تُرَاب أمْشِير (مكتملة)

נכתב על ידי shahdmedhat_

267K 16.4K 2.4K

دائمًا ما نبحَث عن الحُب .. ونادرًا ما نَعثر عليه .. ولَـكـن في أغـلب الأحيان عندما نجدُه نتركُه يَفلِـت من... עוד

اقتباس ومقدمة ✨
** تنويه هام **
1- (عَـائِـلـة تَـلـيـدْ)
2- (العَـمّـة المَـلْعـونة)
3- (أَسـمَـتُـه فَـخْـر)
4- (عُــقْـدة)
5- (لَحظْة انكسَار و ردّ اعتِبار)
6- ( "عُصـفورًا عَاجـزًا" )
7- (ذهـبَ إلى مَـنـزِلـها)
8- (نُـزهَة فى الحىّ الشَعبِي)
9- (الحِـمـارُ المـتهوّر)
10- (أصْـدقَاء رسْـمـيًا)
11- (هو والفَـراشَـة)
12- (تـودّيـنَ التـعَـارُف؟)
ياريت تقروا للآخر ياشباب
13- (عِـيـدُ مِـيـلاد)
14- (مـهندِس فِي ورْطـة)
15- (لَـيـلة في المـخـفر)
16- (رَفـيـقِـي)
17- (الـذكرَى الخَامـسة)
18- (اعْـتـرَاف)
19- (فَــخّ)
20- (المُـتـهم بَـرئ)
21- (وقَـع فى المَحظُـور)
23- (المُهندس وأثيرةُ الكُحل)
24- (كُـشـفَ سِـرُّه)
25- (عَـقْـد قُـرآن)
26- (مِـصْباح مؤقّـت)
27- (عَـتْـمَـة)
28- (تُـراب أمْـشير)
29- (ظَـرف وڤِـيديو)
30- (سُـخرِيـة القَـدر)
31- (مَـلهَى لَـيلِي)
32- (رأسًا على عَـقِب)
33- (عَـودَةُ الحَـبِـيـب)
الفصل الرابع والثلاثون (CLASSIC)
35- (كَـسـرت الفَـانوس؟!!)
36- (فِي الخِدمَة يامَـولاتِي)
37- (جوّ عصابات وبتاع)
Guess the couple 🤫
38- (نـجـمـة ودبـلـتـيـن)
39- (عـ الـقَـهـوَة)
40- (رَبِـحَـتْ الـبُـومَـة)
41- (تُــحْــفَــة)
الفصل الثاني والأربعون (game over)
43- (نَـسَـمَات بَـرمُـودَة)
44- (لـنخطّ سُـطُـورنا معًا)
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الأولى•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثانية•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثالثة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الرابعة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الخامسة•
∆ هَل تـنـتـظرينَ قُـبـلـة؟؟ ∆
بـدأنـا رحـلـة جـديـدة 💙

22- (قَـرار مُـفاجِـئ)

4.4K 341 72
נכתב על ידי shahdmedhat_

متنسوش الڤوت وإعلامي بآرائكم، أعزائي💘
.

.

.

.
دقّت الساعة الثانية صباحًا عندما كانت تسير ميّ بجوار زوجها حازم بأحد الشوارع الهادئة الخالية من الناس .. يثني ذراعه لتُعلّق هىَ يدها به ، يأخذان خطواتهما ببطء ويتسامران ..

فى الواقع هى من كانت تتحدث أكثر، وهذا ما سعى له ونجح بفعله ليجعلها تتناسى حزنها قليلًا ;فقد جذب معها أطراف العديد من الأحاديث حتى اندمجت فى التحدث وشرعت تثرثر بأمور الطعام والأكلات وما شابه ..
صراحةً هو لا يهتم مطلقًا ولا يحب المطبخ ولا يتكرّم حتى بسلق بيضتين، ولكن إذا كان هذا ما تحبه فحتمًا سينصت إليها بكل اهتمام ..

_وبعدين انا لسة مش ناسية لك الطاسة التيفال اللى بوّظتهالي بالمعلقة

_وانا كنت هعرف منين إنها مينفعش تتجرّح؟

_والله أول ما اتجوزنا قولتلك وحذّرتك وانت عملت نفسك أطرش

_مش عوضتك وجِبت لك بدالها؟!

_وكنت هتبوّظها بردو لولا إنّي لِحقتك

أشاح بنظره وهو يضحك، فيما بادلته الضحك بهدوء، قبل أن يعم الصمت للحظات ثم تقطعه هى بصوتها :

_أول مرة تاخدني وننزل نتمشّى سوا آخر الليل كدا .. عمرك ماعملتها من يوم ما اتجوزنا

اعتلته ابتسامة جانبية وأجابها :
_انتِ اللى بتنامي بدري

ردت عابثة :
_وانت اللى على طول عندك شُغل بردو

ضحكت بخفة ثم أردفت :

_بس كله عشان بودي بس، لو صحي دلوقتي ولقانا مش موجودين هيعيط

ضاقت عينيه بعدم اقتناع وقال :

_على ما اتذكر ان بودي اللى تقصديه ده لما صحي مرة لقانا مش موجودين قلَب البيت كباريه .. شغّل التليفزيون بصوت عالي وجاب الفاكهة والشوكلاتات وفَرشهم قدّامه ولا كأنه عامل حفلة .. مش فاكرة ولا ايه؟

ضحكت بشدة ثم هتفت :
_لا فاكرة ..

