دومينا مملكة للنساء فقط +١٦

By Avuona_X

49.3K 3.5K 1.4K

في العصور الغابرة، كان وأدُ البنات وقتلهن عادةٌ سائدةٌ، لكن ماذا إذا انقبلت الأدوار، وكان للنساءِ السيادة ولل... More

إهداء
لمحات
ثمانِية عشَر
أَذهَانٌ جَدْبَاء
سُيوفٌ وعطور
قِسمَةٌ ضِيزَى
نِصفُ الأنثى المَفقُود
بُيوتٌ مُشيَّدةٌ على عُصِي
البُقعةُ المُحَرَّمة
جبرُوتُ حَوَّاء
لَا ذُكورَ بعدَ اليوم
أنتِ ذُكُورِية رَجعيةٌ
مِنْحَةُ مِحْنَة
دقَّت القَارِعَة
ذكرى سنوية دومينا

ليلة سقُوطِ الشَرف

2.8K 261 211
By Avuona_X


تنويه: قد لا يناسب هذا الفصل بعض القراء؛ لاحتوائه على مشاهد عنيفة، وألفاظ جريئة.

«تعالي هنا يا فتاة!»

بعد أن أنهيت لقائي مع أيهم متجهةً إلى غرفتي، سمعت صوتًا حادًا ومألوفًا خلفي، بدا لي هذا الصوت واضحًا؛ على الرغم من علو صوت وقع أقدامي.

لم يكن هناك أحدٌ غيري تحديدًا في هذه البقعة من الساحة، فقط جاريات يعملن في نهايته، لذا استدرت، مع أني لست معتادة على هذه التسمية، لكن غِلظة الصوت كانت كفيلة أن تهز كياني.

استدرت في فزع، وإذا به هذا الوجه المألوف، هذا الوجه الذي ملأته التجاعيد من فرط العبوس لا تقدم السن وقرب حتفه، أخذت هذه العيون السوداء ترمقني بالنظر، وتدنو مني رويدًا رويدًا، ومع كل خطوة تخطوها صِوبي، أشعر أن قلبي يصارع أضلعي من عنف خفقانه.

حاولت إبعاد فكرة أن أمي قد علمت بعلاقتنا عن رأسي، فكرت أنها أوقفتني لأجل توبخي لأنني لم أنم بعد وكذبت عليها، لكنني فشلت في نهاية المطاف، هذا شيءٌ متوقع للغاية؛ فالإنسان لا يكشف أمره إلا بعد عدة من مرات من فعلته، وبعد أن ينال عدة فرص ليكف عن فعلته، لكن عندما يعند ويصر على ما يفعل، يزاح عنه سِتار الستر.

حاولت أن أتماسك بكل ما أوتيت من قوة أمامها،  مع أن رائحة الهلع تفوح مني كعود بخور آسيوي عتيق، لتفضحني إن لم تفعل ملامحي المُسْفِرة.

انتصبت واقفة في مكاني بثبوت مصطنع، ولم يكن هذا وضع قلبي الذي لم يكف عن الانتفاض ودفع الدماء إلى كل بقعة حية، حتى يكاد ينبثق من بناني.

أشارت إلي بإصبع سبباتها بالغ الطول المختوم بأظفار تأخذ شكل المثلث وهي تقول:

«منذ متى ونحن نخرج في مواعيد غرامية؟ أعاهرة أنتِ؟ بنات العوام لا يفعلونها! هذا شيءٌ غير معروف بالمرة في بيئتنا! حب! ما هو الحب؟»

دوى كلامها على قلبي كالرعد قبل أن ينتشر صداه ويصطدم بالجدران المزينة بلوحات لأساطير وحكام دومينا، عجزت عن الحديث، وكأنني قد قيدت بلجام أثقل نطقي، أقلب عيني بين نظرات الشك وخيبة الأمل من أمي التي تقف أمامي تارة، والوجوه الزيتة المرسومة التي هُيئ لي أنها تلاحقني بنظرات حادة.

