تُرَاب أمْشِير (مكتملة)

By shahdmedhat_

250K 15.7K 2.4K

دائمًا ما نبحَث عن الحُب .. ونادرًا ما نَعثر عليه .. ولَـكـن في أغـلب الأحيان عندما نجدُه نتركُه يَفلِـت من... More

اقتباس ومقدمة ✨
** تنويه هام **
1- (عَـائِـلـة تَـلـيـدْ)
2- (العَـمّـة المَـلْعـونة)
3- (أَسـمَـتُـه فَـخْـر)
4- (عُــقْـدة)
5- (لَحظْة انكسَار و ردّ اعتِبار)
6- ( "عُصـفورًا عَاجـزًا" )
7- (ذهـبَ إلى مَـنـزِلـها)
8- (نُـزهَة فى الحىّ الشَعبِي)
9- (الحِـمـارُ المـتهوّر)
10- (أصْـدقَاء رسْـمـيًا)
11- (هو والفَـراشَـة)
12- (تـودّيـنَ التـعَـارُف؟)
ياريت تقروا للآخر ياشباب
13- (عِـيـدُ مِـيـلاد)
14- (مـهندِس فِي ورْطـة)
15- (لَـيـلة في المـخـفر)
16- (رَفـيـقِـي)
17- (الـذكرَى الخَامـسة)
18- (اعْـتـرَاف)
19- (فَــخّ)
20- (المُـتـهم بَـرئ)
21- (وقَـع فى المَحظُـور)
22- (قَـرار مُـفاجِـئ)
23- (المُهندس وأثيرةُ الكُحل)
24- (كُـشـفَ سِـرُّه)
25- (عَـقْـد قُـرآن)
26- (مِـصْباح مؤقّـت)
27- (عَـتْـمَـة)
28- (تُـراب أمْـشير)
29- (ظَـرف وڤِـيديو)
30- (سُـخرِيـة القَـدر)
31- (مَـلهَى لَـيلِي)
33- (عَـودَةُ الحَـبِـيـب)
الفصل الرابع والثلاثون (CLASSIC)
35- (كَـسـرت الفَـانوس؟!!)
36- (فِي الخِدمَة يامَـولاتِي)
37- (جوّ عصابات وبتاع)
Guess the couple 🤫
38- (نـجـمـة ودبـلـتـيـن)
39- (عـ الـقَـهـوَة)
40- (رَبِـحَـتْ الـبُـومَـة)
41- (تُــحْــفَــة)
الفصل الثاني والأربعون (game over)
43- (نَـسَـمَات بَـرمُـودَة)
44- (لـنخطّ سُـطُـورنا معًا)
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الأولى•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثانية•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثالثة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الرابعة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الخامسة•
∆ هَل تـنـتـظرينَ قُـبـلـة؟؟ ∆
بـدأنـا رحـلـة جـديـدة 💙

32- (رأسًا على عَـقِب)

4.1K 310 54
By shahdmedhat_

متنسوش الڤوت فضلاً💙

.

.

.

_بس خلاص مش قادر، فيّصت

نبس زياد بكلماته وفمه لم يفرغ من الطعام بعد، بينما أمسكت ياسمين بقطعة أخرى من السمك وقالت :
_طب دي بس!

_لا لا كفاية

_اسمع الكلام!
نطقت أمرها بحدة وهى تحشر اللقمة بفمه رغمًا عنه، فطالعها بحنق ومضغ الطعام على مضض ثم قال بصوت مكتوم بسبب كثرة الطعام :

_دي اللى فرقت يعني؟

جهزت لقمة أخرى وهى تقول :
_انت قولت هتخلّصه كلّه أصلا، نفّذ كلامك ..

رفعت القطعة الثانية ناحية شفتيه، فأسرع يهز رأسه بالنفي أكثر من مرة مجيبًا :
_والله ما ...

لم تسنح له الفرصة لتكملة الجُملة ؛حينما وضعتها بفمه فورًا، فأزاح يدها بغضب وهو يغمغم باعتراض .. فيما جلست تضحك، ثم بدأت تلملم بقايا الطعام والمناديل وغيرها، وهى تقول :

_عشان تتغذّى وتخف بسرعة

_انتِ بتفطّسيني كدا مش بتغذّيني!

ضحكت ثم وضعت الطبق بالكيس ونهضت لتلقِ النفايات بالسلّة المجاورة للسرير، ثم شرعت بمسح يدها بمناديل مبللة وهى تقول :

_طب انا همشي بقى عشان متأخرش

أمسك بكوب الماء ونهض يقول :
_استني هوصّلك

شرب الماء وهو يستمع لها تعترض :
_لا طبعا انت مينفعش تتحرك من البيت دلوقتي

وضع الكوب الفارغ على المنضدة وهو يقول :
_ياستّي ما انا كويس عادي

ليتفاجأ بصوتها الغاضب يثير فزعه فجأة :
_بطل الاستهتار بتاعك ده متعصبنيش !!

فأسرع يقول :
_طب خلاص خلاص، مالك بقيتي عصبية كدا ليه؟

ثم أضاف :
_خلاص استني فخر لما يجي يوصّلك بالعربية

اتجهت صوب الأريكة لتحمل حقيبتها وتعلقها على كتفها :
_لا لا انا هطلب اوبر عادي

_مينفعش تروّحي لوحدك!

_هو انا صغيّرة يازيزو؟

واستطردت بضيق وعدم رضا :
_وبعدين انا ما صدقت بقيت حرة عن ماما شوية عشان تسيبني اتحرّك لوحدي .. انا اتعودت إنها معايا فى أصغر خطوة باخُدها وخلّتني مش معتمدة على نفسي ولا فاهمة حاجة فى الدنيا وده مش عاجبني، عايزة اتعود اعمل كل حاجة لوحدي بقى، عايزة احس إني كبرت شوية

هز رأسه بتفهم وأجاب بملل :
_مش فكرة صغيرة يا سو، فكرة قلق .. ما فخر الشَحط بقلق عليه بردو

ضحكت وربتت على كتفه وهي تقول :
_متقلقش هكلّمك أول ما اوصل .. يلا سلام

*
*
*
وقف فخر برواق المشفى منتظرًا خروج الطبيب، يستند بظهره على الحائط ويضع يديه فى جيوب بنطاله .. عينيه مثبتة بنقطة فارغة بالأرضية تعلن عن غرقه فى شرود تام ..

كلماتها تتردد بداخل عقله من أول كلمة حتى آخرها .. يرى صورتها أمام عينيه وهى تبكي بحرقة وكأنها خسرت كل شيء .. هشاشتها وعدم رزانة تفكيرها بعدما تناثرت بقايا الأمل بداخلها حتى لم يعد لها أثر ..

تغير اتجاه بصره إلى الورقة التى احتفظ بها وأخرجها من جيبه ;تلك الورقة المعهودة التى لم تتخلَّ جهاد عنها، منتظرة أن يأتيها ويعيدها لشكل النجمة كما ترجو ..

زفر بهمّ وحزن، قبل أن ينتبه لخروج الطبيبة من غرفتها، فتوجّه إليها يتساءل باهتمام :

_خير مالها؟ ايه اللى حصل لها؟!

