سنمّار درع لينور

tofy701 által

84.8K 7.6K 9.6K

.. "اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية" .. نشرت في يوم الثلاثاء : الموافق : ٢٦ يونيو ٢٠١٨م ١٢ شوال ١٤٣٩هـ انته... Több

【 المقدمة 】
【 الفصل الأول 】
【 الفصل الثاني 】
【 الفصل الثالث 】
【 الفصل الرابع 】
【 الفصل الخامس 】
【 الفصل السادس 】
【 الفصل السابع 】
【 الفصل الثامن 】
【 الفصل التاسع 】
【 الفصل العاشر 】
【 الفصل الحادي عشر 】
【 الفصل الثاني عشر 】
【 الفصل الثالث عشر 】
【 الفصل الرابع عشر 】
【 الفصل الخامس عشر 】
【 الفصل السادس عشر 】
【 الفصل السابع عشر 】
【 الفصل الثامن عشر 】
【 الفصل التاسع عشر 】
【 الفصل العشرون 】
【 الفصل الواحد و العشرون 】
【 الفصل الثاني و العشرون 】
【 الفصل الثالث و العشرون 】
【 الفصل الرابع و العشرون 】
【 الفصل الخامس و العشرون 】
【 الفصل السادس و العشرون 】
【 ملاحظة 】
【 الفصل السابع و العشرون 】
【 الفصل الثامن و العشرون 】
【 الفصل التاسع و العشرون 】
【 الفصل الثلاثون 】
【 الفصل الواحد و الثلاثون 】
【 الفصل الثاني و الثلاثون 】
【 الفصل الثالث و الثلاثون 】
【 الفصل الرابع و الثلاثون 】
【 الفصل الخامس و الثلاثون 】
【 الفصل السادس و الثلاثون 】
【 الفصل الثامن و الثلاثون 】
【 الفصل التاسع و الثلاثون 】
【 الخاتمة 】
【 أسوة ٢٠١٩ 】

【 الفصل السابع و الثلاثون 】

1K 143 138
tofy701 által

【 الفصل السابع و الثلاثون 】

خائف.

*************

أمام باب غرفته الكبير المصنوع من الخشب الأصيل و الذي يفوق طولها مرتين تقف بثبات يعاكس شعورها الداخلي المليء بالفوضى و الاضطراب.

تم ترك من معها في غرفة خاصة لاستقبالهم سامحين لها وحدها بالدخول إلى القصر مع إحدى الخادمات التي اصطحبتها إلى غرفته.

ازدردت ريقها ببطء و سحبت نفسا عميقا في محاولة منها لتهدئة عقلها ... و من ثم استجمعت قوتها طرقت الباب بيدها الرقيقة عدة طرقات.

لم يصلها أي رد أو صوت و ظنت أن طرقاتها لم تصله لذا قررت معاودة الطرق لكن صرير الباب و هو يُفْتَح منعها من ذلك و نظرت لمن قام بفتحه ... بشعره الفضي المتبعثر قليلا و عيناه الزمرديتان و يرتدي ثوبٌ حسنٌ لاستقبالها.

لم تسنح لها الفرصة لرؤية وجهه جيدا فقد قام بسحبها من ذراعها ليدخلها داخل الغرفة و مغلقا الباب و احتضنها بين ذراعيه بقوة شديدة.

اربكها تصرفه كثيرا و بشكل لا إرادي قامت بدفعه عنها في خجل : ابتعد يا ميرزا.

احكم احتضانها و هو يشعر بأنه لا يود مفارقتها و لا الإبتعاد عنها و إن كانت عدة سنتيمترات ... مضت فترة طويلة جدا منذ أن حُرم من رؤيتها ... قدومها كالحلم يود التشبث به بقوة خشية اختفاءه فجأة ... لقد اشتاق إليها بشدة ... و يرغب في احتضانها للأبد كي يعوض كل دقيقة قضاها بعيدا عنها.