لم أجرؤ لحظتها أن أرفع عينيَّ نحوها؛ فاكتفيت بمشاهدة هذه الوجوه المُتجهمة في اللوحات، وأنا أكاد أسقط من التوجس الذي انتباني.

«لمَ أنت صامتة؟ لإنك تعلمين أنك مخطئة! صحيح؟ أخبريني كيف لي أن أعاقبك؟»

أخذتُ نفسًا عميقًا في محاولة فاشلة أن أمنع سيل الدموع التي تكاد تفيض، شعرت بحرارة مرتفعة تتسلل إلى جسمي، أذابت دموعي المجتمدة في مقلتي، وكانت أبطش مني، بعد أن خارت قواي التي أدعيتها، قبل أن أصيح من بين أنفاسي المتلاحقة بعلو صوتي:

«اصفعيني! أنا ساذجة!»

قطبت جبينها بنظرة خيبة أمل، حركت عينيها في الردهة الواسعة وأعمدتها البيضاء المرسومة، قبل أن تعقب:

«الأميرات لا يصفعن، لكن كلمات التوبيخ أشد على قلوبهن من ضربات السوط!»

أخذت بطرف فستانها وشقت طريقها نحو جناحها، بعد أن انتزعت التاج من بين خصل شعري بنظرات آسفة وشفتين مزموتين.

ألم في صدري يطعنني، وكأن العالم كله الذي كان يهينني، أشعر أني تراب عَفن لا قيمة له.

رفعت عينيَّ، فإذا بالجواري واقفاتٍ على الطرف الآخر، يشاهدنني وأنا أهان.

الأميرة أسمى... التي لطالما كانت الشخص المتعاون معهن؛ فكانت الأجدر بالرئاسة، حنو قلبها أيضًا وعاطفتها هي من ألقت بها في الهاوية!

الكل ترك عمله، التي كانت تنظف وضعت المكنسة جانبًا، ومن كانت تفرش تقف مذهولة بيدها الملاءة، ومن كانت تمسح وضعت الخرقة جانبًا، هذه المشاهد تكررت عشرات المرات، بعدد الجواري المتواجدات، وقفن يشاهدن الأمير أسمى وهي تُوبخ كالأطفال، شعرت بالحرج الشديد، العار يحتضن جوارحي من ناحية والألم من ناحية أخرى.

كانت محقة فعلًا، توبيخها أمام كل هذا الحشد أقسى من جلدات السوط.

علا صوت همهماتهم التي لا سيرة لها سوى هذه الفضيحة الثقيلة، وكأني لا أسمعهم أو أراهم وهم يخبئون شفاههم التي تجرأت أن تتلفظ بسوء عني؛ فوقت الفضيحة فقط يتحول كل البشر إلي شرفاء أتقياء، ويتناسون كل ذنبوهم الشنيعة؛ ليلتهموا بضمير مرتاح من كُشفت أوراقه المدسوسة في الخطيئة.

أشعر أني عارية أمام كل الناس، أحاول أن أواري عوراتي التي فُضحت على الملأ بأي طريقة، أود أن أغمس وجهي في الطين من فرط الخزي الذي يجتاحني، لكن ترى... هل سيكفر هذا عن ذنبي؟

أخذت أركض إلى غرفتي بكل سرعتي، كذلك كان وضع دموعي التي أبت ألا تكمل المشهد، عيون تراقبني وأنا أفر كاللصوص، دموعي تعانق ياقة فستاني، ومع كل دمعة تتسيل مني أشعر إن احترامي وتقديري لذاتي يتساقط معها.

أدفع عمري كله كي أعرف من قام بهذه الوشاية.

وإن عرفته، ما الذي سيتغير؟ لا شيء! ها قد علم الجميع.

