دومينا مملكة للنساء فقط +١٦

De Avuona_X

48.4K 3.5K 1.4K

في العصور الغابرة، كان وأدُ البنات وقتلهن عادةٌ سائدةٌ، لكن ماذا إذا انقبلت الأدوار، وكان للنساءِ السيادة ولل... Mais

إهداء
لمحات
ثمانِية عشَر
ليلة سقُوطِ الشَرف
أَذهَانٌ جَدْبَاء
سُيوفٌ وعطور
قِسمَةٌ ضِيزَى
بُيوتٌ مُشيَّدةٌ على عُصِي
البُقعةُ المُحَرَّمة
جبرُوتُ حَوَّاء
لَا ذُكورَ بعدَ اليوم
أنتِ ذُكُورِية رَجعيةٌ
مِنْحَةُ مِحْنَة
دقَّت القَارِعَة
ذكرى سنوية دومينا

نِصفُ الأنثى المَفقُود

1.5K 202 101
De Avuona_X


«لا يهم ما الذي أعنيه، المهم أنك ملعونة، إلى الأبد...»

«ملعونة؟ ما الذي حدث؟ هل تصدقين هذه الخرافات التي عفا عنها الزمن؟»

«نعم أصدق! وحدث مثيلها مسبقًا، لا أعلم من أين أبدأ بالضبط، فقط اللعنة التي حلت عليك لا تشبه لعنة العوام؛ لأنك من المفترض أميرة وأسوة لهن لكن... تذكرين عندما أتمتِ السادسة عشر؟ وقتها اصطحبتك إلى الحكيمة لنرى لمَ تأخر حيضك، أعطتك بعض الأعشاب التي قد تساعد، لكنها لم تُجدي صحيح؟»

«صحيح، لم يحدث شيء، بل أذكر أن حرارتي ارتفعت وبتت طريحة الفراش، ما معنى هذا إذن؟»

«معناه أنك نصف أنثى!»

«كيف نصف أنثى؟ هل هناك أنصاف أجناس؟ ما الذي تعنيه؟»

«أعني أنك بلا رحم كبقية النساء، لقد اقتلع الجن رحمك جزاءً لما اقترفته من ذنوب.»

«كيف بلا رحم؟ كيف علمتِ؟»

شعلة نار قيدت في صدري، وكأن قلبي يحترق على حطب ضلوعي، تموعت نفسي كأني استنشقت رماده، بسمة ألم نقشت على ثغري لامستها دمعة دافئة دون مقدمات، لقد كان هذا متوقعًا بالنسبة لي، وليست مفاجأة، لكنها آلمتني؛ أنا متعايشة مع هذا الخطب منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يتغير شيء، كنت أظن الوقت سيطول، لكن ليس معناه أن لا يأتي من الأساس، رغم هذا لا زال الألم يزور أيامي ويتقلب بين أضلعي، أنا فقط قلقة حيال أيامي القادمة.

«أنا أتواصل مع الجن وأحفظ شفرة التواصل معهم، أخبرني أنهم قاموا باقتلاع رحمك؛ لأنك تعديتِ على قواعد دومينا، وقد سخط الجن عليك.»

«الإدراك صعب... هل هذا يعني أنني لن أستطيع أن أتزوج؟ لن أنجب أطفالًا يشبهونني؟ لدي عاهة مستديمة؟»
تحركت يدي إلي حيث يقبع فؤادي، وكأنها تلمم شتاته الذي انفطر بعينين دامعتين.

«هذا جزاء من يتجرأ على قواعد دومينا!»

«هل تتشمتين بي؟ أنت سعيدة! وكيف علم الجن أنني كنت سأفعل هذا؟ لا أستطيع استيعاب أي شيء!»

«لا، لمَ أتشمت بك؟ أي أم هذه التي تفرح بشيء كهذا لابنتها؟ لكنها الحقيقة، الجن محيط بالأمور صغائرها وكبائرها.»

«استغفري لربك هذا الشرك، كيف للجن أن يعرف أشياءً كتلك؟ ثم منذ متى وأنت تعتبرينني ابنتك؟ ألستِ الملكة فتون فقط ولستِ أمًا لأحد؟»

«أنتِ من تشككين بإيماني؟ هل نسيتِ نفسك! من التي كانت تُعرض عن طقوس العبادة؟ من التي رفضت وشم الروحانيات على رسغها؟

وكوني أمك أو الملكة فتون لن يغير من وقائع الأمور.»