شعرت بنوع من التخدر في أطرافها و لم تستطع مقاومته رغم أنها غاضبة منه فهي تحبه بعد كل شيء ... إنه الشخص الذي وهبته قلبها و كل ما تملكه من مشاعر ... لقد كان لها الصديق و الأخ و الحبيب أيضا ... هي تعرف يقينا مقدار حبها له و هذا ما يجعلها بالمقابل تغضب كثيرا من تصرفه.

دمعت عيناها رغما عنها و اترجفت ذقنها من الحنين إليه و ودت لو تغلق موضوع الحديث دون أن تعرف أي شيء لكنها حاولت التغلب على عاطفتها من الإنفجار و تحدثت بحزم زائف : ابتعد يا ميرزا و دعنا نتحدث !

رد عليها بصوت مكسور متألم يعبر باختصار عن حاله اليائسة : أرجوك يا لينور ... دعيني فقط أصدق أنك بخير و أنك أمامي هذه اللحظة !

ما قاله استثار ذاكرتها مع رجال العصابة و كل الأحداث التي وقعت في المدينة السياحية و كانت كلمة "بخير" قد استفزتها و أمدتها بقوة مكنتها من إبعاده عنها و هي تقول بنبرة جادة و حزينة : ميرزا لنتحدث حالا !

هنا استفاق قليلا من مشاعره التي كانت تسيطر على تصرفاته و تتحكم بها و علم أنه إن تمادى سيفسد ما تبقى بينهما فأمسك بيدها و سحبها خلفه ليجلسها على سريره الكبير الطريّ و يجلس مقابلا لها و نطق بهدوء و قد استعاد اتزانه بعد أن كان مغيبا بمشاعره : آسفة لأنني تصرفت بهذه الطريقة يا لينور ... لكن مشاعري اتجاهك يصعب السيطرة عليها ... فقد كنت أتلهف إلى رؤيتك منذ علمت بأمر قدومك.

نظرت إليه و إلى وجهه الذي فَقَدَ حُسْنَه و جماله بسبب الهالات السوداء أسفل عينيه و بشرته الجافة و قد بدى أضعف قليلا من السابق و بريق عينيه و حيويتهما يكادان ينطفئا.

أزاحت عينيها الزرقاوين عنه و بصوت مهزوز نطقت : أنت تعلم لماذا قدمت اليوم يا ميرزا ...

رد برزانة و لطف و هو يمسك بيدها : أعلم ... و سأخبرك بحقيقة كل شيء يا لينور ... و ستعرفين أن كل ما حصل مجرد سوء فهم ..

عظام يديه و مفاصلها باتت أكثر وضوحا أسفل جلده الأبيض و عروقه التي تبدو خضراء ترسم نفسها ببروز بسيط على ظاهر كفه ... و رغم ضعف كفه لكن دفئها و هو يمسك بيدها لا يزال على حاله و لم يتغير البتة.

اغرروقت عيناها بدموعها و أخذت ترمش عدة مرات لتمنعها من الهطول على وجنتيها و حاولت الحفاظ على نبرة صوتها الطبيعية قدر استطاعتها كابتة آثار البكاء التي شرعت في تسلق حنجرتها شيئا فشيئا مسببة غصة خانقة : إذن اشرح لي يا ميرزا ... اشرح لي سبب كل ما فعلته ... اشرح لي لماذا اتفقت مع عصابة لخطفي ... اشرح لي لماذا عينت آراش "درعا" لي بالضبط ... اشرح لي كل شيء و إياك و الكذب فإنني استطيع كشف الكذب مباشرة !

ردّ و هو يضغط على يدها برقة محاولا تهدئتها و بثّ الأمان في روحها المضطربة : لن اكذب يا لينور ... سأخبرك بكل شيء ... سأخبرك بالحقيقة و أقسم أنني لن اكذب في حرف منها.

