تُرَاب أمْشِير (مكتملة)

By shahdmedhat_

266K 16.4K 2.4K

دائمًا ما نبحَث عن الحُب .. ونادرًا ما نَعثر عليه .. ولَـكـن في أغـلب الأحيان عندما نجدُه نتركُه يَفلِـت من... More

اقتباس ومقدمة ✨
** تنويه هام **
1- (عَـائِـلـة تَـلـيـدْ)
2- (العَـمّـة المَـلْعـونة)
3- (أَسـمَـتُـه فَـخْـر)
4- (عُــقْـدة)
5- (لَحظْة انكسَار و ردّ اعتِبار)
6- ( "عُصـفورًا عَاجـزًا" )
7- (ذهـبَ إلى مَـنـزِلـها)
8- (نُـزهَة فى الحىّ الشَعبِي)
9- (الحِـمـارُ المـتهوّر)
10- (أصْـدقَاء رسْـمـيًا)
11- (هو والفَـراشَـة)
12- (تـودّيـنَ التـعَـارُف؟)
ياريت تقروا للآخر ياشباب
13- (عِـيـدُ مِـيـلاد)
14- (مـهندِس فِي ورْطـة)
15- (لَـيـلة في المـخـفر)
16- (رَفـيـقِـي)
17- (الـذكرَى الخَامـسة)
18- (اعْـتـرَاف)
19- (فَــخّ)
20- (المُـتـهم بَـرئ)
21- (وقَـع فى المَحظُـور)
22- (قَـرار مُـفاجِـئ)
23- (المُهندس وأثيرةُ الكُحل)
24- (كُـشـفَ سِـرُّه)
25- (عَـقْـد قُـرآن)
26- (مِـصْباح مؤقّـت)
27- (عَـتْـمَـة)
28- (تُـراب أمْـشير)
29- (ظَـرف وڤِـيديو)
30- (سُـخرِيـة القَـدر)
31- (مَـلهَى لَـيلِي)
32- (رأسًا على عَـقِب)
33- (عَـودَةُ الحَـبِـيـب)
الفصل الرابع والثلاثون (CLASSIC)
35- (كَـسـرت الفَـانوس؟!!)
36- (فِي الخِدمَة يامَـولاتِي)
37- (جوّ عصابات وبتاع)
Guess the couple 🤫
38- (نـجـمـة ودبـلـتـيـن)
39- (عـ الـقَـهـوَة)
41- (تُــحْــفَــة)
الفصل الثاني والأربعون (game over)
43- (نَـسَـمَات بَـرمُـودَة)
44- (لـنخطّ سُـطُـورنا معًا)
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الأولى•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثانية•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثالثة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الرابعة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الخامسة•
∆ هَل تـنـتـظرينَ قُـبـلـة؟؟ ∆
بـدأنـا رحـلـة جـديـدة 💙

40- (رَبِـحَـتْ الـبُـومَـة)

4.4K 313 94
By shahdmedhat_

**الفصل كان المفروض ينزل امبارح بس حصلت لي ظروف خارجة عن إرادتي فـ نزل النهاردة
واعذروني الفترة الجاية دي لو خالفت مواعيدي أكتر من مرة، لأنها ظروف غير معلومة الأجل والله أعلم هتخلص امتى، وربنا عالم والله ازاي باجي على نفسي عشان متأخرش على قد ما اقدر
قراءة ممتعة ومتنسوش الڤوت بعد اذنكم♥️**

.

.

.

انكمشت مريم على ذاتها متخذة طرف الأريكة موقعها، ضمت قدميها لصدرها وهي تحتضن بين يديها كوب الماء الذي شربت منه للتوّ .. لايزال وجهها مجهدًا ورطبًا من آثار الدموع التي لم تتوقف حتى تلك اللحظة ..

انتبهت لعز وهو يجلس بجوارها ويضع بعض المستلزمات الطبية على المنضدة المقابلة ؛استعدادًا لمعالجة جروحها وكدماتها .. وقبل أن يلفظ بحرف استمع لسؤال أبيه وهو يجلس على الكرسي المجاور :

_كلّمت ولاد عمتك؟

_فخر زمانه جاي وزيزو مبيردش

ظنت مريم أن حضور فخر يعني عودتها إلى المنزل، فشرعت تهز رأسها رفضًا بجنون وتنطق بخوف :

_لا لا انا مش عايزة اروح البيت لا مش عايزة، انا فلتت منه بالعافية مش هروح هناك مش هيسيبني!

أسرع عز يتمسك بيدها ويطمئنها بقوله :
_اهدي اهدي مش هنسيبك ترجعي هناك متخافيش

ثم أكد رؤوف على كلماته :
_مش هتروحي في حتة يامريم، انتِ هتقعدي هنا في اوضة مي لحد ما الأمور تهدى

رن جرس المنزل فسبق عز بالنهوض واتجه إلى الباب ثم فتحه، ليسمح لفخر بالدخول وهو متعجل يبحث عن أخته فقط، فما ان وقعت عينيه عليها حتى هرول إليها يناديها بقلق :

_مريم!

نظرت له بأعينها الباكية وقد رفعت يديها له بمجرد اقترابه منها لتعانقه بقوة، بينما انحنى بجذعه ناحيتها ليسمح لها باحتضانه، وبدوره ضمها له برفق .. ربطت رقبته بين ذراعيها وكأنها تستغيث به ;هو أكثر من ينجح في سلب أي شعور سيء بداخلها بمجرد عناق دافئ .. فأمسى يمسد خصلاتها ويربت على ظهرها بحنان وهدوء

تحرك قليلا ليجاورها على الأريكة وهو لايزال منحنيًا ؛لرفضها بأن تتركه .. جلس وبادلها العناق وهو يستمع لها تبكي بحرقة وألم، وهمس لها بخفوت :

_بس ياحبيبتي بس انتِ معملتيش حاجة، انا هتصرف مع الواد ده متقلقيش اهدي بس شوية

أخرجها من أحضانه بهدوء ليتفحص وجهها المشوّه، وبدا عليه الأسى الشديد مع الغضب وهو يتمتم بعدم تصديق :

_ازاي عمل فيكِ كدا !

بدّل نظره إلى خاله وعز، وتساءل :

_زيزو فين ؟

أجاب عز بعدم اكتراث :

_معرفش، كلّمته مردش ..

*
*
*

_الكيكة دي كان ناقصها معلقتين سكر وتتظبط

ردد زياد كلماته وهو يأكل قطعة من الكعك، ويجلس بجوار ياسمين التي تشاركه تناول قطعتها وهي تجيب بهدوء شديد :

_كُل وانت ساكت بدل ما البّس وشك في الصينية !

