سنمّار درع لينور

Od tofy701

84.8K 7.6K 9.6K

.. "اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية" .. نشرت في يوم الثلاثاء : الموافق : ٢٦ يونيو ٢٠١٨م ١٢ شوال ١٤٣٩هـ انته... Více

【 المقدمة 】
【 الفصل الأول 】
【 الفصل الثاني 】
【 الفصل الثالث 】
【 الفصل الرابع 】
【 الفصل الخامس 】
【 الفصل السادس 】
【 الفصل السابع 】
【 الفصل الثامن 】
【 الفصل التاسع 】
【 الفصل العاشر 】
【 الفصل الحادي عشر 】
【 الفصل الثاني عشر 】
【 الفصل الثالث عشر 】
【 الفصل الرابع عشر 】
【 الفصل الخامس عشر 】
【 الفصل السادس عشر 】
【 الفصل السابع عشر 】
【 الفصل الثامن عشر 】
【 الفصل التاسع عشر 】
【 الفصل العشرون 】
【 الفصل الواحد و العشرون 】
【 الفصل الثاني و العشرون 】
【 الفصل الثالث و العشرون 】
【 الفصل الخامس و العشرون 】
【 الفصل السادس و العشرون 】
【 ملاحظة 】
【 الفصل السابع و العشرون 】
【 الفصل الثامن و العشرون 】
【 الفصل التاسع و العشرون 】
【 الفصل الثلاثون 】
【 الفصل الواحد و الثلاثون 】
【 الفصل الثاني و الثلاثون 】
【 الفصل الثالث و الثلاثون 】
【 الفصل الرابع و الثلاثون 】
【 الفصل الخامس و الثلاثون 】
【 الفصل السادس و الثلاثون 】
【 الفصل السابع و الثلاثون 】
【 الفصل الثامن و الثلاثون 】
【 الفصل التاسع و الثلاثون 】
【 الخاتمة 】
【 أسوة ٢٠١٩ 】

【 الفصل الرابع و العشرون 】

1.2K 141 102
Od tofy701

【 الفصل الرابع و العشرون 】

الشاب الصغير.

*************

صمت الليل و سكونه هو ما كان يحيط بالمدرب و تلميذه الذي يروي قصته له ... و منها يحاول إعطاءه دروسا قد تفيده في حياته و تمنعه من الوقوع في الخطأ دون أن يعلم أنه من الصعب على صغير مثله استعياب الدروس جيدا دون ضربة على الرأس ... و أن هناك مواقف في الدنيا تخيرك بين خيارين أحلاهما مر.

فرغم كل تحذيرات المدرب جيك لآراش بعدم اللجوء لطريق الـ"دروع" مهما حصل و عدم دخول السجن إلا أن آراش وجد نفسه مخيرا بينهما !

اختار أن يكون "درعا" على دخول السجن من دون محاولات جادة تمام الجدية في التخلص من قبضة الأمير ميرزا و افتعال الفوضى و الهرب بل صدق الأمير حينما أخبره أنه سيعيد له حياته السابقة كما كانت.

لكن لم يبدو أن الأمير حافظ على الوعد ... و لبالغ الأسف نسي آراش نصائح مدربه حين أخبره أن لا يثق بأحد ... و وقع ضحية لقراره الخاطئ ...!

كان عليه محاربة الأمير و محاولة الخلاص منه كما لو أنها مسألة حياة أو موت ... لكن طيب تعامل الأمير ميرزا معه جعلت آراش الذي لم يتلقى معاملة طيبة كهذه في حياته كلها يثق به مباشرة دون شعور منه ... فقد حرم الصبي من الكلمة الطيبة و رقة التعامل و الحديث اللين منذ ولادته و حتى يومه هذا !

تابع المدرب جيك رواية قصته : مكثت في السجن فترة طويلة لم أحسب لها حساب ... لكنها طويلة للغاية و لو كان بإمكاني وصفها لوصفتها بالسرمدية ... كما لو أنني ألقيت فجأة في السجن ... لا أذكر البداية سوى كذكرى عابرة و محض خيال و لم أشعر بوجود نهاية لما يحصل بل كل ما يستوعبه عقلي هو مجرد تدفق للوقت أعيشه مرغما في الظلام ...

