دومينا مملكة للنساء فقط +١٦

By Avuona_X

49.3K 3.5K 1.4K

في العصور الغابرة، كان وأدُ البنات وقتلهن عادةٌ سائدةٌ، لكن ماذا إذا انقبلت الأدوار، وكان للنساءِ السيادة ولل... More

إهداء
لمحات
ثمانِية عشَر
ليلة سقُوطِ الشَرف
أَذهَانٌ جَدْبَاء
سُيوفٌ وعطور
نِصفُ الأنثى المَفقُود
بُيوتٌ مُشيَّدةٌ على عُصِي
البُقعةُ المُحَرَّمة
جبرُوتُ حَوَّاء
لَا ذُكورَ بعدَ اليوم
أنتِ ذُكُورِية رَجعيةٌ
مِنْحَةُ مِحْنَة
دقَّت القَارِعَة
ذكرى سنوية دومينا

قِسمَةٌ ضِيزَى

1.6K 214 98
By Avuona_X

«أميرة أسمى، هل لي أنا أطلب منك خدمة سريعة؟»

«ماذا بك أسيل؟ تحدثي بسرعة.»

«لا أعلم من أين أبدأ، لكن الأمر خطير للغاية، أرجوكِ اتبعيني بسرعة.»

فزعت من كلامها وقمت لأغسل وجهي على عجلة، بعد أن ألقيت برسالة أيهم في مكب النفايات.

سرت خلفها وهي تجري، بينما أحاول اللحاق بها، نمشي في طريق قصير موزاي لغرفتي، وإذا بها تأخذني إلى غرفة هند...

فتحت الباب ليظهر سرير صغير، وجسم نحيل يفترشه، خِلت أنها هند، ساكنةٌ لا تتحرك، تقدمت مهرولةً نحوها، كان وجهها شاحبًا للغاية، لا تتحرك، ظننت أنها قد وافتها المنية؛ فشرعت أهز جسدها في عنف وأنا أستحثها أن تقوم وتفتح عينيها.

«هند، ما بك؟ أخبريني، هل أنت على ما يرام؟»

فتحت عينيها ببطء وهي تطيل النظر بي، كذلك بادلتها النظرات، ثم وجهت نظري إلى أسيل التي تطالع كلينا بتوجس.

ربتُ على صدرها ومسحت على شعرها كما كانت تفعل معي، ثم استرسلت الحديث بقولي:

«هند، أرجوكِ تحدثي إلي، ما بك عزيزتي؟»

«سيدتي أنا...»
اجهشت بالبكاء وبعدها بدأت تصرخ باكيةً، أخذت تردد: «أنا» وبين كل مرة والأخرى تشهق وتسحب الهواء في صعوبة شديدة، ترفع يديها التي تهتز في الهواء، صدرها يعلو ويهبط، يرتجف جسدها الضعيف بقوة، لقد فزعت من هذا المنظر.

«أسيل، أخبريني ما بها؟! لا أفهم شيئًا!»
انفجر صراخي في وجهها؛ لم أستطع أن أتحكم في نفسي فانفعلت وخرجت ردود أفعالي عنيفة.

«سمو الأميرة، هند فقط متعبة قليلًا.»

كززت على أسناني طاحنةً شفتي بينهما، وهي في الجهة المقابلة ترتعش رعبًا.

«أعلم أنها متعبة ما الجديد الذي أضفته؟ ما بها أخبريني وإلا قسمًا بمن رفع هذه السماء سيكون هذا آخر يومٍ لك في القصر!»

«حاضر سأخبرك، لكنني لا أعلم من أين أبدأ، فقط أرجو أن تتمالكي أعصابك.»

قاطعتها هند بصوت يكاد يسمع، حتى وجدت نفسي التفت إليها بكل جسمي.

«إنها غيداء، هي من فعلت بي هذا!»


«غيداء؟ ما بها؟ ماذا فعلت؟ أخبروني ماذا يجري هنا!»
فقدت صوابي ولم أتمالك نفسي، شعرت أن شعلة نار توقد في أعصاب يدي من فرط ما صرخت.
تولت أسيل إدارة الدفة وأخذت الكلام من على لسان هند التي كانت تحارب إعياءها لتنطق بجملة واحدة.


«غيداء هي السبب في كل هذا، استغلت قرب هند منكِ وخططت لمخطط قذر ونفذتها!»

«أسيل، رجاءً بلا ألغاز لم أعد قادرة على التحمل.»

بسطت هند كفها في وجه أسيل طالبةً منها أن تلتزم الصمت، هما يتقاذفانني بينهما ولم أفهم شيئًا حتى الآن.

«أنا سأحكي...»

«تحدثي هند، أي أحد يتحدث أرجوكم!»