عقد حاجبيه بتعجب وتطلع من حوله بتردد، قبل أن يقول :
_لا افتريتي .. افتريتي وضوافرك طولت وقلبك جِمد

تطلعت له بنظرات جانبية متصنعة التكبر وأكملت قطعتها، فضحك وأكل قضمة إضافية من خاصته وصمت قليلاً ثم قال :

_بس انا لسة مش فاهم بردو ازاي الكسوف بتاعك ده عرفتِ تسيطري عليه وتخلّيني ارقص معاكي وتلبسي الفستان وانتِ مرتاحة كدا ..

غمز لها متابعًا :
_ ايه اللي جرالك؟

ألصقت ساقيها المكشوفين ببعضهما وحاولت شدّ الفستان لتخفيهما قليلًا، وهي تقول بخجل :

_الكلام ده هو اللي هيخليني اتكسف على فكرة، سيبني ماصدقت ابتديت افك شوية

_لا خلاص سحبتها .. احنا كنا فين وبقينا فين!

ابتسمت بخفة وسكتت لحظة، ثم فسرت :

_الفكرة بس إنك قرّبت منّي الفترة الأخيرة اكتر من الأول .. كل يوم بتاخدني البيت عندك وتذاكر معايا وتدلعني كل شوية بـ أكل وحاجات حلوة وتهزر معايا وتنكشني .. حسيت إني خدت عليك أكتر واتعودت على وجودك خلاص

لمعت عينيه بنظرة متلاعبة وابتسامة لئيمة، فأسرعت تحذّره قبل أن يتفوّه بكلمة :

_ بس لسة مش ميّة في الميّة بردو، اوعى تتعشم!

تحوّلت ملامحه إلى الملل وأشاح بيده بعدم اكتراث، فضحكت في داخلها ضحكة مكتومة وصمتت ..
استمعا لصوت تحريك المفتاح بموضعه في الباب، فانتفضت ياسمين واقفة وهي تقول :
_ماما جت!

لم تترك له الفرصة لاستيعاب شيء وركضت إلي الداخل بأسرع مايمكنها تحت أنظاره المندهشة ..

دخلت ناهد لتجده جالسًا فابتسمت وقالت بحفاوة :
_ايه ده زيزو! ازيك ياحبيبي أخبارك ايه؟

أفاق من ذهوله والتفت لها مجيبًا :
_الحمدلله ياعمتي ازيك انتِ؟

ردت وهي تضع مشترياتها أرضًا بجوار الحائط، ثم أغلقت الباب :
_ الحمدلله، انت جيت امتى؟

_من شوية كدا

جلست ناهد بالقرب منه وسألت عن ابنتها :
_اومال ياسمين فين؟

نظر إلى الرواق الذي اختفت فيه ياسمين ثم نظر لعمته مجيبًا :

_ هتطلع دلوقتي

ثم قال :
_المهم انتِ عاملة ايه؟

أجابت بإرهاق :
_على آخري والله يابني قصص الجهاز دي فظيعة خالص .. والهانم سايباني لوحدي عشان امتحاناتها

ضحك زياد بهدوء وقال :
_اديها خلّصت وهنكمل احنا، اقعدي ارتاحي انتِ

ابتسمت وقالت :
_ربنا يكملها على خير يارب

قاطع الحوار خروج ياسمين وهي ترتدي منامة عادية من إحدى مناماتها المعتادة، فنظر لها زياد متعجبًا ;كيف بدّلت الفستان بهذه السرعة .. ثم تغيّرت تعابيره إلى رفع حاجبيه باستخفاف فبادلته بنظرات غير مبالية وصمتت محاولة منع ابتسامتها من الظهور .....

*
*
*

_انتِ لسة بتضحكي!؟
بادر مروان بسخطه مخاطبًا عزة على الهاتف وهو يجلس خلف مكتبه بمقرّ عمله، استمع لضحكاتها الصاخبة دون استطاعتها على التحكم بذاتها وأجابت :

_الموقف بجد يفطّس، انت ازاي مضحكتش ؟

هددها بملل قائلًا :
_والله هقفل في وشك

خففت من ضحكاتها قليلاً وأجابت :
_طب خلاص خلاص .. هو انت عملت لها ايه عشان تدّيك بالقلم كدا؟

رد بعدم اكتراث :
_انا مش فاكرها أصلًا، فاكر الوش بس مش فاكر هي مين وعرفتها امتى

همهمت بسخرية شديدة :
_معذور ياحبيبي هتفتكر مين ولّا مين وانت كل يوم بتعرف ستة !

رد بنبرة عابثة :
_بس مفيش واحدة فيهم شبه زوزو أبدا

لم يرى وجهها ولكنه تأكد من ظهور بسمتها التي تخلط بين السرور والتهكم، ثم أجابت :

_متاكلش بعقلي حلاوة

_انا بقول لك الحقيقة ..

ضحك بخفة وأردف :
_انا مقدرش اعدّي يومي من غير العِند والزن بتاعك

صاحت بدهشة :
_انا زنانة يامروان؟؟

أجاب بنبرة رومانسية تمامًا :

_طبعًا ياحبيبتي ده انا بتعالج بسببك.

ردت بحنق :
_طب ومكمل معايا ليه بقى مادام جِبت لك المرض كدا؟

برر بابتسامة باردة :

_حبًا في المعاناة!

_يعني انا معيّشاك في معاناة؟؟ .. طب تمام اوي

نطقت جملتها الأخيرة ثم أغلقت الخط في وجهه دون سماع أي كلمة منه .. نظر مروان في الهاتف ليبصر انتهاء المكالمة فضحك مغمغمًا :

_قمّاصة !

*
*
*

جلس عامر بمكتبه التابع للفيلا يحتسي قهوته ويتفحص حاسوبه المحمول .. سمع صوت طرقات على الباب أُتبعت بدخول الطارق دون انتظار الإذن ..

دخل فخر بخطوات ثابتة ووجه متجهم وهو يقول دون مقدمات :

_احنا هنفضل في الدوامة دي لحد امتى؟! ايه مزهقتش؟! مش هاين عليك تسيبنا نحاول ننسى الأيام السودا اللي عشناها زمان .. حابب تعيدها تاني ليه وترجّعنا للنقطة اللي طلع عينينا عشان نخرج منها !!

تعجب عامر من دخوله وكلماته الهجومية، وصاح بحدّة :
_انت بتتكلم كدا ليه و ايه الدَخلة دي!

تابع فخر طريقه إليه حتى ضرب يديه على سطح المكتب بعنف، ومال ناحيته يهتف بغضب شديد :

_ازاي تسمح لواحد جاي من الشارع يقول على بنتك كلام زي ده؟ ازاي تصدّقه وتسيبُه يغلط في حقها؟! .. واحد زي ده لما يجي يضحك عليك بـ صور وريكوردات متفبركة كنت تمسكُه تكسر رقبته وتدافع عنها مش تستقوى عليها هيّ !!

