تُرَاب أمْشِير (مكتملة)

Da shahdmedhat_

267K 16.4K 2.4K

دائمًا ما نبحَث عن الحُب .. ونادرًا ما نَعثر عليه .. ولَـكـن في أغـلب الأحيان عندما نجدُه نتركُه يَفلِـت من... Altro

اقتباس ومقدمة ✨
** تنويه هام **
1- (عَـائِـلـة تَـلـيـدْ)
2- (العَـمّـة المَـلْعـونة)
3- (أَسـمَـتُـه فَـخْـر)
4- (عُــقْـدة)
5- (لَحظْة انكسَار و ردّ اعتِبار)
6- ( "عُصـفورًا عَاجـزًا" )
7- (ذهـبَ إلى مَـنـزِلـها)
8- (نُـزهَة فى الحىّ الشَعبِي)
9- (الحِـمـارُ المـتهوّر)
10- (أصْـدقَاء رسْـمـيًا)
11- (هو والفَـراشَـة)
12- (تـودّيـنَ التـعَـارُف؟)
ياريت تقروا للآخر ياشباب
13- (عِـيـدُ مِـيـلاد)
14- (مـهندِس فِي ورْطـة)
15- (لَـيـلة في المـخـفر)
16- (رَفـيـقِـي)
17- (الـذكرَى الخَامـسة)
18- (اعْـتـرَاف)
19- (فَــخّ)
20- (المُـتـهم بَـرئ)
21- (وقَـع فى المَحظُـور)
22- (قَـرار مُـفاجِـئ)
23- (المُهندس وأثيرةُ الكُحل)
24- (كُـشـفَ سِـرُّه)
25- (عَـقْـد قُـرآن)
26- (مِـصْباح مؤقّـت)
28- (تُـراب أمْـشير)
29- (ظَـرف وڤِـيديو)
30- (سُـخرِيـة القَـدر)
31- (مَـلهَى لَـيلِي)
32- (رأسًا على عَـقِب)
33- (عَـودَةُ الحَـبِـيـب)
الفصل الرابع والثلاثون (CLASSIC)
35- (كَـسـرت الفَـانوس؟!!)
36- (فِي الخِدمَة يامَـولاتِي)
37- (جوّ عصابات وبتاع)
Guess the couple 🤫
38- (نـجـمـة ودبـلـتـيـن)
39- (عـ الـقَـهـوَة)
40- (رَبِـحَـتْ الـبُـومَـة)
41- (تُــحْــفَــة)
الفصل الثاني والأربعون (game over)
43- (نَـسَـمَات بَـرمُـودَة)
44- (لـنخطّ سُـطُـورنا معًا)
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الأولى•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثانية•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثالثة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الرابعة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الخامسة•
∆ هَل تـنـتـظرينَ قُـبـلـة؟؟ ∆
بـدأنـا رحـلـة جـديـدة 💙

27- (عَـتْـمَـة)

3.9K 313 47
Da shahdmedhat_

متنسوش الڤوت فضلاً♥️
.

.

.

صباح يوم جديد ..

وقفت عزة بصحبة الأطفال في الروضة وهى تركز على التأكد من حفظهم للحروف العربية والكلمات التى تعلّموها، فصارت تسأل كل واحد منهم سؤالًا بسيطًا ;كـ أن يخبرها بكلمة تبدأ بحرف معين أو يتهجّى تلك الكلمة ..

بعد انتهاءها من أسئلتها وقفت عند مقدمة الفصل وهى تهتف بضحكة فخورة :
_انا مبسوطة منكوا كلكوا اوي النهاردة .. المرة الجاية هناخد كلمات جديدة وهنسمّع شوية من القديم بردو عشان يثبت فى دماغنا

تطفّل عليهم صوت رجولي أتاهم من نافذة الفصل :

_يا مِس انا متسألتش زيهم!

نظرت عزة إليه واتسعت عينيها باندهاش، بينما ابتسم مروان ابتسامته الباردة المعتادة وأسند ذراعيه على الشباك وخاطب الأطفال قائلًا :

_بتفهموا حاجة من المس دي ياولاد؟؟ أصل انا عايز آخُد عندها درس نحو ومتردد

اعتلاها الغيظ وخرجت من الفصل بانفعال، بينما ابتعد هو عن النافذة واقترب منها عندما خرجت ووقفت أمامه تهتف بغضب :

_انت بتعمل ايه هنا ؟!

