سنمّار درع لينور

By tofy701

84.8K 7.6K 9.6K

.. "اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية" .. نشرت في يوم الثلاثاء : الموافق : ٢٦ يونيو ٢٠١٨م ١٢ شوال ١٤٣٩هـ انته... More

【 المقدمة 】
【 الفصل الأول 】
【 الفصل الثاني 】
【 الفصل الثالث 】
【 الفصل الرابع 】
【 الفصل الخامس 】
【 الفصل السادس 】
【 الفصل السابع 】
【 الفصل الثامن 】
【 الفصل التاسع 】
【 الفصل العاشر 】
【 الفصل الحادي عشر 】
【 الفصل الثالث عشر 】
【 الفصل الرابع عشر 】
【 الفصل الخامس عشر 】
【 الفصل السادس عشر 】
【 الفصل السابع عشر 】
【 الفصل الثامن عشر 】
【 الفصل التاسع عشر 】
【 الفصل العشرون 】
【 الفصل الواحد و العشرون 】
【 الفصل الثاني و العشرون 】
【 الفصل الثالث و العشرون 】
【 الفصل الرابع و العشرون 】
【 الفصل الخامس و العشرون 】
【 الفصل السادس و العشرون 】
【 ملاحظة 】
【 الفصل السابع و العشرون 】
【 الفصل الثامن و العشرون 】
【 الفصل التاسع و العشرون 】
【 الفصل الثلاثون 】
【 الفصل الواحد و الثلاثون 】
【 الفصل الثاني و الثلاثون 】
【 الفصل الثالث و الثلاثون 】
【 الفصل الرابع و الثلاثون 】
【 الفصل الخامس و الثلاثون 】
【 الفصل السادس و الثلاثون 】
【 الفصل السابع و الثلاثون 】
【 الفصل الثامن و الثلاثون 】
【 الفصل التاسع و الثلاثون 】
【 الخاتمة 】
【 أسوة ٢٠١٩ 】

【 الفصل الثاني عشر 】

1.6K 160 271
By tofy701

【 الفصل الثاني عشر 】

الحفلة.

*************

وصلوا إلى المنزل بعدما اخذوا مقاسات صاحب الشعر الأسود القصير و عيناه الزيتيتان اللامعتان لتفصيل زي مناسب للحفل ... و حين عودتهما خرجا من العربة فيما قرر دُونْ و رِيْ الذهاب لشراء بعض الأغراض للغداء ... أما عنهما دخلا للمنزل.

أشارت له إلى حيث الصالة و قالت : تعال معي ...

سار خلفها متعجبا من طلبها و ذهبا لحيث الصالة التي كانت كبيرة كالمتوقع و جلسا على الآرائك الناعمة جدا ذات الجودة العالية و قالت له : تعرف أنني أحب الحديث ... لذا أريد التحدث معك !

تمتم في تفهم و حل الصمت لفترة قبل أن يوزع بصره في أرجاء الصالة و صورتها و هي تدفع المال لصاحب المتجر تجوب في رأسه ... لقد تمكنت من جعل صاحب المحل يسرع في تفصيل الزي له بمالها ... حقا المال له قوة كبيرة في هذا العالم !

تحدث بعفوية معلقا : الڤيلا رائعة جدا ... حقا من الجميل أن يولد المرء ثريا !

رسمت ابتسامة و قالت : للأسف ليس كل الناس يولدون أغنياء ...

شعر بأن هناك نوع من الإهانة توجه إليه من جملتها تلك و قبل أن ينبس ببنت شفة أكملت و هي تنظر إليه : لكن الذين لم يولدوا يمكنهم أن يصبحوا كذلك !

رمش باستغراب مما قالته فيما استطردت : دعني أسرد لك حكاية بسيطة بما أني أحب الحديث كما تعلم ...

ضحك بخفة و مظر لها بشيء من الحماسة : أطربي مسامعي يا أيتها الحكواتي !