ألقيت بجسدي المنهك على السرير بين دموعي، بعد أن أغلقت غرفتي ومنعت دخول أيٍ من الجواري، متجاهلةً غياب هند التي يبدو أنها تأخرت كثيرًا في الخارج، أخذت أبكي بحُرقة وكأنني لم أبكِ في حياتي مُسبقًا، أصرخ بهسترية كلما جفت دموعي لينبُع سيل آخر منها.

لم ألقِ بالًا للكحل الذي أختلط بالدموع وبات وجهي ملطخًا به بعد أن زانه، أي حبٍ الذي يفعل بنا هذا؟ أي حب الذي يخسرنا ثقتنا في أنفسنا ويفقدنا ثقة ذوينا؟!

أخذت أبكي لساعات، انتفخت جفوني وكذلك أنفي ووجهي كله، لك أن تتخيل كل هذه السمات مجتمعة في وجهي، أخذت كوب الماء العريض الذي كان بجانبي، نظرت فيه وبدا لي هذا الوجه القبيح، لم أستطع أن أرتشف الماء بسهولة نتيجةً لعلو أنفاسي.

قلبٌ مفطور مشطور، يقاسي ضياعًا وتشتتًا، أنا من فتح النار على جسدي بيدي، أنا من اجترجت هذه السيئة بنفسي، كأني ألقيت نفسي في أخدود متوقد يغلي.

فتحت نافذتي الكبيرة التي كانت بالقرب من سريري وتطل على أبرد مكانٍ في القصر، دائمًا أرتاح عندما أتنفس بشكل جيد في مكان مفتوح، لكنني بالغت كثيرًا؛ لإنها كانت ليلة شتوية قارسة البرودة، ولم يكن هذا هدفي الأوحد.

صدري ورقبتي المكشوفتان تصادمها الرياح الشديدة؛ لتبث القشعريرة في أنحاء جسمي، تحملت هذه التيارات الباردة وهي تعانقني كنوع من جلد الذات، وإذاقتها بعض الألم؛ كي لا تجرؤ على الوسوسة مرة أخرى.

وإذا بأحد الحراس يتجول ويتأكد من أمان المكان، ويتسآل من هذا الذي يفتح النافذة في هذا الوقت.

فزعت عندما وقف أمامي، ضممت أقمشة الفستان كي تخفي صدري ورقبتي، فاقترب مني، وترجاني أن أدخل وأُغلق النافدة.

لم أشعر بشيءٍ سوى الصباح، صوت هند الرخيم يحوم حولي، وكنوع من الاستجابة أفتح عينيَّ الملتهبتين وأنظر إليها، لم أكن بمقدوري أن أفتح عيني بشكل عادي؛ فعلاوة على انتفاخ جفوني كنت أشعر ببعض الجفاف في عيني.

حاولت أن أنهض من السرير، لكنني واجهت بعض الأوجاع والعوائق، كفستاني والحلي التي كنت أرتديها منذ البارحة، حاولت أن تساعدني، ثم جلبت قطعة قماش مبللة وأخذت تنظف وجهي ذا الملامح المطموسة من أثر البكاء، شرعت تنظفه بيدها الهزيلة من بقايا الكحل في حنو بالغ كعادتها.

كنت أشعر بتعاطفها معي دون أن تلفظ أي كلمة، تكفي نظراتها التي كانت أبلغ من قصائد الجاهلية.

هبت تحتضني بدفء، كي أرى علامات الجروح على رقبتها التي ما زلت لا أدري ما سببها، ربما تأذت أثناء أداء عملها.

هند شخصية غامضة للغاية، تتهرب من الحديث كثيرًا، وتراوغ ببراعة، لا أحب أن أضغط عليها؛ فهي حرة فيما يتعلق بحياتها، أينعم هي جارية، لكنني لا أحب أن أسطو على خصوصية أحدهم.

شرعت أتشبث بجسدها النحيل الذي يخدمني كروحها الكريمة، أشعر أنها تقاسمني حزني أكثر مما ينبغي، كما يبدو في عينيها.