رد مبتسمًا :
_جاي اسلّم عليكي يازوزو

فردت هى بحنق وعبوس :
_اوعى تقول لي إن طنط مستنية نتقابل تاني

_لا لا امي عدت المرحلة دي خلاص، امي مستنية خطوبتنا دلوقتي

رفعت حاجبيها بدهشة ثم نطقت بغضب :
_هو انت داخل حياتي تقرفني انت وأمك؟!

_والله باين

صكّت على أسنانها بغيظ :
_مروان متعصبنيش .. انا مش هفضل عايشة التمثيلية دي كتير

رد بلامبالاة :
_اديكي بتتسلّي

_لا معلش انا زهقت مش عايزة اتسلّى تاني

نطق بملل :
_بقول لك ايه متصدعناش، هى مقابلتين تاني كدا وهقول لها إننا مش هنكمل ونقفل الحوار

_ولازمتهم ايه المقابلتين دول؟

أجابها بعدم اكتراث :
_اكون جهّزت نفسي لـ زنّ امي على عروسة جديدة، عشان انا ماليش خُلق دلوقتي

صدح صوت رنين هاتفه المحمول يقاطع حوارهما، فأخرجه من جيبه وأجاب :
_ايوة ياجهاد ..

ارتفع حاجبي عزة باستنكار، قبل أن يعم الصمت ليستمع لها عبر الهاتف ثم يختم المكالمة بـ :

_خلاص ماشي هجيلك ... سلام

أغلق مكالمته القصيرة وأعاد الهاتف بجيبه، ثم التفت لعزة التى صاحت بسخط :

_طب ما كنت كلمت جهاد ياخويا تيجي تعمل خطيبتك، على الأقل هتموت عليك اهو وكانت هتعمل الدور حلو

ضحك مروان بشدة، ولم يرغب بمصارحتها بأنها أخته .. لا يعلم لماذا ولكنه استشف الغيرة من نبرتها وأعجبه الأمر

قبل أن يتوجّه بالرد عليها كانت قد تركته وعادت لفصلها بعدما نطقت بحنق :

_امشي يامروان بدل ما افضحك واقول إنك عايز تخطف عيّل من العيال ! ..

*
*
*
بمقر العمل الجديد الذى انضم له فخر مؤخرًا ..
كان يجلس على المكتب المخصص له، يتجوّل بقلمه بين ساحة الورقة البيضاء ليملأها ببعض الرسوم الهندسية، ويده الأخرى يستند عليها بذقنه .. عينيه منصبة باهتمام لما يفعل .. بدا عليه الإرهاق معلنًا عن هروب النوم عن عينيه طوال الليلة الماضية ..

انتبه لزميله يجلس على طرف المكتب أمامه وهو يمد له شطيرة ويقول :
_صبّح ياعم

رفع فخر عينيه لينظر له بابتسامة صغيرة :
_متشكر ياطارق انا فطرت فى البيت

_ياعم ده سندوتش صغير، شاركنا وخلاص

_تسلم مش جعان والله، بالهنا والشفا انتوا

أبعد يده بالشطيرة قليلًا وتساءل بتعجب :
_انت منمتش كويس ولا ايه؟

تطلع له فخر متسائلًا :
_عرفت منين؟

_وشك باين عليه

ضحك فخر ضحكة جانبية محبطة وهو يقول :
_هو واضح اوي؟

ضحك طارق بخفة :
_يعني مش اوي

ثم استطرد قائلًا :
_لو عندك أرق انا اعرف منوّم حلو هيساعدك

رد فخر بعدم اهتمام :
_لا مش لازم انا تمام

عاد طارق يمد له الشطيرة :
_كُل السندوتش يسندك بقى

أجابه ضاحكًا :
_يابني والله ما جعان

نهض طارق وهو يقول :
_خلاص هجيب لك خربوش شاي يفوّقك ..

ضحك له فخر بهدوء، ثم عاد ينظر لورقته ليستكمل ما كان يفعله .....

*
*
*

_انتِ ازاي يطلع منك كلام زي ده !!

صاح مروان بغضب فى وجه جهاد وهو يقف أمامها وسط ساحة شقتها ..