ردت له الابتسامة : كان يا مكان في قديم الزمان كان هناك صبي ولد في عائلة ميسورة الحال ... و بعد فترة انجبت والدته عددا كبيرا من الفتيات اللطيفات ... اضطر للعمل ليل نهار في ظل الجوع و الفقر من أجل مساعدة أسرته و لم ييأس أبدا ... كان ينحني بسبب عاصفة الأيام لكنه لم يسمح لها بأن تكسره ... و كان يستمتع بإسعاد الصغيرات بصناعة الحلي البسيطة لهن بما لديه من خامات متواضعة ...

و تابعت : حين كبر ذلك الصبي و اصبح في حوالي الخامسة عشرة أخذ يحاول البحث عن عمل بشكل جاد ... لكنه حقا لم يعرف بماذا يبدأ أو كيف عليه أن يعمل ... و قد انتقل للمدينة التجارية بدلا من مدينته و عمل في أعمال بسيطة مقابل مبلغ زهيد ... و بالصدفة تحدث مع صائغ ذهب ... و بطريقة ما اكتشف مهارته في تصميم الحلي ... و رغم أن ما يستخدمه من أدوات كان بسيطا و متواضعا لكن النتيجة النهائية جدا مبهرة ... و علم صائغ الذهب أنه لو عمل مع هذا الصبي فسيربح الكثير ...

كان آراش يستمع لها باهتمام لتكمل : و من هنا بدأت الخطوات الأولى لذلك الصبي نحو عالم المال و التجارة ... دون أن يتخيل بأن هوايته و موهبته تلك قد تصبحان مصدر دخل له ... و أخذ يعمل مع الصائغ الذي لم يبخسه حقه ... و رغم كل المشاكل التي واجهها أصبح الآن تاجرا كبيرا يملك الكثير من الأموال.

صفر آراش في ذهول و سأل في فضول : ما نوع هذه المشاكل ؟

ردت عليه : الكثير ... لكن أبرزها هي السرقات ... و لذلك فإن ذلك الصبي الذي بات رجلا و أبا أيضا يكره السارقون من أعماق قلبه و كذلك ابنته التي لا تطيقهم البتة !

شعر آراش للمرة الثانية و كأنها تتحدث عنه و حك رقبته بتوتر و هو يقول : لكن ربما السارقون بحاجة حقا للمال ...

قالت بانزعاج و انفعال : إذن فليطلبوا المال منه و حسب ... ما كان عليهم أن يسرقوه و يسرقوا تعبه بهذه الطريقة ! ... لقد كان يتعب في التفكير و التصميم و توفير المواد و أخيرا يأتي شخص ما ببساطة يوم بالسرقة !!

ازدرد ريقه و تحدث و هو يحاول ضبط انفعالها : لماذا تتحدثين عن الأمر و كأنك تاجر الحلي الذي يكره اللصوص !؟

ردت عليه منزعجة : لأنني ابنته !

سكت قليلا و رمش ببطء و عقله يحاول فهم ما يجري ثم سأل : هل القصة التي رويتها قبل قليل هي لوالدك ؟

حركت رأسها إيجابا : أجل لوالدي ... لقد عانى كثيرا في صباه ... مر بظروف الجوع و الخوف و الألم لكنه لم يرضى أن يسرق ... لم يرد أن يظلم الناس بفعلته تلك ... فهم يتعبون كثيرا و ليس من العدل أن يحصد ما زرعه الآخرون ...

سكت آراش و أخذ يحك رقبته من الخلف ببعض التوتر ... و لا ينكر أن كلامها فيه شيء من الصحة لكنه في المقابل لديه وجهة نظر مخالفة ...

فالتجار رغم ثرائهم الفاحش لكنهم لا يحاولون مساعدة الفقراء البتة و لا حتى بتقديم القليل إليهم ... لذلك يضطر المساكين للسرقة و لو كان هؤلاء الأثرياء يساعدونهم لما لجؤوا للسرقات !

لم يرد أن يخوض في هذا النقاش معها فهو لديه وجهة نظر و لديها وجهة نظر تخالفه تماما و يخشى أن لا تفهمه و تحكم عليه بشكل خاطئ ... و لسبب ما شعر بأنها لا تعلم شيئا عن كونه سارق رغم كل حديثها ..