روتين كئيب يدور حول الأكل و الشرب و النوم و الاستيقاظ و قضاء الحاجة ... نمى الشعر في وجهي حتى اصبحتُ ذا لحية كبيرة ... و فقد جسدي مرونته و قوته و غدوت جلدا على عظم ... و عقلي قد هجرني منذ وقت طويل و ترك الاستماع إلي فقد ضجر من الجنون الذي احتل رأسي ...

كنت انتظر الخلاص من هذا المكان و لو بالموت ... تمنيت لو أجد سكينا أو أي أداة يمكنها إنهاء حياتي بسرعة فقد سئمت العيش و البقاء كالقمامة لا ازيد سوى تعفنا مع الأيام ...

كانت الدموع لا تزال عالقة في وجه آراش البريء الذي بكى لتأثره و هو يستمع لقصة مدربه جيك و سأل بصوت مكتوم : و ماذا حصل بعدها ؟

أجاب جيك : بعد انقضاء تلك الفترة الطويلة جدا أتى للمكان شاب صغير في السن و يبدو أنه متدرب جديد و بدى أنه في جولة حول السجون ... و قد التقت عيناي بعيناه لجزء من الثانية ...

هكذا كان لقاءنا الأول ... و لم أعرف ما الذي دفعه للموافقة على قضاء الوقت لمراقبتي ... لقد تخلّوا عن هذه المهمة منذ وقت طويل فما فائدة مراقبة جثة متعفنة تكاد لا تكون فيها أي روح أو نبض للحياة وسط القذارة و الكآبة و الرائحة النتنة التي تفوح في المكان ؟ ... راقبوني في البداية لفترة حتى أدركوا أنني لا أشكل أدنى خطر عليهم ... باتوا يقدمون لي طعاما قليلا جدا و ينظرون إلي نظرة شاملة للتأكد من سوء حالي قبل أن يغادروا المكان ..

أتى المستجد باباتسامة مشرقة تدل على مدى بلاهته و صفاء ذهنه و نقاء روحه و من ثم أخذ يحاول محادثتي لكنني رفضت الكلام تماما و حاولت قدر الإمكان توجيه نظرات غاضبة و مخيفة له علّه يتركني و شأني لكنه أبى ذلك و بدلا من أن ينتظرني لأتحدث أخذ هو يخوض في الحديث و يتكلم بما فعله و بأخبار المدينة و البلدة بشكل عام.

استمر بفعل ذلك لفترة طويلة لم أقدرها و لم أفكر بتقديرها ... لم يمل و لم يتوانى عما يفعله بل كان يحدثني على الدوام حتى صارحته مرة و سألته عمّ يريده مني فاكتفى بقول : "لا أريد شيئا منك ... لكنني أشعر بأنك وحيد للغاية لذلك أحب الحديث إليك !"

و من ثم أخبرني أنني الوحيد في هذه السجون المحبوس في زنزانة وحدي و قد تم تعيينه على مراقبتي كـ تدريب له لكن الحقيقة تقول بأنهم أرادوا رمي هذه المهمة الكئيبة المقرفة على عاتق أي شخص حتى لا يتهموا بالتقصير و كان هذا الشاب الصغير هو الضحية لكن لم يبدو عليه الأسى حقا من المهمة التي أوكلت إليه ... بالعكس بات يشعر بالشفقة علي و يحاول محادثتي و يشعر بالمتعة في ذلك لسبب ما ...

لم اهتم بحديثه أبدا أما عنه فرغم نظراتي الشرسة و تجاهلي المستمر له لكنه كان مصرا إصرارا عظيما كي يحادثني و أرغمني على الحديث معه و لو بكلمات لا يتعدى عددها في الجلسة الواحدة بيننا خمس أو ست كلمات ... لكنه بدى سعيدا بتجاوبي معه !