اقتربت منه جهاد خطوتين وهى تقول باكية :
_مكانش قصدي .. والله ما اعرف ازاي اتكلمت كدا، انا بس خوفت يكون فاكرني مهتمة بيه، مكنتش عايزاه يتعشم فيا

رد باستنكار :
_والله؟ ، يعني انتِ عشان متخلّيهوش يتعشم فيكِ دبّيتي فى وشه كلمتين زبالة وبكل بساطة بتقوليله انت فايدتك بس كانت إني اتمنظر بيك قدام اصحابي! ، ده تمام عندك صح؟

ردت بقلة حيلة والدموع تنسال من بين جفنيها :
_مقصدتش كدا، والله ما قصدت كدا .. انت عارفني غبية ومبفكرش فى الكلام اللى بقوله، بس ...

منعها عن مواصلة عبارتها بعبارة حادة :
_انتِ محتاجة دكتور ياجهاد !

ثم زجرها بنبرة غليظة لأول مرة تسمعها منه :

_ انتِ مش عارفة تعالجي عقدة النقص اللى اتزرعت فيكِ من يوم ما عرفتي غلطة ابوكي وامك، لحد ما كبّرتيها معاكِ وبقيتي تجُرّي فيها ناس مالهاش ذنب ..

استطرد بضيق شديد :
_طول الوقت حاسة بالعار وحاسة إنك صغيرة وقليلة كأنك انتِ اللى غلطتي .. وانا طول عمري بحاول اخلّيكي متتأثريش بالعقدة دي وكل اللى بتطلبيه بعملُه وبجيبُه لحد عندك، حتى وانا عارف إنك مش محتاجة الحاجة دي فعلًا، انتِ بس عايزاها عشان تعَلّي على اصحابك وتحسّي إنك أحسن منهم .. وانا مبعلّقش وبسكت وبقول معلش يمكن ده اللى هيخلّيها تثق فى نفسها ومتحسش إنها أقل من حد ..

أردف بإحباط يتخلله اللوم والندم على موافقته لأفعالها منذ البداية :

_دي غلطتي، أنا كان المفروض احاول أعالجك مش ارضي عقدتك وامشي وراكي .. كنت فاكر إني بالطريقة دي بساعدك بس طلعت بربّي فيكي أنانية وقلة تمييز ، معرفتيش تفرّقي بين الناس اللى بتحس وبين الجزم والشنط والهدوم اللى بترميها بعد ما تتنططي بيها شوية ..

لم تتوقف العبرات عن التتابع فوق وجنتيها، حتى نطق مروان بآخر ما عنده :

_ بس انا ماليش دعوة بيكِ تاني ياجهاد .. خلصت كدا خلاص .. انا برا الليلة كلها خالص .. شيلي مشاكلك لوحدك !

نطق جملته الأخيرة بصوت جهوري أفزعها، قبل أن يتحرك إلى الباب ويغادر، غير مباليًا ببكاءها الذى تضاعف بعد رحيله وظلت غارقة به لوقت لم تعلمه ...

*
*
*

دلف فخر من باب المنزل وهو يضع المفاتيح بجيبه، تسارعت معالم الملل بالسيطرة على وجهه بعدما رأى العائلة تجتمع حول طاولة السفرة لتناول الطعام ..

حاول الهرب منهم والسير بخفة إلى الدرج للاختفاء بغرفته، ولكن لم تسنح له الفرصة ووقف على صوت عمته المرتفع :

_الناس بتقول سلامُ عليكم ولّا مساء الخير وهي داخلة

قلب عينيه من حوله بملل ونطق دون أن يلتفت لها :
_سلام عليكم ومساء الخير ياعمتي

ثم همّ بمواصلة طريقه ولكنه توقف مجددًا عندما صاحت بسخط :

_تعالى اقعد معانا ولّا احنا مش قد المقام ياروح عمتك!

نظر للأعلى ونفخ بمنتهى الاختناق ثم استدار وتوجّه إليهم حتى يتجنب أي جدال ..

كان عامر يجلس عند المقدمة، يجاوره عن اليمين بسمة وبجانبها مريم، وعن اليسار ناهد وبجوارها ياسمين، ومن ثم بجانب ياسمين يجلس زياد ;الذى أسند ظهره للخلف وترك الطعام وانشغل بمشروب الشاي بالحليب فقط ..

