سنمّار درع لينور

By tofy701

84.7K 7.6K 9.6K

.. "اسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية" .. نشرت في يوم الثلاثاء : الموافق : ٢٦ يونيو ٢٠١٨م ١٢ شوال ١٤٣٩هـ انته... More

【 المقدمة 】
【 الفصل الأول 】
【 الفصل الثاني 】
【 الفصل الرابع 】
【 الفصل الخامس 】
【 الفصل السادس 】
【 الفصل السابع 】
【 الفصل الثامن 】
【 الفصل التاسع 】
【 الفصل العاشر 】
【 الفصل الحادي عشر 】
【 الفصل الثاني عشر 】
【 الفصل الثالث عشر 】
【 الفصل الرابع عشر 】
【 الفصل الخامس عشر 】
【 الفصل السادس عشر 】
【 الفصل السابع عشر 】
【 الفصل الثامن عشر 】
【 الفصل التاسع عشر 】
【 الفصل العشرون 】
【 الفصل الواحد و العشرون 】
【 الفصل الثاني و العشرون 】
【 الفصل الثالث و العشرون 】
【 الفصل الرابع و العشرون 】
【 الفصل الخامس و العشرون 】
【 الفصل السادس و العشرون 】
【 ملاحظة 】
【 الفصل السابع و العشرون 】
【 الفصل الثامن و العشرون 】
【 الفصل التاسع و العشرون 】
【 الفصل الثلاثون 】
【 الفصل الواحد و الثلاثون 】
【 الفصل الثاني و الثلاثون 】
【 الفصل الثالث و الثلاثون 】
【 الفصل الرابع و الثلاثون 】
【 الفصل الخامس و الثلاثون 】
【 الفصل السادس و الثلاثون 】
【 الفصل السابع و الثلاثون 】
【 الفصل الثامن و الثلاثون 】
【 الفصل التاسع و الثلاثون 】
【 الخاتمة 】
【 أسوة ٢٠١٩ 】

【 الفصل الثالث 】

3.7K 302 347
By tofy701

【 الفصل الثالث 】

سنمّار !

*************

المدينة التجارية ... مدينة كبيرة جدا يتوافد التجار إليها من كل مكان ... برا أو بحرا هم دائما يقطعون المسافات من أجلها برفقة بضاعتهم ... و يأمل الكثيرون بالاستقرار فيها ... فهي مدينة مزدهرة و نشطة للغاية ... لو فتحت كشكا صغيرا فيها فإنك و بلا شك ستتمكن من كسب ثروة كبيرة و سيتحول الكشك إلى تجارة كبيرة و محلات ضخمة و أموال طائلة !

إنها طموح كل تاجر و تاجرة ... إنها أرض الأحلام لأي شخص يود أن يعيش حياة رغيدة ... و من منا لا يود أن يعيش باستقرار و راحة بال بين الأموال و الذهب و الألماس ؟؟

مدينة شاسعة و ذات مستوى عالٍ من التحضر ... الثياب فيها ذات جودة عالية و الطعام ألذ ما يمكن أن تتذوقه فيها و الترفيه فيها متنوع و كثير فالمسرحيات و عروض الخفة منتشرة بكثرة  ...

إنها جنة الدنيا بلا شك !

لكن لا يوجد كمال في هذا العالم ... حتى تلك المدينة التي ينتشر الأمن و الأمان و التي يصبوا إليها التجار لابد من وجود ما يعكر صفو الحياة الهادئة المسالمة ... خصوصا بالنسبة لأصحاب البضائع ...

فها هو ذا أحد التجار و الذي كان سمين الجسد أصلع الرأس يصرخ متذمرا و معترضا على ما حصل : لقد فعلها ! ... الخبيث فعلها !

كان يصرخ في الشارع بشكل معتاد فردة فعل أي تاجر تسرق بضاعته تكون بذات الطريقة و قد و بدى ثائرا و براكين غضبه تتفجر داخله محولة وجهه للأحمر ليقول أحد عماله مهونا عليه : لا داعي لكل هذا الغضب ... إنه صندوق واحد فقط ...