«متى سأشعر أنك أمي؟ لمَ تشعرينني أنني عدوتك؟ ماذا فعلت لأنال منك كل هذا الجفاء؟ بدلًا من أن تواسيني وتحضنيني تلقين كلامًا يسُم بدني، شتان بينك وبين أي أم، كلما هرعت لأسكن بين حضنك لا أجد سوى الغلظة، هذا إن لم تدفعينني بعيدًا عن حضنك.»

«المشاعر شيءُ غبي، للحمقى الفارغين الذين لا يجدون ما يسد فراغهم، إن أردتها ابحثي عن شخص سواي.»

تغافلت عن برودها المعتاد، ماذا أنتظر من جلمود الصخر هذا؟ لذا عقبت على كلماتها الأولى فقط.

«وهل هذا يعني أن النساء خلقن لينجبن فقط؟ ماكينات إنجابٍ لم تترقِ لأن تكون إنسانًا يعيش دون شروط؟ وإن فقدت قدرتها على الإنجاب هكذا تنقص أنوثتها وكينونتها؟

أين كلامك عن المرأة القوية التي لا ينقصها شيء؟ أم أنك لا تؤمنين إلا بما يحلو لك؟»

«هل جننتِ! من أنت لتخاطبيني بهذه اللهجة التهكمية؟ لم يخلق من يحادث الملكة فتون بهذه الصيغة!»

«حسنًا، بعد إذنك.»
لست قادرة على سماع كلمة أخرى منها، نظرت إليها بخيبة أمل، وهَنت من كل الذي أكابده في حياتي، كل شيء بات باهتًا في عيني، لكن يجب أن أتماسك، الحياة فيها الكثير، لن تتوقف حياتي على شيء لم يكن في حسباني من الأساس، أعلم أنها محاولة فاشلة لمواساة نفسي، لكن ما باليد حيلة، قمت من مقعدي وغادرت هذه الغرفة بعد أن أخذت الإذن بالانصراف.

__________

كان أسبوعًا دراميًا بحتًا، أحتاج أن أرتاح لمدة أسبوع مثله، كنت أستغل أي فرصة أتواجد فيها وحدي لأجهش في البكاء والعويل، أملًا أن يطفئ ماء العين هذا ناري، بكاء يشفي وإن كان لا يُجدي، أتظاهر بالقوة وأنا هشة سهل النيل مني.

ماذا إن علم أيهم بهذا؟ هل سيتوقف عن مراسلتي؟ هل سيتوقف عن فزعي كل ليلة خميس برسائله الصفراء المتملقة؟ هل سيكرهني العالم لأني لست كاملة الأعضاء كنظيراتي من الفتيات؟

أضع يدي على هذا الجسد العقيم وأذرف الدموع، أمر على بطني التي لن تحضن أي روحٍ بين أحشائها بلمسات متأنية، كلي يقين أن الرب سيعوضني عن هذا الفقد، لم تكن هند بجانبي لتربت على كتفي أو تحتضنني، لففت ذراعيّ عكس بعضهما حول كتفي كأنني احتضن نفسي، أشعر بأن روحي خاوية، وكأنني خلقت وحدي في هذا العالم القاسي.

مع ذلك يجب أن أتواجد مع الجاريات؛ لأنني أشعر أني مهملة في حقهن، خاصةً بعد الذي حدث مع هند وأنا غافلة، لكنني فخورة بنفسي، لقد واجهت الكثير من المواقف التي قوتني وزادت من تماسكي، لم أعد أنتظر أيهم ليملأ فراغ حياتي، ولم أعد أضيع وقتي في تفاهات، بتت أشعر أن الأقدار تستعملني لغرض أهم، توجهني لهدفٍ سامٍ.
لكنني لا أعلم، أما زال حبه يسكنني؟ أم أنه غادرني منذ مدة؟

نزلت إلى الطابق الأسفل وفؤادي مثقلٌ بالهموم، أشعر بالصداع الشديد، الذي تنعكس آثاره سلبًا على وجهي الكئيب.