تقدم فخر وجلس بجانب اخته وهو يتمتم مع نفسه :
_يارب نخلص

لم ينظر تجاه أحد وظلّ مصوبًا أنظاره على الطاولة والأطباق .. يريد فقط أن يبقى صامتًا حتى تنقضي بضع دقائق وينسحب من بينهم، ولكن ناهد كان لها رأي آخر ولم تتركه وشأنه :

_كنت فين ياحبيبي؟

رد باقتضاب دون أن ينظر لها :
_فى الشغل

_اه ما انا عارفة بس شغلك بيخلص الساعة ٣، ايه اللى أخّرك لحد ٥؟

نظر لها بجانب عينيه بنظرات شرسة عبّرت بوضوح عن عدم تحمُّل أي كلمة من أحد ، و رد بصوت حاد :

_انا في تحقيق هنا؟؟

نظر عامر لاخته بطرف أعينه بلامبالاة والتزم الصمت ..
في حين تبادلت ياسمين نظراتها الغير راضية مع زياد وكأنها تطلب مساعدته في التحدث بأي شئ ليقاطع أمها ويوقفها قبل ان تزيد الأمر حدة، بينما غمز لها زياد وهز رأسه بثقة إشارة لها بأن تصمت وتشاهد الشجار الذى ينتظر حدوثه ..

ردت ناهد قائلة :
_ولا تحقيق ولا حاجة ياحبيبي احنا بنتطمن عليك ..

ثم تابعت بغطرسة :
_وبعدين انت عارف إن انا جاية لكوا على الغدا، مش قادر تيجي بدري شوية وتستقبلني ولّا مشاويرك أهم من عمتك!؟

عجبًا ! تلك المرأة تريد الجميع أن يتأهبوا لوجودها كالوزير الذى يجب على الجميع الوقوف حوله بثبات والقيام بالتحية العسكرية له ..

تسارع الغضب في السيطرة عليه، فلم يشعر بنفسه وهو يضرب يده على الطاولة بعنف ليمسك بالسكين الصغير الخاص بالطعام، فأسرعت مريم بإمساك معصمه قبل أن يرفع يده ويظهر السكين أمام الجميع، وكأنها كانت متوقعة هذا، وهمست له :

_اعصابك اعصابك، فكك منها

بينما كان يراقب زياد هذا الموقف وعينيه تلمعان بحماس، يترقب أن ينفعل أخوه ويقوم بالتهور على الجميع فى أي لحظة ..

زفرت بسمة بنفاد صبر من ثرثرة ناهد وتحدثت :
_ماتاكلي ياناهد وبلاش نتكلم على الأكل

التفتت ناهد لبسمة وصاحت بكل سخط :
_ما ناقص تربية الشوارع هى اللى تقول نسكت ونتكلم امتى كمان!

نبست بسمة بنبرة مهددة :
_متعديش حدودك ياناهد ومتنسيش إنك فى بيتي

_يابت ماتبطلي البجاحة اللى انتِ فيها دي! ، بيتك ايه يا ام بيت؟ انتِ عشان قعدتي فيه شوية خلاص بقيتي تبعنا ولا ايه؟؟

صاح عامر بغضب :
_ناهد! ، خفّي بقى !

صاحت ناهد باستحقار :
_انت بتكلمني انا وسايب فردة الشبشب دي؟؟

وقفت بسمة فجأة بانفعال :
_لا انتِ زودتيها على الآخر!

فلم تلبث ناهد حتى نهضت هى الأخرى وقالت بتحدٍ :
_ايه بقى هتعملي ايه بسلامتك كدا؟؟

_لا انا ممكن اعمل كتير اوي لعلمك .. انتِ ايه؟ مالكيش كبير ولّا ايه؟

وقفت ياسمين لتحاول تهدئة أمها، تزامنًا مع وقوف عامر و مريم لجعل بسمة تتراجع .. في حين بقَى الشابان يتابعان الموقف بهدوء تام ;فخر يراقب بمنتهى الملل وعدم الاكتراث وهو يأكل قطعة من الخيار، بينما تعلو الضحكة وجه زياد وهو يطالعهم باستمتاع أثناء احتساء مشروبه المفضل، وتمتم ببرود :

_عيلة بنت كلب بس بتضحّك

*
*
*

احتوت البطانية جسد جهاد أسفلها لتخفيه حتى ذقنها .. لم يظهر منها سوى عينيها التى تورّمت من فرط البكاء، والتى لم تكتفِ بعد, بل واصلت ذرف الدموع كفيض لا يمكن إيقافه ..

تكاثرت العبرات بشكل خانق حتى شعرت بأنفاسها تُسلب منها، فاعتدلت وهى تبعد الفراش لتسمح بمجال أكبر للهواء وتُسهل دخوله لرئتيها، وجلست تستند بظهرها على مقدمة السرير ..