و في أحد الأيام طلبت منه معروفا ... و كانت تلك المرة الأولى لي التي اتحدث فيها بجملة كاملة ما دفعه للشعور بالسرور الشديد و على الفور وافق على طلبي ..

بتر آراش جملته بسؤاله : و ما هو طلبك ؟

أجابه : أن يذهب و يتفقد عائلتي ... فقد كنت حقا قلقا عليهم و أريد معرفة أخبارهم ... وافق مباشرة دون تردد و اخبرته أين يسكنون ... و من بعد ذلك اليوم اختفى الشاب الصغير ..

تحدث آراش بأسى و عيناه تلمعان من فعل الجرم المضيء الذي يتوسط السماء : هل اختفى للأبد ؟

ليقول جيك : برأيك ما مصير شاب صغير تحت التدريب يقوم بالسر بالحديث مع مجرم قاتل مثلي ؟ ... فكما تعلم مهمة الحارس هي الحراسة و يمنع منعا باتا الحديث إلى المسجون بأي وجه من الوجوه !!

ظهرت أمارت الحزن الشديد على وجه آراش فقد عرف الجواب مباشرة و تكشيرة واضحة اعتلت ملامحه البريئة فأخذ المدرب جيك يضحك و وضع يده على شعر الصغير الكثيف و بعثره : لا تحزن لم يكتشف أحد أمره ... أثناء اختفاءه ساورني شعور كشعورك حينما خمنت الجواب على السؤال ... لكنه بعد أسبوع عاد إلي بالأخبار و هذا ما جعلني أشعر براحة شديدة ..

تلاشت ملامح الأسى من على آراش و بسرعة قال : و هل كانت الأخبار مبشرة بالخير ؟

رد : للغاية ... اخبرني أنهم بدلوا مكان سكنهم و قد استغرق وقتا طويلا في البحث عنهم حتى عثر عليهم ... و وصف لي مكان سكنهم الجديد ... و أعلمني أن الجميع بخير و قد طمأنهم على حالي ..

ثم مد لي بورقة من خط أمي تسألني عن حالي و هنا لم أتمالك نفسي و بكيت رغما عني ... شعرت بدفئها يتغلغل إلي من ورقتها ... كانت تشع حنانا رغم كونها ورقة ... رائحتها الرقيقة تفوح منها و تغمرني بالسرور ... و وجدت أيضا رسائل من إخوتي و كل منها تحمل طابعه و رائحته ...

قرأتهم جميعا و أنا أكاد لا أصدق ما يحدث ... و من ثم أعطاني الشاب الصغير ورقة و قلم و طلب مني كتابة أي شيء لهم حتى يطمئنوا عليّ و دون تفكير أخذت أخط على الورقة حروفا متعرجة و مضطربة لا تشابه خطي الجميل في شيء فمع مرور الزمن نسيت كيف أمسك القلم و باتت عضلات يدي مرتخية للغاية ... لكن الأحرف المرسومة لا زالت تحمل في طياتها شيء ما مني ...

كانت تلك اللحظة كما لو أنها ردت إلي روحي ... شعرت بنبض قلبي من جديد ... نمت في داخلي رغبة بسيطة جدا للعيش ... و كم كنت ممتنا لكونهم بخير و على ما يرام ..!

و هكذا أخذ الشاب ورقتي و اخذها لحيث أهلي ... طغى علي شعور السعادة لدرجة جعلتني افقد حذري و انتباهي ... و في لحظة ما استفقت من مشاعري الوردية و تساءلت في نفسي عن السبب الذي يجعل شاب لا يعرفني و لا اعرفه لأن يساعدني ؟ ... ما هدفه ؟ ... هل يريد شيئا ما مني ؟ ... ربما هو مجرد جاسوس تم تعيينه علي !

و بدأت سلسلة طويلة جدا من الأسئلة و الأجوبة و التخمينات تمر في خاطري و الشك ازداد في قلبي و شعرت أنني اخطأت حينما فتحت قلبي له و طلبت منه ذلك المعروف فهو شخص لا أعرف عنه شيئا و كونه يساعدني بهذه الطريقة لا يبشر بالخير أبدا !