قطب عامر حاجبيه بعدم فهم، ولم يكد ينطق بكلمة حتى أردف فخر وعينيه تشتعل بالغضب وصوته يعلو بانفعال :

_انت فاكر إنك كدا بتربّي وخلاص ندّمتها؟! .. تعرف ايه أصلا عن دور التربية ده؟! انت أهم الأمور عننا مش عارفها ! .. انا روحت خطبت من فترة وانت مش هنا .. زياد عمل عملية قلب مفتوح وانت مش حاسس بأي حاجة ! ، انت خلّيت نفسك هوا في حياتنا ياعامر بيه ،متجيش دلوقتي تحاسبنا كأنك أب بجد !!

ردد بذهول جامح :
_خطوبة ايه وعملية ايه!! انا مش فاهم حاجة، هو ايه اللي بيحصل ؟!

اعتدل فخر وعاد للخلف وهو يتطلع من حوله بيأس محدثًا نفسه بإحباط :

_انا مش عارف انا جيت اعمل ايه .. عارف ان الكلام مش هيجيب نتيجة وبردو جيت

وقف عامر وهو يردد باستفهام ونفاد صبر :
_انا مش عارف انت بتتكلم عن ايه .. ندّمت مين وتربية ايه! ماتفهّمني الزعابيب دي كلها عشان ايه بالظبط؟!

بدا على عامر عدم الفهم بوضوح، بينما ظن فخر أنه ينكر الأمر ويتظاهر بالبلاهة، فنطق بحنق واستنكار :

_مش بتاعك الجوّ ده ياعامر بيه، محدش بيعاقبك هنا.

ثم أردف قبل أن يتحدث عامر بحرف :

_اعمل اللي انت عايزُه براحتك انا مش هتكلّم تاني خلاص

سكت لحظة، ثم تابع بعزم وحدّة :

_بس اوعدك .. يوم ما هتقع مش هتلاقي ولا واحد فينا موجود !

لم ينتظر تلقّي أي رد فعل منه، وسار نحو الخارج مسرعًا بانفعال واضح، تاركًا عامر في حيرة وتِيه غريب!
.
.
ترك الفيلا بأكملها واتجه إلى سيارته وهو يبحث بهاتفه عن اسم ما، شعر برجفة يده اللإرادية التي دائمًا ما تتبع انفعاله، فسارع بترك الهاتف على سقف السيارة قبل أن يقع، ثم نظر ليده المرتعشة، متمتمًا بضيق :

_مش وقتِك خالص بجد!

انتظر قليلاً وحاول السيطرة على نفسه والتنفس بهدوء، حتى ينتهِ تخدير أعصابه هذا .. بضع ثوانٍ وهو يضم قبضته ويفتحها أكثر من مرة وكأنه يدرّبها على العودة لطبيعتها .. ما ان شعر بأن حالتها خفّت قليلًا حتى التقط الهاتف وتابع بحثه عن الإسم المقصود حتى وجده، ثم اتصل به وانتظر الرد حتى أتاه، فنطق مباشرة :

_ايوة .... في واحد اسمه إياد عايزك تجيب لي قراره وتعرف لي هو فين

فتح باب السيارة متأهبًا للركوب، وأردف :

_هبعت لك صورته دلوقتي ولو في معلومات تانية عرفتها هقول لك .. المهم تعرف لي هو مرمي في انهي خرابة دلوقتي!

*
*
*

جلس عز أمامها فوق الأريكة موجّهًا جسده ناحيتها، يمسك بقطنة مطهرة ويخفف بها الكدمات المنتشرة على وجهها .. كانت علامات الألم تظهر على قسماتها كلّما لمس جروحها، ولكنها ظلت ثابتة، إلى أن تأوهت بعفوية عندما لمس إصابة موجعة، فقال :

_معلش معلش استحملي شوية

سكنت ورضخت بثبات حتى ينتهي، ساد الصمت عليهما وهو يصب اهتمامه لمعالجة تلك الإصابات .. فيما شردت هي إلى عالم آخر لوقت طويل ..

انقطع الصمت أخيرًا بصوتها الخافت وهي تقول دون سابق إنذار :

_ممكن متزعقليش ياعز؟!

تعجب من ذلك الطلب وقطب حاجبيه بحيرة ;هل قام بفعل هذا الآن؟ .. لم تتركه في استفهامه كثيرًا وأوضحت بصوت بائس :

_انا عشت طول حياتي في بيت مليان زعيق وخناق ومشاكل .. نفسي اعيش شوية فى تفاهم وهدوء

واستطردت بصوت يملؤه الحزن والدموع :

_لو زعلت مني عاتبني بالراحة وقول لى يامريم انا زعلت منك عشان كذا وكذا، وانا والله ما هقاوح انا هعرف غلطي وهعتذر .. بس متزعقليش، انا لحد دلوقتي لو سمعت صوت عالي بخاف وبتوتر ومبحسش بالأمان

صمتت لحظات تحدق بعينيه المتأثرة بها، وأردفت :

_مش عايزة منك حاجة غير إنك تطمنني وانا ساعتها والله لو طلبت روحي ما هعزها عليك، هسعدك وهعمل لك كل حاجة بتحبها وهرضيك ..

طالعته بتوسل شديد ونطقت بضعف :

_بس خلّيك حنيّن عليّا !

لمعت عينيه بأسى ؛حزنًا على ما وصلت إليه .. كل ماترغب به يقتصر فقط على يد تربت عليها وتُشعرها بالسكينة ليس أكثر ..

ابتسم لها بهدوء وأمسك يدها برفق قائلًا بنبرة حانية :

_انا مقدرش اعمل اي حاجة ممكن تبعد ضحكتك عن وشك يامريم .. انا هبقى ضهرك وحمايتك وأول واحد يمد لك ايده أول ما تتكعبلي صدقيني .. ده انتِ كل حاجة في حياتي، ازاي هيهون عليّا اخلّيكي تعيّطي بسببي؟!

اتسعت ابتسامته أكثر يبث لها اطمئنانًا مريحًا، ونظر لها بحب صادق استطاع أن يتخلل لقلبها ويرقد بداخله في هدوء وراحة ..