«هل تذكرين تلك الليلة العاصفة التي دخل فيها الجميع إلى غرفته وعم الهدوء؟ هل تذكرين كيف كنت أبكي؟»
بالطبع لم تكن تتحدث هكذا، بل بين كل كلمتين كانت تشهق وتصمت لتبكي لبرهة ثم تعاود الحديث، كنت أركز في جمع الكلام منها أكثر من استيعابه، وخلفي أسيل تقف دامعة.

«أجل أتذكر هذه الليلة، عندما أخبرتني أن أخاك المحارب الذي يعيش في رشار قد قُتل، صحيح؟»

«نعم، لكنه لم يكن أخي.»
لا زالت تشهق بصوتٍ عالٍ مبحوح وتبكي، حاولت أن أصبر عليها؛ يبدو أنها لم تتعرض بشيءٍ هين.

«لم يكن أخي يا أميرة أسمى، لقد كان شرفي! شرفي الذي وُئِد وضاع!»
اقشعر جلدي، وجحظت عيناي حتى كبرت مقلتي ونَتَأت، بدأت أفهم ما تقصده.

«من قام بهذا؟! أخبريني، ولماذا خبأتِ هذا الخطب كل هذه المدة؟ لماذا تسكتين عن شيء كهذا؟»

«أقسم أنه لم يكن بيدي، لم أفعل شيئًا، وسام من فعلها، لم أكن أتمايل في سيري، لم أرتدِ ملابس فاضحة!
فقط كنت أخر من يجمع الطعام من المخزن لنعده في حفل استلامك للمنصب، وهذا الذئب كان يتربص بي، لم أستطع أن أقاومه؛ بنياني الهزيل لم يسعفني.

امتدت يده النجسة إلى كل إنش في يتحسسه،
كتم فمي بقماشة سوداء كوجهه الدميم، نهش لحمي، جردني من شرفي قبل ملابسي، ندوب هذا الحادث لم تغادر بدني، اخترقني ومزق احترامي لذاتي، شوه جسدي الذي شلت حركته تحت جسمانه المفتول، كانت مخالب ضبعٍ عاوٍ لا أظفار بشري غرست بيّ، كنت أنزف كالكلاب الضالة على الأرض!

زنديق ماجن! أغلق المخزن علي ولم يُفتح سوى في الصباح، أصبحت عاهرة فاحشة، تحمل سفاحًا يا أميرة، وإن علم أحدهم سأطرد من هنا وأخسر عملي.»
أخذت تشن بأنفها، ينتشر نحيبها في كل رجا، وتمسح دموعها التي ببللت ملابسها.

نزل كلامها كالرعد على قلبي، كأن أحدهم طعنني في قلبي، وضعت يدي على صدري ولم أتمكن من حبس دموعي، كيف لم ألاحظ هذا عليها؟ أنا مهملة! كيف لم ألاحظ غيابها؟ أنا لا أهتم سوى بنفسي؟ حين أحتاجها أسأل عنها وإن لم أحتجها لا؟ ماذا أريد أكثر من الأدلة التي ظهرت عليها أنها ليست بخير؟

مرت على بصري لمحة تجمع كل هذه الألغاز التي رأيتها الفترة الماضية.
بكاؤها تلك الليلة، الخرابيش على عنقها، قيؤها ودوارها طوال الوقت، ملابسها الواسعة التي كانت تخفي جنينها ببراعة، خاصةً مع نحافة بدنها، نقاط الدم على الكرسي، كل هذا وأنا غافلة!

أشعر أني متواطئة معهم في الجريمة بإهمالي لكل هذا الدلائل التي تبث الشك في النفوس، وتثير فضول العقول.

مسحت دموعي التي لم تكف عن السيلان لكنني كنت أحاول أن أتماسك كي اسمعها.

«ماذا بعد يا هند، اذكري كل التفاصيل، كي أستطيع عقاب كل من تسبب لك في هذا الأذى.»

«لا! أرجوك لا تخبري أحدًا، سأطرد؛ سأقتل لأنني بلا شرف، سينفذون فيَّ أحكام جرائم الشرف.»
انتصبت من تحت الفراش بجزعها، وضعت إحدى قبضتيها على كتفي، ثم انحنت في صعوبةٍ بالغة كي تقبل يدي وهي تبكي بهستيرية، لكنني أبعدت شفتيها عني وطلبت منها أن تريح جسمها.

«لن يقترب منك أحدٌ، لا تخافي، أريحي قلبي الذي انفطر يا هند وقولي لي ماذا حدث بعد ذلك؟»

«بعدها، طلبت مني جارية أن أذهب إلى جناح غيداء، سرت معها رغم الألم الذي سكن حوضي وقيد حركتي، أخبرتني أن أتجسس عليكِ، وأخبرها كل ما أعرفه عنك، أكدت علي أن أتبع كل خطواتك، أن أكون معك كظلك.»