قاطعه و هو يصرخ بشدة : حتى و إن كانت قطعة واحدة من التحف فسيكون هناك داعٍ للغضب ! ... كيف تمكن "سنمّار" الخبيث من فعلها ؟؟

لم يجد أحد من العمال الذين يبدون في أعمار صغيرة و متقاربة ما قد يقوله له فهم حقا يجهلون كيف تمكن "سنمّار" من سرقة صندوق كامل من القطع الأثرية و اختفى به بهذه السرعة دون أن يلحظه أحد.

نطق أحدهم ببعض الإرتباك : أنت تعرف أن إشاعة المدعو "سنمّار" قد باتت متداولة بين التجار ... ما كان عليك التهاون في وضع الحراسة على بضاعتك !

كان بالفعل قد تهاون في الأمر فهو لم يصدق الإشاعة كونه لا يسكن في هذه المدينة بل أتى بحرا إليها ليبيع بضاعته و قد بدت له الإشاعة أشبه بالخيال ... لذا لم يعد هناك ما يقوله و ظل يفكر في غضب عما عليه فعله ..

نظر أحد العمال المستجدين لزملاءه و همس لهم : و لكن كيف عرفتم أن المدعو "سنمّار" هو من سرق الصندوق ؟؟

أجابه أحدهم : صحيح أن "سنمّار" سارق لكنه دائما يترك خلفه كلمة "سنمّار" بخطه الرديء المميز على أي شيء يسرقه و لو كانت قطعة خبز ...

- و لماذا يفعل ذلك ؟

- لست أعلم على وجه اليقين لكنني أظنه يستمتع بذلك ... ربما هو واثق جدا من أن أحدا لن يستطيع الإمساك به !

- هل هذا يعني أن أحدا لا يعرف وجهه ؟

- مطلقا ... لا أحد يعلم من يكون حتى ... هو معروف فقط بسرقاته !!

- و هل اسمه "سنمّار" حقا ؟

- بالطبع لا ! ... إنها فقط كناية له بسبب كونه سارق ... التجار و أصحاب المحلات و الكشكات أطلقوا هذا الاسم عليه حينما لاحظوا أن بضائعهم تختفي بشكل غامض ... و يبدو أنه علم بالأمر لذا بات يحفر هذا الاسم عند كل سرقة !

فجأة سمعوا صوت التاجر و هو يصرخ بغضب : يجب أن يعلم الأمير بشأن هذه السرقات التي يقوم بها "سنمّار" ... عليه أن يعاقب عليها !!

تحدث صديق التاجر بهدوء : الأمير يعلم بشأنه فقد سبق و وصلت الأخبار له ... لكنه لا يعطي للأمر أهمية بالغة ... فهو يقول بأن سرقاته لا تذكر و هو لا يقوم بجرائم خطيرة للغاية لذا لن يضيع وقته على المدعو "سنمّار" فهناك أمور أهم عليه حلها و الإنشغال بها ... إن حصل و تم كشفه و الإمساك به كان بها ... و لكنه لن يأمر رجال الشرطة بالبحث عنه و تقفي أثره ...

صرخ التاجر بصوته الثقيل : ذلك الأمير اليافع من يظن نفسه ؟؟؟ ... هل يظن أن سرقة صندوق واحد أمر لا يذكر !!

حرك صديقه ذا القامة النحيلة جدا بعكسه لكمية الصناديق التي يملكها و قد كانت كثيرة للغاية و نطق : مقارنة ببضاعتك فهي لا تذكر ... و لو أن "سنمّار" لم يترك اسمه خلفه لما علمت بأمر السرقة من الأساس !!

شعر الآخر بالغضب و صرخ في وجهه : بلى كنت سألحظ ذلك !!

كانت سرقات المدعو "سنمّار" فعلا بسيطة ... لكن ما يغيظ التجار حقا هو حفر اسمه خلف كل سرقة ... فهو مثلا يسرق من المخبز ثلاثة قطع من الخبز و بمهارته لا يلحظ أحد ذلك ... لكن فجأة يجدون ورقة شجر أو أي علامة مكتوب عليها اسمه و عدد القطع التي سرقها !