رن جرس المنزل، فنهض عز ليفتحه ولكنه توقف عندما أتى والده من الداخل وسبقه إلى الباب ليفتحه لتدخل منه ميّ سريعًا تتساءل :

_ازيك يابابا؟ مريم فين؟

أفسح لها رؤوف لتدخل، فيما وزعت أنظارها من حولها حتى رأتها وهرولت إليها حتى مالت نحوها واحتضنتها بقوة :

_سلامتك ياحبيبتي سلامتك، منه لله الحيوان اللي كان السبب

ابتسمت مريم وبادلتها العناق بهدوء وهي تقول :
_انا كويسة الحمدلله متقلقيش

ابتعدت مي واتخذت المقعد المجاور لمريم التي سألتها :
_اومّال عبدالله فين؟

_في البيت مع ابوه

جلس رؤوف على المقعد الآخر وهو يستمع لعز يخاطب أخته بسؤال :

_انتِ عرفتِ منين؟

_بابا كلّمني وحكى لي

نظر عز لوالده وقال :
_مبيتبلّش في بؤك فولة ياروفا؟

أجاب رؤوف :
_هي غريبة؟؟ وبعدين دي مجنونة .. لو معرفتش دلوقتي هتيجي تمسك في رقبتنا عشان مقولناش في ساعتها وانا مش ناقص دوشتها

صاحت بعتاب ودهشة :
_بقى انا دوشة يابابا؟؟

أجابها رؤوف بمحبة ولُطف :

_انتِ مهرجان بحالُه ياروح بابا

ضحك عز مع نفسه ضحكة مكتومة وأخفى فمه بيده، لتنهره مي بغضب :

_اخرس يادكتور الحمير انت!

ضحكت مريم بهدوء، بينما نبس رؤوف وهو ينهض :

_انا هروح اعمل لنا عَشا، وحدّ يكلّم فخر وزيزو عشان ياكلوا معانا .....

*
*
*
مرّ أسبوعان لم تغادر مريم بيت خالها وكانت ميّ تُحضر لها من ملابسها ما تحتاجُه .. وكانت تفكر في المغادرة أكثر من مرة ولكنها تبقى لإصرار خالها على ذلك ؛حيث كانت تؤنسه في وحدته أثناء غياب عز في المشفى ..

وفي مساء يوم جديد ..
.
دلف حازم إلى مكتب عامر بعد سماع إذنه بالدخول ووقف أمامه بثبات ناطقًا برسمية :
_مساء الخير يافندم .. حمدلله على السلامة

نظر له عامر جالسًا خلف مكتبه وسأل مستفهمًا :
_الله يسلمك بس ليه؟

رد حازم باستغراب :
_حضرتك توهت ونسيت طريق الشركة لولا إني كلمتك !

رد عامر بدهشة :
_انا !؟

رد حازم بتعجب واضح على قسماته :
_ايوة كلّمت حضرتك عشان اتأخرت، وقولتلي إنك مش عارف انت رايح فين أصلا .. فـ قولتلك الشركة فـ سألتني هو الطريق ازاي!

عقد عامر حاجبيه بعدم فهم، فتساءل حازم بريبة :

_هو حضرتك كويس؟ لو محتاج اجازة خدها يافندم لحد ما ترتاح واحنا هنقوم بالشغل عادي

تطلع عامر من حوله بإجهاد و نبس بـعدم تركيز :
_انا مش فاكر ان ده حصل !

وضع يديه على رأسه بتعب وظل صامتًا لبرهة، بينما بقى حازم واقفًا مترددًا أيتحدث أم يتجاهل الأمر ويخرج .. إلى ان حمحم وقطع الصمت بقوله :

_قادر تشوف الشغل يافندم ولّا تروّح وترتاح النهاردة؟

رفع عامر رأسه ونظر له بـ سكوت دام للحظات ثم أجاب :
_لا انا تمام هات ..

أومأ حازم بعملية :
_تمام

_فكّرني بـ إسمك كدا !

اندهش حازم من سؤاله المفاجئ وتجمد مكانه بذهول محاولًا فهم ما يحدث ! .....

*
*
*
جلست حنين في أحد الأماكن العامة برفقة صديقها بلال الذي اشتدت علاقتها به مؤخرًا وأصبحا يتشاركان اهتماماتهما ولوحاتهما وشغفها تجاه الرسم ..
كانت ضحكاتهما ترتفع وهما يتسابقان في إنجاز رسمة ما ;حيث اتفقا كلاهما على رسم نفس الشيء، ومن ينتهِ أولًا هو الرابح وسيطلب من الآخر شيئًا ..

تتسارع أقلامهما فوق الورقة بحرص ومهارة أثناء التحدث في عدة مواضيع أبرزها كانت خطبتها القديمة :

_المهم ان احنا في الآخر متفقناش يعني .. مع إننا كان فينا من بعض حاجات كتير من ناحية الشخصية بس ده مكانش كفاية عشان مش فاهمين بعض، فـ فسخنا

رد بلال وهو منشغل بإنهاء لوحته :

_ومزعلتيش؟

ردت بنبرة عادية تمامًا وكأنها تقص عليه حكاية قبل النوم :

_أكيد زعلت .. بس بعد ما قعدت شوية وفكّرت لقيت إننا فعلا مكناش هننفع مع بعض، انا في حاجات كتير نقصاني فخر مكانش مكملهالي والعكس صحيح، انا بردو مدتلوش اللي ناقصه ..

_زي ايه مثلا؟

_يعني مثلا انا واحدة خلقها ضيق جدا وبتعصب بسرعة .. هو ميبانش عليا بس بجد انا معنديش طولة بال، وفخر عصبي جدا مش من النوع اللي يلمّ الموضوع ويهدّيني لأ هو بينفعل هو كمان ومبيعرفش يمسك نفسه ..

وأضافت وهي لاتزال تركز اهتمامها لرسمتها :

_ وبصراحة انا عذراه عشان الموضوع بيبقى فعلًا غصب عنه، ده من كُتر ما بيضغط على دماغه بقت تجيله حالة نفسية كدا بتخلي إيده تترعش وأعصابها تقف، وبردو مبيعرفش يبطّل عصبية .. فـ احنا لو كنا اتجوزنا كنا هنختلف ونتخانق كتير جدا بسبب إن مفيش حد بيرخي احنا الاتنين هنشدّ

_طب وانتِ معرفتيش تديله ايه بقى؟

تنهدت بيأس وأجابت :
_مكنتش بحتويه! .. كنت بحبه اه بس مكنتش بحس بيه، كنت فاكرة إن الحب عبارة عن كلام رومانسي وخروجات وضحك وهزار وبس .. مكنتش بحط اهتمام لمشاكله ولا اللي بيضايقه، كان يخرج معايا مرة مثلا وهو متضايق فـ احاول انا اخرّجُه من المود من غير ما اصمّم اعرف المشكلة واحاول احلّها معاه ..