جاءني بعد يومين ليخبرني أنه لم يستطع الذهاب لتسليم الرسالة لهم فهو مشغول و لم يتم منحه إجازة لكنه بلا شك سيوصلها ... و لاحظ انكماشي حول نفسي و رفضي التام للنظر إليه حتى ... لم أعرف الملامح التي رسمها حينما رأى انتكاستي و رفضي للحديث معه ... لكنه تابع سرد أخبار اليوم كعادته و أنا لم اتحدث إليه مطلقا و لم انظر إليه حتى.

مضت عدة أيام على هذه الحال ... و أتى اليوم الذي غير مجرى حياتي تماما ... حينما أخبرني بخبر إعفاء الوزير أندريتي من منصبه بعد خوضه في عدة أعمال غير مشروعة ... و هنا نظرت للشاب لأول مرة من بعد ذلك اليوم و ملامح الصدمة مرتسمة على وجهي ... و ذهبت إلى القضبان حيث يجلس هو في الجهة المقابلة و أمسكتها و طلبت منه سرد التفاصيل ... فأخبرني بكل شيء و قدم إلى جريدة في اليوم التالي تعلن عن هذا النبأ ...

كان خبرا صاعقا بقدر ما بث في داخلي الحياة ... لقد نال جزاته بعد الذي فعله بي ... و أيقنت أنني بالفعل قتلت شخصا قد يكون بريئا تماما لكن الوزير ألقى بالتهم عليه !

ذلك الخبر كان كفيلا بجعلي أرغب في التخلص من القضبان التي تحبسني و القبر الذي اعيش فيه ... لم أرد أن أموت متعفنا هنا بسببه ... و بشكل مفاجئ أخذت استعيد في عقلي بعض التدريبات في رأسي ... و لمع بريق الحياة في عيناي ... و بت أكثر نشاطا و حيوية في داخلي ... و أخذت أكل الطعام المقدم لي كاملا ... و أحاول التفكير في طريقة للخروج من المقبرة ... كان عزله و اعتقاله دافعين قويين لي لكي أرغب في الحياة من جديد ... ربما لأنني شعرت بأن هروبي أمر ممكن ما دام الوزير أندريتي لم يعد له وجود ؟

أخذت أحدق بذلك الشاب خلسة بين الحين و الآخر و أفكر بطريقة للهرب فهم لا يخرجونني إلى الخارج و احتمال وجود مفتاح معهم أمر مستحيل لحد كبير و لو كان معهم فكيف سأتمكن من إخراجه من جيوبهم ؟!

الأمر الآخر و هو يقيني بكون جسدي بات عبارة عن خردة و عضلاتي فقدت كل قوتها و لا يسعني القيام بأي تدريب في الزنزانة فهو ممنوع علي و لا زلت أشك في الشاب الصغير و في كونه جاسوسا علي لذا حاولت قدر الإمكان عدم التدريب أو التصرف بأي تصرف يدل على ما أفكر به !

كان ذلك الشاب الصغير فطنا أكثر مما توقعت ... لقد أحس بمرد روحي و رغبتي في الهرب ... فاتحني هو بالموضوع في أحد الأيام و تعجبت منه حينما قال : "إن أردت الهرب فإنني قادر على مساعدتك !"

لكنني لم آبه له و لم أثق بأي حرف ينطقه فمن المستحيل أن يرغب في مساعدتي شخص لا يعرف عني شيئا البتة ... و أكملت أيامي و أنا ابحث عن طريقة لكن لا أمل في ذلك !

كان صوت الشاب يتردد في ذهني بين الحين و الآخر و هو يخبرني أنه سيساعدني ... و قررت أن أجرب حظي فأنا في كل الأحوال إلى طريقي للجحيم ... محاولة الهروب و القبض عليّ ثانيةً ليست بذلك السوء فأنا مسجون هنا في كل الأحوال ... و التجربة قد تعطيني فكرة أفضل للهرب في المرة القادمة !