أحيانا يسرق بكميات متوسطة لكنه لم يصل مسبقا لسرقة كميات كبيرة ... كما أنه نادرا ما يسرق الأموال و المجوهرات و الحلي و الأحجار الكريمة ...

لكن القصة كلها تتمحور حول تصرفه المزعج الذي يجعلهم يشعرون بكونه يستصغرهم ... و كأنه يخبرهم أن أحدا لن يتمكن من الإمساك به مهما سرق !!

كان العامل الجديد يقف في حيرة من كل ما يحصل و لم يبدو أنه سمع عن "سنمّار" من قبل و أخذ يسير بعشوائية في المكان بعدما أخذ الأذن من سيده التاجر حتى اصطدم شاب يبدو في مثل عمره بكتفه و بما أنه كان شارد الذهن فقد قال بارتباك : آسف ... لم أقصد ذلك !!

تحدث الشاب بمرح و هو يضع يده على كتفه : لا لا داعي للقلق ... بل إنني مخطئ أيضا !

شق كل منهما طريقه ليكمل العامل المبتدئ سيره و قد كان المكان مزدحما بالفعل ... و لكونه كذلك فقد اصطدم عدة مرات بأشخاص مختلفين و كانوا يعتذرون له ...

و أخيرا عاد لحيث مكان عمله و انتبه لكون نقوده قد سرقت حينما ادخل جيبه و لم يجد سوى ورقة شجر مكتوب عليها "سنمّار" !

شهق بفزع و عدم تصديق : "سنمّار" !!!

نظر جميع زملاءه له متعجبين و قال أحدهم : ما باله "سنمّار" ؟؟

رد و هو ينظر ناحيتهم : لقد سرق مالي و وضع هذه الورقة في جيبي !!

لم يصدق أحد ما قاله و توافد الجميع عليه و قال أحدهم بانفعال و قد سحب الورقة منه ليتأكد من كونه خط "سنمّار" الرديء : محال ! ... سنمّار لا يسرق بهذه الطريقة سوى نادرا جدا !

و أكمل آخر : ربما ثلاث سرقات فقط أتمها بهذا الشكل !

تحدث العامل المبتدئ بعدم استيعاب : و لماذا لا يسرق "سنمّار" بهذه الطريقة ؟ ... أ ليس هو سارق بالفعل ؟؟

صرخ الجميع بصوت واحد : أ لم تفهم يا غبي ؟؟

و قال أحدهم شارحا الفكرة له : لا أحد يعلم شكل "سنمّار" و إذا ما قام بسرقة كهذه فهذا يعني أن الضحية قد قابلته وجها لوجه !

و تابع آخر : و هذا يعني أنك قابلت "سنمّار" وجها لوجه !

أشار لنفسه بعدم تصديق : أنـــا ؟؟

حينها أنهالوا عليه بالأسئلة عله يتذكر أي شخص اصطدم به أو تحدث معه عن قرب لكنه للأسف ذهب لمنطقة مزدحمة و قد اصطدم بالكثيرين و لم يستطع على وجه اليقين أن يذكر شخصا مريبا من بينهم أو يبدو عليه كـ لص أو مجرم !

حين أخبرهم أنه ذهب لمنطقة مزدحمة فهموا لماذا سرق "سنمّار" منه مباشرة فيبدو أنه كان واثقا من كونه لن يتذكره و لن ينتبه عليه من بين الزحام !

*************

شاب صغير بدى بعمر الثامنة عشرة ذا شعر أسود مطفي قصير للغاية و عينان زيتيتان حادتان و صغيرتان ... لم يكن وسيما في الحقيقة لكن أحدا لا ينكر أن ابتسامته جذابة و ملفتة ...

كان يسير في الطرقات الحجرية حتى دخل المخبز المفضل له و الذي يقصده كل فترة و اتجه نحو طاولة الحساب و قال للبائعة ابنة البائع المقاربة لعمره : أهلا أنجلي ...

نظرت أنجلي له بابتسامة : أهلا بك آراش ... مضت فترة منذ قدومك !

تحدث بابتسامة : أبي تطوع اليوم و قام بإعطائي المال لشراء الكعك ...

ابتسمت في سرور : هذا جيد ..!