_بودي كِبر ياميشو خلاص ومبقاش يهمّه

ابتسمت بهدوء وهى تقول :

_الأيام جريت بسرعة اوى .. انا حاسة إنه كان عنده تلت سنين من قريب واهو فجأة بقى داخل على تمانية .. ده انا حاسة إننا متجوزين من سنتين تلاتة بس يادوبك ..

واستأنفت مبتسمة :
_كنت معايا من أول ما كنت لسة موظف جديد فى شركة بابا فخر .. ودلوقتي ماشاء الله بقيت مدير الشركة كلها بحالها وانت لسة ٣٧ سنة بس

قرصت وجنته وهى تردف بأسلوب مشاكس وكأنها تدلل طفلًا صغيرًا :
_انا فخورة بيك اوى ياروح ميشو والله

أبعد يدها وهو يضحك ويجيب :

_عشان واسطة بس، مش عشان سواد عيوني ولا حاجة

ضحكت وقالت :
_اه عشان باباك الله يرحمه كان صاحب عامر بيه

_ايوة .. قال لك اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش

_اه بس عامر بيه مكانش هيفضل متمسك بيك لو مكنتش مجتهد وبتهتم بشغلك

نطق بكل سخرية :
_اه طبعا هو عامر بيه هيتمسّك بـحدّ عشان بيحبه مثلا؟؟ ده مبيعرفش يحب حد

ثم أردف بملل :
_فكك فكك غيّري السيرة دى

ثبّت نظرُه عليها عندما انتبه لمقدمة شعرها الظاهرة من أسفل حجابها، فرفع يده وأمسك طرف الحجاب وجذبه بهدوء للأمام قليلًا، وهو يقول :
_شعرك باين ايه اللى انتِ عملاه ده!

بدأت بتعديل حجابها، مجيبة :

_والله البندانة بتتزحلق

واصلت تعديله على مهل حتى انتهت، ثم سألته :
_كدا تمام؟

أومأ برضا :
_اه خلاص .. ابقي زوّدي دبابيسك قبل ما تنزلي بعد كدا

ضحكت ثم قالت :
_حاضر .. يلا نرجع بقى عشان عبدالله

_بردو شايلة همّه!؟

_عشان لو قلَب البيت كباريه نلحق نلمّ الموضوع

ارتفعت قهقهاتهما وتابعا السير وسط نسمات الهواء الخفيفة ..
لطالما كان وقتها بصحبته يجبرها على نسيان ضيقها مهما كان ضخمًا ..

تتعدّى الراحة مستواها الطبيعي عندما يكون حبيبك صديقًا مُحبًا يهتم لأمرك ويسعى لإسعادك ..
*
*
*

ترك السكين الصغير مع الطبق فوق المكتب، بعد انتهائه من تناول تفاحته، ثم أمسك بهاتفه وفتح موقع التواصل الاجتماعي واتساب..

جلس فخر على الكرسي الخاص بالمكتب وشرع يدور بين محادثات الأصدقاء دون أن يفتح واحدة منها .. لم يهتم بالرد الآن واتجه إلى الحالات، تجوّل بينها قليلًا حتى وقع نظره على اسمها ففتح خاصتها ..

لم يكن يكترث أبدًا بمشاهدة هذه الحالات ولم يفكر يومًا بفتحها واستكشافها، ولكن منذ انضمامها إلى قائمة الأصدقاء أصبح يحضر هنا كل يوم ليرى أى شئ يخصها .. حتى لو نشرت صورة لقلم رصاص سيحب رؤيته طالما هى اهتمت به ..

كانت الحالة عبارة عن ڤيديو قصير سجّله لها مروان وهى تتناول نوعها المفضل من الشوكولا المعتادة خاصتها أثناء مشاهدة التلفاز .. صوته فى الخلفية يشبهها بالبقرة السمينة الشاردة فى حقل البرسيم، لتلتفت له بانتباه .. وقبل أن تستعد لإطلاق ردّها، ضحكت عندما رأت الكاميرا موجّهة إليها، ورفعت إصبعي السباية والوسطى وضمّت الباقي، لتأخذ وضعية للتصوير ..

تفاعل فخر مع الڤيديو بوضوح وقهقه بشدة من تعليق أخيها، ثم اعتلته ابتسامة واسعة وأضاءت عينيه بلمعة عاشقة عند رؤية ضحكتها واستعدادها للتصوير فى النهاية ..

رفع عينيه عن الشاشة واستقر بصرُه على دفتره الذى يعتلي المكتب، فلم يلبث حتى سحبه ناحيته وفتحه ..
أمسك بقلمه وبدأ بكتابة بعض الجُمل على مهل وبشكل منظم ومنمق ..