خطر في رأسه سؤال بسيط و رفع بصره إليها متعجبا : لماذا سردت لي حكاية والدك ؟

ردت بابتسامة : أردت منك أن تستغل موهبتك يا آراش ... ما دمت قويا و يمكنك أن تكون "درع" مؤقت يتم استئجاره لماذا لا تشق هذا الطريق ؟ ... صدقني ستعيش حياة أفضل كثيرا من حياتك ...

من حديثها تأكد آراش أنها لا تعلم عن كونه "سنمّار" ... فهي تحدثت عن السرقة و رأيها فيها دون أن تنصحه في هذا الأمر أو تعاتبه أو تتقصد الإساءة إليه ... بل تحدثت من جانب آخر تماما و هو عدم حصوله على العمل و أن عليه استغلال موهبته ...

عليه أن يشكر الأمير ميرزا لأنه حافظ على سمعته أمام هذه الفتاة بالذات ... لا يريد أن تكون صورته سيئة في نظرها أبدا !

و لكن لماذا لا يريد أن تكون سمعته سيئة أمام معشوقة الأمير ؟

أجل هو يعلم السبب ... لأنه يحبها ... يحب فتاة لا يحق له أن يقع في حبها ... في وقت مثل هذا هل سيكون شكر الأمير لكونه لم يشوه سمعته أمر لائق ؟ ... خاصة بعدما أحبها ؟

*************

وقفت تلك العربة عند قصر ضخم مضاء بالكامل بأفضل و أجود أنواع الشموع لاستقبال ضيوفه الأعزاء بعدما تجاوزت السور الحديدي الملائم لحجم القصر و كذلك الحديقة الغناءة التي زينت أيضا بالشموع و أنيرت بأعمدة من النار.

ترجل آراش و لينور من العربة ... و قد كانت ترتدي فستانا بلون أحمر أنيق للغاية و تزين شعرها الأشقر بقبعة حمراء صغيرة و منها ترتفع ريشة بلون أسود يتناسب مع قفازيها اللذان يغطيان ذراعيها إلى المرفق.

أما عنه فقد ارتدى زيا رسميا باللون الأسود و القميص الداخلي بلون أبيض مع شريطة بيضاء تلتف حول رقبته و يسرح شعره المبعثر قدر المستطاع.

كان الباب مفتوحا و عليه حارسين و قبل أن يدخلا للداخل رحب أحد الحارسين بها : أهلا آنسة والتر ...

ابتسمت له و لم ترد عليه فيما أكمل و هو ينظر لآراش متعجبا : من هذا ؟

ردت عليه بثقة و شيء من الغرور : خادمي الشخصي ... أذكر أن السيد بروسبيرو سمح لي بإحضار خادم معي !

تلعثم الحارس حين سمع اسم السيد بروسبيرو و خشي أن يغضبها و قال بسرعة متداركا الوضع قبل أن يسوء : حسنا حسنا ... تفضلي يا آنسة والتر.

دلفت الآنسة لينور و خلفها آراش خادمها الشخصي المزعوم و أخذ يجوب بعينيه اللتان تعكسان كل الإضاءة الموجودة في الردهة و يستطيع أنفه التقاط الروائح الزكية لأغلى العطورات منذ وطأت قدماه بلاط القصر الواسع.

و ما هي سوى لحظات حتى وصلا للباب الموصل لقاعة الاحتفال و كانت مفتوحة و عليها حارسين أيضا ... و سمحا لهما بالدخول بعد انحناءة بسيطة.

تخطى كلاهما الباب ليجدا نفسيهما في الأعلى قليلا مقارنة بالقاعة الكبيرة في الأسفل و قد امتلأت لحد ما بالحضور.

كان المنظر رائعا من تلك البقعة حيث الفتيات يبدين كالزهور بفساتينهم الملونة بألوان مبهجة ... أما الرجال يرتدون أزياء رسمية يغلب عليها اللون القاتم فيما كان الخدم منتشرون هنا و هناك يقومون بتلبية رغبات الضيوف و خدمتهم ... و على الزوايا وجد العديد من العازفون ببدلهم الرسمية يقومون بالعزف في وقت متزامن مع بعضهم البعض.