أحمرت عينيها وكانت تتحدث بصعوبة، لم يكن يسيرًا أن أميز الكلام منها

«تابعي الحديث.»
احتضنتها حتى هدأ شهيقها المرتفع وكفت عن البكاء، وشرعت تتحدث:

«عندما بدت علي أعراض الحمل ذهبت إلى الحكيمة بيان، أخبرتني أنني حامل، أرهبتني وأمرتني أن أجهض هذا الجنين، أعطتني بعض الأعشاب التي تساعدني على الإجهاض، وهددتني بالفضيحة إن لم أجهضه.

كنت أقتل نفسي في العمل؛ كي أجهضه، لذا كنت أغيب عنك كثيرًا، بعد الساعة السادسة أنهي أعمالي وأتذكر خطيئتي، فكرت في الانتحار آلاف المرات، لكنني لا أملك هذه الشجاعة، قلت ماذا إن أخذت أقفز من أعلى الكرسي؟ سأتخلص من هذا الجنين وقد أتخلص من روحي كذلك.

مسحت سيل الدموع الساقط على فمها المتشنج ثم واصلت الحديث قائلة:

«بالفعل قمت بهذا، كنت أقفز كثيرًا، لكنني كنت مجهدة، فقط قفزة أو اثنتين، هل هذا ذنبي لأنني أنثى؟ هل هذه ضريبة حُسن الخليقة؟!»
رفعت وجهها ليقابنلي صارخة، بزرت عروق رقبتها وهي تحاول أن توصل لي أنها ليست مذنبة.»

«رباه، أنجدني لم أعد أتحمل! صادقة يا هند، أنت لا تكذبين، حقك لن يضيع.»
شعرت بتنميل شديد في أطرافي أدى إلى تيبسها للحظات، ورغم ذلك، دفنت هند رأسها بين ذراعي مرة أخرى، فتحاملت على نفسي عوضًا عن إبعادها، ثم عاودت الحديث.

«أنا آسفة حقًا، غيداء ابتزتني بشرفي، هي من دفعت هذا الخسيس المدعو بوسام؛ لكي يهتك عرضي، ومن ثَم تجعلني خاتمًا في إصبعها، تحركني متى شاءت. وفي ليلة أمس عزمت أن أتخلص من هذه العَلقة المذنبة في جوفي، تناولت تلك الأعشاب بإفراط، وبدأت في الوثب، حتى وجدت نفسي غارقةً في دماء الخلاص، مرام وأسيل استدعتا الحكيمة وأجهضت هذا الجنين، كان كتلة لحم صغيرة للغاية، ليتك ترينه!

لثمت فاها بكفها وانحنت برقبتها تئن بصوت أقرب لأجيج الزجاج، ثم قامت ونبست من بين شهقاتها مستطردة:

«نحن ضحايا حرب لم نرق فيها دماءً، لم نقترف فيها الذنوب، فما بالك إن فعلنا؟»

كل هذا وأنا ساكنة، لا أنطق بحرف. الآن علمت مصدر صوت الدبيب الذي كاد أن يقتلني، أنا بخير، لست مجنونة، آهٍ وألف آه يا قلبي، كل هذا يحدث لك يا هند؟

«أخذه عمال القصر ودفنوه منذ قليل، أقسم إن كان في يدي مصيري لم أكن لأفرط فيه بهذا الشكل البشع، لقد انتزعوا شرفي وابني كرة واحدة، أحببته رغم كل ما حدث لي.»


«هل الأرواح رخيصة إلى هذا الحد عندها؟! ماذا علمت عني؟ ماذا فعلت أيضًا؟ قاتلة، مبتزة، حاقدة، ومغتصبة، ماذا تريد أن تكون بعد كل هذا؟»
تاجلهت حديثي هذا وتعلقت بساعدي تطالعني بعينين مغرورقتين بالبكاء.

«أنت تعلمين أنني أحبك يا أميرة أسمى صحيح؟ ولا أتعمد أذيتك، تعلمين أنني مجبرة على كل ما أنا فيه أليس كذلك؟»

«تحدثي يا هند بلا إبهام؛ لن يصدمني شيءٌ آخر بعد الذي قلته.»

«حتى إن أخبرتك أنني من وشى بلقائك بالأمير أيهم؟»
ابتعدت عنها وإذا بدموع الأسى تملأ عيني أنا هذه المرة، نهضت في عجلة من مكاني وغادرت الغرفة دون أن أعقب على قولها.


«أميرة أسمى إلى أين أنت ذاهبة؟ أرجوك لا تخبري أحدًا، أقبل قدميك، لكن أرجوك لا تخبري أنسيًا.»

كان صوتها يتلاشي وينخفض كلما ابتعدت عنها، لا أعلم لمَ تريد أن تضيع حقها؟!