هزّت رأسها بإيجاب و هي تعلم أنها ستصدقه و إن كذب عليها ... فيما أخذ نفسا عميقا و هو يحدق بيده التي تمسك بيدها و يمسح عليها بلطف مستخدما ابهامه و بدأ حديثه : في الحقيقة كل ما حصل بسبب أنني خائف عليك من الأمير بروسبيرو ... خشيت أن يقوم بإغوائك عند ذهابك إلى حفلته و تتخلين عني من أجله ... أجل لقد اتفقت مع عصابة لاختطافك لكن ذلك لتشويه سمعته ... و عيّنت آراش "درعا" لكِ خصيصا ليحميكِ منهم ..

رفعت بصرها نحوه و فعل هو الشيء نفسه لتتلاقي زمرديتاه بزرقاوتيها و بنظرات جادّة أكمل : لم يكن الغرض هو اختطافك أو إيذاءك يا لينور لكنني أردت إظهار حقيقة الأمير بروسبيرو المهملة لك ... وقّعت مع أفراد العصابة على عدة أوراق كإجراء روتيني بأنني سأمنحهم المال مقابل التمثيل باختطافك إلا أنهم تلاعبوا بورقتين و حرفوا عدة أسطر بين الكلام لم انتبه عليها و وقعت خطأ ... و لم أحسب حسابا أن رجال العصابة قد يقلبون ضدي و يخطفونك حقا.

أنهى جملته و أخذ يترقب ردة فعلها و يركز بصره على تقاسيم وجهها محاولا استكشاف أي شيء مما يجوب في خاطرها و هو يشعر نوعا ما بالراحة لكونه قد قال الحقيقة لها ... شعوره بالراحة كان بمثابة فأل خير له و لذا ظنّ أن الأفضل سيحدث فهو لم يتوقع أن ينشرح صدره بمجرد إخبارها.

من تلك الدموع الحبيسة في مقلتي عينيها هربت إحدى الدمعات من عينها اليسرى ببطء ... فاجأه ذلك و انتبه تلك اللحظة لكون عيناها تعكسان الخيبة في داخلها.

لم يتخيل أن تبدي ملامح كهذه و تحدث و الكلمات تتبعثر من رأسه : لينور ... أنا أحبك و ما حصل كان خطأً ... ألا تصدقين ذلك ؟ ... لم أكن أريد اختطافك و بيعك أو ..

انسابت بقية الدموع التي تساقطت لمرات لا تحصى منذ حادثة الإختطاف ... لقد تعبت من البكاء و تود إيجاد سبيل آخر للتعبير عن حزنها و ضيقها لكنها للأسف لم تجد ... فالدموع رغم مرارتها و ملوحتها قادرة على تهدئتها و جعلها تشعر بالراحة و لو قليلا.

و الآن دموعها اختلطت بالصدمة و الخيبة معا ... هو صادق في حديثه و يمكنها استشعار ذلك مباشرة ... لكن مبرراته كانت موجعة بالنسبة لها.

"الحقيقة دائما مرّة" و لعل هذه الحقيقة تندرج تحت هذا المثل و تنطبق عليه تماما.

سحبت يدها من قبضة يده و شرعت في مسح الدموع سريعا و هي تقول : ألهذه الدرجة لم تكن تثق بحبي لك يا ميرزا ؟ ... ألهذه الدرجة تظنني سطحية كي أتخلى عنك و اختار شخصا لم أقابله سوى لمرة واحدة ؟

ردها كان خارج حدود توقعه و هذا زاد من ارتباكه و توتره و أخذ يحاول التفكير في طريقة لتهدئتها و اخبارها أنها على خطأ و تحدث محاولا انقاذ الموقف : لينور اسمعيني ..

قاطعته بحدة : ألهذه الدرجة لم تخف عليّ من رجال العصابة ؟ ... تثق بهم و بأنهم سيعاونوك أكثر من ثقتك بي بعدم التخلي عنك ؟ ... أي منطق هذا يا ميرزا أجبني ؟

لم يكن لديه وقت للتفكير ... دموعها تزيد من توتره و حديثها يفقده أعصابه و لم يعد بمقدوره السيطرة عليها فاندفع بالكلام : كنت أشعر بالغيرة منه و ليس الأمر و كأنني لا أثق بك !