«دارنده موقعيت الأميرة أسمى!»
أفسح لي عدنان الطريق كي أمر وقامت الفتيات من مكانهن ووقفن بأدب أمامي يضعون أنظارهم في الأرض.

«عمتن صباحًا يا فتيات، لماذا لم تغادرن القصر؟»
عم الصمت لوهلة ولم ينطق أحد.

«ما بكن؟ هل التُهمت ألسنتكن؟»

رفعت إحداهن يدها البيضاء والتردد يكاد يلتهم يدها، لتستأذنني في الحديث قائلة:

«سيدتي، إلى أين نذهب؟ لا أهل لنا ولا منزل، نحن لقيطاتٌ من عروق مختلفة، أسرن في حروب الممالك، أنخرج لنعمل في حفر الآبار بين الرمال وتحت الشمس المحرقة؟»

سرحت بخيالي ولم أنتبه سوى لكلمة «من أعراق مختلفة» كيف منهن الأعجمية والعربية وكلهن بالشعر الأسود الدوميني؟ كذلك لسن بنفس البنيان الغليظ الذي يميز نساء دومينا، هل البنيان الغليظ صفة مكتسبة؟

«أجل صحيح، أنت محقة.
لكن ما الذي يجعلكن تحملن صفات سكان دومينا وأنتن لا تنتمون لها في الأصل؟»
نظرت إلى عينيها الواسعة المحاطة بالرموش الطويلة مرة أخرى، أراقب شعرها الأسود وأنتقل بعيني فتطوف على كل الفتيات بلا استثناء بشعرهن الأسود الداكن. ويقع المشهد على غيداء تواري نفسها بينهن وبدا من حركة فكيها أنها تجز على أسنانها كالأطفال من الغيظ.

«عندما جئت إلى هنا اعطوني ترياقًا مسحورًا شربته، بعد أسبوعين شعرت أن نموي ازداد بشكل مفرط وشعري بات أغمق وأطول.»

تذكرت قراءتي في كتاب قواعد دومينا، عندما حكى الكتاب أن جواد فارس لاكرين كان يرد أن يبسط نفوذه على أي بشري كان، فضم أي أحدٍ كان يمر حول دومينا كي يخضعه
تحت حكمه، الآن فهمت ما فعل، خطة ذكية للغاية.

«ما اسمك يا فتاة؟»

«اسمي عنود يا سيدتي.»
رفعت عينيها لتنظر إلي بنظرة منكسرة، دون أن تحدث كثيرًا كي لا تكون قد أسأت الأدب

«منذ متى وأنت هنا يا عنود؟»

«جئت منذ عام تقريبًا، أسرت في آخر حرب لدومينا مع مجورا قبل التحالف وعودة السلام.»

«لماذا أشعر أن عددكن قليل؟ أين البقية؟»

«قد تجدينهن في المرحاض العام أو في خيام داخمي، والعمال يرسلون لهن الطعام مغلفًا بالقماش خوفًا من نجاستهن.»

«مرحاض ماذا؟ وخيام داخمي ماذا؟ ما الذي يفعلنه هناك؟»
دنوت منها وهي ثابتة في مكانها، وحولها همهات الفتيات وصوت حديثهن الخفيض.

«نحن في بداية الشهر يا سيدتي، موعد حيض كثير من الفتيات هنا.»

«أجل، لماذا هن في المرحاض الآن؟»

تنهدت واضعة وجهها في الأرض وقد فرقت بين خصل شعرها المتلاقية أمام وجهها، ثم أسكنتها خلف أذنها قائلة:

«لا أعلم كيف أشرح لكِ لكن تعلمين يا سيدتي، لا يجب أن يتحركن في القصر كي لا يجعلنه موضع نجاسة، وفي الوقت ذاته يجب أن يعملن، لذا هن محبوسات في الخيام كذلك إلى أن يغتسلن.»

كيف لم أسمع بهذا الكلام من قبل؟ يبدو أن هذا القصر سكانه أغراب عن بعضهم، رغم وحدة المساحات والجدران إلا أن القلوب متنافرة.

شردت وبدأت أفكر في حل سريع لهذه المشكلة.

«ديما، هل يمكنك أن تتبعينني؟ لكن قبلها أحضري بعض القماش من جناحي ومقصًا؟»

«تحت أمرك يا أميرة.»