أنا في طريقي لكي أخلص نفسي من كل هذا العذاب الذي فيه، انهرت في البكاء رغم محاولاتي في التماسك، كنت أغرس أنيابي في إبهامي كي لا أصدر صوتًا وأنا أبكي، لقد تأذيت من أقرب شخصٍ لي، طعنت في ظهري وأنا لا أدري، لا أعلم هل ألومها أم أتعاطف معها؟ لكنها مسكينة ومجبرة على ما هي فيه.

الغضب يقودني ويتملكني، لقد فاض بي الكيل، ولن يطول السكوت عن هذه المهزلة.

وقفت أمام باب جناحها، أود أن أسحبها من شعرها أمام كل من في القصر، لكنها ليست من أخلاق الأمراء.

صدري يغلي ويلتهب من الغضب، يا ويلها مني ومما ستراه، أشرت إلى بعض العمال في القصر ليتبعوني، وكذلك أمرت مرام أن تحضر ملابس تشبه خاصتها.

«افتحوا لي هذا الباب بسرعة!»

«دارنده موقعيت الأميرة أسمى!»
صاحت إحدى الجاريات مفسحةً لي أن أمر إلى داخل الجناح.

وقفت أمامي تطبق كفًا فوق ظاهر يدها مقطبقةً جبينها، ترميني بنظرات الاستحقار، وبالمثل بادلتها وقاحتها.

«ما الذي جاء بك؟»
لوت فمها وهي تعبس عاقدةً ذراعيها وتقف في اعوجاج.

«أهذه تحية الشياطين عندما يقدم إليهم أحد؟»

«ليس لأنك صاحبة منصب يعني أن لديك كامل الصلاحيات أن تهينيني، خاصة ببن جَنبات مساحتي الخاصة!»

«مضحك! من أين لك بحس الدعابة هذا؟
كذلك ليس لأنك أميرة يعني أن تدعسي الجاريات المسكينات اللاواتي يؤدين عملهن كي تصلي لشيء لن يكون لك، تفهمين ما أقصد؟»

سرعان ما وجدت ملامحي تصتبغ بالحدة وأنا أحادثها، وكأني على وشك أن أقطعها إربًا.

«هل جئتِ لتحدثيني في خطب هذه الجارية الغبية؟»

«غبية! راقبي كلماتك يا أميرة، هند أشرف وأطهر من نفسك الخبيثة تلك!

أنتِ ماذا؟ شيطان مارد؟ جانٌ فاسق؟ لماذا تتعمدين أذيتي؟ وإن كنت تريدين بي السوء لمَ تؤذين روحًا لا ذنب لها؟
تعالي وواجهيني أنا، بدلًا من هند المسكينة التي لا حول لها ولا قوة، لكن فعلًا كهذا لا يُقدم عليه سوى الجبناء أمثالك!»

«أنت تتعاطفين معها لأنها جاريتك، أين كنتِ عندما حدثت أشياء مشابهة لجاريات أخريات؟»

«هذا ليس مبررًا لما فعلته، إن علمت بمكروه لن أسكت عنه، لا تميلي عن صلب الموضوع! كيف سولت لك نفسك أن تفعلي هذا في الفتاة البريئة؟! كيف أقنعتيها أنها هي المذنبة؟ كيف بثثت في نفسها أن ملابسها أو مشيتها سبب لأن تنتهك حرمتها بهذا الشكل القذر؟

لا يوجد أي تبرير لهتك أعراض الناس ولا التعرض لهم أبدًا، من يقترف فعلًا كهذا ليس إلا مريضٌ شهواني، نحن لسنا آلهة لنعاقب الناس على أفعالهم أو طريقة ملابسهم، لأننا ببساطة نخطئ مثلهم.

هذه روح إنسان! شرفه وحياته، كيف يغمض لك جفن وغيرك بريء يتعذب بسببك؟ هل انتُزعت الرحمة من قلبك؟»
ظلت واقفة في مكانها تتأفف وتدير وجهها ذا الملامح المتجهمة بعيدًا.

«ما ذنبها هي بخلافاتنا القديمة التي هي الأصل تفاهات قمتِ بتضخيمها؟ ماذا تريدين يا غيداء؟»
اصفر أديمها المنقط بالنمش البني الداكن الأقرب للون أواني الفخار التي تحوط المكان.

«تفاهات ماذا؟ أنا أحقد عليك، أتمنى لك الموت، لماذا أنت تأخذين كل شيء وأنا لا؟
لماذا أمك ملكة وما زالت على قيد الحياة وأنا أمي جارية متوفاة؟ لماذا والدك ملك وأنا والدي منفي في مكان لا أعرف عنه شيئًا؟
لماذا تتعلمين ويأتي لك المعلمون من شتى أنحاء الممالك الثلاث وأنا لا؟ لماذا أنت صاحبة المنصب وأنا لا؟ لماذا كل هذا؟ إنها لقسمة ضيزى!»