كان عليهما استخدام الدرج المفروش بالبساط للنزول للأسفل حيث يقف الجميع ... و بالفعل أخذا ينزلانه و قد رفع آراش بصره و رأى أكبر ثريا يمكنه رؤيتها في حياته و لم تكن فقط واحدة بل وجد العديد منها ... أما عن الديكورات لم تقل جودتها عن فخامة أي شيء في هذا القصر ... و قد لمح وجود لوحات كبيرة لرسومات زيتية للسماء و الطبيعة بأشكال جميلة معلقة على الجدران الضخمة.

وطأت قدمهما أرض الحفل و كانت الموسيقى العريقة التي يعزفها أمهر العازفون تختلط مع أحاديث الناس و ضحكاتهم ... و كانت الابتسامات موزعة على معظم الحضور.

سمع كل من الآنسة لينور و كذلك آراش صوت أنثوي يقول في سعادة : لينور !!

التفتت لينور لحيث مصدر الصوت لتجدها إحدى صديقاتها التي ترتدي هي الأخرى فستانا أنيقا و متكلفا بلون البحر و تدرجاته ... لها عينان ناعستين بلون البندق و شعرها شديد السواد بلمعة تعطيه جمالا أخاذا.

هتفت لينور في سعادة و همت باحتضان صديقتها : أهلا وندي ..!

و بعد عناقهما ذاك قالت وندي : لم أتوقع أن أراكِ هنا !

ردت لينور : و لا أنا ...

كانت لينور قد انتبهت على أن الحضور بأعمار صغيرة ... يتفاوتون من عمر الخامسة عشر و أكبر شخص موجود هنا في الثلاثين على الأكثر.

تحدثت مبدية استغرابها : لكن من الغريب أن يصل الشباب و حسب ... لا أرى حضورا كبارا في العمر !

تحدثت صديقتها موضحة لها : في الحقيقة السيد بروسبيرو قد أعد الحفلة هذه لتكون خاصة بالشباب ... إنها فكرة خطرت في باله و لن يرتاح حتى ينفذها ... و قد فعل ما يريده !

همهمت لينور بتفهم فيما همست لها صديقتها في أذنها : من هو هذا الشاب ذي الاذنين البارزتين الذي أتى معك ؟

تعجبت من وصف صديقتها و نظرت لآراش لتجد أذنيه بالفعل بارزتين للأمام بشكل لم تلحظه من قبل ... كان يوزع نظره هنا و هناك دون أن يكون ملفتا للنظر أو مثيرا للعجب و السخرية.

ابتسمت و ردت عليها : إنه خادمي الشخصي.

لتقول ويندي : يبدو صغيرا في العمر.

و على هذا انخرطت الفتاتين في الحديث فيما ظل آراش واقفا و الملل قد بدأ يساوره بعدما ملأ عينيه بجمال القصر و يحاول تخيل ما سيفعله بقية الحفلة.

و بينما كان كذلك لاحظ شاب يقترب ناحيتهم و من ثم قال بلطف بالغ و ابتسامة بسيطة مرسومة على وجهه : أهلا أهلا بالآنسة لينور.

نظرت كلا من ويندي و لينور لصاحب الصوت لتجداه شاب بقامة طويلة يرتدي بدلة رسمية بلون أبيض ... و له شعر بني متدرج بشكل مميز ... حيث أن عددا من الخصال الشقراء زاحمت ذات اللون البني ... أضواء الشموع تنعكس عليها لتلمع و تبرز جمالها ... يسرحه لليمين و عيناه الخضراوتان بها خيوط رمادية بحيث أنها لا تقل جمالا عن شعره ... و كان لملامح وجهه نصيب كبير من الوسامة ...

بشرته بيضاء و حيوية و أنفه مستقيم و فمه لا بالكبير و لا بالصغير بل يتناسب مع تركيب وجهه ... عيناه لم تكن واسعتان جدا لكن جمالها لا يختلف أحد عليهما.

ابتسمت الآنسة لينور و انحنت بخفة له و هي تمسك فستانها بيديها : أهلا أيها الأمير بروسبيرو.

انحنى هو الآخر بخفة : شكرا لأنك قمتِ بتلبية الدعوة.

ثم نظر لآراش الذي يقف خلفها بخطوتين و نطق بشك : خادمك ؟

التفتت لحيث آراش ثم أعادت نظرها للأمير : أجل ... إنه خادمي الشخصي و يدعى آراش.