قدم لها المال و نطق و هو لا يزال محافظا على ابتسامته : قطعة من الكعك من فضلك يا آنسة !

قالت بمرح : حسنا سيدي ... سيصلك طازجا خلال لحظات !

ابتعدت فيما ظل يحدق بها مطولا ... كانت جميلة بملامح هادئة و شخصية لطيفة ... حسنا التفكير بها كزوجة أمر وارد بالنسبة لشاب مثله ... لكنه سرعان ما طرد تلك الأفكار اللعينة كما يسيمها في نفسه ...

فهو لن يتزوج أبدا و لا يفكر في ذلك حتى !!

عادت له بالكعك في علبة صغيرة و قالت : تفضل !

تسلمه من يدها و هو يشكرها : شكرا لك حقا يا أنجلي ...

وصله صوت والد الفتاة من بعيد : أوه لقد أتى آراش !

ابتسم ابتسامة واسعة و لوح له : أهلا يا عم !

وصل والدها ليقف مجاورا لها : كيف حال والديك يا آراش ؟

رد بابتسامة : كلاهما بخير ... لا داعي للقلق !

ليكمل والدها : علينا زيارتكم في أقرب وقت ... أ لا تعتقد ذلك ؟

قال مؤيدا إياه : فعلا ... لكنهما حقا منشغلين بالتجارة و يسافران كثيرا جدا ... لذا أنا آسف لأنك لم تراهما حتى الآن !

و أردف بمرح : حسنا إذن أنا ذاهب الآن ... أراك لاحقا !

و هكذا خرج من عندهما و سار في الطرقات حتى وصل لنافورة في منتصف الطريق ...

كانت ذات حجم متوسط فجلس على حوافها و أخذ يأكل الكعك و هو يعد النقود التي بحوزته قبل أن يبتسم في شغب ثم ضحك بخفة و فخر و همس : مذهل ! ... لقد تمكنت من سرقتها من ذلك المبتدئ و تمكنت من تناول الكعك بشكل قانوني اليوم !

أكمل تناول الكعك و هو يشعر بأنه انجز انجازا عظيما فقد سرقها مباشرة من الضحية ... لا يزال بحوزته المال أي يمكنه الذهاب لشراء ثياب جديدة و عدد من الأدوات التي يحتاجها ...

أنهى تناول الكعك و وقف بعدما كان جالسا و جال في الأسواق و هو يفكر في الخباز و ابنته ... يشعر بالأسى لكونه يكذب عليهما و يخبرهما أنه ابن عائلة و له والدين بينما هو في الواقع لا يملك منزلا حتى ...

تجلت أمامه ذكرى قديمة له حينما أتى للمدنية السياحية أول مرة قبل ما يقارب الثمان سنوات ... كم كان جائعا وقتها و حينما أراد سرقة قطعة خبز صغيرة من المخبز تم ضربه ضربا مبرحا ... لا يزال يذكر أن والد الفتاة هو من قام بضربه و فور تذكره لهذه الذكرى فإن كل شعور الأسى يتلاشى ...

هو لم يتصرف بسوء و لم يخطئ في حقهم سوى أنه كذب عليهم بشأن والديه ... و يسرق منهم الخبز و الكعك بين الحين و الآخر باسم "سنمّار" ... إنه لا يقارن أبدا بذلك الضرب الذي تلقاه طفل صغير يكاد يموت من الجوع قطع مسافات طويلة سيرا على قدميه حتى تقطع حذاءيه ...

لم يكن لديه ذلك الخباز ذرة من الرحمة و هو أيضا لن يكون لديه ذرة من الندم ... يحزنه حال الفتاة أنجلي في بعض الأحيان لكنه فعليا لم يتصرف معها بسوء و في الوقت ذاته لم يكون صداقة متينة معها ... لذا ليس مجبرا أن يكون صادق معها فهو مجرد زبون يأتي كل فترة يتناول الخبز و الكعك بالطريقتين القانونية و الإجرامية !

"أسرق ما تشاء طالما هي أمور حسية" !