«وأنتن يا فتيات، ترقبن هنا، لم ينتهِ حديثنا.»

مضيت في طريقي إلى المرحاض، وإذا بي أرى أسوأ مشهد يمكن أن تراه في حياتك.

إحدى الفتيات مستلقية بجسدها الأعجف على أرض المرحاض الباردة، تفككت ربطة شعرها الطويل وتبلل من الماء المسكوب على الأرض أثناء التنظيف، بجانبها قطرات دماء حائرة.

يبدو على وجهها الشحوب والاصفرار، تذكرت مشهد الفتاة التي كانت تحفر في الصحراء. اقتربت منها متأنية، حركت كتفها بلطف كي تفتح عينيها شاهقة.

«أميرة أسمى! ماذا يحدث؟ أعتذر منك أنا، آسفة!»

فزت من مكانها ووقفت لتحييني التحية الملكية، لكنني دفعتها برفق إلى مكانها وأنا أتحاشى الدماء.

«علام تعتذرين؟»

«أقصد... أقصد أنني متقاعسة عن عملي، ومن المفترض أن أدعك هذا الحمام وأنظفه.»

قطع كلامها صوت إحداهن تتألم من داخل مكان الاستحمام بعد أن سمعت صوت دبيب وسقوط أداة خشبية، نهضت في عجلةٍ لأدفع الباب الخشبي وأرى ما بها.

«أنا آسفة يا أميرة، لكنني كنت أعمل بنشاط إلى أن شعرت بدوار ولم أتمالك نفس فوق هذ الأرضية المملوءة بالصابون.»

اقتربت لتتضح لي الرؤية التي كان يجحبها عامودٌ جيري أبيض، وإذ بس أرى فتاةً في مقتبل العمر، تظهر عليها هالات الإرهاق والتعب.

«لا عليك، أهم شيء ألا تكوني قد أصبتِ بمكروه، خلاف كاحلك الذي يبدو أنه التوى.»

«هل هناك فتيات هنا غيركن؟»

«لا أعتقد، قد يتواجدن في الحمامات الأخرى.»
أخذت تتألم وهي تتحدث.

خرجت إلى الساحة وأنا أفكر، لماذا يختار الإنسان أن يكون عبدا ذليلًا والخلاص بين يديه؟ أعلم أنهن في حاجة ماسة إلى المال، لكن لماذا تبتزنا هذه الأوراق عديمة القيمة؟ لماذا يصنع الإنسان أداة إبادته بيده؟

قابلتني ديما بالقماش كما أمرتها، أخذته من يدها بعد أن أُخرجت الفتيات من الداخل، بدأت

أقص قطعًا عريضة من القماش، طويته عدة مرات كي أضمن أنه سيكون آمنًا.

«استعملن هذه الأقمشة مع ملابسكن؛ كي لا يحدث ما يسبب لكن الحرج، لن تعمل فتاة فيكن وهي مريضة أبدًا، وهي ليست نجسة كي تلقى في الحمام أو في الخيام وسط العقارب والأفاعي، رفقًا بأنفسكن، وكفى صمتًا عن هذا العنف والقمع!

إن من يفرط في أبسط حقوقه سيجد كل شيء يسلب منه رويدًا رويدًا إلى أن يجد روحه كذلك تسلب منه.»

دخلت الحمام مرة أخرى ومسحت الدماء التي كانت في الأرض بقطعة قماشية ثم رفعتها لأعلى وتقدمت لمنتصف المكان وتحدثت بصوت جهوري صخب وأنا أَلُف جزعي ويدي تباعًا كي يراني الجميع.

«هذه الدماء لا تختلف أبدًا عن دماء الشهداء الشريفة، ولا تقل عنها قدسية، هي السبب في عمار الأرض واستمرار البشرية، وليست بالذي نُعاب عليه إطلاقًا، هذه الدماء أنا حرمت منها، أنا أكثر من يشعر بهذه النعمة لأنني أفتقر إليها.»

أخذت نفسًا عميقًا؛ أنفس فيه عن مدى ضجري واستيائي مما يحدث.

اخترقت ما بين صفوفهن المرتبة قبل أن يأخذن جانبًا، كي أتمكن من السير، افترشت الأرض التي تعلوها سجادة رمادية تتماشى مع ألوان الستائر.