و من ثم نظرت لآراش نظرة تأمره فيها بالإنحناء فانحنى بخفة و قال ببعض الارتباك : أنا آراش خادم الآنسة لينور ... لي شرف مقابلتك يا سيدي.

نطقها و كأنها يحفظها عن ظهر قلب و لا يفهم معناها كالببغاء الذي يقوم بترديد الكلمات دون فهمها ... و هو كذلك بالفعل فقد حفظها و تعلمها من الدروس التي تلقاها من الأمير ميرزا.

ظهرت ابتسامة على وجه الأمير دون أن يقول شيئا و أعاد نظره للآنسة لينور و قال و هو ينظر لعينيها الزرقاوتين : تعلمين أنه يفترض بك أن تكوني شريكتي في الحفلة.

لم يبدو على الآنسة لينور أنها سعيدة بما قاله و مع ذلك رسمت ابتسامة مجاملة له : أعلم ذلك بالفعل.

فأمسك بيدها و قبلها بخفة : يسعدني ذلك حقا يا آنسة لينور.

و من ثم استأذنهم بالذهاب لاستقبال الضيوف الآخرين حتى يحين موعد الرقص.

شعر آراش ببعض الضيق من ذلك الأمير المدعو بروسبيرو ... نظراته اتجاه الآنسة كانت مزعجة بالنسبة له ... قبل يدها بطريقة مستفزة ... و حتى نبرة حديثه مؤذية لأذنيه !

ثم فكر قليلا بالأمر ... يا ترى إن رآى الأمير ميرزا الأمير بروسبيرو و هو يعامل معشوقته بهذه الطريقة أ سيشعر بالانزعاج كما يشعر هو الآن ؟

أخذت لينور تتحدث مع صديقتها ويندي و قد أتت مجموعة من الفتيات و انضمت لهما في الحديث.

بالنسبة لآراش فقد قضى وقته بالنظر هنا و هناك يتأمل القاعة الكبيرة و ما فيها من ستائر ضخمة و تماثيل متقنة الصنع ... السقف كان شاهق الإرتفاع و العديد من الثريا تتدلى منه و تتلألأ بفعل الشموع المعلقة عليها ..

لاحظ أن البلاط أسفله لامع للغاية و توجد أشكال زخرفية متنوعة منقوشة عليها ... أصوات الأحذية عليه تصبح واضحة للغاية.

في النهاية وقعت عيناه على ذلك الأمير المدعو بروسبيرو و هو يحدث عددا من الضيوف و يرسم البسمة على وجهه و لا يشعر بالراحة له البتة ... و لأنه يشعر بالملل فقد قرر مراقبة ذلك الأمير المستفز كما وصفه في نفسه.

*************

مضى الوقت في الحفلة الراقية تلك و الخادمون و الخادمات منتشرون في المكان يخدمون ضيوفهم على أكمل وجه ... و قد حصل آراش على كأس من النبيذ و لا ينكر أن طعمه قد اعجبه للغاية.

كانت عيناه الزيتيتان لا تزالان معلقتين على بروسبيرو و قد لاحظ أن هناك فتاة جميلة صهباء تبدو في عمر الخامسة عشر و ترتدي فستانا أنيقا أيضا و غالبا ما تكون على مقربة منه أينما ذهب ... كطفل صغير يلتصق بوالدته أينما حلت و ارتحلت.

رغم جمالها و جمال عينيها لكنه لم يشعر بتلك الجاذبية نحوها كما حصل مع الآنسة لينور.

كان الفضول يساوره اتجاه الفتاة التي شعر بأن عيناها تعكسان القليل من الخوف و الارتباك و أحس أنها مرتها الأولى في حضور حفل كهذا.

قرر الذهاب و التحدث معها قليلا ... لا يبدو أن الحديث معها بالأمر الصعب ... فهي لسبب ما تبدو مثله ... الأجواء هذه جديدة عليها تماما !

مشى بخطوات ثابتة ناحيتها حتى وصل إليها و تنحنح قبل أن يفتح موضوعا للحديث حتى يلفت انتباهها مطبقا ما تعلمه عند حضرة الأمير ميرزا.