صوت مدربه يتردد دوما في أذنه و هو ينطق هذه العبارة ... و لهذا فهو لم يندم على أي سرقة سرقها حتى اليوم ... فهو يسرق على قدر حاجته ... و مادم ما يسرقه هي أمور "حسية" و "بسيطة" و "على قدر حاجته" فهي ليست بتلك المعضلة ..!

لن تتوقف تجارتهم و أسواقهم بسبب قطعة خبز أو تحفة فنية صغيرة أو صندوقا من بين المئات من الصناديق بل لن تتأثر من الأساس بهذا الأمر ... لكنهم يحبون تضخيم الأمور و كأن ثروتهم كلها تتوقف على الشيء البسيط الذي قام بسرقته !

اشترى حبرا و ريشة من إحدى المتاجر و سار شاقا الطريق إلى منزله ... و هو يفكر في الصندوق الذي سرقه ليلة الأمس و مالذي عليه فعله ... فهل يبيعه كله لأحد التجار المارّين ؟ ... أم يقوم بفتح الصندوق و بيع ما فيه قطعة قطعة ؟

سار و سار حتى بدأت مظاهر الحضارة و البيوت تختفي تدريجيا من حوله ليخرج من تلك المدينة و يصل للغابة المحيطة لها ...

تسلق فوق إحدى الأشجار بخفة و أخذ يقفز بمرونة و سرعة بين شجرة و الأخرى و لم يمضي سوى لحظات حتى وصل للمنطقة التي يعتبرها منزله ...

منزله هذا يبعد عن المدينة التجارية بمسافة لا بأس بها لا أحد يمكنه الوصول إليها و يستحيل لهم ذلك بأقدامهم ... ربما يتمكنوا من ذلك بالعربات ... لكن حتى لو وصلوا إليها سيواجهون صعوبة بالغة في العثور عليها فالمنطقة التي اختارها متوغلة بين الأشجار و الصخور الوعرة لذا فإن نسبة واحد في المائة فقط هي أن يتمكنوا من العثور عليها !

وصل لشجرته التي يعتبرها سريره ... فلديها غصن بحجم يناسب جسده النحيل ليستلقي و ينام فيه براحة ... كشخص طبيعي يستحيل النوم فوق هذه الشجرة لصغر الغصن و المسافة البعيدة التي تفصله عن الأرض ... سقطة واحدة و ستستيقظ بذعر و الدماء تغطي رأسك !

كان الصندوق الذي سرقه مخبأً بين الأشجار فأخرجه و قرر فتحه و رؤية ما فيه حتى يقرر ما إذا كان عليه بيعه بالجملة أو بالقطعة ...

ضربة واحدة من ذراعه القوية على أحد جوانب الصندوق كانت كفيلة بفتحه دون أضرار ... و من ثم نظر للتحف الموجودة و همهم بإعجاب و هو يلتقط الواحدة تلو الأخرى لرؤية مدى جمالها ...

البعض منها عبارة عن بلورات زجاجية بداخلها توجد تحفة صغيرة مجسم لبناء أو شجرة صغيرة ... وجد أيضا صناديق موسيقية صغيرة تعمل عند إدارة المفتاح الموجود بها .. و كذلك توجد زجاجات تشبه زجاجات العصير لكنها صغيرة بحجم كف اليد تقريبا و توجد داخلها الورود المجففة ...

كانت هناك زجاجتين بحجمين متساويين فأخذهما و بات يحدق فيهما حتى خطرت في باله فكرة فابتسم ثم قام بفتح الغطاء من الأعلى و الذي كان عبارة عن سدادة خشبية و أخذ يفرغها مما في داخلها لكنه لم يتمكن من افراغها تماما ...

بقيت القليل من الورود الجافة لكنه تركها داخل الزجاجة ثم سار باتجاه شجرته و وثب وثبة عالية ليمسك بالغصن المرتفع و يصعد فوقه بسهولة ...

مد يده باتجاه جذع الشجرة الضخم حيث وجدت كتلة من الأغصان و الزرع و أزاحها بهدوء ليكشف عن مخبئه الصغير الذي حفره وسط الشجرة واضعا الأغراض الثمينة بالنسبة له ...