ضحكت ببساطة وتابعت :

_بس انا مبسوطة إن الموضوع خِلص بهدوء ومن غير تنشنة أو ضغينة بيننا .. الحياة عبارة عن محطات وكل واحد يشوف المحطة اللي تناسبه وتريّحُه

وضع لمسته الأخيرة بقلمه وصاح فورًا :

_خلصت خلصت! ، اقفي خلاص انا كسبت

غمغمت حنين بصوت مستاء وقال :
_يابن الرخمة ده انا كان فاضل لي حاجات بسيطة!

رد ضاحكًا :
_ماليش دعوة انتِ اللي بطيئة

أسندت ذراعيها على المنضدة مبتسمة باستسلام :

_طب اتفضل ياسيدي قول .. بس بلاش جو روحي اشحتي من حد في الشارع ولا وقّفي حد قوليله إنك معجبة بيه وهاتي رقم تليفونه والكلام ده .. اطلب حاجة عِدلة

_إيدك من ضمن الطلبات المسموح بيها؟!

نطق بجملته بكل سلاسة دون مقدمات ودون تردد، لتتضح علامات الاندهاش على وجهها وتتراجع فجأة للخلف بصدمة، بينما أضاف هو بابتسامة متوترة بعض الشيء :

_انا سألتك على خطيبك اللي فات عشان اجسّ نبض إذا كنتِ بتفكري فيه ولا لأ .. واتشجعت اقول لما لقيتك بتتكلمي عادي وانتِ مش زعلانة أو متأثرة

أخفضت بصرها قليلاً وزاغت عينيها من حولها بتوتر وحيرة، قبل أن يستأنف بهدوء :

_انا عارف إنها مفاجأة وعشان كدا انا مش مستني أي رد خالص دلوقتي .. خدي الوقت اللي تحتاجيه وردّي براحتك

ضحك بتردد وهو يتابع :
_انا متوقع إنك ترفضي بصراحة، بس انا متعودتش احط في نفسي حاجة، ولو رفضتي هقبل قرارك عادي .. بس هبقى ممتن لو اديتي لنفسك فرصة نقرّب شوية يمكن ترتاحي

حمحمت واستجمعت نفسها ثم قالت :

_بلال انا لو رفضت مش هيبقى عشان متعلقة بالماضي خالص .. انت شاب كويس ومؤدب ومحترم بس انا لسة مش عارفة عنك حاجات كتير بردو

أجاب بإقناع :
_ماهي الخطوبة بتتعمل عشان كدا .. عشان نعرف بعض كويس ونحكم إذا كنا هينفع نكمل ولّا لأ

رمقته بصمت للحظة ثم سألته :
_ليه انا؟؟

سكت قليلًا و زم شفتيه بحيرة ثم ضحك بخفة مجيبًا :
_مش عارف .. بجد مش عارف، بس انا مش شايف غيرك !

ضوت عينيه بلمعة مميزة مردفًا :
_حاسس إن حياتي هتبقى حلوة معاكِ انتِ

شعرت حنين بصعوبة التحدث، بل وصعوبة التنفس حتى .. ؛الأمر برمته لم تستوعبه بعد، لم تجد ما ترد به على كلماته اللطفية، ولم تُرِد أن تتعجل في القبول أو الرفض ، لذلك هتفت بهدوء :

_اديني وقت افكّر ! ....

*
*
*

جلس زياد في مكتبه بصحبة حازم الذي حضر إليه وجلس معه يسرد له ماحدث مع والده ..

_ابوك بقى تايه! .. طول الوقت ناسي ومش مركز .. ده نساني انا شخصيًا! ، حتى طريق الشركة نسيه وتاه وانا اللي كلمته قولتله يمشي ازاي !

تعجب زياد ولم يحفل بالأمر كثيرًا وهو يقول :
_ما يمكن مش نايم كويس

_ده مش يوم ولا يومين يازيزو الكلام ده بقاله فترة .. أغلب الحاجات اللي تبع الشغل ناسيها وبعرّفهاله من أول وجديد كأنه موظف مبتدئ !

قطب زياد حاجبيه وتطلع من حوله قليلًا بتفكير وعدم اهتمام، ثم نظر لحازم عندما أردف بيقين :

_ابوك مش كويس ومحتاج دكتور يازياد!

أجابه بعدم اكتراث :
_طب ما يروح.

_انت مالك مكبّر دماغك كدا ليه؟

رد زياد بلامبالاة :
_المفروض اعمل ايه يعني؟ ما اللي حاسس إنه تعبان يروح يكشف! انا مالي!؟

_مالك ازاي؟ مش ابوك ده؟!

رد ببرود :

_بقول لك ايه طالما الموضوع شاغلك اوي روح كلّم بسمة قول لها .. ولو أني أشك إنها هي اللي طيّرت دماغ الراجل بحواراتها وقرفها، بس هي اللي هتهتم عشان هو الوحيد اللي بيقف بينها وبين فخر، ولو ابويا فَنْيَخ مش هتلاقي حد تتحامى فيه

ردد حازم باستنكار وتقزز من كلمته الغريبة :

_فَنـ ايه !!

*
*
*

فتحت جهاد باب الشقة بعدما سمعت صوت الجرس وسرعان ما ابتهج وجهها عندما رأته .. ;حقًا كيف يستطيع جعل قلبها يرفرف هكذا بمجرد ظهوره!

ألقى نظرة على ملابس البيت التي قابلته بها فقال بتردد :
_جيت بدري؟

_لأ انا اللي مش لاقية حاجة البسها

نبس بملل شديد :
_بجد ياجهاد !؟

_والله واقفة قدام الدولاب بقالي ساعة مش لاقية حاجة .. يا إما حاجة عايزة تتكوي يا إما حاجة شفافة عايزالها من تحت حاجة بردو لازم تتكوي .. يا اما حاجة بنطلونها اللي لايق عليها في الغسيل يا إما ....

قاطعها صائحًا :
_ماتكوي يابنت الكسولة!

ردت بلامبالاة :
_مش قادرة بقى

_طب خلاص، خدي شوفي دي أحسن

نطق عرضه الاخير وهو يمد لها حقيبة مطبوع عليها شعار أحد المحلات المعروفة، فنظرت لها باستفهام وقالت :
_ايه ده ؟

_شوفيها

رمقته بنظرة عابرة قبل أن تأخذ الحقيبة وتكتشف ما بداخلها .. اتسعت عينيها ونظرت له بعدم تصديق، ولم تلبث حتى أخرجت محتوى الحقيبة على عجلة وكأنها تتأكد مما رأته .. ;بلوزة منقوشة باللون الأبيض والأسود!
حملقت فيها باندهاش شديد ؛لم تتوقع أن يهتم بأمر بلوزتها التي خربت لدرجة أن يفكر في تعويضها بأخرى ..!