حين سمعته التفتت إليه و نظرت له و في عينيها شيء من التوتر ليبتسم و يقول : مرحبا يا آنسة ... هل لنا أن نتعرف ؟

بدت مرتبكة للغاية ليكمل : حسنا سأبدأ بنفسي ... أدعى آراش و أتيت خادما للآنسة لينور.

بدى عليها شعور بالارتياح لحد ما و ارتخت ملامح وجهها و قالت بصوتها الرقيق : أدعى كارما ... و أنا مثلك خادمة للأمير بروسبيرو.

نظر إليها بتفحص و في الحقيقة لم تبدو كخادمة البتة فقد كانت ترتدي فستانا راقيا و شعرها مسرح بتسريحة جميلة للغاية ... كانت هناك بعضا من النمش في وجهها لكنه لم يكن سيئا عليها أبدا.

قال لها : رغم أنك خادمة لكن يبدو أنك من ضمن الحضور.

حركت رأسها إيجابا و اكتفت بذلك ... و من ثم توقف العزف لثوانٍ ... و علا صوت الأمير بروسبيرو : أولا أشكركم على تلبية الدعوة لحفلتي المتواضعة ...

كانت الأنظار كلها قد اتجهت نحوه فيما رسم ابتسامة رضى و هو يحدق في وجوه الحاضرين المتلهفين لما يود قوله قبل أن يكمل : دعوني أعرفكم برفيقتي في الحفلة و شريكتي بالرقص ... إنها الآنسة لينور ابنة التاجر آرماند والتر !

صفق الجميع له في سرور فيما تقدم هو ناحيتها و أمسك بيدها بلطف : هل يمكنني أن أحظى بشرف الرقصة الأولى معك ؟

حركت رأسها إيجابا ليمسكها و يقربها بخفة منه بوضعية الرقص و كانت نظراته معلقة بعينيها ... أما عنها فقد بدت ملامحها و ابتسامتها متكلفتين للغاية و كأنها ليست راضية تماما عما يحصل ... و من ثم صدح صوت أوتار الكمان أولا معلنا عن بدء معزوفة هادئة و بدى أن الجميع قد تأهبوا للرقص مع شركائهم.

نظر آراش للصغيرة المدعوة كارما و سألها : هل ترقصين معي ؟

بدت خائفة و مترددة و من ثم أجابت بالنفي و ذلك أثار تعجبه لكنه لم يلح عليها ... ربما هي لا تعرف الرقص وحسب !

بدأ الجميع بالرقص مع شركائهم و كانت لينور بين ذراعي المدعو بروسبيرو ... متقاربين جدا حدّ الاحتضان ... و ذلك يدفع آراش للشعور بالضيق و كأن ثقلا قد وضع فوق صدره أو أن الهواء قد نفد و لم يعد يملأ رئتيه فأخذ يشرب النبيذ ذي اللون الأحمر القاتم و هو لا يشعر أنه بخير ... يحاول تجاهل هذه المشاعر لكن ذلك لا يزيده سوى غيظا كما لو أنه يرمي الحطب على النار !

مضى الوقت ثقيلا عليه حتى انتهيا من رقصتهما و قد حيّاهما معظم الناس على ذلك فقد تراقصا معا بانسجام كما لو أنهما تدربها معا عليها ... و من ثم تجمع حولهما عدد من معارف الأمير بروسبيرو و لينور ليبدو لهما رأيهم في روعتهما و حسن مظهرهما معا ... و بسبب الزحام لم يستطع آراش رؤية شيء لكن أصوات المعلقين عليهما تصل إليه و ذلك جعله يشعر بالكتمة أكثر فأكثر !

لفت انتباهه وجود شرفة هادئة ... قرر الإسراع إليها و تنقية رئتيه من روائح العطور القوية هنا ... فلربما تكون هي السبب في جعله يشعر بالاختناق المستمر و ليس بقاء لينور مع ذلك "الأمير" مثلا !

سار باتجاهها حتى وصل إليها و قد كانت هادئة حقا مقارنة بالحفل ... اتكأ بمرفقيه على السور بعدما عقدهما و رفع عيناه الزيتيتين إلى السماء المظلمة المزينة بالنجوم ... و القمر بات ظاهرا للعيان أكثر من الليالي المنقصية إلا أن عددا من السحب كانت تزحف بخفة ليتوارى خلفها و يختفي عدة ثوانٍ كما لو أنه غير موجود.