ادخل يده و راح يتحسس ما بداخلها حتى وصل لمبتغاه فأخرج ذراعه ممسكا بفخار صغير الحجم مصنوع من الطين و شكله يشبه فاكهة الكمثرى و أعلاه مغلقا بسدادة خشبية أيضا ...

جلس باعتدال و وضع الزجاجتين الصغيرتين اللتان كانتا بالفعل داخل الصندوق إلى جانبه و أمسك بالفخار في يد و اليد الأخرى سيستعملها لفتحه و إزالة الغطاء ...

و بحذر شديد جدا سحب قطعة الخشب المثبتة على فوهة الفخار و حالما فعل خرجت منه فراشة فأمسكها بسرعة و أعاد الغطاء لمكانه بشكل يسمح له بفتحه بسهولة المرة القادمة ..

التقط إحدى الزجاجتين من جواره و أدخل الفراشة تلك داخلها و احتبسها هناك ... و كرر ذات الأمر بالضبط مع الفراشة الثانية التي كانت موجودة مع الأولى داخل الفخار و وضعها في الزجاجة الأخرى ...

رفع إحدى الزجاجتين بيد و الأخرى باليد الثانية على مستوى عينيه و أخذ يراقب حركة الفراشتين اللتان تطيران بعشوائية داخل الزجاجة و رسم ابتسامة عريضة على وجهه : ها هي ذي الـ"ڤـيڤـيلتـري" بين يدي و بشكل أنيق جدا !!

و أردف و هو يقول و كأنه يخاطب الفراشتين مقطبا حاجبيه : اسمكما صعب للغاية كصعوبة العثور عليكما و اصطيادكما ... لكن كل شيء يهون في سبيل تحقيق أمنيتي البسيطة !!

كانت هذه الفراشة أو كما هي معروفة بـ "ڤـيڤـيلتـري" هي أعز ما يملكه آراش في الوقت الراهن ... فقد استغرق الأمر منه سنين عديدة حتى تمكن من الحصول على زوجين منها كما تمنى ...

لها ألوان عديدة و مختلفة ... لكن التي في قبضة آراش كانت ذات لون وردي غامق ... لونها جميل و زاهي للغاية و وجودها داخل الزجاجة الجديدة مع بعض من الورد المجفف جعلها تبدو أجمل بكثير !

ظل للحظات يحدق بالفراشتين بنفس وضعيته و هو يتأمل جمالهما و يسعد نفسه بهما بابتسامته الواسعة الراضية التي شقها على وجهه و من ثم وضع الزجاتين لمخبئه السري فيما ألقى بقطعة الفخار تلك باتجاه الأرض لتسقط و تتحطم لأشلاء و هو يقول بمرح : لم يعد لي حاجة لها بعد اليوم !!

ثم قفز بجسده النحيل الخفيف من الأعلى حتى استقر على الأرض بجوار الصندوق : الصندوق جميل و لو بعت كل قطة بشكل مفرد فإنني سأربح الكثير ... لكنني حقا أخشى أن يتم كشفي بشكل أو بآخر ... سأبيعه كله دفعة واحدة قبل أن أثير الشكوك فضمان حياتي هو الأهم بالطبع !

أعاد كل الأغراض داخل الصندوق بترتيب و هو لا يرغب بأي منها و أخذ فكر في نفسه عن أي الطريق يذهب إليه ليبيعها فيه ...

الطريق الموصل للمدينة التجارية مباشرة مستبعد تماما منذ البداية ... فهو حين يبيع الأغراض المسروقة لقطاع الطرق أو التجار أو الرحّالة لا يبيعها أبدا باتجاه الطريق الموصل للمدينة التجارية بل يختار الطرق الأخرى البعيدة جدا عن هذه المنطقة و التي غالبا لا توصل لهذه المدينة بل توصل لمدن و قرى أخرى ... و السبب بالطبع حتى لا يتم الشك به بأي طريقة ...

و رغم أنه يتلثم و يغطي معظم ملامح وجهه في كل صفقة تجارية لكن يظل الحذر واجب لشخص سارق مثله !

الطرق التي يذهب إليها بعيدة كل البعد عن مقره الذي هو في الأصل بعيد عن المدينة التجارية ... لكن جسده القوي و المرن و الذي يقوم بتدريبه كل يوم لساعات عدة يجعله يقطع تلك المسافات في أوقات قياسية جدا بحيث تجعل الشكوك المتحمورة حوله مضمورة تماما ...