«أميرة أسمى، أود أن أخبرك بشيءٍ ما، أرجوك لا تقسي على نفسك؛ هذا درس لك قد يعلمك الكثير، لا شيء يتطلب كل هذا الحزن.»

قالت متلعثمةً بكلام غير مرتب تتخلله نبرةٌ طفولية بريئة للغاية.

كنت أواجه صعوبة في الرؤية؛ فعيني كانتا ملتهبتين، وتضخم حجمهما؛ نتيجة لاحتباس السوائل فيهما، أخذت هند تربت على صدري ببطء وهدوء، فأخذت أهز رأسي لها باستجابة بينما أشعر أن ملامحي متيبسة تعوق خروج أنيني.

لكنني تذكرت شيئًا، هند أخبرتني أنها لن تكون في القصر، وستذهب مع العاملات الأخريات؛ لجلب بعض الأشياء التي سنحتاجها بعد الحفل الذي استهلك أغلب مخزون الطعام والشراب في القصر، أنا أعلم جيدًا أنها تحب العمل هنا، وتحب أن تشرف على كل شيء.

«هند، من أين علمتِ بما حدث البارحة؟»

شعرت أنها توترت وبدأت يدها بالاهتزاز قبل أن تقول:

«سيدتي، لقد سمعت إحدى الجاريات وهي تتحدث عن هذا الخطب، من أين لي أن أعرف سواهن؟»

تجاهلت ردها لأنه لن يفيد في شيء؛ فكان توبيخ أمي على مرأى ومسمع من كل سكان القصر تقريبًا.

يا ويلي، أيعقل أن سيرتي أصبحت على كل لسان خارج القصر أيضًا؟ لمَ فعلت هذا بنفسي؟

أخبرت هند أن تغلق جناحي، لا أريد مقابلة أحدٍ ولا أريد طعامًا. ظللت مدة يومين بلا طعام، فقط بعض الماء وحليب الإبل اللذين كانا يبردان ناري.

حاولت هند أن تقنعني بتناول الطعام؛ لأن جسدي سيبدو ضعيفًا أكثر مما هو عليه، وهذا بالفعل ما حدث، كانت أعصابي ترتجف من شدة الجوع، أحيانًا أصاب بالدوار وأنا جالسة في مكاني، وهأنا أستجيب قليلًا لنصائحها. لم أرَ أي إِنْسي لمدة أسبوعين سواها، حتى دروسي امتنعت عن حضورها، استدعتني أمي أكثر من مرة، لكنني لم ألبِ أي طلب.

لم يسأل عني ولم يراسلني، أكنت نزوة عابرة في حياته؟!
لا أريد أن أحبه أو أراه، مع أن قلبي يأبى هذا ويبدو أننا على مشارف صراع دامٍ مع عواطفي.

أنت لا تعرف أي شيءٍ عن الصراعات الدامية إن لم تدخل صراعًا بين عاطفتك وعقلك!

قضيت الفترة الأخيرة من هذين الأسبوعين في قراءة كتاب أهدي لي من قبل إحدى أميرات الدول الأخرى، التي أمضت معي عدة أيام استفدت منها الكثير.
في الحقيقة، لم أكن أقرأ بإمعان، كان مجرد مرور بعيني على الورق دون تركيز، فدموعي المتساقطة من هاتين البنيتين اللتين تحتضنهما هالات السهر والأرق، كانتا تحجبان عني النظر أحيانًا، وعلى إثر ذلك... مُحيّ بعض الحبر من بعض الصفحات، كما محي الحب من قلبي بالقوة.

لقد كان كتابًا ضخمًا للغاية، قرأت الكثير منه مسبقًا؛ لأنني أحب القراءة والإطلاع منذ طفولتي، ولأنني انبهر بأي شيء يخص العلم، فكان هذا الكتاب أنيسي الوحيد آنذاك، ومضى هذا الأسبوع قاسيًا؛ فكل صفحة أفتحها كنت أرى فيها هذه الملامح الدافئة التي تفوقني جمالًا، الشعر الأسود المسترسل، الوجه المستدير كاستدارة البدر ليلة منتصف الشهر، ويبدو أنه سيعاني حالة كسوف كلي ولن أنعم برؤيته مجددًا!