«اجلسن حولي رجاءً.»
انصاعن لأوامري والتففن حولي في شكل حلقات داخل بعضها، أخذ هذا الشكل وقتًا قليلًا كي ينظم، في الحقيقة لا زلت أشعر بالخجل من وجودي معهم خاصة بعد الفضيحة، لكنني أحاول أن أتغلب عليه، لحسن الحظ أنهم لا يستطيعون أن يفاتحوني في خطب كهذا.

«الآن قد علمت جيدًا ما الذي يحدث هنا، أنتن تعنفن وتنتهكن، لكنني هنا لأنقذكن من هذا الجحيم، أنا بدراية أنكن قد أعتدتن المكان، لكن وجوكن هنا لا يعني أن تعملن بلا كرامة، كرامتكن أكبر من أي عملات أو أوراق غبية.

إن لم أستطع أن أحميكن، فأنا فاشلة، ويتوجب علي أن أسرحكن للخارج، وهذا ما بدأ يتضح لي، الباب مفتوح لكن متى شئتم، لا ضرر ولا ضرار، ومن أرادت البقاء أنا أتعهد أن أحميها من أي مكروه وسوء، لذا إن واجهتكن أي مشكلة فقط أخبروني.»

نهضت من مكاني، وإذا بي أحرك عيني لأجد شابًا يحدق بي، يمسكه واحد من العمال ويلوي ذراعيه المكسيان ببدلة حمراء، استغرقت عدة ثوانٍ لأتذكر أن هذا هو وسام الذي حكمت عليه بالإعدام، بصقت على وجهه غيظًا، مشيرةً إلى العامل أن ينصب المشنقة في وسط الصحراء كي نعدمه إلى أن ألحق به.

_____

صعدت إلى غرفتي وأخذت الورقة التي كتبت، ثم توجهت مسرعة إليه.

لم يكن طبيعيًا، كان يترنح من الثمالة، وبدا مسطولًا كأنه تجرع كل الخمر في دومينا، لم أتوقع أن تهيأ لي كل الظروف هكذا، أنا لن أطلب منه تنازلًا عن الملك أو ما شابه، فقط ختم بسيط على هذه الورقة.

«أيا ملك سليم، كيف حالك؟»

لم يرد علي، فقط هز رأسه وهو عابس ويبدو عليه النعاس وغياب الوعي.

«هل أنت ثَمل كما عُهدت؟»
لم يرد علي كذلك واكتفي بالصمت، لم أدرِ ما يمكن أن أفعله لأفتح مع الحوار الذي أنشده، جلست أمامه وأخفضت رأسي.

«ما فعلته منذ قليل كان طائشًا، كيف تفرطين في هذه الثروة البشرية؟ من أين لي بأحد أخلو به الآن؟»
قطع بصوته الأجش وصلة الصمت التي أعترت المكان.

قررت لأول مرة ألا اندفع في حديثي وأأخذ حذري في الحديث.

«مولاي، هل هذا آخر همك؟ من المفترض أن لك زوجة، كذلك نحن لسنا في حرب وكان يجب عليك بعد أن تنتهي من حرب مجورا أن تعتقهم كما تنص القواعد، وما فعلته هو الصواب، لكن بعد فترة ليست وجيزة، لماذا نتخذهم عبيدًا إذًا؟»

«قواعد، قواعد! لقد أوجعتم رأسي بهذه الحماقات المدعوة بالقوانين.»
أخذ يضرب بكفيه الضخمين على الطاولة التي كنا نجلس حولها.

«ألست أنت من أعطيتني إياه وطلبت مني أن أحفظه عن ظهر قلب؟ ما تفعله هو إتجار بالبشر!»

«أنا مهموم! أخاف أن يندثر أثري واسمي، أشرب هذه القوارير كي أنسى الحزن، ما فعلته كان تحصيل حاصل، لكن لا حق لي فيهن الآن، والدتك أصبحت كبيرة للغاية، وأنا أريد ولي العهد الذي يعتلي العرش، لا ولد لي سوى أخاك الذي توفي في المهد، من سيتولى الحكم؟ أنت؟ هل ستسعدين إن تولى زين ابن عمك الحكم بعد أن نفيت والده بعيدًا؟»

شعرت أنه يجرحني بكلامه، لكن لا عليه هو غائب عن وعيه وسيكون صريحًا وهذا ما أردته.