أخذ يملأ رئتيه باتساعهما بالهواء قدر استطاعته و قد انزاحت عنه المشاعر السلبية نوعا ما لكنها لا تزال عالقة ... ود لو يتخلص من تلك الشريط الملتفة حول عنقه حتى يسعه التنفس قدر براحة فهي تضيق عليه.

ربما تكون هي الأخرى سببا في جعله يشعر بعدم الارتياح ؟

في النهاية قرر إزالتها رغم أنه لا يعرف كيف يضعها ... لكنه في الحقيقة لا يهتم بمدى أناقته في هذه الحفلة المخملية التي لا تناسب طبقته حتى ... راحته هي كل غايته و لن يسعى لإرضاء أي غاية سواها !

تخلص من تلك الشريطة و فتح زرين من أعلى قميصه و سحب نفسا عميقا و زفره بقوة و قال بانتعاش : هكذا هي الحياة ... جميلة دون أي قيود !

انتعاشه ذاك قد تبدد فور ظهور صورة لينور و هي ترقص برفقة الأمير بروسبيرو ... يا ترى هل كان سيشعر بذات الضيق لو كانت مع الأمير ميرزا ؟

أجل بات يدرك يقينا أنه يحبها بمقدار إدراكه أنه ليس إلا حب من طرف واحد و غير مكللا بالنجاح البتة.

كل منهما يعاكس الآخر تماما فهو مجرد مشرد فيما هي ابنة تاجر معروف ... مهذبة للغاية و تحسن التصرف بعكسه فهو يتصرف بغريزته كما الحيوانات ... حتى في الجمال فهي جميلة جدا و يناسبها الأمراء الوسيمون أما عنه فكلمة الجمال تفر منه هربا إذا ما رأت وجهه.

زفر بملل و رسم ابتسامة ساخرة : علي أن أعرف مقدار نفسي و أن لا أقحم نفسي في مشاعر غبية كهذه ... مالذي سأستفيده بأي حال ؟ ... هل سأتزوجها مثلا ؟ ... أعلم أن ذلك مستحيل ... علي التخلص منها وحسب !

لكن للأسف لم تكن المشاعر بالشيء الذي يسهل التخلص منه ... إنها شيء معنوي و لا شكل له و لا يمكن ليديه أن تمسكه و تقذفه لأبعد نقطة ممكنة عنه !

همهم ببطء : "معنوي" ...

أخذ نفسا و طرد الكلمة من رأسه و ظل يحدق في السماء مرة أخرى بعينين شاردتين ... شريط ذكريات سريع مضى أمام عينيه ... و كيف أن حياته مرت بعدة تحولات بداية من تخلص أحد والديه منه في قرية منعزلة ... لابد أنها كانت نقطة تحول كبيرة بالنسبة لرضيع في المهد أن يفارق أحضان والديه ... و من ثم حياته في الميتم التي مضت كجحيم بطيء بالنسبة لطفل صغير ... ثم أتت نقطة التحول الأخرى حينما تدمر المبنى و قرروا بيعه لبعض التجار ليهرب هو و يصل إلى المدينة التجارية التي كانت بمثابة نقطة بدء و انطلاق حياته الحقيقية !

التقى في المدينة التجارية مدربه ... دربه لعامين بشكل مكثف قبل رحيله ... دخل بعد ذلك في روتين خالٍ من التحولات حتى ظن أن لا تغييرات قد تطرأ عليه إلى أن قابل الأمير الوسيم ميرزا و عشيقته لينور ... و آخيرا و دون أن يحسب للأمر حساب وقع في حبها !

وعده الأمير ميرزا بعودة حياته إلى مجراها ... و أنه سيتركه يمارس السرقة كيفما يشاء ... و أخذ يسترجع أيام سرقاته الجميلة ... و كيف كان يسخِّر مهاراته في التخفي و سرقة ما يشاء بيده السريعة و حركتها الخفيفة و جسده الذي اعتاد على عدم اصدار أدنى صوت أثناء الحركة كما لو أنه يطفو فوق سطح الأرض.