انفجرت في وجهه : كلاهما سيان يا ميرزا ! ... غيرتك منه تعني عدم ثقتك بي أبدا !

تشعر بالإنهيار من الخذلان الذي أصابها ... مكسورة و مجروحة هي هذه اللحظة ... قلبها موجوع و بشدة و تحس به يبكي أكثر منها ... ودت لو تسمع منه مبررات أكثر إقناعا ... لكن أملها خاب ... كانت تثق به ثقة عمياء و حتى لو أخبرها العالم أنه يخونها فهي مستعدة لتكذيب العالم برمته من أجله.

لكن هو على النقيض لم يثق بها و لو قليلا و رغب بإفساد سمعة أمير آخر خشية أن تتخلى عنه و تسحر بوسامته ... عاملها كما لو أنها لا تملك عقلا لتفكر به بل لابد له أن يتصرف هو لتوجيهها ... فضّل تركها في قبضة عصابة مجهولة و "درع" لا يعرف عنه أي شيء على أن يثق بها ... وثق بنفوذه و أمواله أكثر من شعورها ... وثق في الغرباء أكثر من حبها ... كيف لقلبه أن يطاوعه على فعل كل هذا كيف ؟؟

أراد الإمساك بيدها ثانيةً ليهدئ من روعها لكنها وقفت من على السرير مباشرة و أوقفت دموعها أمامه و تحدثت بنبرة جادة : سأذهب الآن يا ميرزا ... وداعا.

لا إنه ليس الوداع ! ... لا يمكنها أن تودعه بهذه البساطة ... لا يمكنها أن تتخلى عنه و تتركه غارقا في وحدته و ألمه ... لقد ضاع كل شيء من بين يديه حتى هذه اللحظة ... تم عزله عن منصبه و فقد مكانته و ثقته عند والديه و احترامهما ... فقد شهيته و فقد راحته و لم يعد يشعر بالسعادة مطلقا و ظلمات الكآبة تجره إلى أعماقها بقوة.

هي أمله الوحيد الذي ظل يتشبث فيه بيأس ... لا يريد أن يفقد أغلى و أثمن ما يملك ... إنها جوهرته الجميلة التي يريد الاحتفاظ بها و الحفاظ عليها للأبد ... لا يمكنها فعل ذلك به لا يمكنها أن تتخلى عنه هكذا !

بسرعة نهض خلفها و سار باتجاهها و أمسك بيدها ليمنعها من المغادرة و برجاء قال : لينور لا ترحلي ... حسنا لربما أكون اخطأت في حقك دون أن أدرك ... لكن اعلمي أنني أحبك كثيرا لذلك فعلت كل هذا ... امنحيني فرصة لأثبت لك ذلك و أعدك أنني سأفعل المستحيل من أجلك !

سحبت يدها بعنف و تمكنت من الإفلات منه و قالت في برود و انكسار : أنا عائدة إلى منزلي ... أشعر بالتعب !

و حالما أنهت جملتها أسرعت في خطواتها قدر الإمكان حتى لا يمسكها مرة أخرى و يمنعها من الرحيل ... و كان ينظر إليها و هي تبتعد و يشعر بأن مغادرتها للغرفة تعني مغادرتها للأبد من حياته ... ذلك الباب الموصد يمثل حياته و بمجرد خروجها منه سينتهي كل شيء !!

ودّ اللحاق بها ... بل لعله لحق بها بالفعل بسرعة ليدركها و كأنها حبل نجاته الوحيد من واقعه البائس لكنها أدارت قبضة الباب و خطت خطوتين خارج الغرفة ... و من سوء الحظ كانت الخادمة التي أوصلتها تقف بجواره بانتظارها ..

تحدث بصوت عالٍٍ لإيقافها : لينور !

تجاهلته الآنسة لينور و قالت للخادمة بهدوء محاولة ضبط أعصابها : لقد انتهى حديثنا.