كنت واثقا أنني لن استطيع الهرب فثقتي بذلك الشاب معدومة و متأكد بأنه يود عمل كمين لي لأسباب أجهلها و أنني بمجرد رغبتي في الخروج سيعودون ليلقوا القبض علي لكنني ما عدت اهتم ...

و أتى اليوم الذي حدثت فيه الشاب و أعربت عن رغبتي في الهرب من هنا ... و بدى سعيدا لأنني طلبت مساعدته و متلهفا لإخراجي و قال لي : "سأساعدك في الهرب ... الخطة بسيطة ذلك لأن حراستك ليست مشددة أبدا خصوصا في الآونة الأخيرة ... رغم أنك قاتل إلا أنهم لاحظوا غياب بريق الحياة من عينيك لست سنوات و لم يعودوا يأخدوا حذرهم ظنا منهم أنك مستسلم للحياة هنا حتى مماتك ... و حتى حين اسألهم عن قصتك لا يذكرونها جيدا و البعض لا يعلم عنها أي شيء ... إنك منسي يا رفيق ! ... و صدقني سيتم التستر عن هروبك و لن يفشوا به خوفا على سمعتهم و على هذا ستكون عائلتك في أمان و هروبك لن يضرهم ... مع ذلك اهرب خارج حدود الدولة في حال رغبوا بالبحث عنك !".

تعجبت من حديثه و كان أكثر عجبي هو عدد السنوات التي ذكرها ... و لا أعلم كيف شعرت بمقدار الصدق المنطلق من عينيه اللتان تنظران إلي بثبات أرغمتني على الثقة بحديثه ... و كانت خطته البسيطة هي أن يفتح لي باب السجن و أقوم بلكمه على معدته بقوة و الهرب من طريق يصفه لي و هو الأكثر أمانا ... كنت اسمع خطته و أشعر بالخوف من فشلها و ما قد يحصل لي في حال فشلت تماما لكنني أقنع نفسي أن المحاولة خير من الاستسلام !

سألته عن سبب اللكمة هذه فأخبرني أنه سيختلق قصة في حال أمسكوا به و فتحوا تحقيقا معه بشأن هروبه فهو الحارس على زنزانته ... سيخبرهم أن السجين كان يتأوه بشكل مؤلم جعله يقلق علي ... و كونه مستجد و ضعيف اخذته الشفقة بي و فتح الباب لي ببلاهة و حين يقترب مني أقوم بلكمه و الركض بسرعة هربا منه أما عنه فسيغمى عليه ... و قد طلب مني لكمه بقوة بحيث يغمى عليه حقا !

و لأجل تنفيذ الخطة لابد من استعادة طاقتي و حيويتي لذا اخذت اتدرب في الخفاء أثناء حراسة الشاب لي فقد كان ممنوعا علي ممارسة أي نشاط بدني و مضت الأيام حتى استعدت جزءا كبيرا من قوتي و سألته قبل يوم تنفيذ الخطة عن السبب الذي يجعله يقوم بكل ذلك و رغبته في مساعدتي التي قد توقع على رأسه مصيبة ..

فأجاب : "إنني أثق بحدسي ... و حدسي يخبرني أنك شخص لطيف و إطلاق سراحك لن يسبب الأذى لأحد ... ربما تكون قاتلا لكنني أرى الندم في عينيك على ما فعلته و لن تكرر غلطتك ... و من الظلم أن تعيش عيشة أسوأ من الحيوانات خالية من الإنسانية طوال هذه السنوات ... سنموت كلنا يا رفيق في يوم من الأيام لكن ليس من العدل أن يموت الإنسان ميتتين في حياته ... و لا أن يعيش حياة القبور مرتين في حياته !"

كان تأثير كلماته ذا وقع بالغ على قلبي ... و شعرت به ينبض بشكل مختلف عن المعتاد ... و كأنني عدت للحياة حقا تلك اللحظة ... وجود أشخاص رائعين مثله يجعل الحياة تستحق أن تعاش ... نقاءه و انسانيته هي من تنقذ العالم تلوثه و تعطي بصيص أمل بتواجد الخير بين أكوام الشر ... بريء و براءته قد توقعه في المشاكل لكنه أسعد مائة مرة من أولئك الخبيثون الذين يضمرون القذارة في نفوسهم و قلوبهم المتعفنة !