انتهى من تدوين كلماته وابتسامته لاتنفك تزيّن محياه بوضوح ، عاد للخلف يسند ظهره عند ظهر الكرسى بعدما كان يميل إلى المكتب ،ليكتب كلمات لم يواجه أى صعوبة فى اختيارها ، بل أحسّ وكأنها تخرج من قلبه وحدها ..

أخذ نظرة سريعة على ورقته قبل أن تنبسط ابتسامته أكثر، ثم يلحقها بنهوضه من مقعده استعدادًا للنوم ،وكتاباته لاتزال تتردد بداخل عقله :

"شـعـورٌ بـالـرّاحةِ يـجـتاحُ كـياني كـلّـما رأيـتُـها ..
وكـأنـها تـنيـرُ الكـونَ بِأكمـله بـمجردِ ظُـهـورها ..

تـطـلّ فتصـحبُها ألـوانًـا تـرسمُ سـوادَ لوحـتي ..
وتُـرافـقها شموسًا صافـيةً تـنيـرُ سَـماء عَـتمتي"

ليُنهِ عباراته بجُملة أخيرة ترك بينها وبين السابق مسافة ملحوظة، وحرص على تنظيم خطُّه بها أكثر، وكأنما كتبها بفؤاده فأصبح خطُّه أفضل مما هو عليه :

"دُمـتِ بَـهيّـة يا أثِـيـرةَ الـكُحلِ"

*
*
*

صباح اليوم التالي ..

وقف زياد أمام بوابة الجامعة فى وضح النهار، يراقب كل فتاة تخرج ؛أملًا أن تخرج هى من بينهم ..

ظل واقفًا لدقائق طويلة حتى بدأ اليأس يعلن وصوله إلى قسماته، ولكن اختفى سريعًا عندما لمح صديقتها (منة) فهرول إليها وناداها ..

توقفت منة والتفتت لصاحب الصوت .. ابتسمت له بهدوء وقالت :
_اهلا يازياد ازيك؟

_الحمدلله .. هى ياسمين مجاتش النهاردة؟

_انا كنت لسة هسألك حالًا ،دي مجاتش امبارح ولا جت النهاردة ودي مش عادتها انا قلقت عليها

قاطعها زياد وهو يضيق عينيه بتعجب :
_مجاتش امبارح !؟؟

_ايوة ، انا بكلّمها من امبارح تليفونها مقفول لحد دلوقتي ...

.
.
.
توقف فخر عن أداء التمارين وسط صالة الألعاب الرياضية بسبب مهاتفة زياد له ، فرفع الهاتف على أذنه بيد وأمسك بالأخرى منشفة صغيرة يجفف بها وجهه من آثار العرق ؛جراء المجهود المستمر منذ وقت طويل ..

_مش فاهم يازيزو اتكلم بالراحة شوية
.
وقف زياد على الرصيف وهو يتحدث بغضب عارم :
_بقول لك عمتك بتكدب عليا ! ، امبارح روحت لها قالتلي ياسمين تعبت فى الكلية ومصدعة، والنهاردة شوفت صاحبتها قالتلي إنها مراحتش أصلًا

بدا التعجب على وجه فخر، ثم سأله باهتمام :

_وانت شاكك فى ايه بالظبط؟

_معرفش بس أكيد في طبخة ريحتها زِفرة من عمايل ايد عمتك .. انا أصلًا لما روحت لها حسيت فى حاجة مش مُريحة .. ناهد دي لو شافتني على باب بيتها هتدخّلني على طول وهتقول لى إنها صاحية وتدخل تصحّيها مخصوص عشان تقابلني .. دى ما بتصدق نقرب من بعض، أكيد مكانتش هترفض الفرصة إلا لو في حوار مش مظبوط

_طب خلاص تعالى دلوقتي وهنفكر مع بعض نعمل ايه معاها

هتف زياد باستنكار وصاح بغضب وتوعد :

_نفكر!؟ لا ياحبيبي فكر مع نفسك .. انا رايح لها ولو مشوفتش ياسمين هدغدغ البيت على دماغ ابوها !

*
*
*

ظلّت واقفة أمام باب الشقة فى انتظار أن يفتح لها أحد ما ..
فُتح الباب وظهر من خلفه مروان .. اعتلته ابتسامة عريضة قمة فى البرود، بينما رمقته هى بتقزز ونطقت بصوت منخفض :

_بطّل الضحكة السخيفة دي!

اتسعت ضحكته أكثر حتى ظهرت أسنانه منها .. دلفت عزة صوبه خطوة واحدة وهى ترفع سبابتها بتنبيه :

_انا جيت بس عشان مهانش عليا اكسر بخاطر أمك .. إنما هتحرق دمّي هقلب عليك الترابيزة ومش هيفرق معايا لا انت ولا أمك ..

وأسرعت تقول عندما لاحظت شفتيه تستعد للتحدث :

_ومتزوّدش ولا تسمّعني صوتك عشان محلفش ارنّك علقة أسوأ من اللى فاتت .. واظنّك عارفني وعارف قَلبتي!