ارتفعت شهقاتها اللاإرادية، وكلما مسحت وجنتيها من الدموع تعوّضها عينيها أضعافًا، وكأنها تعاندها وتتحداها ..

توزعت أنظارها من حولها بِتيه واضطراب، حتى استقرت على الكومود، تحديدًا على ورقته !

ورقته المميزة التى لاتزال محتفظة بشكل النجمة المعهود، ولم تفتحها منذ شَكّلها لها ..

مدت يدها بتمهل والتقطتها بأناملها .. ظلت تحدق فيها لوقت طويل حتى تشوّشت الرؤية تمامًا بسبب تراكم العبرات بداخل حدقتيها ..

انسدلت إحدى دموعها على الورقة وهى تفحصها بين يديها بحيرة .. تودّ أن تفتحها لتقرأ تلك الكلمات اللطيفة التى كتبها لها ;لقد حفظتها عن ظهر قلب على أى حال ولكن رؤية الكلمات والتطلع لخطه المنظم يلمسها بشكل آخر ..

ولكنها خائفة ..

خائفة ألّا تستطيع اللجوء إليه لتطلب منه إعادتها لشكل النجمة كما كان ..
وتظّل الورقة منبسطة إلى الأبد ...

*
*
*
فى المساء ..
.
جلست ياسمين فوق سريرها وهى تتحدث بالهاتف والابتسامة لم تفارق وجهها طوال المكالمة ..

_خلاص طالما خرجت مع اصحابك النهاردة ننزل احنا بكرة مش مشكلة
بادرت ياسمين باقتراحها، فعارضها زياد قائلًا :

_لا لا انا ساعتين وهطير منهم وهعدّي عليكي، على ١١ كدا اجهزي

ردت باستنكار :
_ هننزل الساعة ١١ يازيزو؟؟ اومال هنرجع امتى؟

_مش خلاص متجوزين؟ نرجع الفجر بقى براحتنا عادي محدش لُه عندنا حاجة

غلبتها ضحكة خجولة وصمتت قليلًا، ثم هتفت :
_بس ماما ممكن مترضاش

أجابها بسخط :
_ياسمين بطّلي غباوة، انا اللى كلمتي بتمشي دلوقتي مش أمك .. ولو قالتلك نص كلمة حطّي صباعك فى عنيها

ضحكت ثم تساءلت :
_طب هنروح فين؟

_مش عارف، تروحي سينما؟

_يااه .. انا بقالي تقريبًا خمس سنين معدتش من قدام سينما

ردد بدهشة :
_خمس سنين!؟ ليه خمس سنين ؟!

_ماما مالهاش في الأفلام، وانت عارف .. مكنتش بخرج إلا معاها

_خلاص يبقى نروح النهاردة فى حفلة ١٢ ، هخلّص مع العيال دي وهرنّ عليكي ........

*
*
*
بنفس المكان المعتاد المفضل للشباب للتجمع سويًا .. ذلك المركب المتوقف على ضفاف النيل الذى يستأجرونه لهم هم فقط ؛لقضاء الوقت معًا آخر الليل ..

تنوّعت المواضيع واختلفت الأحاديث ولم يشارك فخر في أيٍ منها ولو بكلمة .. فقط يكتفي بالاستماع، وإن نظر له أحد يبتسم له فقط ويهز رأسه بانتباه، رغم عدم تركيزه أصلًا في حرف واحد من كل ما يتفوهون به ..

عقله ضائع في عالم آخر، أصبح الشرود روتينه الجديد ويلازمه دون شعور منه .. لم ينتشله من بحر أفكاره إلا صوت حازم يناديه فالتفت له، ليردف حازم :

_مالك متغير النهاردة كدا ليه؟

استعد للنهوض وهو يقول :
_دماغي وجعاني منمتش كويس، انا همشي النهاردة كمّلوا انتوا

ليحتج عز قائلًا :
_احنا ملحقناش نقعد

أجابه مغادرًا :
_معلش ياعز تتعوّض

ثم ترك المكان واختفى فى طريقه سريعًا، قبل أن ينظر عز لزياد ويقول :

_ فى ايه ماله؟

زفر زياد بحنق :
_جهاد ..