أحسست وقتها أن هروبي سيهدد مكانته و وظيفته ... و حين سألته ماذا سيفعل إن لم يصدقوه رد بأنه سيتصرف و أن لا أقلق عليه فلديه الكثير من المعارف الذين سينجونه من هذا المأزق بطريقة أو بأخرى ...

و أتى يوم تنفيذ المهمة ... و قدم لي شفرات حلاقة و ثوب نظيف من الثياب الخاصة بالحراس و الأمن و حتى اذا ما لمحوني فإن ظلام الليل لن يجعلهم يتعرفون علي كـ سجين و مع التخلص من اللحية سأتغير و بشدة !

فتح لي الباب و وقفتُ من مكاني استعدادا لضربه ضربة تفقده الوعي ... و لربما يكون هذا لقاءنا الوحيد ببعضنا ... و هذا ما جعل قلبي ينقبض بشدة ...

وقفت من مكاني و قبل أن اندفع لضربه سألته أخيرا عن اسمه ليجيبني بابتسامة استشعرت وجودها رغم الظلام الحالك : "اسمي درواس !".

و كانت هذه آخر جملة سمعتها من ثغره ... لكمته و خشيت أن لا أفقده وعيه فلم أكن واثقا من قدرتي على ذلك لكنني تمكنت من فعلها ... أغمي عليه و تأكدت من كونه لا يزال على قيد الحياة.

اتبعت وصفه و كوني "درع" سابق متمرس فقد كان وصف الطرق لي و معرفة المباني و كيفية الخروج منها أمر أعرفه حتى النخاع كما لو أنه غريزة ولدت بها ... مهما انقطعت عنه اتذكره و ادركه و افهمه جيدا ... و على هذا هربت من السجون بنجاح ... و لم اصدق أن شخصا غريبا لا أعرف عنه شيئا و هو كذلك لا يدرك عني الكثير قد يساعدني للتخلص من الحياة البائسة ..!

بكيت يومتها كثيرا ... دموع فرح اختلطت بحرية ... و دموع حزن على فراق الرفيق الذي عرفت اسمه مؤخرا ... حفرت اسمه داخل عقلي كي لا انساه ما حييت ... و عرفت أن الخير لا يزال موجودا في هذا العالم ... و بعد أن كرهت العالم و كرهت الناس و كرهت المساعدة و مد يد العون كان هو ذلك الشخص الذي اخبرني أن الناس ليسوا بسواسية ... و كما يوجد السيئون يوجد الجيدون و الذين يعطون للحياة معنى ..!!

و ألقى نظرة لآراش : كنت ممتنا للمدعو "درواس" فبفضله قمت أنا بمساعدتك و الشعور نحوك بالمسؤولية ... و لو أنني خرجت هربا من ذلك القبر دون أي مساعدة لم تكن لتراني بهذا الحال ... لربما مت من الكآبة أو انتحرت بدلا من إتمام حياتي في التجوال ... فأنا حيوي يا آراش على عكس السابق إن لم تكن تعلم ...

صحيح أن صوت شنايدر لا زال يستولي على رأسي و يمنعني من النوم ... و بت مدمنا للكحول حتى اتخلص من صدى صوته ... و لم أعد اهتم كثيرا بمظهري ... و فقدت روعتي كما فقدت سمعتي ... لكنني سأكمل حياتي و سأحقق هدفي ... و هو التمتع بالحرية على أقصاها و محاولة الاستمتاع بها و استشعار هذه النعمة ... و ذلك بالتجوال حول العالم و رؤية الثقافات المختلفة و تعلم كل ما هو جديد و مثير للاهتمام ... و في النهاية سأجد امرأة جميلة تناسبني و اتزوجها و انجب طفلا جميلا أسميه "درواس" !