انتبهت لقدوم صابرين وهى ترحب بها بحرارة، فرسمت ابتسامة لطيفة على محياها جمعت بها كل البراءة فى العالم، وكأنها لم تكن ستفترس هذا البارد منذ لحظة ..

_ازيك ياطنط اخبارك ايه؟

_الحمدلله ياحبيبتي تعالي اتفضلي ده بيتك اتفضلي ..

أمسكت صابرين بيدها وسحبتها معها بهدوء وهى تقول :
_ جيتِ فى معادك مظبوط، انا لسة مخلّصة الغدا حالًا

عرضت عليها الجلوس على أحد المقاعد وهى تقول :
_اقعدي ريّحي من المشوار لحد ما احضّر الأطباق على السفرة

_طب اساعدك فى حاجة؟

_لا تسلمى ياحبيبتى اقعدي ارتاحي

توجّهت صابرين إلى الداخل سريعًا ، فى حين نظرت عزة لمروان الذى بقى واقفًا عند الباب لم يتحرك وهو يحدقها باستنكار ودهشة من مهارتها فى خداع أمه , تطلعت له بنفس نظراتها البريئة تلك لتثير استفزازه وحرّكت أهدابها بشكل متسارع أكثر من مرة كجرو لطيف يود استعطافك ، فتبدلت ملامحه إلى الضجر وهو يتحرك صوبها ويهمهم بسخط :

_انا بردو اللى سخيف؟!

*
*
*
جلست جهاد على الأريكة وهى تمسك هاتفها بيد وتمسك بالشوكولا المفضلة لها باليد الأخرى ، قضمت منها قطعة أثناء مراقبة شاشة الهاتف انتظارًا لردّه على ما أرسلته ..

.
.
كان فخر قد أغلق المكالمة مع زياد، ولم يعبأ حتى بما سيفعله أخوه فقد اعتاد جنونه وهو من سيتحمل نتيجة أفعاله ;وللصراحة هو يود بشدة أن تغضب ناهد وتنول بعضًا من تصرفات أخيه الهوجاء .. يبدو أن ولعه بافتعال الشجار والمشاكل سيعود بفائدة لمرّة ..

فتح تطبيق التواصل الاجتماعي واتساب ليفتح رسالتها .. فوجدها قد أرسلت صورة للشوكولاتة بين يديها وكتبت معها تعليقًا :

"رابع واحدة آكُلها من امبارح"

ضحك بهدوء و ردّ بـ :

"بالهنا والشفا"

ثم كتب رسالة أخرى :
"خلّي بالك بس من السكر الكتير ده عشان صحتك"

بضع ثوانٍ ووصل له ردها :
"مش انت اللى جبتلي علبة بحالها؟"

"ايوة عشان تقعد معاكِ وقت ماتحتاجي تلاقى، مش عشان تبلعيها كلها فى يوم واحد"

.
قهقهت بقوة ثم أرسلت له :
"طب انت فين دلوقتي؟"

"فى الچيم وهروّح خلاص"

ثم أتبعها برسالة أخرى :

"احكيلك عملت ايه؟"

ابتسمت بهدوء وأجابته بجملته المعتادة :

"اطربني ياكروان"

ارتفعت ضحكاته ونظر من حوله قليلًا ثم بادر بالرد، دون أن تختفي ابتسامته من على ثغره :

"هندخل على شغل بعض ولّا ايه؟"

"علّقت معايا بسببك"

ضحك بخفة وأجاب :

"طب انا ادّيني خمس دقايق هغيّر هدومي واطلع من المكان وهكلّمك"

*
*
*
جلست صابرين عند مقدمة السفرة، جلس مروان عن يمينها وجلست عزة على يسارها .. التفتت لها صابرين وقالت :

_كُلي ياحبيبتى انتِ مكسوفة؟ مبتحبيش المكرونة البشاميل ولا ايه؟ ده مروان بيموت فيها

_لا ياطنط بحبها طبعا، انا باكل اهو تسلم ايدك

ربتت صابرين على يدها وهى تقول بابتسامة واسعة :

_خدي راحتك متتكسفيش

_لا وهىّ وش كسوف فعلًا

تمتم مروان بكلماته وهو ينظر بطبقه، رفع عينيه ولم يتوقع أن يكون صوته وصل إليهما، وجد أمه تطالعه بتعجب فأسرع يقول :

_لا انا بتكلم بجد .. عزة ماشاء الله خجولة وطيبة

نظر لها وهو يحك خلف رقبته وكأنه ضُرب عليها للتو :
_ وانا يعنى كان ايه اللى هيحبّبني فى زوزو غير براءتها وحنيّة قلبها عليّا؟

فهمت حركته أنه يشير إلى فعلتها القديمة عندما دفعت بعض الشباب لضربه، فأخفضت رأسها محاولة كتم ضحكاتها ..

ابتسمت صابرين ثم اقتربت منه وهمست له بخفوت :
_طب قوم اقعد جنبها ..