«ألم تسألي نفسك من قبل، لماذا أنت جميلة وأنا لا؟ لماذا أنت صحتك جيدة وأنا لا؟ لماذا لا تنامين بين بين دموعك مثلي؟ لماذا لا تحيضين مثلي؟ لماذا أمك كانت حنون عليك وأنا لا؟ لماذا لديك أخوة وأنا لا؟ لماذا لم تحرمي من حب حياتك وتفضحي مثلي؟ ليست قسمةً ضيزى، إنما هو العدل، لا أحد يأخذ أكثر من نصيبه، نصيبي أخذته علم وأنت أخذته من الجمال وراحة البال، لا يمكن أن نفاضل بينهما؛ فكل إنسان يرى الحياة بنظرة مختلفة.»

«وبصفتي مسؤولة عن الجواري، وأعتلي منصبًا أعلى من جميع الأمراء، أعلنك من اليوم جارية تعمل ليل نهار، وهذه هي القاعدة المفقودة في دومينا التي يجوز لي أن أعمل بها.»
أشرت إلى العمال بإصبعي أن ينتشروا داخل جناحها ويجمعوا كل مقتنياتها، وهي واقفة تصرخ بينهم، وتتوعدني بالانتقام، لم ألق بالًا لها، فقط أبتسم بخبث وأطرب لعويلها وهي تلاحق العمال، كي تحاول انتشال مقتنياتها منهم.

«مرام، تعالي وأحضري معك هدية الأميرة غيداء، مهلا أنا آسفة، تذكرت أنك لم تعودي كذلك.»
تحدثت بغنج كي أغيظها وأحرق أعصابها، لأُذيقها بعضًا مما قاسته هند.

تقدمت مرام وبيدها ملابس الجاريات البيضاء الرسمية، ناولتها هذا القماش الرديء مقارنة ً بالحرير الذي ترتديه.

«مُري أسيل أن تحضر هند إلى مكانها الجديد؛ كي تكمل فترة راحتها في هذا الجناح الفسيح، ستتحسن بسرعة أليس كذلك؟»

«تظنين أنني سأترك الأمور تأخذ مجراها؟ سأنتقم منك يا أسمى!»

تجاهلت حديثها واستمررت في استفزازها دون أن يلتقي بصري بها.

«كدت أنسى! مرام تذكري أن ترشديها إلى مكانها الجديد، كذلك علميها كيف تكنس الأرض وتمسح الزجاج، إنها خبرات حياتية يجب أن تتعلمها.»
أتبعت كلامي بابتسامة جانبية لئيمة.

«كل هذه الجواهر والممتلكات والملابس ستأمم، ستعودين جارية كما يجب أن يكون، لن أطردك خارج القصر؛ لن أريحك وسأتركك هنا، تعذبين وتهون عليك نفسك، عقابك الأنسب أن تشعري بالخطر، سواء أن نطردك من القصر إن لم تعملي أو يستغلك أحد كما فعلت مع هند، هذا جزاء الطمع والجشع، ستكونين عبرة لمن لا يعتبر!

والمدعو وسام ما إن يظهر سيرتدي البدلة الحمراء ويعدم!»

تحركت إلى المكان العالي الذي يطل على ساحة القصر، فكرت قليلًا فيما سأقوله، والدي متعب وقد لا يعترض على أمر كهذا، ولا أعلم كيف سيكون موقف أمي، وإن حصلت على تلك الورقة لن يستطيع منعي أحد!

كل ما أريده هو التكفير عن ذنبي عندما بررت العبودية لهاتين المرأتين!

أود الخروج بأي طريقة، أرغب أن أتحدث إليهن مرةً أخرى، أن أعيد ترتيب كلامي من جديد.

أمرت عدنان أن يحشد كل العاملين في القصر في هذه المساحة الشاسعة، شعرت أن القصر منقلب على أعقابه، أغراض غيداء تجمع، عمال يتحركون من وإلى غرفتها، أجسام تصطف تحتي، أجواء يعمها الضجيج.

«يا معشر سكان قصر مملكة دومينا المعظم، اسمعوا واعوا ما سأقوله، أنتم لستم عبيدًا لدينا منذ اليوم، إن لم نستطع أن نحميكم لن نعذبكم، أرواحكم أمانة في عنقي، وأنا مسؤولة عنها، إن أردتم أن تبقوا، ابقوا وأجوركم علينا كما اعتدنا، لسنا في حربٍ كي نتخذكم إماءً وعبيدًا، لكنكم أحرار من اليوم! لذا أخاطب النساء منكن بالأخص، لا تسمحي بأي انتهاك أو ابتزاز فيما يخص أنوثتك ولا تسكتي عنه، وإن سكتتِ عنه لا تلومنّ إلا أنفسكن.