أجابته الطبيبة بأسف :
_ تسمم كحول

ضاقت المسافة بين حاجبيه بتعجب ، أأكثرت منه إلى هذه الدرجة!؟

أردفت الطبيبة بعملية :
_بس الحمدلله هي أحسن، حالة القيء دي ساعدتها وخففت الموضوع، واحنا عملنا غسيل معدة وبقت كويسة .. هترتاح شوية وإن شاء الله على الصبح بالكتير هتكون فاقت

أومأ فخر بهدوء ونبس شاكرًا :

_الحمدلله، متشكر جدا .....
.
.
.
متممدة فوق سرير المشفى غائبة إلى عالم آخر .. يغطيها الفراش حتى منتصف جسدها، يدًا بجوارها والأخرى على بطنها .. فقدت خصلات شعرها السوداء ترتيبها وتناثرت على الوسادة بعشوائية ..

شغل فخر المقعد الصغير الذى يجاور السرير مباشرة وتعلقت عينيه بها .. يتأمل ملامحها المرتخية وهي مستسلمة لخروجها عن الواقع، يظهر الإعياء بوضوح على وجهها ويعلن التعب حصاره حول قسماتها ..

ولكن عجبًا ! لازالت رائعة ..

حتى مع شحوبها ووهنها لم تتنازل عن رونقها _في نظره_ ، لايزال يرى بساطة وجمال وجهها الهادئ .. لايزال يراها بـقلبه!

ارتسمت فوق ثغره ابتسامة صغيرة هادئة وهو يتذكر جملة كتبها سابقًا، وترددت بين شفتيه دون وعي :

"دُمتِ بهيّة يا أثيرةَ الكحل"
.

مرت بضع ثوان دام خلالها الصمت التام .. لم تبتعد مقلتيه عنها وكأنها ستتعرض لشيء ما أثناء نومها ويجب مراقبتها ..
ولكن واقعيًا لم يكن ذلك إلا لاشتياقه لها وحسب ..
بالفعل لا يدرك أحد كم اشتاق لعينيها الكحيلة وحركاتها المجنونة وضحكتها الواسعة التى تتسبب في انغلاق عينيها بشكل عفوي ساحر ..

لاحظ فجأة ارتجافة جفنيها تشير لاستعدادها بفتح عينيها .. لم تقدر حتى أن تفتحهما بالكامل، وكأن هناك أحد يضغط فوقها بشدة، فاستقرت شبه مغلقة، بالكاد تحدد نصف الصورة ..

تقدم فخر بجذعه صوبها وطالعها باهتمام وتفحص، رأى شبح ابتسامة صغيرة تعلوها ;لو كان بعيدًا قليلًا لما رأها .. ثم أغمضت عينيها من جديد وخرجت منها كلمة خافتة غير واعية، بالكاد استطاع التقاطها :

"حبيبي"

ارتفع حاجبيه بدهشة، تزامنًا مع اختفاء ابتسامتها وعودتها إلى غيابها عن الواقع بوهن شديد .. يبدو أن الإرهاق يقتلها أو أن آثار الكحول لم تنمحي بعد ..

توزعت أنظاره من حوله قليلًا وابتلع جوفه، قبل أن يعود بظهره للخلف كما كان، ثم يرتكز بصره على الورقة التى بيده من جديد ..
شردت عينيه وهو يحملق بها بسكون تام، إلى أن بدأ تحريكها بين أصابعه ليثنيها بهدوء ويطوي أطرافها بسلاسة وبُطء شديد وكأنه متردد في ذلك ..

طوية .. اثنتان .. ثلاثة، وعشر .. حتى تشكّلت النجمة في النهاية، وبقى يحدقها بصمت وعينين لامعتين بحزن ..

أبعد نظره عنها وتطلع من حوله حتى وقع بصره على هاتفها المستقر فوق المنضدة الصغيرة المجاورة للسرير، سكن لثانية ثم تقدم صوبه وسحبه بيده .. أنار شاشته ليجد أنه مقفل ببصمة إصبعها، فلم يتردد في تقريبه من يدها ثم إمساك إصبعها بهدوء شديد ليضعه على موضع البصمة ..

نجح في فتحه فترك يدها بتمهل، ثم نظر فى الهاتف وفتح رسائل (واتساب) .. اختار منها محادثة مروان تحديدًا وأرسل له موقع المشفى ثم أرسل كتابيًا :

"مروان انا تعبت وقاعدة فى المستشفى لوحدي، تعالى بسرعة لو سمحت"

ثم أغلق الهاتف ووضعه كما كان، قبل أن ينهض بهدوء .. بقى واقفًا لبعض الوقت ;يترك لها نظراته الأخيرة ليشبع عينيه من رؤيتها قبل أن تغيب عنه ..

مال إليها قليلًا، تحديدًا لذراعها الممدد بجانب جسدها،ووضع نجمته الورقية أسفل كفّها .. أحكم اختفاءها تحت يدها حتى لا تراها الممرضة أو الطبيبة وتغيّران موضعها ؛يحرص كثيرًا أن تستيقظ لتجدها بيدها وتكون أول شيء تراه سوداتيها الجميلتين ..

رمى لوجهها آخر نظرة وأكثر نظرة امتلأت بـحبه الجارف لها، ثم تحرك وسار إلى الخارج مغادرًا ........

*
*
*

مركز تجميل واسع ومتميز يبدو عليه الفخامة والشهرة، به العديد من العاملين والكثير من العميلات ذوات الطبقة العالية بالمجتمع ..

دخلت بسمة إليه بجسدها الممشوق، قسماته محددة بفستانها الأسود الضيق الذي يصل حتى ركبتيها وتصل أكمامه لأسفل مرفقها .. شعرها الطويل ينسدل على ظهرها وتزين وجهها ببعض مستحضرات التجميل وتحمل حقيبة من اللون الأحمر مطابقة للون حذاءها ذو الكعب العالي ..

ويالعجائب القدر، هذا المكان بأكمله يخصها وحدها ;فقد اشتراه لها عامر منذ مايقارب الأربع سنوات، بعد وصلات عديدة من الغنج والدلال ورسم البراءة والصفاء التى اعتادت على خداعه بها ..

اتجهت إليها إحدى العاملات وهى تقول بترحيب :
_أهلا أهلا يا بسمة هانم اتفضلي، تحبي اعمل لك حاجة تشربيها؟

ردت بسمة بعجرفة :
_لا شكرا روحي انتِ

نفذّت الفتاة طلبها وغادرت، بينما وقفت بسمة تراقب المكان قليلًا، ثم أخرجت هاتفها لترسل رسالة صوتية إلى زوجها تقول :

_عامر ياحبيبي انا نزلت افكّ عن نفسي شوية واشوف اخبار ال beauty center بالمرّة .. مش قادرة اقعد فى البيت بصراحة، نفسيتي تعبانة اوي وعايزة اصفّي دماغي شوية فى أي مكان هادي .. متقلقش عليا لو اتأخرت

ثم اغلقت الهاتف وأعادته إلى حقيبتها، وتُغلفها ابتسامة خبيثة ;تدرك أن عامر يستشيط غضبًا الآن ويستعد لتفجيره بوجه فخر بمجرد دخوله من المنزل ..

تقنع نفسها أنها حقًا تريد الترويح عن نفسها، إلا أن السبب الحقيقي وراء هروبها من المنزل هو خوفها من فخر .. تعلم بداخلها أنها لو كانت حاضرة للموقف لكان انتهى أمرها أسفل غضبه وجنونه، ولكنها تنكر وتدّعي القوة وعدم الاهتمام ....

*
*
*

دخل فخر من باب المنزل وأغلق الباب من خلفه، وضع المفاتيح بجيب بنطاله وسار صوب الدرج .. رأى أخيه يهبط من الأعلى بتمهل وتقابلت أعينهما، فنطقا الاثنان معًا بنفس اللحظة :

"ايه ياسفيه يامراهق/أهلا ياواغد يافاسق"

ضحك زياد ونزل حتى وقف عند آخر الدرج وهو يتساءل بفضول :
_كنت فين؟

أزاحه فخر من وجهه مجيبًا :
_وانت مالك!