أجابها بنفس مستوى صوتها :

_لا ياختي لاحسن تُعضّني

حدجته بحدة وصكّت على أسنانها وهى تقول :
_بطل استظراف قوم اتحرك !

نفخ بتأفف ونهض ممسكًا بطبقه .. اقترب منها وسحب الكرسي المجاور لها وجلس بعدما وضع الطبق على طاولة السفرة ..
نظرت له بشفتين ملتوتين بتقزز، بينما طالعها هو بطرف عينيه بتعالٍ واستحقار ثم نظر فى طبقه ..

عم الصمت عليهم وهم يتناولون الطعام، حتى نطقت صابرين بنبرة متحمسة :

_ناويين تحددوا معاد خطوبتكوا امتى بقى ياولاد؟

سعلت عزة فجأة بعد شعورها بالطعام قد انحشر فجأة بحلقها من الصدمة ، فى حين أصاب مروان نفس الشعور ولكن من الضحك، فأشاح بنظره بعيدًا وحاول إيقاف ضحكاته ليستطع بلع الطعام الذى بقى بفمه ..

توجهت صابرين لها بكوب من الماء سريعًا وهى تردد :
_اسم الله عليكِ بالراحة خدي نَفسك

أخذت عزة الكوب وارتشفت منه القليل ..

استطاع مروان بلع الطعام أخيرًا ثم التفت لعزة التى احمرّ وجهها من قوة السعال وأدمعت عينيها قليلًا، وهتف بحنان مزيف :

_سلامتك يازوزو سلامتك .. مش تاكلي بالراحة ياحبيبتي؟

رمقته بطرف عينيها بصرامة، وقد هدأت قليلًا ،فنظرت لصابرين وقالت :
_انا تمام خلاص متقلقيش ..

_سلامتك كُلي على مهلك

أومأت عزة بهدوء ولم تعقب، راقبت صابرين جيدًا حتى رأتها تتابع غداءها ،فاستغلت عدم انتباهها لهما وقامت بغرز شوكتها بقدم مروان من أسفل الطاولة، فارتفع صوت تأوهاته بشكل ملحوظ، لفت انتباه والدته فتساءلت :

_مالك يامروان فى ايه؟

رد محاولًا إخفاء تألمه :
_مفيش مفيش، رجلي اتخبطت فى رجل الكرسي ..

_انتوا اتحسدتوا ولا ايه ياحبايبي مالكوا النهاردة؟

رد مروان بتشنج من أثر التوجع ومع ذلك لم تخلو نبرته عن بروده وسخريته :

_ايوة شكلنا فعلًا .. عصفورتين بالجمال والتفاهم واللطافة دي كلها لازم يتحسدوا أكيد .. قومي يامّا بَخّرينا !

*
*
*
انتبهت ياسمين لصوت الطرق المتتابع فوق باب الشقة وهى تجلس فوق سريرها .. كانت دقاته قوية أثارت قلقها بعض الشئ ولكنها لم تتحرك ؛لن تستطع استكشاف الطارق على أى حال ؛فهى محاصرة بين جدران غرفتها ..

ظلت صامتة تنتظر أن يملّ ويذهب ؛فأمها قد خرجت منذ قليل وليس هناك من يستقبل ذلك المتطفل الذى أصرّ على مواصلة قرع الباب ..

بربك فلتذهب الآن .. ألا يوجد احتمال ألّا نكون فى المنزل؟ ..

.
.
.
توقف زياد عن طرق الباب وهو يزفر بغضب، وتمتم بحنق :

_يعنى الاول تكدب ودلوقتي مبتفتحش ..

ثم أردف بعزم :

_طب وراكِ وراكِ بردو ياناهد

توجّه إلى السلم وتناول درجاته بثبات وهو يهمهم :

_نرجع لشغل العيال الصغيرين بتاع زمان بقى
.
.
خرج إلى الشارع ووزع بصرُه يمينًا ويسارًا حتى وجد مُراده ;أحجارًا صغيرة مناسبة للإزعاج ولكن لن تسبب ضررًا جسيمًا ..

حمل ثلاثة بين يديه ثم صوّب نظره على شرفة الطابق الثالث ونوافذه .. ثم رماها بكل قوته ;مرة عند الشرفة ومرتين عند نافذتين ;من بينهما كانت نافذة ياسمين التى انتفضت فجأة عند سماعها صوت اصطدام الحجر بشباكها ..

ظنت أنها تخيلات أو أن طائرًا ما قد ارتطم بالزجاج ولم تهتم، ولكن توجست عندم تكرر الأمر ..

نهضت واقتربت من النافذة بترقب وفتحتها لتراه يستعد لرَمي المزيد ، ارتفع حاجبيها بذهول بينما صاح هو بمجرد رؤيتها :

_ما انتوا موجودين اهو، اومال في ايه !؟

تساءلت باندهاش :
_هو انت اللى كنت بتخبط دلوقتي؟!