تساءل حازم :
_مالها؟

فرّق نظراته بين الاثنين بحيرة، ثم قال :
_هحكيلكوا بس تعرفوا وتسكتوا خالص .. متتكلموش فى الحوار مع حد وخصوصًا معاه ، هو عمومًا مش محتاج كلام المواساة ده عشان مالوش لازمة كدا كدا

ازداد التعجب عليهما أكثر وهتف حازم :

_مواساة ايه؟ هو ايه اللى حصل بالظبط؟

*
*
*
كان فخر قد ركن سيارته بالجوار وقرر التمشية وحده قليلًا إلى أن يصيبه الملل ثم يعود إليها ..

يسير فى الطرقات بلا هدف، خصلات شعره البنية لم تستطع الثبات باتجاه محدد بسبب نسمات الهواء التى تبعثرها، يضع يديه في جيوبه و خطواته بطيئة تسمح له بالتطلع إلى كل شئ حوله ..

كالشريد الذى فقد وجهته، لا يعلم إلى أين يتجه ولكنّه لا يهتم ;فقط يسعى لإشغال نفسه برؤية الناس والسيارات والسماء والنجوم .. أي محاولة فاشلة لطرد التفكير من رأسه ولو دقائق ..

يحاول إجبار عقله على عدم التفكير بها والرجوع لحياته السابقة كما لو لم تظهر في حياته من الأساس .. هى لم تفكر به أبدا فـلمَ يضعها محل الاهتمام!

هذا ما اعتقده هو، ولكنها فعليًا لم تكن كذلك قط، بل استحوذت جميع تفاصيله على تفكيرها ولم تفارق ذهنها ..
.

لقد قضت وقت طويل جدًا فى الحيرة والتردد، تمسك بالهاتف وتحدق بإسمه .. كلما اقترب اصبعها من زر الاتصال تتراجع فجأة وتعيد النظر ..
تخشى مواجهته و رد فعله عندما يرى اسمها على الشاشة ..
لا تعلم ما الذى يجب قوله وما الكلمات التى يمكنها أن تُحدث فرقًا ..

ماذا إن لم يُجب؟ وهذا الاحتمال ال "شبه أكيد" بالطبع، ولكن ماذا أيضًا إن أجاب لينهرها بكلمات غاضبة لا تريد سماعها؟ ، لقد اعتادت على هدوءه ورزانته وكلامه المعسول وابتسامته المميزة الجذابة التى تعلوه عندما يراها ..
لا تريد أن يتغير هذا .. لا تريد أن تتحول ابتسامة الحب إلى التجهم والمقت!

شعرت باليأس وأرهقها التفكير فلم تملك أدنى سلاح سوى البكاء ..
البكاء والبكاء دون توقف، حتى يتكرّم أحد ما وينتشلها من بئر حزنها يومًا .....

*
*
*

خرجت مريم من البوابة الكبيرة الخاصة بالڤيلا وهى تنظر بهاتفها المحمول .. أخذت العديد من الخطوات بعيدًا عن المنزل، إلى أن شهقت فجأة بفزع عندما قبضت يد قوية على ذراعها لتوقفها عن المشى، والتفتت له سريعًا ليتبدل التفاجؤ إلى الغضب عندما رأت وجهه وسحبت ذراعها بعنف وصاحت بحدة :

_انت بايع بقى مش كدا؟

ابتسم إياد ببرود وقال :
_انا سِبتك تهدي شوية حلوين اهو عشان نعرف نتكلم

_هو انا بتكلم صيني ولّا ايه؟ , انا كلامي كان مباشر وقولت لأ واضحة

تابعت بغضب شديد :
_"لأ" مش معناها حاول تاني ولا معناها ادّيني وقتي .. لأ معناها لأ !

رد بإصرار وصوت خشن :
_وانا مش هسيبك يامريم !

هتفت ساخرة :
_لا متفتكرش لما تقول كدا هشوفك متمسك بيا وبتحبني وهدوب قدامك! .. انا قولتلك خلصت ، خلصت يعني انتهت .. محتاج توضيح تاني ولّا فهمت خلاص؟

أنهت كلماتها وهى تستعد للمغادرة والابتعاد عنه ولكنه منعها بقبضته التى أمسكت ذراعها بعنف ليجذبها إليه ويجعلها تنظر بعينيه القاتمة وهو يردد بنبرة صارمة :

_مريم انتِ ليّا ومهما عملتي مش هسيبك، احنا هنتجوز سواء بمزاجك أو لأ

بدا الاندهاش على وجهها وحاولت إخفاء اضطرابها من كلماته الواعدة ونبرته الخشنة، وصاحت بقوة مزيفة وهى تحاول فكّ ساعدها من يده :

_انت اتهبلت ولّا ايه! انت فاكر نفسك تقدر تجبرني على حاجة ؟!