_فخر !!
صوت عامر الغاضب صدح بالأرجاء فجأة بعدما خرج من غرفة مكتبه

غلب كلاهما التعجب من نبرته الغريبة، واستدار فخر لينظر له باستفهام، فلم يلبث عامر حتى اقترب منه بخطوات ثابتة والغضب يرسم علاماته فوق قسماته، إلى أن وقف أمامه وهوى على وجهه بصفعة قوية مفاجئة ..

اتسعت عيني زياد بذهول لدرجة أنه تسمّر بموضعه دون حركة ;فقط يفرّق عينيه بين أبيه وأخيه

نظر فخر لعامر بنظرات تحمل عدة ردود فعل مختلفة وغامضة ;أبرزهم التعجب وعدم الفهم ..

لقد مرت أعوام .. أعوام كان يتجنب والده فيها قدر ما يمكنه بعدما دُفنت تلك الفترة التى لم يشهد بها سوى الضرب والإهانة والظلم .. أعوام يحاول خلالها التعافي من تلك الأيام المظلمة، والآن يريد عامر إحياءها ;وبصفعة واحدة استطاع أن يلقي به إلى حفرة الماضي بعدما خرج منها سالمًا بمعجزة .. أو "شبه سالم"

أمسكه عامر من طرف قميصه بيده اليمنى ليقرّبه إليه بعنف وهو ينطق بغضب شديد :

_انت فَجَرت وعينك وسعت اوي، محدش بقى عارف يحكمك ولا بقيت تعمل اعتبار لحد حتى ابوك!

صاح زياد بتجهم وهو يقف خلف أخيه :
_هو في ايه!!

رفع فخر يده خلف ظهره إشارة له بألّا يتدخّل، ولم تحيد نظراته الباردة عن والده وهو يستمع له يصرخ بوجهه بصوت مرعب :

_كل ده عمّال تمثل عليا إنك بتكرهها ومن ورايا عينك معاها !! ، بتبص لمرات ابوك وتتحرش بيها ياوسخ!! هي وصلت بيك لكدا !؟ للدرجة دي مبقاش ليك كبير خلاص ومبتعملش حساب لحد؟!

انصدم زياد حتى شعر بأنه غير قادر على إبداء أي رد فعل من فرط الدهشة، بينما بدأ فخر بترجمة الموضوع وصُدم بداخله بمدى قذارة تلك الحيّة .. وبرغم رغبته الجامحة فى دق عنقها الآن لوصولها إلى ذلك المستوى المتدنّي، إلا أنه نجح فى كبت غضبه وإظهار البرود وهو يقول بعدم اهتمام مع القليل من التعجب :

_اتحرش بـ مين ياعامر بيه؟ ، طب على الأقل كنت أسألها فين الدليل؟ فين الإثبات اللى يثبت عَمْلتي؟

استطرد ساخرًا :
_ اه خلاص نسيت إنها ملاك مبيكدبش .. ازاي البراءة دي هتكدب؟ فخر طبعا هو اللى كداب .. فخر انت اتعودتوا عليه فعلًا مُنحط ويطلع منه التصرفات دي

سكت للحظات ثم قال :
_بس انا هقولهالك واضحة ياعامر بيه ومش هكررها

نظر بعيني والده بـثبات وبـقوة واضحة تنمّ عن عدم مرور الجُبن من جانبه حتى، واتكأ على كل حرف يخرج من بين شفتيه :

_ انا معملتش كدا ..!

وأضاف باشمئزاز :
_بسمة دي انا بقرف ابص فى وشها أصلًا، ازاي هفكر اقرّب منها؟

نبس عامر بحنق :
_انت لسة مكمّل فى الدور؟

أمسك فخر بيد والده ليبعدها عن قميصه، وهو يقول بصرامة ونظراته ثلجية وحادة :

_انا اتربيت على إيد أمينة وانت اكتر واحد عارفها ! ، قارن بيني وبين واحدة اتربت فى صناديق الزبالة وهتعرف مين اللي بيكدب ...

همّ بالمغادرة وتحرك خطوة من جانبه، ولكنه شعر بقبضة عامر على ذراعه توقفه لتعيده خطوة للخلف، ثم طالعه بقسوة وهو يقول بسخرية :

_لو فاكر إن أبوك بقى تافه وأيام زمان انتهت تبقى غلطان! ، طول ما بتتعوج هتشوف منها تاني يافخر وأسوأ كمان لحد ما تلاقي القوة الكدابة اللى انت فيها دي طارت مع أقل نسمة هوا !

رمش فخر مرتين بعينيه التى بصرت الفراغ للحظات ;كيف يقوم أب بسكب الملح على جرح ولده ويخبره كلمات بمثل هذا الجحود؟ كيف يسعى أب لكسر ولده بدلًا من الإمساك بيده ليأخذه إلى بر الأمان والسلامة ..؟

ومع ذلك ظل محتفظًا ببروده وثباته وقوّته التى يقسم أن يظل متمسكًا بها رغم أنف الجميع :

_وانت لو فاكر إنّي لسة العيّل الصغير اللى أول ما تزعّقله هيجري يستخبّى منك تبقى غلطان .. فخر كِبر والزمن اتغيّر، ومش هيسمح لك تعيد الشريط ده تاني مهما حاولت !

نزع ذراعه من قبضته بعنف ثم اتجه صوب الخارج، وقد هرول زياد سريعًا ليلحق به دون أن يترك ولو نظرة صغيرة إلى والده ......

*
*
*
بأحد المقاهي المفتوحة الواسعة .. كانت مريم تجلس وحدها وسط هدوء الليل ؛كـمحاولة لنيل بعضًا من الهدوء والراحة، بين يديها كوب القهوة المثلجة ولكنها توقفت عن احتساءه عندما شردت فى اللاشئ ..

كلمات عز لاتزال تتكرر على مسامعها وكأنها معزوفة مفضلة لأذنيها، تحاول إشغال نفسها بأى شيء ولكن تفشل بجدارة ..
لن تنكر أنه لطالما شغل تفكيرها ولكن ليس إلى هذا الحد، هذة المرة مختلفة ؛ربما مواجهتهم غيّرت الكثير وجعلته لا يفارق بالها للحظة ..

كلماته عن مدى عشقه لها وكيف ينتظرها حتى وهو يائس .. لم تتوقع يومًا أنها ستنول كل هذا الكمّ من الحب ولكنها مشتتة ;اهتزاز ثقتها بنفسها جعلها مقتنعة أنه لا يستحقها
هي تحبه .. بالفعل تحبه!، ولهذا السبب تحديدًا تريده أن يتزوج من غيرها ؛لاقتناعها أنها سترهقه وتُصعّب عليه حياته ..

تائهة ومهزوزة .. لا تدري أتبتعد لتتفادى حدوث أي مشكلات بينهما، أم تقترب لترى ابتسامته وسعادته بوجودها ..

أطلقت تنهيدة مهمومة وتابعت تناول مشروبها بصمت وحيرة ........

*
*
*
_اقسم بالله اول ماتدخل من باب البيت لاطبق على زمّارة رقبتها ..

صاح زياد بغضب شديد، وهو يجلس بجوار فخر بداخل السيارة، بعدما قرر مشاركته فى الدوران فى الشوارع بلا هدف ..

كان فخر يكتفي بالقيادة بِـسكوت تام، لا يتضح أى رد فعل على وجهه، ملامحه جامدة تمامًا وعينيه مثبتة على طريقه ..