اقترب ناحية البناية ليقف أسفل النافذة مباشرة ، دقق النظر بوجهها قليلًا ولكن لم يرى جيدًا فقد كان شعرها منسدلًا على الجانبين يخفي نصف وجهها، وتساءل بتعجب :

_ايه اللى فى وشّك ده؟؟

اختلقت كذبة صغيرة وقالت :
_لا مفيش ده انا وقعت واتخبطت امبارح

_مفتحتيش الباب ليه؟

لطالما فشلت فى اختلاق كذب مقنع، وتوترت قليلًا حتى نطقت بما أتى على بالها :

_مسمعتوش

ربما لو كانت صمتت كان أفضل من هذا الرد الغبي الذى لن ينطلي على طفل لم يتعدّى الرابعة .. حتى لو كانت تضع سماعات أذن كانت ستسمعه ؛فلقد كان يوشك على كسر الباب من قوة الدق عليه ..

شعر زياد بصبره ينفد من هذه الالتواءات المستمرة، وصاح بغضب :
_هو فى ايه بالظبط !!

أسرعت ياسمين تشير إليه بالهدوء و حذّرته بصوت منخفض :

_زيزو احنا فى الشارع

أخفض صوته قليلًا ولكن لم تخلو نبرته من الحدة والغضب :

_ياسمين انتِ لو منطقتيش ايه اللى بيحصل دلوقتي حالًا انا هعمل لكوا فضيحة هنا !

_ماما مش هنا وانا لوحدي يازيزو، أكيد مينفعش تدخل

رد باندهاش :
_تقومي تسيبينى اولع؟ ميهونش عليكِ حتى تتكلمي من ورا الباب؟ .. وبعدين انا هتكلم معاكي على السلم كلمتين وخلاص انا كدا كدا مش هدخل طالما امك مش هنا، انتِ فاكراني ايه؟

_انا عارفة والله عارفة، بس معلش امشي دلوقتي ونتكلم بعدين

_لا مش همشي غير لما افهم .. امك حوّرت عليا ومرضتش تخلّيني اقابلك وانتِ دلوقتي مبتفتحيش الباب .. انا عملت حاجة غلط ولا ايه مش فاهم!

_لا لا انت معملتش حاجة صدقني، بس عشان خاطري امشي وهفهّمك بعدين

_دي آخر مرة هقول لك افتحي الباب!

زفرت بحنق من عناده وصمتت، فقال وهو يستعد لدخول البناية :

_انا هكسر الكالون

_استنّى بس استنّى!

نظرت حولها بحيرة وتوتر ثم نطقت :
_المفتاح ..

أخفضت صوتها عند أقل مستوى حتى أصبحت تحرك شفتيها فقط فلم يستطع استدراك ما تعنيه وهز رأسه بتساؤل :
_ايه؟

أعادت الكرّة وهى تحاول توضيح حركة شفتيها ليفهمها :

"تحت الدوّاسة"

لم ترفع صوتها فى قولها، وحرّكت يديها على شكل مستطيل كإشارة للسجادة الصغيرة التى تتقدم الباب .. فهتف بفهم وهو يتجه إلى الداخل :

_خلاص فهمت ماشي ..

*
*
*
يجلس فخر بسيارته المصطفة بالقرب من بناية معينة .. تلك البناية التى ترددت عينيه بينها وبين الفراغ أكثر من مرة بحيرة شديدة ..

انتبه لرنين هاتفه فأجابه فورًا :
_ايوة ياحازم

_ايه؟ عملت ايه مع حنين؟

_قدام بيتها لسة مطلعتش

رد حازم بملل :
_وواقف تعمل ايه؟

أجاب فخر بضيق :
_مش عارف المفروض اقول لها ايه وافتح الموضوع ازاى

غلبه التردد والحزن وأردف :
_حازم انا حاسس إني غلطت لما خطبتها من الأول .. عشّمتها وعلقتها بيا وجاى دلوقتي افسخ الخطوبة كدا واجيب رقبتها الأرض! انا حاسس إنى وحش اوى بجد

_يابني انت بتحب جلد الذات وخلاص؟ ، وانت يعني لما خطبتها كنت ناوي إنك هتفسخ؟؟

رد مدافعًا عن نفسه :

_والله لأ، انا مكانش فى دماغى كدا، انا كنت فاكر إني عادي هبقى مبسوط، خصوصًا إن مكانش فيها حاجة مضايقانى يعنى، معرفش ليه معرفتش أحس ناحيتها بأى حاجة

_لآخر مرة هقول لك يافخر نهاية قصتك مع حنين كانت محسومة من يوم ما خطبتها، واليوم ده كان مِسيرُه جاي جاي .. اتفضل اطلع لها وانهي الموضوع ده وسيب البنت تشوف حياتها بقى وتطلّعك من دماغها !