لا يوجد مبرر لأي عملية تحرش أو اغتصاب، أي عنف يمارس ضدكن أخبرنني حتى إن كان من حكيمة، ستنمع من مزاولة مهنتها، وسأجعل ممن تجرأ على حرمتكن عبرة لأجيال دومينا القادمين، لا تهاون في هذا الأمر!»

كنت أنتظر منهم أن يفرحوا بطلاقهم وحريتهم، لكنهم لم يتحركوا من مكانهم، كان متوقعًا، ظلوا واقفين في صمت.

تظنني لم أتوقع رد الفعل هذا؟ أنت على خطأ، توقعت أن يحدث هذا؛ لذا اتخذت هذا القرار بقلب ميت دون أن التفت إلى العواقب الوخيمة التي قد تحل علي، أنا أعي جيدًا أنه لن يغير الكثير؛ لأنه لا مأوى لهن، لا زالن يتعلقون بأمل الوصول إلى الكرسي.

وإني لأظن أن من أعتاد العبودية فقد حلاوة الحرية، كما أن الموقف أشبه برجلٍ يفتح القفص لعصفوره بينما نبال الصيادين تنتظره في الخارج، ترى ماذا سيفعل العصفور؟ هل سيفرح بالخلاص من القفص؟ أم سيتخذه منزلًا؟

_____________

كنت أجلس وحدي أفكر في كل ما حدث، مرت عدة أيام على هذا الحال، لا أصدق ما فعلته؛ كأنني تعاطيت حبوبًا للشجاعة، أسمى تغيرت للغاية، أصبحت أقوى وأحزم، كل ما حدث لي لم يكسرني بل زادني قوة، هند ما زالت متعبة إثر الإجهاض، وتحاول المقاومة، وبين كل حينٍ وآخر أتفقدها لأطمئن عليها.

لا يمكن أن أصف ما أشعر به في الوقت الراهن، أنا سعيدة لأنني انتقمت لنفسي قبل هند، لكن الأسى على حال النساء يعتريني، ليتني أستطيع أن أدفع عنهم كل هذا الظلم.

مرت على خاطري صورته، رسائله المتملقة التي صرفت النظر عن فتحها من الأساس لا الرد عليها، لم أتوقع أن أنساه بهذه السرعة، أخيرًا استيقظت من أوهامي.

أحيانًا نظن أننا لن نقدر على استكمال الحياة دون شخص معين أو شيء ما، لكنها في الحقيقة كذبة من اختراعنا، والعجيب في الأمر أننا صدقنها وعشناها كما لو أنها نظرية ثابتة. لكن النظرية المطلقة فعلًا، هي أن عجلة حياتك لا تقف عن السير إلا إذا نفذ وقود أنفاسك أنت.

مزق صوت أسيل أفكاري وشريط الأحداث الحزين الذي كان على وشك البدء في مخيلتي.

«مرحبًا يا أميرة، هل أصطحبك إلى الملكة فتون؟»

«عمتِ مساءً يا أسيل، بالطبع، هيا بنا.»

لا أكذب عليك لقد كنت خائفة، طلبت من أسيل ونحن في الطريق ألا تتركني وحدي، حتى إن كان هذا غير مجديًا بالمرة؛ لأنها إذا أمرت أحدهم أن يؤذيني، سيقوم بهذا لا محالة؛ فمكانتها أعلى مني، أي أن عقابها أشد.

«لماذا نحن نسير في هذه الطريق التي لم أرها مسبقًا؟ هل غيرت الملكة فتون جناحها؟»

«في الحقيقة، هي ليست غرفة الملكة فتون.»

«إذًا إلى أين نذهب؟»

وقفت أمام الباب ودقته منتظرةً الإذن من فتون كي تسمح لها بالولوج.
«سيدتي لا تقلقي، الموضوع بسيطٌ للغاية.»

«أسيل، تحدثي ولا تماطلي، ما هذه الغرفة؟ ولماذا هي قريبة من غرفتي هكذا؟ ما هذا المكان الذي لم أره مسبقًا؟»

«في الحقيقة، أنا لا أعرف مثلك تمامًا، يمكن أن تخبرك الملكة فتون بنفسها.»

سرعان ما فُتح هذا الباب على مصراعيه، وإذا بي أرى متحفًا في جوف القصر، تماثيل منحوتة بدقة، وكأنها إنسان حقيقي مطلي بالذهب، تناسيت أنني قدمت لمقابلة أمي وأخذت أجول في المكان، دائمًا ما كانت التحف واللوحات متواجدةً في كل مكان في القصر، لكن ليس في براعة هذه.