هتف آراش من بين دموعه التي تنهمر على خديه من نهاية القصة : بل أنا من يريد أن يسمي طفله "درواس" !

ضحك مدربه جيك بخفة و وضع يده على رأس الصغير و أخذ يبعثر كتلة شعره السوداء : لا بأس ... كلينا سيسمي طفله باسم البطل "درواس" !

و من ثم حل الصمت للحظات و هدير المياه يلف المكان و صورة القمر المضطربة على سطح النهر لا تزال منعكسة و أزيز الحشرات لا يكاد ينقطع و صوت البومة يعلو بين الفترة و الأخرى و قال المدرب جيك بهدوء و رزانة : عش يا آراش ... عش حرا و استمتع بهذه النعمة ... عش طالما لا تسرق حياة أحد ... و لا تسمح لكائن من كان أن يسرق حياتك ... أن يسرق وقتك ... أن يسرق حريتك ! ... عش يا آراش و استغل كل دقيقة من حياتك لإسعاد نفسك و تعلم أمور جديدة ... عش لنفسك يا آراش و لا تعش من أجل أحد أبدا !

كانت هذه هي المرة الثانية التي يعيد فيها المدرب حديثه هذا على مسامع آراش و سيعيدها منذ الآن أكثر من مرة على أذنيه حتى يمتصها عقله و يستوعبها و تصبح جزءا لا يتجزأ منه و فكرة لا يمكن استأصلها من عقله ... يريده أن يعيش الحياة بحذافيرها لا أن يضيع حياته سدى في أمور لا يرغب بفعلها ...

و أردف مدربه : لا تصبح "درعا" أبدا يا آراش لأنها مهنة حقا صعبة و تسرقك تماما ... علمتك إياها لأنني لا أعرف ما قد يبقيك على قيد الحياة سواها ... حتى تعيش أقصى حد للحرية ... فحينما تملك القوة فإنه يصعب استعبادك ... ستتصدى لهم و تركلهم بقوتك ... لكن لا تحتك بالأثرياء البتة فقوة أموالهم تفوق قوة عضلاتك و ستندم ... و اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية لا تضر أحدا ... فأنت لن تسرق حياة أناس أو حريتهم بل تسرق ما يكفيك لتعيش ...

هؤلاء الأثرياء لديهم أطنان من المال و يتكبرون بإعطاء المحتاجين و لو قطعة واحدة ... حينما نسرق منهم فإننا في الحقيقة لا نسرق شيئا ... بعكسهم فهم يسرقون الحرية و الأوقات و جهود غيرهم ... يسرقون الحرية مقابل حفنة من المال لا تعطي حق التعب أبدا ... و يضطر الفقراء للعمل خاضعين بسبب عدم امتلاكهم للمال ... و أنا أرفض أن تكون أحد أولئك المسلوبين ...

أنت يتيم و ليس لديك من يقف معك و من السهولة أن يتم استغلالك أبشع استغلال ... لذا علمتك السرقة و خفة اليد حتى تستغلهم قبل أن يفعلوا ... و حتى لا تكون مضطرا للعمل في أعمال قد تسلب روحك من شدتها مقابل قطع نقدية تظن أنها تجعلك تعيش رغم أن جهد الحصول عليها يمتص كل طاقتك في الحياة ... أريدك أن تستمتع قدر استطاعتك في حياتك !

شعر آراش لحظتها بعظم مدربه ... بمدى روعته و مدى جمال نصائحه ... أحس بأنه يحبه كثيرا و هذا هو الشعور الذي افتقده منذ ولادته ... أن يحبه أحد بهذا المقدار و يقلق على حياته و يحاول حمايته قدر استطاعته ...

إنه أفضل من والديه ... أفضل من أصحاب الميتم ... أنه مهتم لأمره رغم أنه لا صلة تجمعهم البتة ... التقيا صدفة في المدنية التجارية ... و تلك اللحظة أحس آراش بحب عظيم لها و امتنان كبير ... فهي التي جعلته يلتقي بشخص رائع كمدربه !