*
*
*
فتح زياد باب الشقة بذلك المفتاح الاحتياطي الذى أخبرته ياسمين به، دخل خطوتين وناداها وهو يبحث عنها بعينيه بكل زاوية ، استمع لصوتها ممتزجًا بصوت طرقها على باب غرفتها :

"انا هنا يازيزو"

سار ناحية الصوت ووقف أمام الغرفة وقرع على الباب مرتين :
_ياسمين؟

أجابته من خلف الباب :
_بص انا من الآخر متعاقبة واتحبست فى الأوضة وماما لسة منسِتش الموضوع

قطب حاجبيه باندهاش بينما يستمع لباقى كلماتها :

_انا خلّيتك تدخل عشان انا عارفاك عنيد وهتعمل مشاكل، بس عشان خاطري بقى امشي، اديك فهمت اللى حصل اهو

تساءل بتعجب كبير :

_استنّي .. يعنى هى اللى ضربتك مش اتخبطتي زى ماقولتي !؟

تنهدت بهمّ واستسلمت لقول الحقيقة :
_ايوة

ارتفع حاجبيه بذهول :

_ليه عملتي ايه لـ ده كله؟!

_قولتلها كلمتين مش حلوين اتنرفزت بسببهم

_انتِ قاعدة كدا من امتى؟

_اول امبارح بالليل

_ارجعي لورا !

تعجبت من أمره المباشر وسألت بعدم فهم :
_ايه؟

_ارجعي لورا ابعدي عن الباب

_ليه؟

_اسمعي الكلام بسرعة

استجابت له وعادت للخلف وقالت :
_اهو

ابتعد زياد للخلف قليلًا ثم وبِكلّ قوته رفع قدمه ليكسر الباب ، فانكسر المقبض وفُتح الباب بعنف مما أثار فزعها ..

اقترب منها وأمسك بيدها ليجذبها تجاهه وهو يقول بغضب :
_بتخبّي عليا انا يا ياسمين !؟

التمعت عينيها بالدموع ولم تتحدث ، فيما وزّع زياد أنظاره على وجهها المشوّه بعينين متسعة بذهول شديد و ردد بعدم استيعاب :

_دى ست مريضة نفسيًا !

ركز بصره على عينيها وهو يردف بعصبية :
_كل ده عشان كلمتين قولتيهم؟!

أجابته بنبرة متعبة ومرتعدة :

_ايه اللى انت عملته ده حرام عليك انت مش عارف كدا هتزوّد المشكلة ازاي !

صاح زياد بغضب قوي يصارع لكتمه قدر المستطاع :

_هى هتخوّفنا ولّا ايه !؟ , ايه محدش هيعرف يوقّفها عند حدّها ؟!

ثم أردف وهو يسحبها من يدها إلى الخارج :
_تعالي

ولكنها لم تطاوعه وأوقفته قائلة :
_آجي فين مش هينفع

نظر لها بحدة قوية ونطق متكئًا على كلماته بغضب :
_ياسمين متعصبنيش اكتر ما انا بَغلي ! .. امشي يلا !!

*
*
*

فتحت حنين باب شقتها وسرعان ما غزت الابتسامة وجهها عند رؤيته وقالت بترحيب :

_ازيك يافخر انا كنت لسة هكلمك

اعتلته ابتسامة صغيرة.. ابتسامة مهمومة بعض الشئ ونطق بهدوء :

_عايز اتكلم معاكِ فى حاجة

غلبها التعجب من نبرته المقلقة وأفسحت له المجال للدخول :
_تعالى ادخل

دلف فخر على مهل ، ردّت حنين الباب ولم تغلقه بالكامل .. ثم اتجهت صوبه وهى تتساءل باهتمام :

_خير فى ايه؟

رأت التردد بعينيه المشتتة .. سكوته طال .. مقلتيه تدور من حوله بحثًا عن كلمات مناسبة لقول ما يحبسه بحلقه ..
زاد قلقها ومع ذلك لم تنطق وانتظرته حتى يأخذ وقته ، ومن ثم انتبهت آذانها معه عندما قال :

_بصي ياحنين ..

صمت قليلًا وتطلع لعينيها التى تطالعه بترقب وانتباه ، تنهد بثقل وقال :

_انتِ دايمًا عايزاني صريح معاكِ ، وانا مقدرش اعمل غير كدا عشان انا مش بتاع حوارات ولا لف ودوران ..

_فخر لو سمحت اتكلم من غير مقدمات وطلّع اللى فى قلبك direct (مباشرة)

أخذ نفسًا عميقًا ثم أخرجه بهدوء، وقال :

_حنين انتِ عارفة طبيعة علاقتنا ومبتضحكيش على نفسك .. وعارفة بردو إن خطوة الخطوبة دي خدناها كـ محاولة عشان نقرّب من بعض شوية ، بس ...

ترك عبارته معلّقة ليبحث عن كلمة يقولها ، فلم تتركه محتارًا كثيرًا وهتفت هى بإدراك :

_بس لقيت نفسك مش عارف تحبني فـ جيت النهاردة تفسخ الخطوبة !

تعجب من نبرتها الثابتة فى قول جملتها, ثم شرع بالتحدث :
_اسمعي ياحنين ...