_انا عارف هي مش شبه البلوزة اللي باظت بس اسود في ابيض بردو زيها، وحسيتها هتبقى حلوة عليكِ .. لو معجبتكيش ممكن نبدلها عادي

استمعت له أثناء تحديقها في البلوزة، تراكمت العبرات بـعينيها ونظرت له قائلة بصوت مهزوز يتضح منه أنها توشك على البكاء :

_دي أحلى من القديمة كمان!

اتسعت ابتسامته وقال :
_طب كويس والله ده انا كنت خايف متعجبكيش

عجز لسانها عن وصف سعادتها ولكنّها اتضحت كالشمس من لمعان عينيها الممتن وحبور وجهها وكيف ضوت ملامحها بالسرور والغِبطة وكأنما فعل شيئًا لا يصدق!

لم تكن البلوزة بالطبع هي سبب فرحتها، بل تصرفه بعينه .. اهتمامه وعدم تجاهله للأمر رغم أنها هي شخصيًا نَسيتُه ولم تفتحه معه مجددًا ولو من باب المزاح حتى .. ولكنه لم يخرجه من رأسه ونزل بنفسه يدور ويبحث بعناية حتى يجد ما يعجبها ويناسبها ..

تبسمت بامتنان شديد ونبست بـ ولَه ومحبة :
_كتير عليا اللي بتعمله ده يافخر

بادلها بابتسامة من تلك الابتسامات الساحرة خاصته، وأجاب بـحب واضح، مشاكسًا :

_انتِ اللي كتير عليّا والله ياعيون فخر.

ضحكت بخجل وأبعدت عينيها عنه ؛تحاول السيطرة على دقات قلبها المتراقصة، ثم قالت :

_انا هاخد على رومانسيتك دي لعلمك

ضحك ثم أردف بحماس :
_طب يلا دلوقتي روحي البسي، انا هستناكِ تحت وخشي انجزي كدا عشان انا مبحبش استنّى كتير

سألته بفضول :
_هنروح فين؟

_لما تنزلي هنشوف، يلا روحي دلوقتي .......

*
*
*

أخذت بسمة خطواتها على سلم المنزل بعدما تجهّزت للنزول، وهاتفها على أذنها تجري مكالمة مع حازم وهي تقول :

_انا لبست وجاية على الشركة خلاص، متخلّيهوش يمشي لحد ما آجي

تخطت آخر درجة وهي تقول :
_لا تمام انا كلمت دكتور عارفينه دلوقتي ومستنينا

اتجهت إلى الباب وهي تختم المكالمة قائلة :
_اوكي باي

أغلقت هاتفها وهي تبتسم ابتسامة غريبة وعينيها تلمع بخبث ينبئ بنية غامضة تستعد لكشفها قريبًا .....

*
*
*

استند فخر على مقدمة سيارته في انتظارها، وهو يعبث بهاتفه بغرض تسلية وقته حتى تهبط من الأعلى .. قاطع تفحصه اتصال من أحد ما، فلم يتردد في إجابته هاتفًا :

_ايوة ..

استمع له بانتباه حتى ظهر الاهتمام على وجهه بوضوح ونبس بلهفة :

_أخيرًا !! ، كل ده عشان تلاقوه !؟

لم يهتم بسماع باقي حديثه وتحرك إلى مقعده وهو يقول :

_ماشي خلاص، سلام دلوقتي

أغلق الهاتف ثم ركب سيارته وأدار المحرّك، وقبل أن يضغط على دواسة البنزين فوجئ بتلك التي تقفز بجانبه وتزجره بحنق دون أن تغلق باب السيارة :

_انت ماشي وسايبني !!

التفت لها وأجاب :
_لا انا كنت هكلّمك اقول لك إني طلع لي مشوار وهننزل بعدُه، واستنيني فوق

_مشوار ايه؟

_إياد عرفت مكانه، لازم اروح له قبل مايختفي

أغلقت باب السيارة وهي تقول :
_خلاص هاجي معاك

صاح باستنكار :
_انا طالع رحلة؟!

_مش هتروح لوحدك

_هو انا صغير ولّا ايه؟

_معلش انا كدا هتطمن اكتر

أمرها بحدة :
_انزلي ياجهاد عشان متخانقش فيكِ

ردت بحسم وعناد :
_هاجي يعني هاجي ياخوخة ومتناقشنيش عشان انت عارف إني هتدلّع واتدحلب لحد ما تسمع كلامي

رمقها بغضب مكتوم، بينما طالعته هي بابتسامة متحدية متصنّعة البراءة باستفزاز، حتى أشاح بنظره هامسًا وهو يستعد للتحرك :

_بكرهِك ياچيچي! ....

*
*
*

وصل إلى الموقع المطلوب وصفّ السيارة جانبًا ثم التفت لها يأمرها بجدية :

_مش عايز اشوف جزمتك برا العربية لحد ما ارجع !

أجابت معترضة :
_لا انا هاجي معاك

أسرع يسكتها قائلًا بتهديد :

_شش ششش صوتك ده ميطلعش خالص .. كلمة واحدة وهبطح راسك في ازاز العربية دلوقتي !

ضحكت وضمت يديها على بعضهما لتجلس بأدب ساخر وتخفض رأسها وتتخذ وضعية الفتاة مهذّبة، قالت وهي تحاول كبت ضحكتها :

_حاضر انا آسفة خلاص

تعلقت عينيه بها يرمقها بسخرية وتهكم، فـرفعت عينيها له لتنظر له بطرف عينيها بكل براءة وأدب ..
أومأ مدعيًا تصديق تلك النظرات المخادعة، ثم ترجل من السيارة وأغلقها عن بُعد بمفتاحها الخاص، فصاحت بدهشة :

_ايه يافخر ده!

أجابها بلامبالاة وهو يضع المفتاح بجيب بنطاله :
_احتياطات عادي

رسمت كل معالم البراءة على وجهها وهي تعاتبه بنبرة مسكينة وحزينة :

_ بتحبسني ياخوخة بردو؟! اهون عليك؟؟ طب افرض اتخنقت دلوقتي من الحبسة دي ؟!

سار أمام السيارة ليتجه إلى أحد الشوارع الجانبية وهو يجيبها بعدم اكتراث :

_الشباك مفتوح ياحربوءة مترسميش عليّا الصعبانيات دي!

_يافخر استنى طيب .. هقول لك حاجة بس

ظلت تناديه ولكنه لم يبالِ بصياحها وسارع إلى وجهته تاركًا إياها تثرثر مع نفسها ..
فقدت الأمل عندما اختفى عن بصرها ونفخت بتذمر شديد ..
دارت عينيها من حولها بتفكير حتى توصلت إلى حل وحيد كان هو أول ما أتى على بالها .. ;القفز من النافذة!