نظر زياد صوبه وأردف بحنق :

_انا مش هسيب الولية دي وتولع المشاكل اللى هيعملها معايا ابويا هي كدا كدا خربانة خلاص، نخربها بالمرة بقى

نطق فخر بهدوء مريب دون أن ينظر له :
_بطّل غباء وفكّر بعقلك دقيقة واحدة قبل ما تعمل حاجة

صاح زياد بتعجب واستنكار :
_ انت ازاي رايق كدا؟ انا قولت عصبيتك مش هنعرف نلمّها ومش هنعرف نحوش بسمة من تحت إيدك

لم يكن ليتفوّه بتلك الكلمات لو استطاع رؤية دماءه التى تغلي بأوصاله وعروقه التى توشك على الانفجار، ولكنه يصر على دفنه والاحتفاظ ببعض العقلانية ;فلو أطلق سراح غضبه الآن سيتحكم الغضب به ويجعله يتصرف بجنون ..

أطلق زفيرًا قويًا ثم نظر له وقال :
_عايزين نفش غلّنا من بسمة؟.. تمام بكل سرور، بس بنصاحة .. بلاش التهور بتاعك والاستعجال ده

عاد ينظر للطريق، بينما رد زياد بملل :
_بمعنى؟

نطق فخر وعينيه لاتزال مثبتة أمامه :

_ايه اللى ممكن يخلّي غيظك منها يهدى من غير ما تدخل فى حوارات مع ابوك؟

حدقه زياد مطولًا وهز رأسه بعدم فهم، فنظر له فخر بعدما لاحظ صمته، ولفظ الإجابة بثقة :

_عمتك!

تشنج وجه زياد باستنكار :
_عمتك ايه؟

_عمتك قادرة وأكتر واحدة تعرف تجيب آخر بسمة وابوك مبيقدرش عليها، مش هيتخانق فيها زي ما بيعمل معانا

_وهي هيفرق معاها أصلا؟

رد فخر بيقين :
_ياض انت فاكر عمتك بتكرهنا ولّا ايه؟ ، هى اه تقيلة شوية وفيها حبة طمع .. بس مبتكرهناش بالعكس احنا لو قولنالها بصي بسمة قالت على فخر ايه هتيجي تطربقها على دماغها

بصر زياد الفراغ أمامه بتفكير وعدم اقتناع، ثم انتبه له عندما قال :

_انا هروّحك وهروح ابات فى شقتنا القديمة النهاردة، ابقى كلّم عمتك الصبح وقول لها

رد زياد بحنق :
_شقة ايه اللى تبات فيها؟! هي حتة الناموسة دي هتخوّفنا ولّا ايه؟

_انا مش طايق حد ومش طايق نفسي .. لو قعدت هناك وصوتها بس عدّى جنب ودني مش هعرف امسك نفسي والدنيا هتقوم أكتر .. كدا أحسن عشان معملش مصيبة!

*
*
*

صباح اليوم التالي ..
.
فتحت جهاد عينيها بتمهل وعادت إلى وعيها ولكن لم يتركها الشعور بالتعب والإجهاد، حركت رأسها وأخذت نظرة سريعة على الغرفة من حولها، تحركت ببطء وهى تشعر بالصداع يفتك برأسها، استطاعت الجلوس أخيرًا وظهرت النجمة الورقية بعدما أبعدت يدها، فوقع بصرها عليها .. تملكها الذهول والتقطتها فورًا، تعمقت في النظر لها وعينيها تلتمع ;لا تدري حزنًا لعدم وجوده، أم فرحًا بالنجم الذى رد لها الابتسامة والحماس ..

استدركت رسائله الخفيّة التى يرسلها لها من خلال استجابته لتكوين النجم، يخبرها ألّا تفقد الأمل فهو لن يتركها .. كما شكّل لها النجمة الآن سيأتي إليها ويفعلها مجددًا كما اتفقا ..

غلفتها ابتسامة جميلة وأخذت شهيقًا عميقًا ثم زفرته بارتياح وشردت مقلتيها فى الفراغ وسط صمت شديد يكسو المكان ..

التفتت لباب الغرفة وهو يُفتح بهدوء ليدخل منه مروان .. اتسعت عينيها بعدم تصديق وتقدمت بجسدها للأمام كـرد فعل عفوي من اندهاشها، وصاحت باشتياق :

_مروان!

تحرك مروان إليها سريعًا فوجدها تمد ذراعيها استعدادًا لعناقه، فاستجاب لها فورًا وسمح لها باحتضانه بعدما جلس على طرف الفراش أمامها مباشرة .. شعر بيديها التى قيدت رقبته بقوة وأنفاسها المتوترة أثناء ذرف الدموع، استمع لصوتها الحزين يعاتبه باستياء :

_هونت عليك تختفي كدا من غير ما تسأل عليا؟ افرض كنت مُت ولا جرالي حاجة؟ مفكرتش فيا ليه! ده انت الوحيد اللى باقيلي تسيبني لوحدي كدا !؟

ضمها له بحنان وهو يقول متأسفًا ويربت على ظهرها بهدوء :
_حقك عليا، انا كبّرتها انا عارف، متزعليش منّي انا كنت كدا كدا هجيلك والله، مكنتش هسيبك

مسد خصلاتها الطويلة بلُطف ثم قال :
_سلامتك ياجهاد، ايه اللى حصل لك؟

خرجت من أحضانه متراجعة للخلف لتنظر له متسائلة :
_انت عرفت منين؟

أجاب ببديهية :
_ما انتِ اللى بعتتيلي المكان، انتِ لسة مصحيتيش ولا ايه؟

_مكان ايه؟

_بعتتيلي لوكيشن المستشفى وقولتيلي تعالى انا لوحدي

عقدت حاجبيها بعدم فهم، ثم أخفضت يدها لجيبها لتخرج الهاتف فلم تجده، نظرت من حولها فرأته على المنضدة .. تناولته سريعًا وفتحته فوجدت رسائل لا تتذكر متى أرسلتها، أبعدت حدقتيها عن الهاتف إلى الفراغ تفكر ;وكان الاحتمال الأكيد بالنسبة لها أنها أرسلتها وهي فى حالتها المزرية السابقة، فاستيقظت الآن لا تتذكر ..

عادت تنظر للهاتف، ثم صاحت قائلة :
_الرسايل وصلت لك الساعة ١١ بالليل يامعفن وانت جايلي الساعة ١٠ الصبح !

_انتِ بقرة يابت؟ ، انا هنا من بالليل انتِ اللى مقومتيش ولا حسّيتي .. انا كنت فى الحمام دلوقتي بس

ثم أضاف سؤالًا مهتمًا :
_ممكن اعرف ايه اللى حصل بقى عشان تيجي هنا؟؟

*
*
*

توجهت ناهد إلى الطاولة لتلتقط هاتفها الذي صدح رنينه يعلن عن متصل ما، ابتسمت وأجابت قائلة :
_الو .. ازيك يازيزو؟ اخبارك ايه ياحبيبي؟

رد بعدم اهتمام :
_الحمدلله ياعمتي ازيك انتِ

_كويسة الحمدلله، هي ياسمين مبتردش عليك ولا ايه؟

_لا انا عارف هي فى الكلية ومش فاضية دلوقتي الله يعينها، انا عايزك انتِ ياعمتي .. قولت انتِ مش غريبة ولازم تعرفي اللى بيحصل بردو

_ استر يارب، في ايه؟

_بسمة

انقلبت ملامح وجهها إلى التقزز وهي تجيب :
_قطعت سيرتها الهباب، ياريت تقول لي ماتت

_كان نفسي والله، بس لأ دي عاملة زي البُرص مبتموتش بسرعة

_اومّال مالها ؟

أجابها زياد باختناق :
_ولّعت الدنيا بين فخر وابويا واتبلّت عليه إنه اتحرش بيها والجوّ مقلوب من امبارح

هتفت ناهد بذهول وعدم استيعاب :
_نعم نعم؟ ايه اللى انا سمعته ده؟! انت بتهزر ولا ايه؟

_لا مبهزرش، ابويا اتخانق فيه وضربه كمان وفخر مش قاعد فى البيت من امبارح

صاحت بدهشة :
_وعامر صدّقها ؟!

