ثمانِية عشَر

5.2K 354 170
                                    

«تحت قرص الشمس الساطع، بين خصله الذهبية الوهاجة التي يسدلها كل صباح، فوق ثرى الصحراء الذي يتماشى لونه مع ضوء الشمس، وحول رياحها اللافحة القائظة.

مشهد قطرات العرق التي تتصبب من جبين هذه المرأة التي تحفر بئرًا، كان أشهر مشهد يمكن أن تراه هناك؛ ولكثرة تكراره كل صبيحة يوم جديد، باتت هذه القطرات المجسدة في هذا التمثال الشهير أهم مَعلمٍ تاريخيٍ يميز المملكة.

عند النظر إلى هذا التمثال التي يقارب عمره الألفي سنة، ستجده يحمل طابعًا غليظًّا من الوهلة الأولى، انطباع يدل على مدى قوة هذه المرأة في وضع الانحناء هذا وهي عارقة في ماء جسدها المنهك، وفي يدها فأس تضرب به الأرض، ويروي هذا التراب عرقها الذي يسيل على رقبتها ومن ثم يتنهي به المطاف بين أحضان حبيبات الرمال الذي يتهلل لقدوم أي شيءٍ يرطب هذا الجفاف.

لكن عندما نمعن النظر فيه أكثر؛ ستجد ندوبًا غائرة ومتفرقة على رقبة هذه المرأة، وجروحًا كثيرة في وجهها. قد تظنين أنها إصابات طفيفة إثر طبيعة عملها الشاق، لكن هذا المنظر أعمانا عن نقطة أهم!»

أمسك المعلم صورة توضح كل ما سرده على مسامعي، علقها على مسند خشبي، وأخذ يشير إلي تفاصيلها الدقيقة، حاولت أن أمعن النظر في الصورة؛ كي أعرف مرتجاه، لكنني لم أستطع التمييز؛ فلم أعثر على شيءٍ قد يكون أهم مما قاله قبل قليل.

سئمت عينيَّ من الهَيم بلا هدف في هذه الصورة التي لا تصتبغ سوى باللونين النقيدين، فقطعت وصلة التحديق الطويلة تلك بقولي:

«وما هي هذه النقطة يا معلم؟»

زحزح المسند ذا الثلاثة أرجل فوق السجادة التي تحمل لون النبيذ، كانت حركة المسند متذبذبة نتيجةً للزخارف والفراغات العميقة فيها، ثم انتصب واقفًا واستكمل حديثه قائلًا:

«انظري إلى هذه الدموع التي تتساقط من عينيها، تلك التي أشير إليها -تحديدًا- دموعٌ وليس عرق، لكن في خِضم هذا الموقف قد يهيأ لك أنها تتعرق فحسب، لكنها تحت هذا الرداء المائي تبكي!»

جحظت عيني، وزممت شفتي متساءلة:
«وما الذي يدفعها للبكاء؟»

أشار بعصا من خيزران صلب كانت بين يديه قبل أن يقول:
«ألا ترين هذه الجروح؟ تلك الندوب التي تشوه شكلها الأنثوي؟ أنثوي ماذا! بل شكلها الأدمي عمومًا، لربما هذه الصورة التي تفتقر إللي الحيوية في طلائها لا توضح الكثير.

لقد تلقت هذه المرأة عقوبة غليظة لتقصيرها في العمل توًّا، ليس من مُوَظِفها؛ فهؤلاء النسوة يعملن غالبًا دون إشراف أحد؛ بل الظروف القاسية اللاتي يعشنها هي أكبر مجبر لهم على العمل. لكنها قد ضُربت من والدها الذي يتضجع على سريره طوال النهار؛ لأنها لم تحضر ماءً وزادًا وفيرًا البارحة! بينما هو خاملٌ يتسكع بلا عمل.»

دومينا مملكة للنساء فقط +١٦Where stories live. Discover now