لا زال يفكر في أي طريق من الطرق عليه أن يبيع صندوقه هذا ... فهل يبيعه للطريق الموصل للعاصمة ؟ ... أم الطريق الموصل للقرية البسيطة القريبة ؟ ... أم الطريق الموصلة للمدن فوق الجبال ؟

احتار و لم يعرف أين يذهب و أين يمكنه حقا العثور على زبائن جيدين ... و أخيرا قرر أن يذهب بنفسه لتلك الطرق و استكشافها ... و الطريق الذي يلحظ أن عددا من العربات تسير فيه سيقصده حتى يتمكن من بيع بضاعته المسروقة !

وقف و أخذ حافظة خاصة بالماء و التي يحملها معه في معظم رحلاته و من ثم قفز فوق إحدى الأشجار ليبدأ رحلته في سباق مع الزمن هو الفائز فيه دائما ..

إنه أسرع من الوقت و الساعات و يكاد ينافس الدقائق و الثواني ... سرعته تعطيه كالقدرة في التحكم بالزمن بين يديه كما يشاء !

أخذ يقفز بين الأشجار و أوراقها المتساقطة بخفة دون أن يشعر حتى بالتعب و كأن ما يفعله هو السير على قدميه ... و بينما كان كذلك لمح وجود عربة ذات شكل بسيط لحد كبير ...

كان الطريق الذي تسلكه العربة وعر و ليس معدا للاستخدام و ذلك أثار تعجبه لدرجة أنه توقف عن القفز بين الأشجار كالقردة و استقر فوق غصن أحدها و مكث يحدق فيها و قد راوته الكثير من الأفكار الشيطانية ...

فهو بالإضافة لكونه سارق إنه في بعض الأحيان يتحول إلى قاطع طرق !

لكنه نادرا ما يتحول لقاطع طرق ذلك لوجود مواجهة مباشرة بينه و بين الضحايا و هذا ما يحاول دوما تجنبه ... لم يشتهر أو يعرف أبدا كقاطع طرق على عكس كونه سارق تماما ..!

تلثم جيدا قبل أن يرسم ابتسامة مشاكسة على وجهه : لنلعب قليلا ... صحيح أن الطريق قريب لحد ما من المدينة التجارية لكن كونه وعر فسيبعد الشكوك عني بالطبع ... شاب صغير مثلي لن يصبح قاطع طرق في مكان وعر كهذا فجأة دون سابق إنذار !

نهاية الفصل الثالث ..

*************

تم قفز العديد من السنوات بشكل مفاجئ 😂❤️

١- رأيكم بالقفزة في الأحداث ؟ و ما توقعاتكم لما حل بآراش و بما سيحصل له ؟ ... و هل توقعتم أنه هو المدعو "سنمّار" ؟

٢- رأيكم بالفصل ؟

كان من المفترض أن يتم النشر في وقت أبكر ..
لكنني أصبت بوعكة صحية بسيطة 🤧

على كل حال ... قراءة ممتعة للجميع 😍😍❤️

Continue Reading

You'll Also Like

38.9K 1K 102
قال لي من أنت ..؟ فقلت لا يغرنك جرئتي في الكتابة .. فتلك التي تمسك بقلمها .✍...لتدون لك كل هذا الحب ليست انا ...!! انا إمراة خجولة في الحب . ...تخت...
1M 14.1K 24
زواج اجبار تم تزويجهم باالاجبار من قبل عائلتهم لانها كانت تجمع بين الوالدين صداقه حميمه لذالك اتفقا على تزويجهم بالرغم ان ساره ومراد كانا معترضين. و...
16.1K 1.2K 6
يكفيك ان تتخبط بين مسافات كلم العنوان
45.4K 3.2K 33
هل سمعتم يوماً بمقولة " الفضول قتل القطة " ؟! هل تعلمون ما قصة هذه المقولة ؟! إذا كان جوابكم " لا " فدعوني أخبركم بها.. في قديم الزمان كان هناك قطة...