عادي ، إنما تجمع للشياطين " صف مكون من سبعة عشر طالب وطالبة ليس بإمكان أحد أن يسيطر عليهم ، فكيف ستكون يومياتهم ؟ bts , txt , stray kids...
34K 3.9K 20
-عندمـا تُصبح حياتـها تحت رحمـة شخصيـن: الأول أناني عـنيـد والـثاني قاتـل مـتسلسـل كاره للنسـاء. •ميـن يونغـي. •كيـم سـون. -أعلى التصنيفات:- 1#- نفسـ...
171K 14.8K 22
مِنَ المُخجِلِ أَنّ نَفسَ الشّخصِ الذِي كُنتُ أَمقُتُهُ لِسَنَوَاتٍ عَدِيدَة يَنَامُ فِي حُضنِي كُلّ لَيلَة. كيم تايهيونغ × مين سانا . جميع حقوق الرو...