«لا يهمني من يحكم ومن لا يحكم، سيدي هل ترى نفسك مجرد حيوان يريد شهواته فقط؟ كم مرة حاولت الإنجاب وفشلت؟ العيب منك لا منها.»

«هي دائمًا تعاند وتحكم رأيها، أشعر أنها ند لي لا زوجة.»
لوح بيده كأنه يحاول إبعاد شيءٍ عنه، ثم غيَّر مجرى الحديث فجأةً بلا ترتيب.

«هل ترى النساء فقط شيئًا للمتعة؟ هذا ليس عذرًا بما فيه الكفاية، صحيح أن شخصيتها فظة، لكن هذا لا يمنع أنها زوجتك ولها رأي قد يكون صائبًا في أحيانٍ عديدة، وعليك احترام رغباتها، وتذكر أن ما تفعله تعتبر خيانة لا تغتفر، لأن الجاريات صرن أحرارًا الآن، فابعد هذه الأفكار عنك.»

«إن لم أعاملهن هكذا سيظنن أنهن قوة لا تردع، سيكونون أندادًا لي يحاربونني فقط! من ذاك الأحمق الذي يثق في كائن ينزف كل شهرٍ ولا يموت؟!»

شرع يبكي كالأطفال، والدي الملك سليم، ملك دومينا وضواحيها ينوح بهذا الشكل الساذج؟ ملعون هذا الخمر الذي يفعل هذا في الإنسان، الآن علمت لماذا تحرمه الديانات السماوية.

«سيدي، إن من يتمرد على صاحب فضل عليه ما هو إلا عديم الأصل، لكنك في الحقيقة لم تكن هكذا، لم تجرب أن تعاملها بالرفق واللين كي تتوقع منها هذا، عدم اهتمامك بها تقابله هي بقسوة وندخل في دائرة لا متناهية من الصراعات وال...»

هبطت سبباته على منتصف شفتيّ معرقلةً خروج الكلمات منها، ثم أدرف قائلًا
«ثقي بي، أنا أسير على الطريق الصحيح، النساء لا يُطاق العيش معهن، ولا يُتحمل العيش دونهن؛ لذا اخترت أن أكون في المنتصف لا على أي محكٍ منهما.»
تقهقرت شفاهي خلف أسناني ومعها انسحبت كل تطلعاتي لتغيره، تجاهلت الخيبة التي نصبت راية الانتصار داخل أراضيّ، فغيرت سير الحديث قائلةّ:

«دعك من هذا كله، قِدمت إلى هنا لأجل طلب بسيط أريده من والدي العزيز، فقط أحتاج تمكينًا بسيطًا كي أتمكن من الخروج من القصر، كما تعرف، الملكة فتون تكبل حركتي، وكأنني رضيعة.

أظن أن من حقي أن أطلبه، هذا لا يخالف قواعد القصر، فقط قم بوضع هذا الختم على هذه الورقة.»

جئت إليه بالختم وأمستكه إياها، ولم يتبقَ سوى أن يلامس هذه الورقة، مد يده كي يضع الختم ببطء بعد أن أسند رسغه على الورقة، أخذت أقدم يده، كي أسرع تلاقي الحبر بالورقة.

لحظاتُ ترقب مني لهذا الحدث العظيم، أخيرًا سأتخلص من هذا السجن الذي أنا فيه!

لكنني أحسست بشيء ما يتحرك محاذاتي، وإذ فجأة يهبط كفٌ يد كبير على يد الملك سليم.

فزعت من هذه المباغتة غير المتوقعة، إذ أرى مؤيد وزير الملك سليم، ينظر إلي بحدة قابضًا على يدي.

«ما الذي تريدينه يا أميرة أسمى؟»
يبدو أنني لم أنتبه لوجوده في الجناح من فرط مساحته.

مططت جذعي وبسطت فقرات رقبتي كناية عن عدم خوفي منه، ولم يلبث أن يُنهي جملته حتى كان ردي حاضرًا.

«تمكينًا كما سمعتني أتحدث، أما كنت تتنصت علينا؟»

«لم أكن أسترق السمع، أنا هنا أوقع أوراقًا في الغرفة الداخلية، قبل أن تأتي إلى هنا.»