أخذت أدقق مليًا في التماثيل؛ حتى أتضح لي أنها بطابع أنثوي، تمثال لسيدة تمشط شعرها الذي يكاد يفوق طولها، جسدها العاري المنحوت الذي يستند على قاعدة خشبية يبرق في الغرفة، صدر وخصر منحوتان بدقة متناهية، التفت قليلًا لأشاهد نفس المنظر، لكن مصحوبًا بجناحات صغيرة في ظهرها.

مضيت أبحث عن شيءٍ آخر بعينيّ كي أتأمل دقة صنعه، لكنني وجدتها تبتسم ابتسامةً خبيثة وتجلس خلف أحد التماثيل، جديًّا لا فرق بينها وبين التمثال المصنوع من البرونز سوى لون بشرتها البيضاء، وهذا إن دل، سيدل على براعة الصانع.

«يبدو الحال على هذا الفيه المفتوح أن التماثيل أعجبتك، صحيح؟»
ل

م يستطع صوتها أن يصرفني عن التشبث بهذه المناظر المبهرة، فظللت أراقب المكان غير مكترثة لما تقوله.

«نعم، عمل فني بارع، لكن لماذا قد تصنع هذه التمثال للنساء فقط؟ كذلك ما هذه الغرفة؟ منذ متى وأنت تجلسين هنا؟»

«لأن النساء هن رمز الجمال، أيضًا، أنا أتواجد هنا كثيرًا؛ هذا مكانٌ رائع لجلوس فيه، يطل على بداية الواحة، وطقسه ليس مُحرقًا كجناحي، هو على نفس صف جناحك، وهذه ليست أول مرة تقدمين إليه.»

«كيف؟ أنا لم أرَ هذا المشهد مسبقًا.»

«لأنك لا تتذكرين، لقد كنتِ صغيرة، حينما فشلت تلك العملية.»

«عملية ماذا؟!»

«هذا ليس موضوعنا يا أسمى، لا يهم أن تعلمي به.»

«كيف لا يجب أن أعلم؟»

«عندما أقول لا يجب أن تعلمي، إذن لا يجب أن تعلمي، قضى الأمر.»
زفرت في ضجر وأنا أنظر في الأرض؛ فلا يمكنني أن أنطق بكلمة الآن. صمتت لبعضٍ من الوقت وأنا أنتظرها أن تخبرني ما سبب استدعائها، لكنها لم تتحدث، فقلبت نظري بين التماثيل مرةً أخرى ثم التفت إليها.

«عذرًا على عدم قدومي قبل أمس، أظن أنك قد سمعت بما فعلته غيداء ووجب عقابها أشد عقاب.»

«عذرك معك يا أميرة.»
تفاجأت من رد فعلها الهادئ هذا، وتوقعت أن يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، لست مطمئنةً لما تفعله.

«توقعت أن توبخيني على ما فعلت.»

«حسنٌ ما فعلتِ، في الحقيقة، أنا لا أحب غيداء ولا أمها، لطالما تسببت لي المشاكل قبل أن تقضي نحبها؛ لذا هذه فرصة جيدة كي تنتقم ونبعدها عن أي منصب، أما بالنسبة للجواري فهذا حيلة جيد أيضًا؛ لن ينام الملك سليم بين أحضانهن مرة أخرى، لأنهن صرن أحرارًا وفي نفس الوقت لا مكان لهن سوى القصر، لا أعلم كيف لفكرة كهذه ألا تخطر على بالي، لكن حذار أن تأخذي مثل هذه الخطوة دون إعلامي.»

«كل ما يهمك هو المنصب ومصلحتك؟ لا تكترثين للفتاة التي هُتك عرضها؟ ولا لتجسس غيداء علي؟ ماذا إن كنت تحبين غيداء، هل ستردعينني وتعوقينني إن عاقبتها؟»

«لا أعلم، لا يهمني شيءٌ في هذا الخطب، لم تفعلي شيئًا يتعدى منصبك، ثم من أنت لتستجوبيني؟ أنا الملكة فتون، لا أحد يستجوبني!»

لم أعلق على كلامها، وتجاهلته كعهدي مع كثير من حديثها المتغطرس، عاودت النظر إلى التماثيل مرة أخرى ثم قطعت موجة الصمت تلك.

«لماذا أرى هذه التماثيل عنفًا ضد المرأة؟
لماذا تضعون تماثيل للحسناوات فقط؟ ماذا عن أمثالي؟ هل نحن لسنا إناثًا؟ كل هذه المصائب من قولبة المرأة ووضعها في قالب الكمال، واعتبارها زينة وأداة للجنس لا أكثر، مجرد لحم يضعون له معايير لا يختارها أصلًا، تحاسبون النساء على حجم أنفهن أو سعة عيونهن؟ ما هذا الغباء؟»

انكمشت ملامحها وبرزت عروقها من تحت جلدها المجعد، ثم ألحقت كل هذا بنبرة حنوق قائلة:

«أما زلتِ متأثرة بدروس الفلسفة تلك؟!»