أومأ واثقًا :
_اه يامريم .. عشان لو محصلش انا ممكن اعمل حاجات كتير مش هتعجبك

وتابع بكل حقارة ووضاعة :
_أبسطها مثلًا إني انزّل لك صور بلبس مش تمام واقول إن انتِ اللي باعتهالي .. أو ريكوردات بصوتك وانتِ بتعرضي نفسك عليا بمنتهى الرُخص عادي .. وانتِ عارفة إن ده مش صعب وال AI (الذكاء الاصطناعي) يقدر يعمل أي حاجة

تابع ضاحكًا باستفزاز :
_وتتشهري ياروحي وتبقي حديث الساعة

جحظت عينيها بصدمة شديدة وشعرت بلسانها توقف عن العمل، لم يمر على بالها أبدًا أنه يتمتع بكل هذا الانحطاط والانحدار !

بينما أضاف هو ببرود وتبجّح :
_لا والسيناريو الأجمد بقى إن ابوكي هيصدق بمنتهى السهولة وهيعمل فيكِ العجَب .. وانا وانتِ عارفينُه كويس، يصدق أي حد وميصدقكيش انتِ

تضاعفت الصدمة عليها أكثر، ولأول مرة تشعر بكل هذا الندم لدرجة أنها ودت لو قطعت لسانها فى الحال لتنتقم منه بعد تحدثه مع ذلك الوضيع بشأن طباع والدها ..
هاهو يستغل الأمر لصالحه الآن لعلمه أن عامر لم يكن يساندها يومًا ولن يفعل، وبالفعل سيكذّبها ويصدّقه ..

ولن ننسى بالطبع أن ضعفها كان عامل مساعد بجدارة، فقد كان يعلم تمامًا أنها بمجرد أن تسمع منه تلك الكلمات ستنكمش وتخضع له ولن تخبر أحد لخوفها من تنفيذ تهديده ..

تشجع أكثر على متابعة حديثه عندما رأى تشتتها، وقال :

_قدامك اسبوع تحاولي تقنعي ابوكي تاني .. لو فِضل مصمم على رأيه يبقى هنتجوز فى السر زي ما قولتلك قبل كدا .. اشطا؟

ترك ذراعها بعنف وهو يرمقها بحدة وعدم اكتراث، ثم تحرك وغادر تاركًا إياها واقفة كالصنم تتطلع من حولها بصدمة قوية، وعينيها تصارع للسيطرة على الدموع قبل أن تنفجر ......

*
*
*

تخطت الساعة الثانية عشر، وقد استقر الثنائي "زيزو والفراشة" بصالة السينما الواسعة، تحديدًا فى المنتصف .. ولم تكن الصالة مليئة بالناس بل كانت أغلب المقاعد فارغة ...
لم يكفّا عن الثرثرة حتى بعدما بدأ الفيلم، وظلّا يتهامسان بخفوت لعدم إزعاج الآخرين، وراحت ياسمين تتحدث باندماج :

_أصلًا ولاد الدفعة بتاعتنا دول كلهم كحيانين انا مش عارفة منة ازاي معجبة بواحد منهم، وفضلت مركّزة معاه بقى طول السنة و تراقب فى الفيسبوك بتاعه ليل نهار .. انا قولت لو الواد متقدملهاش هتنهار وتنتحر مثلا!

ثم تابعت، تحت أنظاره التى ترمقها باهتمام شديد وكأنه أمرًا مصيريًا :

_ مفيش ياخويا يومين ولقتها مرة واحدة اتقفلت خالص .. في ايه يامنة؟ مفيش .. عمل لك ايه يامنة؟ معملش حاجة ، المهم طلعت فى الآخر اكتشفت إنه بتاع بنات وبيتلزق في بنات الدفعة كلهم .. راحت فاكساله وشافت أشرف

رد ضاحكًا بدهشة :
_ايه الموڤ اون السريع ده!

بادلته الضحك مجيبة :
_مبتضيعش وقت

ثم واصلت قصتها :
_المهم اشرف ده يبقى صاحب الواد الصايع ده بس مش شبهه خالص هو محترم عنّه .. معرفش ايه اللى لمّهم على بعض ...