«أجل، ما مشكلتك؟ حديثي مع الملك سليم لا أنت، ليس مسموحًا أن تتدخل في الحوار أصلًا.»

«وأنا وزيره من يوقع أوراقه ولن أسمح أن يحدث هذا، إن أردت الخروج اطلبي هذا، لكن ليس تمكينًا مطلقًا، تريدين عزل الملك؟»

«لا أريد تمكينًا مطلقًا، ولأثبت لك هذا اكتب لي ورقة تسمح لي بالخروج متى شئت دون أن أنتظر الإذن من الملكة فتون.»
كلامه أغاظني، أنتظرت والدي أن يتدخل ويبعده لكن الخمر تمكن من عقله تمامًا، قام من مكانه وتركنا، وبدا كالأبله شارد دون أن ينطق.

«لن أفعل هذا! الملكة فتون لا زلت على قيد الحياة، إن أردتِ الخروج خذي إذنها لا مشكلة في هذا.»

طلبت منه أن يبتعد قليلًا عني بقدر ثلاثة أقدام؛ بحُجة المساحة الشخصية.

«أنت تقول هذا لأنك حليفها، ولا تريد أن يكسر أحدٌ حدتها، استيقظ من غيبوبتك! إن فتون اعتلت العرش أنت أول من ستتخلص منه.»

أخذت الختم بقوة وختمت به الورقة بالسرعة التي يمكنني منها جسمي الضعيف، وسحبتها وخرجت دون تمهل من الجناح دون أن يمسك بي هذا المتسلط، ولا يقدر أن يلمسني من الأساس.

تعالت خفقات قلبي، صحبة نهيج حاد يكاد يشق أنفي، أسندت ظهري إلى إحدى الجدران وأنا أتنهد بعنف.

لا أكذب عليك أنا خائفة، رغم أني كنت أذكر نفسي أن هذا حق مشروع لي، إلا أنني ما زلت قلقة، رغم أنني لن أحاسب على إعدامي لوسام ولا سحب الإمارة من غيداء، إلا أنني شعرت أني فتحت النار على نفسي.

«سيدتي، هل هناك مشكلة؟»

قابلني عدنان بقوامه الممتليء ليحجب عني بعض الضوء، مفسحًا للمعان القرط الفضي الذي يزين أذنه اليمنى أن يتلألأ.

«لا يا عدنان، لا مشكلة، هيا لدينا مجرم لنعدمه.»

نُصبت المشنقة الخشبية في وسط الساحة، حُفر تحتها كي ترتكز في الأرض، وحول الرمال بإحكام، ثم رُدمت كي تثبت، وضعوا على جانبيها صخرتان كي لا تسقط، حبال غليظة تتدلى من أعلى القطعة الخشبية العالية الموضوعة بالعرض، تظلل كرسيًا خشبيًا مجرَّح، ومختومة بالعقدة التي تلف على رقبة المذنبين.

أمسك به اثنان من العمال ورفعوه فوق الكرسي واقفًا، قبل أن يغطوا رأسه بقماشة سوداء؛ كي تخفي المنظر الشنيع المنتظر، وقف بجسده العريض على هذا الكرسي الذي يكاد يكسر من الحِمل الثقيل فوقه، ظهر على جسده الخوف من ارتعاش ساقيه، كنت أود أن ترى هند هذا المشهد، لكنها ما زالت متعبة من الإجهاض ولا تقوَ على الحراك.

مال عدنان من أذني ثم همس قائلًا:

«إنها المرة الأولى التي يعدم فيها رجلٌ لسبب كهذا في دومينا.»

علقت أنفي في الأفق لأظهر مدى اعتزازي بفعلتي هذه، ثم عقبت بقولي:

«ولن تكون آخر مرة!»

ها هو يودع عالمه الذي لا يقل ظلمًا عنه، يتلفظ أنفاسه الأخيرة رغم القماش الذي يعوقه وكأنه يتنفس من ثقب إبرة، ألبسوه الحبل كي يحتضن رقبته جيدًا، وعندما بدؤوا يحركون الكرسي أدرت وجهي كي لا أرى هذه اللقطة، دوى صوت وقوع الكرسي على الأرض، وما هي إلا دقائق، حتى سمعت صوت ارتطام كأن الكواكب اصطدمت ببعضها، تبعها صوت شهقة خروج روحه، تعلن أن ملك الموت قد مر من هنا، هذه الشهقة الوحيدة التي لم أشعر بأي تعاطف عنها خلاف ما عهدت نفسي.