فيما اندفع الأمير ميرزا إلى الباب و أنفاسه تتسارع ... تتسارع كما لو أنه ركض لأميال لا عدة خطوات من سريره إلى الباب ... بدى على ملامحه الخوف و أطرافه ترجف بخفة ... فهو خائف من الأعماق من فقدانها ... كخوف طفل وحيد من الظلام الموحش.

نطق بعشوائية و هو يحاول فقط إيقافها عن الذهاب : لينور إن غادرتِ ستندمين ... صدقيني ستندمين على تركي وحيدا !

حينما رأت الخادمة حاله هذه علمت أنه سيجن جنونه قريبا و ذلك ليس من صالح الآنسة لينور فقد يتصرف بشكل أخرق و متهور خصوصا و أنه لا يبدو بخير أبدا و بسرعة نادت على زميلاتها التي كنّ قريبات من المكان ... تم إمساكه و محاولة تهدئته فيما تولت إحداهنّ اصطحابها إلى الخارج.

كان يحادث الخادمات بشيء من العصبية و هو يحاول جاهدا الظهور كعاقل أمامهنّ و يقنعهنّ بأن يتركوه فلن يضرها بأي شكل و أنه هادئ للغاية و لكن الوقت نفد منه و خلال هذه الثواني اختفت من ناظريه تماما.

صمت في صدمة و هو لا يصدق أنها رحلت و اختفت هكذا ... و هذه المرة قرر التصرف بدلا من الجدال العقيم مع الخادمات هنا فدفع إحداهن و التي كانت تقف أمامه بقوة و مهما حاولنَ البقية إيقافه تمكن من التخلص منهنّ و أخذ يركض بكل ما لديه من طاقة محاولا اللحاق بها متخبطا في ركضه كما تتخبط روحه من هول ما حصل.

يأمل من قلبه أن يصل ... يدعو الإله أن يدركها ... أن يردعها عن الذهاب ... أن يخبرها بأنها كل ما تبقى لديه و أنه يحبها حبا جمًّا و يعشقها بكل تفاصيلها ... مستعد لفعل المستحيل للتكفير عن غلطته و سيفعل لها ما تريد ... و لكن لتبقى إلى جواره و تسنده وقت حاجته !

لم يدركها ... لم يصل في الوقت المناسب ... غادرت العربة مبتعدة عن المكان ... و غادرت السعادة حياته ... و منذ وقت طويل جدا لم يبكي بهذه الحرقة و لم يصرخ بألم بهذه الطريقة ... تداعى قلبه و انهار جسده و جثى على الأرض و عيناه لم تعودا تريان النور.

لقد انتهى كل شيء ... بغلطة واحدة و بسبب غيرة حمقاء و بتصرف استند عليها ضاع كل شيء من يده و تناثر في الهواء و تلاشى ... إنه الخاسر الأكبر في كل ما حصل ... خسر كل شيء ... خسر مثاليته و بريقه للأبد ... و خسر حب حياته التي أحبها منذ طفولته ... و بخسارتهما فهو سيخسر نفسه قريبا جدا.

*************

أخذت العربة تسير بسرعة شاقة طريقها و التوتر يملأ الجو تماما ... أتتهم الآنسة لينور و آثار البكاء واضحة على ملامحها المتورمة و المحمرة ... نظراتها كانت خاوية و منكسرة ... أسرعوا بركوب العربة و كان و صمتها ثقيل للغاية و يثير القلق و التوتر ... لم يعرف أحد كيف يحدثها و كل ما يمكنهم فعله لأجلها هو إعادتها إلى الڤيلا.

مائة سؤال و سؤال انطرح في مخيلة رِيْ و دُونْ و آراش ... و لم يتوقف عقلهم و لو للحظة عمّ حصل بينها و بين الأمير ميرزا ... و مهما حاولو تخيل حقيقة ما حدث لم يتمكنوا من ذلك.