لم يغب عني؛ كان يطاردني في أحلامي، وليتني أعلم كيف حاله، على الرغم أني أراه في كل مكان، أصراع قلبي الذي لا يزال معلقًا بحبه، وصوت عقلي الذي يقول لا وألف لا.

لكن هذه هي الحياة، يجب أن تصفعنا الأقدار ويجب أن نتخلى عن مشاعر المراهقة هذه؛ حتى تظهر شخصياتنا القوية، غير المتعلقة بالبشر حد الموت؛ فالحياة فيها العديد من التحديات التي تتعدى الحب بأهميتها.

قطعت هند نشوز ذهني عن الواقع، وهي تلوح في الأفق، يبدو أنني انفصلت عن العالم لفترة ليست بالوجيزة. وضعت منشفةً وفستانًا بين يديَّ، وهي تحثني أن آخذ حمامًا قد جهزته لي لأتعجب قائلة:

«لماذا عليَّ أن أتحمم الآن بالذات؟»

ربتت على ظاهر يدي بعد أن مررت الفستان من تحت يدي لينزل إلى حجري.

«لأن سمو الملكة فتون في انتظارك، ووصتني أن تردتي شيئًا سهل الخلع، كالذي بين يديك، وبعثت لك تاجك مرة أخرى، كنوع من تجديد الثقة، كما تبدو أنها غاضبة للغاية!»

شعرت بدقات قلبي تعلو، تحرك مشاعري وتذكرني بأيام طفولتي، عندما كنت أهاب رؤيتها، هذا الكيان المملوء بالقسوة والغلظة، الذي كنت أتشبث فيه طالبةً ضمةً دافئة، فأرجع خائبة الرجا.

«هند، ألن تأتي معي؟»
التفت إليها وهي تقف في خضوع بين الحوائط التي تحمل ألوان بنية مدرجة.

«اعذريني سيدتي، أنا أشعر بالدوار ولست بخير، هل تأذني لي أن أحظى بقسطٍ من الراحة؟»

«لك ذلك، لكن ما هذا الفستان الفضفاض الذي تردينه؟ يبدو واسعًا للغاية على جسدك النحيف هذا.»

«لا شيء سيدتي، فقط أريد أن أرتدي ملابس مريحة خلاف تلك التي تخنق جسدي.»

تجاهلت وضعها الغريب، سأحاول أن أتحدث إليها لاحقًا بعد أن نرى ماذا ستفعل بي أمي. وقررت أن أنهض فعلًا، لن أقضي حياتي كلها بين جدران غرفتي، أشعر بقلقٍ يعتريني، تذكرت حديث الأميرة مريم، عندما أخبرتني أنها تتخلص من التوتر بالاستحمام أو الوضوء، ومن ثَم تمارس بعض الطقوس الدينية الخاصة بها.

حاولت أن أفعل منها ما أستطيع؛ رغبةً في تخفيف هذا الخوف، جففت جسدي وخرجت، وهأنذا في طريقي نحوها، لا أشعر بالاطمئنان على الإطلاق!

لم أبرح متأثرة جراء ما حدث، لذا كنت أشعر بالاختناق، وعلى أُهبة الاستعداد لأن أبكي في أي لحظة، حاولت أن أراقب نظرات الجواري لي، لكنني لم أجنِ شيئًا؛ لأنهن لم يتصلن بصريًا معي؛ كي لا يجلبن لأنفسهن المتاعب، حتى ظهر هذا الوجه المتبرم، وهلَّت نبرة صوته الساخرة، الذي خرج من بين أبواب جناحه المفتوحة على مصراعيها.