تحركت وأخرجت رأسها ناظرة إلى الأعلى، ثم أخرجت يديها لتتعلق بسقف السيارة، ثم أخرجت نصف جسدها العلوي لتجلس على الحافة وقدميها على الكرسي داخل السيارة .. فوقفت لتضع قدميها على الحافة ثم تقفز خارج السيارة وصاحت بانتصار، ثم ركضت سريعًا لتلحق به .......
.
.
.

تخطى إياد درجات السلم الخاص بالبناية، ثم خرج من بوابة المدخل إلى الشارع وهو يدخن سيجارة بيضاء .. كان على وشك التوجه إلى اليمين ولكنه توقف فجأة عندما لمح فخر على مسافة منه يسير تجاهه وهو يتطلع من حوله .. لم يجد سوى أن يهرب ويركض بأقصى ما يمكنه، فرمى السيجارة أرضًا وفر سريعًا ;وكان هذا أغبى رد فعل اتخذه، فقد جذب الأنظار نحوه وأولهم نظر فخر الذي لم يلزمه الأمر ليعرف أنه هو حتى دون أن يرى وجهه ؛فمن غيره سيركض عندما يلحظ وجوده؟
لذا لم يقف مكانه وأسرع يلحق به فورًا ..

استمرت المطاردة لوقت طويل بين الناس والزحام والحارات .. يحاول إياد الاختفاء عن نظره ولكن استطاع فخر ترصده جيدًا ؛فكان الأمر بالنسبة له حرب ويصر على الخروج منها فائزًا .. فلت مرة من خاله ولن يدعه يفعلها مجددًا ؛فغضبه منه لم يندثر بعد، ولن يفعل حتى ينل عقابه على كل ما سبّبه لأخته ..

بعد مسافة طويلة وقد طالت الأمتار بينهما ولكن راقب فخر مساره جيدًا واستمر بالركض، إلى أن كبح خطواته فجأة وتصلّب بموقعه، عندما وجده يقف على مقربة منه وجهاد محاصرة بذراعه ! .. يحيط رقبتها بيده واضعًا سلاحًا أبيض على عنقها

بدا عليه الإحباط ونفخ بملل وهو يتطلع من حوله مهمهمًا بخفوت :

_غبية غبية !!

أعاد نظره لإياد وقال بضجر :
_فكك من الجو ده وخلينا نتكلم أحسن

رد إياد بسخرية :
_وانا هآمِن لك ليه من أساسُه؟!

نبس فخر بحنق :
_انت يالا طالما جبان كدا ورايح تتحامى فى واحدة نفخت نفسك ليه من الأول وقررت تلعب معانا بعد ما كُنا نسيناك وخلصنا منّك !؟

نظرت جهاد من حولها بقلق تحاول إبعاد نفسها عن طرف السكين قدر مايمكنها، بينما صاح إياد بتبجح :

_عشان ارد اعتباري من اللي عمله فيّا عز هو وابوه !

ردد فخر بتهكم :
_لا ياراجل!

فيما أضاف إياد متصنعًا القوة والجرأة :

_وعلى فكرة الشلة اللي اتلمّوا على عز وكسروا لك العربية دول كانوا تبعي .. وعز هو اللي كان مقصود أصلًا بس انتوا اللي اتدخلتوا وجبتوه لنفسكوا

نظر فخر لجهاد بنظرة غامضة سريعة عبّرت عن فهمه لما يدور بخاطرها وكانت نظرته تعني بأن تفعلها ..
أعاد نظره لإياد وضحك بسخرية قائلًا :

_ده انت زعيم عصابة ماشاء الله

تلاشت معالم السخرية واحتدت نظراته ونبرته وهو يردف :

_كانت آخر فرصة ليك لما هربت من عز عشان تشوف حياتك بعيد عننا، بس طالما عملت فيها جامد ومحدش قادر عليك استحمل بقى!

أُتبعت آخر كلماته بصرخة متألمة من إياد ؛بسبب جهاد التي عضت يده بكل قوتها، ثم حركت مرفقها للخلف لتضربه في بطنه بعنف، وسارعت بالفرار من يده في نفس اللحظة التي هرول بها فخر إلى إياد قبل أن يهرب وسدد له لكمة قوية أوقعته أرضًا ....

*
*
*

أغلق رؤوف هاتفه بعدما انتهى من مكالمته ثم توجّه إلى الشرفة التي جلس بها عز برفقة مريم يحتسيان مشروبًا ساخنًا، وهتف دون مقدمات :

_اياد اتحبس ياولاد!

التفتا كلاهما له سريعًا ونهض عز متسائلًا :
_ده ازاي ده؟

_فخر لسة قافل معايا دلوقتي وهو اللي قال لي .. كان باعت ناس يدوّروا عليه ولما لقاه راحلُه وخدُه قدّم فيه بلاغ باللي عملُه وبايت فى الحجز النهاردة

ضحك عز ووجهه يظهر عليه عدم التصديق وهو يقول :

_دي أحسن حاجة عملها فخر في حياته!

ابتسمت مريم بشرود ؛ليس لوقوع إياد بل لاهتمام أخيها ووقوفه معها وعدم قبوله لأن يمسّها شخص بأصغر كلمة .. تنهدت تنهيدة مطولة وتمتمت بصوت مسموع يبدو به التشفّي :

_خد أكتر من وقته اوي .. يارب مايطلع إن شاء الله !

*
*
*

وقف فخر جوارها بجانب سيارته المركونة بالقرب من المخفر، وهو يعقد ذراعيه أمام صدره ويطالعها بنظرات مريبة، فيما تعمدت هي أن تتحاشى النظر له ورفعت يديها أمام وجهها وكأنها تتفادى أي ضربة ستتوجه لها، ولكنها لم تتفادى حديثه الحانق :

_يعني اربطك عشان تسمعي الكلام ولّا اعمل ايه؟

نظرت له من خلف يديها بضحكة بلهاء، فأمسك بيدها اليمنى ليجذبها تجاهه وهو ينهرها بغضب :

_انا مش قولت تترزعي مكانك لحد ما آجي؟ وخداها عِند ولّا ايه يعني؟

_الحقّ عليا كنت عايزة اساعدك؟. انا بعرف ادافع عن نفسي على فكرة بس هو اللي خدني على خوانة

_وافرض كان عمل فيكِ حاجة يابقرة؟! طالما انا قولتلك حاجة نفذيها وانتِ ساكتة !