كانت عودتهم لڤيلاتها كما لو أنهم وصلوا للبر بعد رحلة عصيبة بين أمواج البحر الهائجة ... فمشاعرهم كانت غير مستقرة و ذلك جعل دُونْ و رِيْ مشدودي الأعصاب و مشتتين عن القيادة ... خصوصا أن بعض الطرقات كانت وعرة إلى حد ما و تحتاج إلى التركيز.

فور وصولهم ترجلت الآنسة لينور من عربتها و سارت مع صمتها إلى الداخل متجهة نحو غرفتها دون أن تنبس ببنت شفه ... و الحيرة ملأت رؤوس الثلاثة خصوصا آراش ... هل يعقل أنها علمت أن الأمير ميرزا فعلا دبّر الاختطاف عن قصد و أن كل ما كتب في تلك الورقة المزينة بتوقيعه أسفلها صحيح ؟

لم يستطع اللحاق بها الآن ... لذا قرر تركها تهدأ لفترة و من ثم سيذهب لمحادثتها ليقتل الفضول الذي يساوره و الذي لن يرحمه لحظة واحدة.

*************

تائهة ؟ ... أجل هي تائهة جدا بين مجريات الأحداث و المنعطفات التي اخذتها الأقدار إليها فجأة ... دون أن تعلم لم تعد تفرق بين الصواب و الخطأ و ما عليها فعله و ما عليها تجنبه ... كل الموازيين في عقلها تبعثرت و امتزجت في عقلها تاركة إياها بين دوامات لا تنتهي من الحيرة و الضياع.

هل كان عليها التعامل مع الأمير ميرزا بهذه الطريقة الجافة ؟ ... لقد فعل كل ذلك لأنه يحبها كثيرا ... لأنه خشي أن يفقدها ... أليس من المفترض أن تقدر مشاعره هذه و تسامحه على خطئه ؟ ... لماذا تصرفت بأنانية بناء على مشاعرها البحتة ؟ ... لماذا بكت أمامه و تركته خلفها بهذه القسوة ؟ ... لماذا تحسست من القصة التي رواها لها و شعرت أنه لا يثق بها ؟

لربما لم تكن القضية هي "الثقة" و إنما متعلقة بـ"الخوف" أكثر من أي شيء آخر ... لربما كان خائفا للغاية من أن تتركه و لم يتصرف بطريقة صحيحة بسبب مشاعره ؟ ... كل تصرف تحكمه المشاعر يكون عشوائيا و يترتب عليه الكثير من الأخطاء و الندم ... و هذا ما حصل معه ... لقد كان نادما و بشدة ... لكن لحظتها لم تتمكن من التعاطف معه البتة ... لم يطاوعها قلبها على ذلك ... بل كل ما أحسته حينها هو خيبة الأمل ... و بالطبع لا تزال تشعر بنفس الإحساس نحوه !

تفكيرها متشتت مليء بالأفكار المتضادة المتضاربة فهي تشعر بالأسى عليه و الندم لما فعلته و مع ذلك تشعر أنها لم سامحته بعد و أنها لا تستطيع النظر إلى عينيه بعد !

صورته تتكرر في ذهنها باستمرار ... طفولتهما معا ... كيف كبرا و كبرت مشاعرهما برفقتهما ... ابتسامته و عبوسه ضحكاته و تذمره همسه و لمسة يده الحانية و حضنه الدافئ ... و أخيرا تظهر لها صورة وجهه الضعيف الذي رأته لليوم و تبديه بمظهر بائس للغاية.

تريد أن ترتاح ... لم تشعر بالراحة منذ حادثة الإختطاف ... التفكير المفرط بكل شيء يرهقها و يمتص كل حيويتها و نشاطها ... مشاعرها المتأججة و المتشاحنة تطرد النوم من عينيها و تزيد الهم همّا ليقتحمها القلق و يلفها من كل جانب و يسرق النوم من جفنيها.