«نعم؛ هي دروس لفهم الحياة وليست شيئًا أحمق كما تزعمين، لقد غيرت نظرتي جراء كثيرٍ من الأمور.»
أجبت بثقةٍ دون أن أعير غضبها أي اهتمام.

«ولهذا أبعدتها، ألا تسمعين ما تقولين؟
المرأة رمزُ للجمال، تجسيدٌ له نفخت فيه الروح، إن لم تكن الأنثى حسناء لا تستحق المعاملة الحسنة، كما يجب أن تعصم من أي خطأ قد تقع فيه لهذا سترين هذه التماثيل مختونة ببراعة!»

لا إراديًّا وجدت عينيَّ ترفان بسرعة وكأنهما التصقتا ببعضهما البعض، كانت فلسفتها هذه ثقيلة علي بعض الشيء.

«على رسلك! ما هذا الذي سمعته؟ ختان ماذا؟ إنها جريمة تشويه كيف تقطعون جزء من جسد الفتاة بلا داعٍ؟! أخبريني ما الفرق بينك وبين جواد فارس لاكرين! وعد مني، هذه التماثيل سيكون كسرها وفناؤها على يدي»

«صه! تُكسر على رأسك! من هذا الذي تشبيهنه بي؟ هذا المجرم المحتل؟ طالب بختان الإناث لأنه يريد قهرن وإذلالهن، أنا لا أريد أن أفعل المثل، إنه حفظ لعفتهن وشرفهن، وضمانًا أنهن لن يخضعن جنسيًّا لأي أحد كان من كان.»

وما الفرق؟ نفس الفعل بهدف مختلف؟ سينتهي بنا المطاف إلى مصير واحد.

«هذا ليس مبررًا للرعب الذي تعيشه الإناث إبان هذه اللحظات وطوال عمرها، ليس لأي مخلوق حق في التصرف في جسد أحد خاصةً النساء، نحن لسنا حيوانات نتبع شهواتنا دون أن نفكر أول نعقل، إن لم نكن هكذا، لماذا لم يعطينا الله مجرد مخٍ يساعدنا على الحركة كالبهائم لا أكثر؟»

«يبدو أنني قد فرطت كثيرًا في تهذيبك، تأدبي يا أميرة أنت في حضرة الملكة فتون وهذا ليس موضوعنا البتة!»

«ما الموضوع إذًا؟»

غيَّرت من وضعية جلوسها ورفعت بعجرفة باحت بها قدمها التي وضعت فوق الأخرى، ومعها ارتفع طرف فستانها عن الأرض وبات متدليًا بشكل مثلث.

«أتعلمين أنني الشخص الوحيد الذي يمتلك شفرة الحديث مع الجن؟ أنا ما زلت أحفظها عن ظهر قلب وأنا فقط من يستعملها.»

«وما الفائدة من هذا؟»

«بالطبع عقاب جريمة الحب في دومينا غني عن التعريف، وأنت تعرفين توابعه، لقد أخبرني الجن أنك قد أصابتك اللعنة!»

«كيف وأنا لم يتساقط شعري وما زلت محتفظةً بطول قامتي؟»

«أجل، لعنتك مختلفة تمامًا عن العوام؛ لأنك في مكانة أكبر، لذا لعنتك أغلظ.»

«ومن أين عرف الجن أني أحب؟»

«الجن يعرفون ما فعلتِ وما ستفعلين وكل شيء، لقد عبثوا في بنيانك!»

«معنى كلامك خطير يا ملكة، هل تقصدين أن الجن يعلم الغيب، ويستطيع التحكم بالبشر؟ إن كانوا كذلك لمَ لا نعبدهم؟ نحن نعبد إلهًا أكبر منهم، وهو من خلقهم.»

«لا يهم ما الذي أعنيه، المهم أنك ملعونة، إلى الأبد...»

_____________

Continue Reading

You'll Also Like

1.7M 26K 41
من سلسلة «عشق الرجال»/للكاتبة شهد السيد الجزء الأول بأسم "عشق الأدهم" الجزء الثاني بأسم "طُغيان" الجزء الثالث بأسم "تميمة عمر" ‌لم أجد...
13.1K 981 32
بين الأزقة المظلمة .. وتحت ضوء القمر الساطع .. أصوات صرخات المستنجدين تعلو في الظلام .. حيث البرد الذي ينخر في العظام .. والدموع التي أثلجت صدور المل...
2.3M 52.8K 28
هو لديه كل شيء،من مال،نساء،ثروة.شخصيته قوي،بارد،محب لنفسه.ترتمي النساء عند قدميه فقط بنضرة منه لكنه لا ينضر اليهن حتى ،سئم من كون جميع النساء هكذا...