«حمدًا للرب على سلامة الأميرة، وصلت بك الجرأة أن تتجاهلي أوامري؟!»

علا صوتها في الأرجاء بينما تنظر إلى الحكيمة بيان قصيرة القامة التي تقف بجانبها.

«عذرًا سيدتي، كنت قعيدة الفراش مريضة، ما الخطب؟»

«كل خيرٍ يا سمو الأميرة، نريدك أن تخففي هذه الملابس قليلًا، الجو حار اليوم.»

لم أفهم ما مبتغاها مطلقًا، الجو حارٌ كل يوم، ما الذي تنشده من هذا المَطلب الغريب؟

صمتت قليلًا سانحةً لعقلي أن يرسم خط سير الأحداث المتوقعة، وأخذت أنظر إليها بقلق.

«سيدتي، هل لي أن أفهم ماذا يحدث هنا!»

تنهدت بملامحة متمسمرة قبل أن تقول في ضجر:
«أسمى، ألستِ مريضة كما أخبرتيني؟ هيا! استلقي على السرير كي نجري بعض الفحوصات عليك.»

غريب أمرها، لمَ لم تأتِ إلى جناحي؟
على أي حال، لم يكن باليد حيلة، تقدمت ببطء نحو سريرها الفخم، باعدت بين الأستار التي كانت حوله، وكذلك فعلت في فستاني، جعلته فضفاضًا أكثر حتى يتسنى لها الفحص.

تسطحت على الفراش، ضممت ركبتي وأخذت نفسًا عميقًا، قبل أن تأتي الحكيمة لتكشف غطاء رأسها بعد أن رحل الحارسان، ومن ثم تضع أذنها على صدري كي تسمع دقات قلبي، طريقة بدائية وبسيطة لإجراء الفحص، أخذت تلمس بشرتي التي أقشعرت، كي تتأكد من طبيعة حرارة جسدي، ولم تتلفظ بشيء.

لا أشعر بارتياحٍ بالمرة، أشعر أن قلبي مقبوض. أخذت أهز قدمي؛ فهذه عادتي السيئة الأخرى التي أود أن أتخلص منها، لكنني كنت قَلقة بشأن هذا الفحص.

«أميرة أسمى، لا داعي للقلق، لقد أوشكت أن أنتهي.»

أومأت لها بعدم ارتياح، فتحركت ووقفت أمام ساقي ووضعت يديها على ركبتي وبدأت ترفع طرف الغطاء من الناحية الأخرى، تفاجأت من فعلتها ونهضت من سريري واضعةً يدي فوق يديها في ذعر؛ كي أحاول أن أبعدها وهنا تيقنت ما الذي تريده.

«ما هذا الذي تفعلينه يا حكيمة بيان؟!»

صمتت بيان ولم تستطع أن تجيب حتى تدخلت أمي لتنقذ الموقف بقولها:

«ما بك أسمى؟ تمارس عملها وأنت تعطلينها!»

«عمل! أي عمل هذا؟ منذ متى وأنا أجري كشف العذرية السخيف هذا؟ وكيف تجرؤ أن تقوم بهذا بدون أذني ولا علمي؟ هل أنا بعير تسيرينها أينما شئتم؟»
انفعلت بقوة، متحدثةً بنبرةٍ أشبه بالصراخ دون أن أفسح مجالًا لالتفاظ أنفاسي.

«صمتًا يا فتاة! ألا يكفي ملاقاتك لأيهم؟ ما الذي يضمن لي أنه لم يمسسك؟»

«لأنك تعرفينه! تعرفين الأمير أيهم الذي كبر أمام عينيك، وهذه ليست من أخلاق الأمراء أبدًا وخاصة هو!»
أخذتني الحَمية وأنا أدافع عنه، فقاطعتها وأنا أكمل حديثي، تصاعد صوت عاطفتي على صوت عقلي الرصين، هي محقة فعلًا، ما الذي يضمن لي أنه لن يؤذيني بأي شكلٍ كان؟ ها هو لم يسأل عني منذ مدة.