_من غير مجهود والله ياعمتي ......

*
*
*

فتحت السيدة سحر باب الڤيلا لتدخل منه ناهد بعواصف غضبها وصوتها يرتفع بقوة بين جدران المنزل :

_بسمـــــة !

سارت بخطوات غاضبة، وارتفاع صوتها يكاد يوقظ الأموات من قبورهم :

_انتِ ياحيوانة يا اللي اسمك بسمة انزليلي هنا !!
.
.
كانت تجلس مريم بغرفتها عندما استمعت لصياح عمتها، ظنت أنها ستبدأ شجار عادي كالذي يحدث دائمًا، فنفخت بملل والتقطت سماعات الرأس الكبيرة لتغطي بها أذنيها وتستمع إلى بعض الأغاني حتى ينتهى هذا الصداع ..
.
.
هرول زياد فوق الدرج واتجه صوبها وهو يقول بابتسامة غير واضحة ؛فرحةً بغضبها الذي يوشك على هدم البيت :

_ أعصابك ياعمتي، متدخليش في مشاكل عشان واحدة زي دي

التفتت له ناهد وصاحت بحنق شديد :
_هاتلي البت دي حالًا بدل ما اطلع انا ارميها من فوق !

بقت سحر واقفة بعيدًا تراقب الوضع بصمت تام، بينما صدح صوت بسمة المستفز وهى تهبط على الدرج بخطوات ثابتة :

_ايه الصوت العالي وقلة الاحترام دي؟ انتِ فاكرة نفسك فين هنا !؟

رمقتها ناهد بنظرات نارية تكاد تلتهمها، ولم تستطع انتظارها حتى تُنهى آخر درجتين من السلم، بل سارت صوبها بخطوات منفعلة وفورًا قبضت على شعرها لتجرّها معها كالماعز، فارتفع حاجبي زياد بدهشة وظهرت ابتسامته أكثر .. فيما اتجهت سحر استعدادًا لمحاولة تهدئة الأمور ولكن منعها زياد وأمسك بمعصمها، نظرت له فغمز لها وأومأ بثقة ..

ارتفع صوت ناهد وهي تشدد قبضتها على شعرها ويدها الأخرى توجّه لها العديد من الصفعات، غير مبالية بصراخها بين يديها :

_فخر مين يابنت الكلب اللى يتحرش بواحدة زيّك! ، المهندس المحترم اللى يساوي رقبة مليون صرصارة زيك هيفكر يبص لك انتِ ليه؟ ، ده لو كان مقضيها مع النسوان يمين وشمال عمره ما كان يبص لك انتِ بردو! ، انتِ أحقر من إنه ياخد باله إنك معدّية جنبه أصلًا .. ماتعرفي أصلك يابت انتِ محدش هيعرف يلمّك ولّا ايه!!

صاحت بجملتها الأخيرة بصوت جهوري أعلى من ذي قبل وهى تواصل ضربها بعنف، وكأنها كانت تعلم مدى غيظ فخر منها فقررت أن تخمد ناره قليلًا ..
بينما وقف زياد يضحك بشدة ويضع يده على فمه محاولًا ألّا يُخرج أصوات ضحكاته ..

قوة ناهد كانت توحي بأنه لن يقدر أحد على إيقافها أو تهدئتها .. إلا أن عامر كان قد حضر بعدما كان يجلس فى الحديقة ووصلت له أصواتهما، وحاول إبعاد أخته بقوة، إلى أن نجح بعد معاناة وصاح بحنق :

_كفاية بقى ياناهد ايه الجنان ده !
.
.

كانت تقف مريم أمام المرآة وهى تتمايل باندماج مع الأغاني، وقد ساعدت سماعات الرأس الكبيرة في تركيز صوت الأغاني فقط لأذنيها وعدم سماع أي من تلك الصراعات في الأسفل _التى قصدت ألّا تسمعها ورفعت الصوت لمستوى عال_
تمسك بطلاء الشفاه وتلوّن به شفتيها بكل سكينة .. ومن ثم تطلعت لنفسها بإعجاب بعدما انتهت، وأرسلت لانعكاسها قبلة سريعة على الهواء ..

.
.
تراجعت ناهد خطوة للخلف عندما وقف عامر بينها وبين بسمة وصرخت في وجهه بغضب عارم :

_انت ايه يا اخي!! ، فصيلة أهلك ايه؟ ، تطلع مين دي عشان تيجي على ابنك عشانها؟ ، ده لو ابوك نفسه اتهم ابنك بحاجة بردو متستغناش عنه لحد ما تعرف إذا كان الكلام صح ولا لأ

رفعت سبابتها واستطردت بنظرات حادة وصوت أحدّ :

_انا بنتي لو حد اتهمها بحاجة ياعامر مش هسيبه يشوفني مصدقّاه، حتى لو من جوايا مصدقة ومكدّبة بنتي مش هبيّن ولا اتكلم .. كنت هروح الأول اتأكد مع نفسي لوحدي ولو كانت غلطت كنت هكسر رقبتها .. إنما لو طلع الحيوان اللى بيتكلم كداب كنت اروح اقصف عمره واقطع خبره عشان فكر يتكلم عليها نص كلمة مش حلوة

تسللت السخرية بين طيّات غضبها متابعة :
_لكن انت؟ انت عادي .. بكل سهولة كدا بتصدقها وتمد ايدك عليه عشانها .. ابنك اللى من دمك تسيبه وتقف جنب واحدة من الشارع قيمتها متوصلش لجزمتك حتى! انت دماغك فيها ايه؟؟!

حدجها بصرامة وقبل أن يرد عليها بشيء كانت تدفعه من صدره بعنف وتبتعد عن الجميع لتغادر بهمهمات حانقة :

_غور من وشي .. عالم لمامة !

*
*
*

يجلس فخر خلف مكتبه الخاص بمحلّ عمله، يرفع الهاتف على أذنه بيده اليسرى ويده اليمنى تحرك القلم فوق الورقة ليرسم خربشات عشوائية بلا هدف .. تعتليه ضحكة واسعة بعد سماع تلك كوميديا التى سردها عليه أخيه، وأجابه قائلًا :

_مش قولتلك عمتك مش هتسكت؟ والله انا أول مرة أحبها كدا

_بصراحة قامت بالواجب ونص، بسمة وشها اتبهدل على الآخر وقاعدة تعيط وتندب ومصدّعانا

اعتلته ضحكة غريبة وهتف بتوعد :
_بتعيط من دلوقتي؟ اومّال لو مكُنّاش بنسخّن لسة؟

تحمس زياد من نبرة أخيه التى يعلمها جيدًا وسأل :
_وحياة ابوك لـ تقول لي ناوي على ايه، مش هقدر استنّى

_مش وقت رغي انا ورايا شغل

نظر بالهاتف ليجد حازم يهاتفه، فأغلق مع زياد قائلا :
_اقفل دلوقتي حازم بيتصل

لم ينتظر سماع ردّه وأغلق الهاتف بوجهه، ثم أجاب حازم :
_ايه يا بتاع ميشو؟

ضحك حازم وقال :
_ما بلاش عشان مقعدش اذلّك لما تتجوز انتَ كمان!