لم يتخيل آراش حينها أن مدربه جيك من الممكن أن يتركه في أي لحظة ... و ظن أنه سيعيش بقية حياته برفقته ... و أن علاقتهما ستصبح أقوى و أقوى و لن يفترقا حتى يباغت الموت أحدهما ... لكن المدرب تركه و آثر إكمال رحلته على البقاء مع الصغير أو اخذه معه.

و كان في ذلك القرار قسوة شديدة على آراش ... و لم يعلم الصغير السبب الحقيقي حقا لتركه وحده ... فرغم أنه اخبره بأنه يود إكمال رحلته لكنه لم يكن سببا مقنعا جدا له ... فلماذا لم يأخذه معه و حسب ؟ ... و هل إعطاءه الدرس الأخير بهذه الطريقة كان أمرا لابد منه ؟

لم يجد آراش جوابا دقيقا أو شافيا على أسئلته حتى اللحظة بل بدى له أنه تصرف بغموض و عجرفة ... فمدربه يعلم يقينا أن آراش ما كان ليتعرض على فكرة التجوال معه و عدم الاستقرار ...

لكن الرسالة التي خلفها المدرب وراءه كانت تطبطب على آراش بين الحين و الآخر ... فهي تخبره أن المدرب و رغم تصرفه الغامض و القاسي لا زال يحبه و لم يكرهه يوما ... يود مصلحته فوق كل شيء ... تركه ليعلمه درسا و لأنه يود إكمال هدفه و يود الإستمرار في جولته ... أو هذا ما كان آراش يحاول إقناع نفسه على الدوام و محاولة تصديق ما قاله المدرب من كلمات و تبريرات ...

و لأن آراش يحبه فقد كان يعذره أحيانا ... هو يتمنى الخير لذلك الرجل الذي اهتم به و بتفاصيله الدقيقة و بنى له حياة جيدة و علمه الكثير بحيث لا يموت في هذه الحياة القاسية ... لكن شعور الغضب و الأسى لا زال يحز في قلبه رغما عنه ... كشخص لم يجد الحب و الحنان و الاحتواء كان لابد له أن يشعر بالتملك و الرغبة في التمسك بأول و آخر شخص عامله بحب و رعاية ...

كان واثقا بأنه لن يجد شخصا يحبه بهذه الطريقة ...
و يبدو أن ثقته كانت في محلها تماما !

نهاية الفصل الرابع و العشرون.

*************

و مع هذا الفصل لربما نودع جيك وداعا أخيرا .. فلا اعتقد أنه سيظهر ثانية خلال الفصول المتبقية من الرواية 😭😭

رأيكم في الفصل ؟ ... و في ماضي جيك بصفة عامة ؟

ما توقعاتكم لما سيحصل ؟

قراءة ممتعة للجميع 👏👏

١٥ سبتمبر ٢٠١٨.

Pokračovat ve čtení

Mohlo by se ti líbit

368K 19.3K 68
قصه حقيقه لا جذب ولا شيئ القصه تحجي عن بنيه ابوه داعشي او وعد أمه انو يطلعه بس هوا ضحك عليه ولعب بيه او جابت منه لبوه جانت أمه عباله هاذه مو داعشي و...
5.7M 167K 51
في وسط المدينة هناك حظ عاثر تورثه فتاة من امها تجاهد كي لا يعيش بناتها نفس المأساة ناسي ان الوراثة لا علاج لها insta: ho.sa105
4.5K 471 27
أحيانًا قد يكون الطيبون هم أول الراحلون.؟ سكارليت فتاة تبلغ من العمر ١٨ وهي في اخر مراحل الثانوية هل ستكون السنه الاخيرة من الثانويه مميزه وهل ستتعرف...
12.1K 1.6K 9
عندما سرقت ألحان القمر ، عزفتها الشمس فغرقت بجمال سحرها نجوم السماء . وتساءلت الأرض في سرها ، لم تعزف الشمس ألحانا مسروقة، وكيف وقعت بين يديها؟ لا...