ظلت تثرثر وتقص الحكاية وهى تصوّب أنظارها على الفيلم، لم تنتبه لوجهه الذى تغيّر بعدما أتاه شعور قوي بعدم الراحة سيطر على جسده، تحديدًا فوق صدره .. كان يحاول تجاهله إلى أن يتلاشى وحده، ولكنه على العكس ازداد أكثر وأصاب أنفاسه بشئ من التوتر ..

قاطعها بصوت متحشرج وهو يهمّ بالنهوض :
_ياسمين معلش خمس دقايق وراجعلك ..

تساءلت وهى تراقب مغادرته :
_في حاجة ولّا ايه؟

_مفيش، خلّيكي هنا بس ...
.
.
خرج من الصالة إلى الرواق وسار بضع خطوات بتمهل وهو يحاول التقاط أنفاسه بانتظام، حتى وقف فجأة واستند على الحائط بعد شعوره بدوار قاتل أصاب رأسه فجأة، وأغمض عينيه معتصرًا جفنيه بألم ..

يزداد ضيق التنفس مع زيادة ضربات قلبه بشكل ملحوظ، حاول فتح عينيه فرأى الصورة مشوشة والمكان يترنح من حوله كالطاحونة .. أغمض عينيه مجددًا وظل مستندًا على الجدار بعدم اتزان، رفع يده الأخرى ليضعها على رأسه وكأنه هكذا سيتحكم قليلًا في قوة هذا الدوار المزعج ..

خرجت ياسمين من باب الصالة لتراه يقف على مسافة أمتار منها .. اعتلاها التعجب واقتربت ناحيته بخطوات بطيئة منادية من خلفه :

"زيزو؟"

لم يلتفت إليها، أو بالأحرى لم يجد الفرصة لفعلها ؛فقد خانته عضلاته واستسلمت للسكون وهوى جسده أرضًا، بنفس اللحظة التى صرخت بها ياسمين بفزع وركضت صوبه بأسرع ما لديها، جثت على ركبتيها بجواره وهى تتفحصه برعب وارتجاف، تحاول محادثته لتبقيه بوعيه بكلمات غير مرتبة مرتعشة من فرط الذعر، ومقلتيها يقفز منها الصدمة والخوف وقلة الحيلة ..

عينيه نصف مفتوحة توشك على الانغلاق، يصارع للبقاء بوعيه ولكن جسده لا يسمح له، خارت قواه تمامًا .. صورة وجهها المرتعد أمامه كان آخر ما يراه قبل أن تتشوش الصورة تدريجيًا حتى اختفت .. وساد الظلام بتقابل جفنيه معًا .. واستكان جسده كليًا دون حركة أخرى ......

.
.
فقد وعيه بالكامل وفقدت هي ثباتها معه، حتى من قبل معرفتها بِـمقاومته اليائسة مع مرضه التى ستحطم كيانها بكل تأكيد ..

كما الحال مع تلك البريئة صاحبة الأعين الزرقاء الصافية، التى انتصرت عليها الحماقة لتفيق على صدمة موجعة أخذت تبكي على أثرها طوال الليل ..

ومن جهة أخرى، غمرت التعاسة وجه (المهندس) وانطفأ نوره ..
وذبلت عيني (أثيرة الكُحل) وأصبحت وحيدة ..
لتنفصل متلازمة "المهندس وأثيرة الكحل" وتنشطر إلى نصفين ;ذهب كلٌ منهما في طريق مضاد للآخر، ولكن كلاهما شاق وعصيب ..

لمَ اشتدت العتمة بقوتها فجأة وحلّت بِنسلها على الجميع هكذا ؟

يتبع ..

Continua a leggere

Ti piacerà anche

15.7M 340K 55
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
3.4K 278 6
ماذا وإن عاد إلينا أجدادنا الفراعنة لعصرنا الحالي ولَكن ليس ملك واحد بل ثلاثة ملوك ليأتون بسبب أستدعاء من العالم الحالي والذي لم يكُن في الحسبان أن م...
88.9K 7.8K 14
وصيةٌ غريبة تجمع عائلةٌ مُفككة مِن جديد، و لكن هل الهدف مِن الوصية سيكتمل أم لن يدوم مع انتهاء المُدة ؟! - حوار عائلي. - رحمة علاء Cover by Anobeass.
5.6K 489 9
الحياة مجرد قارب يمر بكثير من العواصف و الأمواج العتيه، تشبث به جيداً حتى تنجوا، لكن قاربى الذى صَعدتُ عليه كى انجو كان هو السبب لبدايه عذابى و رحله...