كان يسمي نفسه ملك غابته التي يعرف كل شبرا فيها ... و لديه مخبأه السري في شجرته حيث يحتفظ بمسروقاته الثمينة ... و مكان الشلالات الذي يعتبره معقل للتدريب فلطالما دربه مدربه هناك ...

"اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية".

تردد صوت مدربه في مخيلته ... كان مدربه يسرق ما يحتاجانه من الطعام و الأغراض و يكرر هذه العبارة على الدوام و آراش لم بفهمها أول الأمر ... و من ثم استوعب آراش مدى غموض جملته و سأله ذات مرة عمّ يقصده بـ "حسية" !

حاول مدربه شرحها له بعدة طرق و قد فهمها ظاهريا و نقشها بقوة في ذهنه ..

رمش آراش قليلا و هو ينظر للمساحة الشاسعة أمامه و قد شكلت حديقة القصر الكبيرة و أضيأت بتلك الأعمدة التي يشتعل النار في نهايتها.

ها قد أتى عقله بكلمة "معنوي" ثانيةً بعدما تذكر كلمة "حسيّة" ... فأخذ يفكر قليلا في الكلمتين المتضادتين "حسية" وَ "معنوية" و صدى أحرفهما يتردد في ذهنه لفترة.

حرك بصره لذراعيه اللتان يعقدهما و يتكئ بهما على سور الشرفة لبرهة و قد أدرك وقتها نوع جديد من السرقة "المعنوية" ... نوع يختلف عن منظور مدربه تماما ... فقد تمت سرقته "معنويا" بالفعل و لذلك تمكن من استيعاب وجهة نظر جديدة ... مشاعره و قلبه تمت سرقتهما و لم يعد يستطيع التحكم بهما لأنهما في الحقيقة شيء "معنوي" !

و التي سرقتهما هي لينور ... أجل لينور سرقته .. باتت سنمّار حياته فقد تسللت بخفية دون أن يشعر بها ... و بمثل مهارة سنمّار و خفة يديه تمكنت من سرقة قلبه و عواطفه ... حتى باتت ملكها و لم يعد بمقدوره فعل شيء حيالها فهي في حوزتها !

ضحك بخفة على الأفكار التي راودته قبل أن يحرك بصره عن يمينه ليجد شرفة أخرى على مسافة لا بأس بها ... و لم يعلم إن كانت تلك محض صدفة أم لا لكن لينور و الأمير بروسبيرو وقفا هناك معا.

رؤيتهما معا تغيظه ... ود لو يقفز من شرفته لشرفتها و هو أمر ليس بصعب على آراش البتة ... لكنه قرر استراق السمع بدلا من ذلك ... و معرفة ما يدور بينهما !

نهاية الفصل الثاني عشر.

*************

ينتهي فصلنا الجميل هنا !

و أخيرا وصلوا للحفلة ... لا أكاد أصدق ذلك 😍😍
بوضولنا للحفلة يعني أننا قطعنا شوطا طويلا في الرواية 😆

رأيكم بالأمير بروسبيرو ؟

رأيكم في الفصل ؟

سيتم نشر الفصل القادم بعد ١٦ صوت ⭐️

قراءة ممتعة للجميع 😍😍

٢ أغسطس ٢٠١٨.

Continue Reading

You'll Also Like

16.1K 1.2K 6
يكفيك ان تتخبط بين مسافات كلم العنوان
1.6M 193K 44
مملكة سفيد ..القلب النابض للممالك الأربع، الاقوى بينهم، لكن تلك المملكة ورغم أنها امتلكت كل مقومات القيادة، إلا أنها افتقدت لشيء هام؛ " ملكة " تحكم ع...
7.3K 933 63
أرض أمارياسن؛ أرض غريبة يقطن بها سكان عجيبون. أين موقعها في الكون؟ممالك ثلات و رابعة غير مرغوب فيها، صراع بين الخير والشر بأطياف ملونة بالحيرة والتسا...
5.6M 166K 51
في وسط المدينة هناك حظ عاثر تورثه فتاة من امها تجاهد كي لا يعيش بناتها نفس المأساة ناسي ان الوراثة لا علاج لها insta: ho.sa105