عاودت النظر من بين أصابع يدي، فرقت بينهن  ببطء؛ خوفًا من أن يصدمني المشهد، وإذا بجثة ضخمة معلقةٌ في الهواء، تتحرك كعقرب الساعة، لكن وزنه الثقيل لم يجعل هذه الحركة بسيطة أبدًا، كذلك كان مجرى الدماء في عروقي من الفزع.

تصعد هذه الروح الآثمة إلى خالقها؛ فيحاسبها على ذنبها كما شاء، بعدله أو رحمته.

____________________________________

تعقيب بسيط على أحداث هذا الفصل:

أسمى من أوائل من عانين من متلازمة (MRKH) المعروفة، وهي متلازمة نادرة جدًا تصيب واحدة من أربعة آلاف وخمسمائة أنثى، وفي بعض المصادر واحدة من كل خمسة الآف أنثى، أول تشخيص لها كان في القرن الماضي تقريبًا، لكنهم في دومينا كانوا بدائيين إلى حد ما، يعرفون بعض الأشياء عن تشريح جسم الإنسان منها الرحم عند النساء، لذا كان استنتاجًا بديهيًا إلى حد ما أن يكون غياب الرحم هو السبب في انقطاع الطمث، دون أن يعرفوا السبب أو توابع، فكما رأيتم ربطت فتون هذه الحالة بلعنة الحب في دومينا وأن الجن تسبب فيها؛ لتشعرها بالذنب أكثر.

هذه المتلازمة لها أشكال عديدة، لعل أبرزها عدم تخلق الرحم، أو نموه بشكل جزئي، أحيانًا قد يكون المبيضيان طبيعيان، وأحيانًا يصاحبهمها خلل أو يغيبان تمامًا، هذه الحالة ليست خطيرة؛ لأنها لا تؤثر على الأنثى بشكل كبير، فالمصابات بهذه المتلازمة يكتمل نضوجهن بشكل طبيعي للغاية، فقط دون أن يحضن، نتيجة لعدم وجود الرحم، لكنهن عقيمات، هرموناتهن قد تكون جيدة وطبيعية، وفي بعض الحالات التي رأيتها أمام عيني يحدث خلل هرموني على المدى البعيد، يتسبب في زيادة الوزن إن غاب أحد المبيضين أو كلاهما، وهذه من أُولى علامات المتلازمة التي يجب أن تزور فيها الفتاة الطبيب إن ظهرت عليها هذا العرض، أنصحكم أن تقرأوا عن هذه المتلازمة أكثر، موضوعها شيق للغاية، خاصة أن البحث فيها لا زال قائمًا كذلك يمكنكم التعرف على تجربة إحدى الفتيات معها.⁦♡

Continue lendo

Você também vai gostar

10.4K 522 11
مُكتملة يونمين " -أخشَى أن يَستعمِر الخوفُ جوارحِي فَأنشَغلَ بِه عَنك . -لستُ على ما يُرام و لَكننِي سَأكونُ دوما بِجوارِك . . . •| الرواية جريئة حيث...
444 115 9
إذا !؟ عن ماذا تبحث ؟الكوميديا ؟جنون ؟ضحك ؟اكشن؟ احب اخبارك وبكل سرور هذا هو مكان صحيح ! هم ثمانية فتيا لا يشبهون بعضهم البعض باي صله فمنهم بارد ها...
4.2K 323 10
كانت فقط تتحرك بدافع الفضول ولكن فجأة وجدت نفسها في عالم آخر، وزمن آخر، بل وبشخصية أخرى في عالم سمعت عنه توا من أستاذها، ألم تكن مجرد أسطورة؟! ماذا...
35.2M 1.9M 111
قصه عراقية تتحدث عن فتاة جميلة تعاكسها الايام لتصبح زوجه للكاسر ويحدث مالم يكن بالحساب وهو قتل بنت زوجها واخيه وابيه علئ يد اخيها السفاح فتصبح اسيرة...