أجابت دون قُدرة على التحكّم بضحكاتها الغير مناسبة مع حدة الموقف :

_خلاص طيب متضايقش نفسك، جت سليمة خلاص

صاح بسخط :
_بتضحكي على ايه ياباردة !

علت قهقهاتها أكثر رغمًا عنها، وهي تجيب :
_مش عارفة

ناظرها بضجر وترك يدها وهو يزفر بملل، ثم استمع لها تسأله :

_طب هنخرج ولّا اتلغت كدا وهنروّح؟

أجابها بعناد :
_لأ هنروّح عشان متخالفيش كلامي بعد كدا

رفعت حاجبيها باستنكار ونطقت بطريقة هجومية وكأنها تنبئ بافتراسه :

_انت بتعاقبني؟!

نظر لها بمنتهى البرود وأجاب :
_ايوة.

انكمشت باستسلام، وردت بقلة حيلة :

_اللي تشوفُه

لم يمنع نفسه من الضحك وقال :

_بحبك وانتِ بتجيبي ورا !

*
*
*
بعد يومين تقريبًا ..
.

دخل فخر إلى الفيلا بعدما فتحت له سحر فألقى عليها السلام بابتسامة صغيرة :

_ازيك ياست سحر؟

أجابت بترحيب حار :

_ازيك ياحبيبي عامل ايه واخبارك ايه؟ ، البيت وحش وانت مش فيه والله

ابتسم بامتنان وقال :
_انا تمام ياست الكل متقلقيش عليا .. المهم القرد فين؟

_سمعتك ياوغد يافاسق !!
صاح زياد بسبابه حنقًا وهو يتجه نحوه، فطالعه فخر بعناد وقال :

_لازم تحترم اخوك الكبير ياسفيه يامراهق !

نظر زياد لسحر وقال :
_روحي اعمليله شاي بلبن ياست سحر لو سمحتي

أسرع فخر يحذّرها :

_إياكِ تقرّبي منّي الشيء ده !

خاطبه زياد بقرف :

_خليك في التفاح بس ياخويا لحد ما بطنك تزَرَّع !

ضحكت سحر وانسحبت قائلة :
_هعمل لكوا غدا أحسن عشان تاكلوا مع بعض ..

شكرها فخر بخفوت، ثم التفت لأخيه يقول :
_ايه بقى؟ كلّمتني ليه؟

_البومة

ابتسم بترقب ونطق بتشوق :
_طفشت من البيت؟

ليحبطه زياد بقوله :
_لأ ياحبيبي دي لازقة بـ غِرا مش بتمشي

غلب الملل على قسمات فخر وأشاح بوجهه باستصغار، فأوضح زياد :

_قالت إنها عايزانا في حاجة مهمة وكانت عايزة مريم بردو بس قولتلها مش هتقدر تيجي، شَكل في مصيبة

انتبها لصوت خطوات نزولها على الدرج .. فنظرا كلاهما صوبها وراقباها حتى انتهت من جميع الدرجات ثم سارت نحوهما بثبات ورأس مرفوع بكبرياء واضح حتى وقفت أمامهما وقالت مباشرةً :

_عندي ليكوا خبر مش لطيف أوي ..

وجّها كلاهما انتباههما لها، فصرّحت بوضوح :

_عامر عندُه زهايمر واتحجز في مصحة امبارح!

صاحا الاثنان في صوت واحد بتعجب :
_ايه !!

_ده اللي حصل .. ودّيته للدكتور أول امبارح ومكانش فاكرني انا أصلا، واتشخص زهايمر ومن مصلحته إنه يفضل في مصحة وتحت عين الدكاترة ..

انفعل فخر باحتجاج :
_وانتِ ازاي تعملي كدا وتسلّميه لمصحّة من غير عِلمنا ؟!

_انا عملت التصرف السليم يابشمهندس! ، ولحد ما يخف ان شاء الله انا اللي هتولّى كل شغله وأموره

ردد فخر باستخفاف :
_ده بأمارة ايه معلش؟

_بأمارة ده!
أجابته بصرامة وهي تضع بيده ورقة ما، فتطلع لها واقترب زياد ليراها أيضًا، وقبل أن يكتشفا محتواها كانت هي أوضحت بالفعل وتحدثت :

_عامر عمل لي توكيل بالتصرف في أملاكه من تلت سنين بس مرضيناش نقول لكوا عشان كُنا عارفين انكوا هتعترضوا وتنبحوا كتير وتعملوا لنا صداع .. بس دلوقتي مضطرة اعرّفكوا عشان الظروف اللي احنا فيها

احتلت الصدمة ملامحهما بوضوح ونظر لها زياد صارخًا :
_مستحيل طبعًا !

ردت بكل برود :
_لا مش مستحيل ياحبيبي عادي

ثم استطردت بنبرة مليئة بالاستفزاز والعجرفة :

_كل حاجة دلوقتي بقِت تحت امري، بما فيهم الفيلا دي .. يعني أي حاجة ليكوا هنا تلمّوها وتمشوا .. معاكوا لحد بكرة الصبح تجيبوا اختكوا وتاخدوا حاجتكوا عشان مش هدخّل حد بعد كدا

نظرت لزياد مخاطبة إياه بغطرسة :

_وانت مش عايزة اشوفك في الشركة تاني .. وبلّغ حازم إنه مطرود هو كمان!

ثم نظرت لفخر وأردفت وهي تعنيه بالكلام :

_وياريت محدش يحاول يلعب بـ ديلُه عشان ميعرّضش نفسه إني اسجنُه !

اتكأت على كلمتها الأخيرة لتثبت أنها تستعد لـفعلها في أي لحظة، بينما وقف الأخوين وكأنما التصقت أقدامها في الأرض بمسامير قوية .. يحاولان استيعاب ما وقع على آذانهما للتوّ وهما يتطلعان لبعضهما بصدمة وذهول يكاد يفجر عقليهما ........

يتبع ..

Continue Reading

You'll Also Like

5.6K 489 9
الحياة مجرد قارب يمر بكثير من العواصف و الأمواج العتيه، تشبث به جيداً حتى تنجوا، لكن قاربى الذى صَعدتُ عليه كى انجو كان هو السبب لبدايه عذابى و رحله...
1.4M 25.2K 64
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
8.4K 413 11
كان يقف بعض الطلاب داخل المشرحه وإمامهم جثه كان كل منهم ينظر إليها برعب ومنهم من كان ممسك بيد الآخر بخوف. مر نصف ساعه وهما علي هذا الحال حتي اتي ا...
1.6M 32.7K 83
اشد الجروح الما ليست التي تبدو اثارها في ملامح ابطالنا بل التى تترك اثر ا لا يشاهده احدا فى اعماقهم. هي✨ لم تخبره بمخاوفها ...ولكن نقطه نور فى اعم...