_لما اتجوز مش هنسى اصحابي زيّك

_والله ياعم ما لاقي وقت ابص ورايا .. ابوك مفهرضني اليومين دول عشان في صفقة جديدة وقرف، ومي انت عارف بتنكد عليا لما تلاقيني طول اليوم برا فـ على ايه خلّيني فى البيت أحسن

ضحك فخر ثم نطق قائلا :
_طب وبعدين؟ هنشوفك امتى؟

_ادعيلي أخد إفراج قريب بقى ! .. دي دماغها متركّبة غلط والله .. امبارح انا من الصبح وانا فى الشركة واتأخرت عن معادي شوية، وارد يحصل يعني مش مصيبة .. طلعت هيّ بقى فوق دماغي انت روحت فييين .. سايبني لوحدييييي .. بتطفش من البيت وبطّلت تحبّنييي ..
وعبط كتير كدا لحد ما زهقت و سِبتها ودخلت انام .. تسكت بقى وتلمّ الليلة؟ لا أبدا، أول ما صحيت مسكتني كمّلت عليا

ارتفعت ضحكات فخر بشدة، ثم تمتم بقلق :

_انا كل ما بكلّمك بعيد النظر تاني فى حوار الجواز ده والله .....

*
*
*

تجهّزت جهاد للرحيل من المشفى وارتدت حذاءها وهى تقول :

_على فكرة انا لسة مش طيقاك وزعلانة منك

صاح مروان بتذمر وهو يقف بالقرب من باب الغرفة :

_ما خلصنا بقى!

نظرت له جهاد وهتفت بحنق :
_انا لو كنت استندلت معاك وقعدت مردش عليك كنت هتضايق ولا لا؟

أجاب مروان يسايرها :
_طب اجيبلك مورو وتسامحيني؟

_لأ

ضحك قائلًا :
_هجيبلك اتنين

رمقته بجانب عينيها للحظة ثم حركت رأسها بكبرياء مصتنع :
_هاتلي اربعة

لوى شفتيه باستنكار :
_ليه كل ده إن شاء الله؟

_انا هقسّمهم براحتي مالكش دعوة

_طب حاضر عنيا، خلينا فى المهم بقى .. انا عندي ليكي خبر مش هتصدقيه

_لو وحش متقولش عشان مش مستحملة

نطق مروان مباشرةً :
_انا بحضر لـ خطوبتي مع عزة

_هاهاها ماشي يالطافة
تصنعت الضحك المستهزئ ونطقت بسخريتها، وهي تضع هاتفها بجيب بنطالها، ثم استمعت له يقول :

_انا مبهزرش، انا هخطب عزة بجد وقريب كمان

التفتت له وتطلعت له بنظرات استعجاب وعدم فهم، وردت ببلاهة :

_ده ازاي يعني؟

رفع كتفيه تعبيرًا عن عدم المعرفة، بينما هزت هي رأسها تحاول استيعاب ماسمعته وقالت :

_استنى .. مش عزة دي اللى كسّحتك في المستشفى وبتاكلوا فى بعض زي القط والفار؟

ضحك ببلاهة وقال ساخرًا :
_شوفتي الزمن؟

انتبها لدخول الممرضة بعدما طرقت مرتين أولًا ثم نظرت لجهاد وقالت :

_ انا كنت جاية اشوفِك لو محتاجة حاجة

ابتسمت جهاد ببشاشة :
_ربنا يخليكي يارب، تسلمي .. انا خلاص بقيت كويسة وماشية الحمدلله

ردت الممرضة مبتسمة :
_طب الحمدلله، حمدلله على السلامة

ثم همّت بالخروج وقد وقع بصرها على ذلك الواقف يطالعها بتركيز وعلى وجهه ابتسامة مميزة ;لا تنكر أنها ابتسامة جذابة ولكنها شعرت بالقلق من نظراته العميقة، فتركت نظرات زائغة بينه وبين جهاد ثم خرجت فى الحال ..

اقتربت منه جهاد ولكمته في كتفه بعنف :
_ماتتلم بقى ! حتى الممرضين مش عاتقهم؟

_مستشفى خاصة ومليانة نسوان نضيفة كلها، مش نطلع منها بملاك رحمة صغير حتى؟

_انت مش لسة قايل لي هتخطب وهتعقل خلاص؟

_مقولتش هعقل دي، انتِ اللى جبتيها من دماغك

دفعته من ذراعه بغضب :
_طب امشي قدامي .. امشي!
.
.
وصلا إلى صالة الاستقبال ووقفا أمام موظفة الاستقبال التى يفصل بينها وبينهما مكتب خشبي كبير .. وسألت جهاد بهدوء :

_لو سمحتي انا جيت امبارح بالليل، اسمي جهاد نصر، وعايزة اعرف تكلفة المستشفى يعني عشان ماشية دلوقتي

أومأت الموظفة بابتسامة صغيرة :
_تمام ثواني

نظرت الفتاة في شاشة الحاسوب الذي يقبع أمامها لترى الإسم، في حين مال مروان على أذن أخته ليهامسها :

_شكلهم هينفخوكي فى الفلوس، انا مش هدفع حاجة على فكرة ماليش دعوة

وكزته في ذراعه بقوة ليصمت، ثم انتبهت للموظفة عندما قالت :
_حضرتك حسابك مدفوع من امبارح أصلا

رددت بدهشة :
_مدفوع؟! ، كلّه؟!

أكدت الموظفة بهدوء :
_اه كله

أدارت رأسها لتنظر لمروان وتتبادل معه النظر، فرأته يمط شفتيه بلامبالاة بمعنى أنّه كان يتوقع ذلك ..

*
*
*

كان قد أتى المساء وتوجهت سحر بتردد إلى غرفة زياد التى اجتمع بها مع أخيه، بعدما سمعت أصواتهما تعلو بحدة غير معتادة ..
احتارت أن تطرق الباب وتطمئن أم تتراجع لشعورها بأنها لا يحق لها السؤال ..
وقبل أن تتخذ أي فعل كان الباب يُفتح بعنف ليخرج منه فخر بوجه يسيطر عليه العصبية، حتى أنه لم ينظر إليها ولو نظرة عابرة حتى، بل مرّ من جانبها بخطوات منفعلة سريعة وأخذ الدرج وغادر بغضب واضح ..

تحققت شكوكها الآن .. بالتأكيد حدث بينهما شيء!

توجهت إلى الغرفة بخطوات مترددة فوجدت زياد يجلس على طرف السرير بوجه متجهم بوضوح، صمتت قليلًا ثم تساءلت ببعض التوتر :

_هو حصل حاجة يابني؟
.
.
خرج فخر من المنزل إلى ساحة الڤيلا تحديدًا نحو سيارته وركبها استعدادًا للخروج ..
كان على وشك تدوير السيارة ولكنّه توقف فجأة عندما لاحظ شيئًا غريبًا يلطخ زجاج السيارة ..
حقًا هذه الحركة كافية لتجعله ينفجر .. الزجاج تحديدًا إن اتسخ يجن جنونه ..

نفخ بقوة وترجل من السيارة ليستكشف هذه البقعة السائلة المستفزة، لمس تلك المادة بـطرف سبابته واشتمها محاولًا معرفة ماهيتها ولكنه لم يعرف .. لم يعبأ وأخرج منديلًا ورقيًا من جيبه ومسح إصبعه ثم بدأ بمسح الزجاج وهو يتمتم بعدة همهمات متذمرة ..