تبللت وسادتها من دموعها كـ كل يوم ... فقد باتت الآنسة لينور منطوية على نفسها و ملازمة لغرفتها متحججة بأنها مريضة أو متعبة ... والدها و إخوتها لاحظوا تغيرها لكنهم لم يعرفوا السبب ... خصوصا و أنها تحاول إخفاء ما ارتكبه الأمير ميرزا في حقها ليس من أجل حضرة الأمير ڤيكتور مثلا ... بل من أجل تمهيد طويق العودة لمحبوبها الأمير ... فلو حصل و علم والدها بشيءٍ واحدٍ مما فعله الأمير ميرزا فسينتهي من حياتها للأبد و كأنه لم يكن له وجود و هذا ما ترفض وقوعه و بشدة.

كيف لها أن تنسى ما حصل ؟ ... كيف يمكنها أن تعيد لمشاعرها الإستقرار و السكون ؟ ... أن تعود إليه بقلب أبيض و صفحة جديدة ؟ ... أبات ذلك جزء من الماضي المدفون الذي لا يمكن إعادة إحياءه يا ترى ؟

هل يمكنهما فعلا أن يعودا لبعضهما كما كانا في السابق دون وجود هذا الخدش الحاصل لروحها ؟ ... هل يمكنها أن تثق به مجددا ؟ ... هل ستتمكن من الشعور بثقته و حبه لها كما كانت تفعل أم أن الشكوك ستقتحم حياتها و تفقدها الراحة و الإطمئنان ؟

لم يكن هناك أي جواب لأي سؤال ... و لكن شعورا عميقا يخبرها أنه من الصعب إعادة المياه إلى مجاريها ... فحتى لو عادت المياه فلن تكون دائما صالحة للشرب.

و رغم غرقنا في ظلمات شديدة السواد حتى نظن أن لا نور سينقذنا ... يأتي الخلاص فجأة من حيث لا يحتسب أحد ... قد يتمثل في تربيتة رأس ... أو مسكة يد ... أو طرقة باب !

نهاية الفصل السابع و الثلاثون.

*************

فصلنا ينتهي بخيبة لينور من ميرزا 😔💔

أشكركم حقا على التفاعل الذي رأيته الفصل السابق كان مذهلا حقا 🙊🙈💕

آسفة إن وجدت أخطاء لم أراجع الفصل جيدا و آسفة إن لم أرد على جميع التعليقات فصداع عنيف يباغتني 💔

سأرد عليكم واحدا واحدا حالما ارتاح قليلا و يزول الصداع 👏

هذه المرة إذا وصل عدد التصويتات إلى خمسة و عشرون تصويت و التعليقات خمسون تعليقا فسأنشر الفصل القادم ✨✨

و الآن ننتقل إلى الأسئلة 💕

رأيكم في الفصل ؟

توقعاتكم لما سيحصل مع ميرزا و لينور مستقبلا ؟

قراءة ممتعة لكم ♥️

٦ فبراير ٢٠١٩.

Olvasás folytatása

You'll Also Like

1.6M 194K 44
مملكة سفيد ..القلب النابض للممالك الأربع، الاقوى بينهم، لكن تلك المملكة ورغم أنها امتلكت كل مقومات القيادة، إلا أنها افتقدت لشيء هام؛ " ملكة " تحكم ع...
45.4K 3.3K 33
هل سمعتم يوماً بمقولة " الفضول قتل القطة " ؟! هل تعلمون ما قصة هذه المقولة ؟! إذا كان جوابكم " لا " فدعوني أخبركم بها.. في قديم الزمان كان هناك قطة...
9.1K 1.1K 13
أن تدفع ثمن جُرْم لم ترتكبه حكاية تنسج بأحرف من وجع وحبر من دماء ودموع تريد أن تقرأ؟ امنح قلبك بعض القوة إذن! ________________________________ فائ...
72.8K 3.9K 70
.....حقيقيه بنسبه 95%... ..تتكلم القصه عن ضابطين برتب عاليه يتم عقوبت احد #ضباط في مدرسه المراهقات ليلاقي متمردته بعد حبناً طويلاً تذهب منه ضحيت ع...