سبحت نفسًا عميقًا قبل أن أردف بقولي:

«ولا أدري أي علاقة تلك التي تبنى بين زوج وزوجة على الشك؟ هل هذا يعني أن الرجال لا يمارسون الجنس فقط لأنه لا يوجد شيء يكشف فعلتهم؟ لا يوجد وزاع أو ضمير؟

إذا كنتِ تجرين هذا الفحص كي تتأكدي من عذريتي وأني لن أجلب لكم الفضيحة عندما أتزوج، فاعملي أنني لم أفعلها، ولن أسمح لك أن تطعنيني في شرفي، كذلك كل الفتيات، من حقهن ألا يكشفن عوراتهن أمام أحد لهذا الغرض السخيف!

عذرية الواحدة منا هي طهارة روحها، ماذا إذا ولدت إحدانا بدون غشاء؟ أو تسببت الأقدار في فضه لأي سببٍ كان، هل هكذا هي عاهرة تستحق الرجم؟»

«صِه! هل نسيتِ أن في حضرة الملكة فتون؟ يبدو أن دروس الفلسفة اللعينة تلك خربت عقلك، لم القلق وأنت متأكدة أنك لست مذنبة؟ تهربك من الكشف لا يؤكد هذا إطلاقًا! لذا عقابًا لك دعيها تباشر عملها، هذا شيء طبيعي للغاية! كل ما ستفعله أنها سترى ما إن هناك تمدد أو تغير في شكل المهبل، وما إن تواجدت شقوق فيه، لا شيء يستدعي القلق.»

وما أن لبثت أن تنهي جملتها الأخيرة تلك، وجدت نفسي محاصرة بين جاريتين يجذباني ويكبلان ذراعي، يردعان حركتي؛ فأسقط على الفراش، ومن الناحية الأخرى بيان تستحثني أن أفرق بين ركبتي المضمومتين بتشنج، توقعت أمي ما سأفعل، حاولت أن أضم ركبتي بكل ما أوتيت من قوة، أخذت أدب بكعب قدميّ على السرير مخلفةً صوت صرير خشبي حاد، لكن جسدي الهزيل لم يكن خير معينٍ على المقاومة.

رعب! رعب رهيب أشعر به، لست مِن مَن يتحملون الخوف، كأن أحدهم ينتزع فؤادي الذي يقفز ويهبط عنوة، وغمامة سوداء حلت على عيني اللتين كانتا تيفضان دمعًا.

أجل، كان من السهل علي أن انهار باكيةً، وأطلب منهم أن يبتعدوا عني؛ لأنني لم أكن مستقرة نفسيًا، علاوة على هيبة هذا الموقف الذي أدمى أضلعي.

استطاعت أن ترفع طرف الغطاء المقابل لها، ومن ثم فستاني وملابسي الداخلية مفسحةً للهواء والنور أن يتسللوا إلى هذه المنطقة المحرمة، شعرت أني أتجرد من إنسانيتي ليس ملابسي فقط!

تيارات الهواء الخفيفة تلامس هذه المنطقة التي لم تتعرض مسبقًا للضوء حتى!

استعملت بعض الأدوات المعدنية البسيطة بعد أن طهرتها بماء ساخن في أن تباعد بين الشفرتين، ارتعش جسدي واقشعر من هذه العملية المقززة، لا أستطيع أن أصف ما الذي يحدث، شعورٌ مقرف يجعلني أمتهن نفسي.

عويلٌ ونواح يرتطم بالحوائط التي رُسمت عليها ملامح الحضارة المزعومة، صادرٌ عن حلقي الذي شعرت بغصة فيه، مدت يدها الخشنة تلك إلي، مولدةً قشعريرة سرت في جميع أنحاء في جسمي.

أخذت أحرك خصري لا إراديًا نتيجة لتلامس هذا الملقاط، رفست رأسها لتبعتد، فتقابلني بملامح ضاجرة متأفئفة، لكنها لا تجرؤ على التفوه بكلمة.