مهلًا ما الذي يحدث؟ ، لمَ بدأت الرؤية تتشوش هكذا !
أغمض عينيه واعتصر جفنيه بقوة ثم فتحهما ولكن لم يشهد تحسُّنًا بل ازداد الأمر وعصف به دوار مؤلم جعله يفقد توازنه ..

أعاد الكرّة أكثر من مرة ;يغلق عينيه بقوة ثم يفتحهما ولكن لا شيء سوى ازدياد الأمر سوءًا ..

حاول المقاومة ولكن جسده كان له رأي آخر وقرر الاستسلام، وهوى أرضًا بعنف مستكينًا تمامًا دون حركة أخرى ...

*
*
*
بعد وقت طويل ..

هبط زياد فوق الدرج استعدادًا للخروج، واتجه صوب الباب وخرج، ووجهه لايزال يبدو عليه الضيق مما حدث مع أخيه منذ قليل ..
سار إلى البوابة وقبل أن يخرج وقع بصره على سيارة فخر التى لم تتحرك من موضعها، غلبه التساؤل قليلًا ;فهذه ليست عادته أن يخرج دون سيارته .. ولكنه لم يهتم ;لربما ذهب ليتمشّى حول المنزل أو ما شابه .. وتابع طريقه إلى الخارج .........

*
*
*

التقط فخر نفسًا عميقًا وهو يفيق للواقع ويرفع رأسه، حيث كان جالسًا على الأرضية مستندًا على عمود رفيع بعض الشيء ..
ظهر التعجب على وجهه عندما حاول التحرك وعجز عن ذلك ؛ليكتشف أن يديه مقيدة بإحكام مع العمود ..

رفع رأسه ليستكشف المكان من حوله، ولم يأخذ وقتًا للتعرف عليه ؛فهذا مرآب السيارات الخاص بالڤيلا ..
سرعان ما ظهر الملل والاستنكار على وجهه وهمهم باستهزاء :

_بتتكلموا بجد؟

حرّك يديه بعنف محاولًا فك هذه الحبال ولكنها مربوطة بقوة، فتوقف عن المحاولة ونفخ بضجر، وبداخله يلعن فضوله الذي جعله يحاول معرفة ماهية تلك المادة ;التى اتضح أنها ليست سوى مخدر يفقده وعيه لبعض الوقت حتى تنجح تلك الخبيثة في حبسه هنا ..

نظر تجاه الباب عندما فُتح فجأة لتدخل منه بسمة ..
بئسًا، ليتنا ذكرنا شيئًا أفضل!

طالعها بلامبالاة وهتف بمنتهى البرود :

_غطّيتي على نور الشارع كلّه بـ سواد قلبك ياملكة الجراثيم والفطريات!

حدجته باستخفاف واتجهت صوبه بخطوات متمهلة واثقة، إلى أن وصلت له وانخفضت على ركبتيها بجواره مباشرة لتنظر له عن قرب، وخاطبته بسخرية :

_قولتلك انا أسوأ مما تتخيل مصدقتنيش

نظر لها بصمت وعدم اهتمام لبضع ثوانِ، ثم سألها بضحكة عريضة مستهزئة :

_ضمنتي منين إن الطريقة دي هتنفع ياسوسة ؟

أجابته بسخرية :
_عشان عارفة إنك بتخاف على عربيتك من الهوا الطاير وأكيد هتحاول تعرف ايه اللى واقع عليها

_ما كان ممكن أمسح البتاع ده من غير ما اشمّه

ردت بثقة :
_كنت هشوف لك مية طريقة تانية عادي، انا مبغلبش

اعتلته ابتسامة جانبية غريبة وأطال النظر لوجهها الملئ بالخدوش والجروح بفضل ناهد، ثم سألها شامتًا :

_ألّا ايه اللى عمل فى وشك كدا؟

أزاحت وجهه بخفة فجعلته ينظر أمامه، مجيبة باستصغار :
_هعمله فى وشك انت كمان متستعجلش

بينما ضحك فخر لوقت قصير، ثم عاد ينظر لها عندما أردفت :
_اختصر عليك؟ .. انت مش هتطلع من هنا إلا لما تترجّاني اطلّعك يافخر

ارتاح فخر بجلسته ؛تعبيرًا عن ترحيبه بالجلوس هنا، وأجاب دون أي اكتراث :

_ادينا قاعدين

راقب ظهور التهكم على وجهها، فأردف هو ببرود وغرور واضح بين خفايا نبرته :

_دي حاجة مستحيل تحصل زي ما مستحيل تنضفي كدا

رددت بحنق وتهكم :
_انت بجد لسة رافع مناخيرك حتى وانت مربوط وعارف إنك خايف منّي؟

ارتكزت نظراته عليها بصمت مطول، ظل ثابتًا دون أن يحرك ساكنًا وكأنه تم تحنيطه .. ومن ثم باغتها باقترابه منها بحركة مفاجئة، وكأنه سيهجم عليها .. ففزعت وتراجعت للخلف بعفوية ;حتى مع علمها أنه مقيد ولن يفعل شيئًا .. فيما ضحك هو باستهزاء، وقد تحقق مبتغاه وبرهن لها أن الخائف الوحيد هي وليس هو .. ودون أن ينطق بحرف واحد!

أشاح بوجهه لينظر أمامه وينبس بهدوء شديد :

_في حاجة اسمها دفاع وهجوم يابسمة .. انتِ بدأتي فى العنصر التاني بس انا لسّة .. اوعدك لما ادخل فيها هتوصّى بيكِ كويس وانتِ اللى هتترجّيني ساعتها اطلّعك من دماغي ....

*
*
*
انتهى الطبيب من إجراء الفحوصات بعدما ذهب له زياد للمتابعة .. جلس الطبيب على الكرسي المقابل له أمام المكتب وسأله قائلًا :

_انت عملت حاجة غلط، مش كدا؟

_ضربت اخويا من شوية

نطق ردّه بوجه عابس، فغلب الملل على وجه الطبيب وقال :

_انا بتكلم على التعليمات اللى قولتلك اعملها عشان العملية يازياد، انا مالي بمشاكلك العائلية؟

نظر له زياد باستيعاب ثم أجابه بترقب :
_عملت كباية شاي بلبن صغيرة قبل ما آجيلك

تغير وجه الطبيب إلى الغضب وقال :
_زياد احنا مش اتفقنا على اللى ينفع واللى مينفعش؟!

_والله حطيت شاي قليل وخلّيت اللبن كتير

_بس انا مقولتش قليل، انا قولت ممنوع !

نفخ زياد بسخط، فأردف الطبيب :
_انا مش طالب منك غير تلت شهور تسمع كلامي، مش بقول لك هتفضل كدا للأبد .. خلّي عندك مسؤولية شوية لو سمحت بقى

وافق زياد على مضض :
_حاضر ..

ثم تساءل بعدم اهتمام :
_بس اللى شربته ده عادي ولّا هموت ولّا ايه؟

_لا بعد الشر مش للدرجة دي، بس متكررهاش بعد اذنك

تنهد بملل مجيبًا :
_طيب ..

ثم نهض مردفًا :
_انا همشي، شكرا لمجهودك

تحرك صوب الباب بضع خطوات، ثم توقف على صوت الطبيب يقول :
_و صالح اخوك ..

أدار جذعه للخلف لينظر له، بينما أضاف الطبيب :

_خوفه عليك يوم العملية لوحده يثبت لك إنه بيحبك، بلاش تزعّله، انا معرفش ايه اللى حصل بينكوا بس انا متأكد إن مفيش حاجة تستاهل تتخاصموا عشانها ..

ابتسم زياد بإحباط واكتفى بإيماءة خفيفة قبل أن يلتفت للباب ويغادر ......

*
*
*

أظلم المكان بعدما أطفأت بسمة النور الضعيف الذي يخص المكان وتركته يمكث في الظلام، ساعدت فتحة التهوية الصغيرة التى تقبع أعلى الجدار في إدخال بعض الضوء الأبيض الخافت ;لم يكن كافيًا بالطبع لإنارة المكان بأكمله أو الرؤية بوضوح ولكنها أفضل من اللاشيء ..
يعمّه سكون مزعج يساعد في ارتفاع أصوات أفكاره بداخل عقله ..

لاينفك يتذكر كل ما مر به في خلال يومين فقط .. الأول انهيار جهاد والثاني انهياره هو بسبب كلمات والده، ولكن الفرق أنه لم يفصح عنه مثلها، بل يقصد إخفاءه وحتى إنكاره أحيانًا .. يتقن البرود و اللامبالاة ببراعة ولكن داخله بالفعل مهشّم ..
كما أن الأمور ازدادت حدة بشجاره مع أخيه الذي ولأول مرة يصل الأمر للتطاول بالأيدي .....

.
.
.
_روحت لها !! ، يعني ايه روحت لها دي فهّمني؟ احنا مش كنا قفلنا السيرة دي خلاص وطلّعنا البت دي من حياتنا ؟!

كان زياد قد وقف وسط ساحة الغرفة وهو يصيح بغضب، بعدما قصّ عليه فخر ما حدث سابقًا مع جهاد .. وأردف بعصبية واضحة :

_عجباك قلة القيمة ولا ايه؟! رايح لها برجلك تثبت لها إنك لسة عايزها عشان تتفرد عليك أكتر وتحسّسها إنك تحت أمرها ؟!

وقف فخر ونظر له مجيبًا :
_كانت عيانة وراحت المستشفى يابني آدم! ، انا لو مكنتش موجود كان جرالها حاجة

_ياكش تموت خالص! احنا مالنا؟!

صاح فخر بحنق :
_مالنا يعني ايه؟ انت من امتى قلبك بيجمد على الناس كدا؟

قطب زياد حاجبيه بضيق شديد وهو يقول :

_قلبي بيجمد على اللى قلبهم بيجمد عليّا .. مش بشوف واحدة احتقرتني واعتبرتني لعبة وبردو اروح لها زيّ واحد اهبل وغبي زيّك!

حذّره فخر بحدة قوية :

_اظبط كلامك معايا يازياد!

بينما علا صوت زياد أكثر يقول بغضب وسخرية :

_حارقينك اوي الكلمتين .. إنما لو طلعوا منها عادي هيبقى زي العسل على قلبك

تطلع له بغضب عارم لأول مرة يظهر على شخصية باردة مثل زياد :
_انت واحد تافه ودلدول ومعندكش كرامة أصلا!

حدجه فخر بغضب شديد وسدد له لكمة بوجهه، فنظر له زياد بغضب ولم يلبث حتى رد له الضربة بشكل أقوى وأعنف حتى تركت أثرًا، وهتف بصوت مرتفع :

_بتتشطّر عليا !؟ بتتشطر عليا انا ؟؟

دفعه من صدره بعنف، متابعًا :

_روح اتشطّر على اللى عملت منك اراجوز تتنطط بيه على أصحابها .. ولّا بتيجي عندها وتقلب أرنب !!؟

وضع فخر يده مكان الضربة ليتحسس خيط الدم الرفيع الذي ظهر على جانب شفتيه، وهو يستمع لزياد الذي رمقه بشراسة وواصل بحنق :

_هي عملالك ايه بالظبط؟ متمسك بيها ليه؟! ، شوفت منها ايه عشان تعمل معاها كل ده؟

_حبيتها !!

تخطّى صوت فخر مستوى صوت زياد في ردّه ..
سكت للحظة ثم تابع بصوت أهدأ قليلًا وهو يؤكد كلمته بنبرة حازمة يختفي خلفها عشقه واهتزازه :

_انا حبيتها .. ده كان كافي يخلّينى اتمسك بيها واعمل عشانها أي حاجة

ردد زياد بسخط :
_يلعن حبك ستين مرة لو هيقلّ منك ! فوق لنفسك .. مش احنا اللى حياتنا بتقف على حد ولا احنا اللى بنمسك في حد مش مقدّرنا .. ولّا انت بجد لسة محتاج حد يعرّفك؟؟

اكتفى فخر بهذا القدر وقرر ترك هذا الجو المشتعل والخروج من الغرفة، بل خارج المنزل بأكمله .....

.
.

انتهى من تذكر ماحدث وأطلق زفيرًا متعبًا، حتى أخيه فشل في أن يفهمه ..
لمَ انقلب كل شيء فجأة رأسًا على عَقِب؟ ، هل اتفق عليه الجميع فى آن واحد أم ماذا؟

وجّه بصره صوب فتحة التهوية، تحديدًا إلى النجوم التى تحتضن القمر لترسم لوحة هادئة في السماء ..

النجوم .. تَذكّر على أثرها تلك النجمة الورقية التى تركها بين يدي جميلته وتحفته الفنية ..

بكل خضوع يعترف أنه لن يكفّ عن نعتها بـ "تحفة"، فهي مهما حدث ستظل هكذا .. غالية ومختلفة وغير مسموح لأي أحد بلمسها، هو من اكتشف بهاءها إذًا هو الوحيد المسموح له فقط بالاقتراب منها ..
ممتنٌ كثيرًا لهؤلاء الأغبياء الذين يمرون من حولها مرور الكرام دون أن يلحظوا جمالها، ليصبح هو الفنان صاحب النظرة العميقة الذي اكتشف كم هي مبهرة وخلّابة ..

تاهت عينيه مع جمال السماء وهى مزينة بهذه الأضواء الصغيرة .. لم يشعر بابتسامته الباهتة التى اعتلت محياه حينما أعطاه عقله أملًا بأنها ستأتي .. تحفتُه ستظهر وتطلب منه إعادة الورقة لشكل النجم كما كان، ويقسم حينها أنه سيفعلها دون تردد ..
.

كانت تجلس فى شرفتها تمسك بالورقة بين أناملها وتحدق فيها بكامل شرودها، لاتزال محتفظة بشكلها الذي تركه عليه ولا تريد فتحها ؛خوفًا ألّا تعود كما كانت ..
لو علمت أنه ينتظرها لكانت أفسدتها على الفور وركضت إليه ؛ليقينها بأنه سيلبّي نداءها ويُكوّن لها النجم من جديد ..
تنهدت بأسى شديد، ورفعت عينيها للسماء تدعو بداخلها أن تتحسن الأمور في أقرب وقت ممكن..

أصبح كل شئ مظلمًا .. خشنًا وثقيلًا
وجود كل منهما مع الآخر كان يضفي شعاعًا برّاقًا .. كان يستطيع تهوين أصعب الظروف ..

.

"أتوق لقُربِ طَيفك أيها المهندس"

"افتقدتُ عيناكِ يا أثيرةَ الكحل"
.
رسائل مدفونة لا تتعدّى حاجز قلبيهما ..
وغيرُ معلوم متى سيصارحان بعضهما بها .. أو متى ستخرج إلى النور على الأقل ......

يتبع..

Continue Reading

You'll Also Like

6.8M 349K 73
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
459K 15.5K 35
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
617K 51K 65
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
4.4M 139K 100
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