شعرت أن جسدي يتشنج، بعد أن فرقت بين فخذي، وألصقتهما على السرير، مستعينة بجاريتين أخرتين، وسرعان ما تبدد هذا التشنج العضلي المؤلم، وتحول إلى تشنح مهبلي، عندما مررت أصبعيها الباردين على هذا الموقع الدافئ، أخذت تحرك أصبعيها دافعةً إياه، فزَّ وارتعش بدني وكأني مصعوقة ببرق، ألم شديد أشعر به، وكأن أطرافي تُبتر مني.

على الرغم أنها كانت بضع ثوانٍ التي مدت فيها يدها بشكل سطحي ولم تتعمق، إلا أن هذه اللحظة كفيلة أن تهدم أي احترام وتقدير لذاتي.

حاولت أن أتمالك أعصابي وأكف عن الصراخ الذي أتعب حلقي، وأنا أتململ في الفراش بين دموعي وشهقاتي العالية التي تعترض تنفسي، أضرب برأسي على السرير يمينًا ويسارًا، أطلب منها أن تكف عن فعلتها، لكن دون جدوى، لم أقوَ على أي حركة أخرى، بل أصابني شدٌ عضلي نتيجة لجذبها الشديد لفخذيَّ، خاصة أنني كنت أتحرك كثيرًا وأقاومها، وها هي ترفع رأسها من تحت الملاءة البيضاء تتنهد هامسةً في أذن والدتي بانتصار قائلةً: «عذراء»، فتنبسط ملامحها المنقبضة.

كل هذه الأجواء المشحونة بالقلق من أجل حقيقة أعرفها أو كلانا يعرفنا، فقط هي تريد أن تلقنني درسًا قاسيًا وها هي تنجح في فعلتها.

هل كون الواحدة مننا أنثى جريمة تعاقب عليها طوال عمرها؟

إذا كان الحب يفقدنا أغلى ما فينا، فلمَ نحب!

أشعر بالذل والهوان، كيف سأحترم ذاتي وأنا تعرضت لهذا الانتهاك القذر؟

أخذت المرآة التي كانت بجانبي أراقب هذا الوجه المفجوع، متجاهلة كل من كان متواجدًا، أتألم من الإجهاد البدني، وأبكي وأنا أغرز أظافري الطويلة في خدي وملامحي التي خبت منها الدماء وبدت باهتة من هول الصدمة، أبدو كمجنونة مضطربة، لمَ فعلت هذا في نفسي؟ بدأت أقتنع بفعالية تحريم الحب، أي حبٌ هذا الذي يذل صاحبه ويعرضه لكشف عوراته والتشكيك في عفته؟

صوت الصراخ هذا، المشهد غير الآدمي، قد يتكرر، ربما قريبًا أو بعيدًا، لها أو لغيرها، هنا أو حتى هناك، الآن أو لاحقًا...

________________________________

Continue Reading

You'll Also Like

369K 11.9K 6
رجل مافيا معروف بقوته وبروده ف ماذا يحدث عندما يقابلها فتاته الصغيره المشاكسه اتمنى ان تستمتعوا 🥰😘 الروايه من قلمي ولا اسمح لأحد بسرقته
2.5M 68.2K 44
الرواية. من الخيال وليس من الواقع بتتكلم عن بنت ملتزمه جدا. ورجل اعمال. لايعرف شئ عن الالتزام. ولكن كل اللي هنحكيه في الرواية واقعي. وفيه ناس عايشه...
3.6M 292K 137
عائلية، كوميدية، اجتماعية
1M 26.2K 35
الملخص: .. هي عاشت طوال 22 عاما أنها رجلا قويا ولكن بمسمى أنثى !! , أنشأها والدها لتكون ولده الذي لم يحظ به ولكنه يموت تاركا ايَّاها تحت وصايته ....ه...