_قابلت واحدة وحبّيتها يافخر؟

قاطعته بسؤالها المباشر وهى تطالعه بعينين تلمعان بالحزن ..
اتضح التعجب على قسماته كثيرًا ;لم يكن ينوي إخبارها حتى لا تحزن أكثر .. كيف شعرت بذلك؟

سألها بتردد :
_ليه بتقولي كدا؟

حركت كتفها بشئ من اللامبالاة :
_طول الوقت حاسة إن ده هيحصل ..

راقبت صمته وتنهيدته المهمومة، فأردفت :

_طالما سكتت يبقى حصل

تابعت بصوت مهزوز بوضوح :

_عشان انت كدا كدا قلبك فاضي وسهل يتتاخد باللى تعرف تشدّه .. مكانش مع حنين ولا عرف يقبلها حتى

_متقوليش كدا ياحنين ده انتِ تستاهلي أحسن حد فى الدنيا .. انا عشان متأكد إنك خسارة فيا مش عايزك تكملي معايا، عشان مش هعرف ادّيكي ولو شوية من اللى بتدّيهونى .. انتِ لازم تبقى مع حد بيحبك أكتر ما بتحبيه ومش عايز حاجة من الدنيا غيرك وكل اللى بيدوّر عليه انتِ وبس!

واصل بقلة حيلة ويأس :

_للاسف انا معرفتش ابقى الشخص ده ، بس صدقيني انتِ تستاهليه .. ، خسارة واحدة فى طيبتك وجمال قلبك تضيّع عمرها مع واحد زيي

وزّعت أنظارها فى الأنحاء .. تحاول حبس دموعها قدر الإمكان .. إصبعى الإبهام والسبابة فى يدها اليسرى يحرّكان دبلتها المحيطة بإصبعها فى اليد اليمنى ، تستعد لخلعها وكأنها ستنزع جزءًا من روحها ..

أومأت بتفهم وابتلعت غصتها وهى تقول :

_انا من أول يوم اتخطبنا فيه وانا عارفة كويس ان اليوم ده هيجي .. كان عندي أمل صغير اه إنه ميحصلش بس بردو كنت عاملة حسابه ..

نظرت بعينيه بابتسامة صغيرة متألمة :

_وانا تمام يافخر ، انا فاهمة وعارفة إنه مش بمزاجك .. انت ادّتني فرصة احاول احبّبك فيا وانا فشلت، ده مش ذنبك .. عادى مش مشكلة انا مش هاخد حاجة بالعافية

خلعت دبلتها بهدوء ومدّتها له ببطء ، أخفض عينيه لها ولم يرفع يده ليأخذها بل عاد ينظر لها بأسى :

_انا آسف ياحنين، والله ما كان يهون عليا زعلك أبدًا ..

ترقرقت الدموع بعينيها أكثر واتسعت ابتسامتها الهادئة وهى تقول :

_انا مش زعلانة .. والله بجد مش زعلانة ، ومش عايزاك تحس إنك ظلمتني أو حاجة، بالعكس .. انا ممتنة ليك عشان حاولت تقبلني وادتنّي فرصة .. وممتنة لصراحتك وإنك جيت دوغرى عشان اللى كان هيزعلى بجد إنك تعلّقنى جنبك وانت عارف إنك بتحب واحدة تانية ..

اتسعت ابتسامتها أكثر وهزت رأسها تعبيرًا عن خضوعها للقدر :
_عادى .. انا مؤمنة إن مش كل اللى بنعوزه بناخده

رفعت الدبلة له أكثر لتشجعه على أخذها ..
تنهد بهمّ ومد يده على مهل حتى أخذها وضمها بين ثنايا كفّه ثم عاد ينظر لها .. لابتسامتها التى لم تفارق محياها رغم وضوح احتباس الدموع بعينيها .. و رددت ببساطة :

_ربنا يوفقك ويوفقني يافخر

ابتسم لها ابتسامة ظهر فيها ضيقه من حزنها ، ولكن ما باليد حيلة .. عاجلًا أم آجلًا كان سيقف بهذه المواجهة :

_خلّي بالك من نفسك

هزت رأسها إيجابًا بابتسامة صغيرة، قبل أن يتحرك إلى الباب ويفتحه ببطء ، ألقى إليها نظرة مطولة أخيرة ختمها بابتسامة صغيرة كانت قد ردتها إليه وهى تشير إليه بالسلام .. وآخر سلام.

استدار وخرج من المنزل وأغلق الباب من خلفه ..
ظلّت واقفة كما هى .. تحدق بطيفه بشرود .. تتحسس مكان دبلتها الدافئ بصمت .. انتهى الأمر فقط بإطلاق تنهيدة طويلة مليئة بالحزن مع الإفراج عن بعض الدموع الصغيرة لتتسابق فوق وجنتها ..

ولكن لن يطول الحزن .. هى متيقنة من هذا من قلبها ؛فتصالح المرء مع قرارات القدر يجعله متأكدًا أنه إن أحزنه مرة الآن، سيسعده مرة أخرى لاحقًا .....

*
*
*
فى غرفته، جلس بجوارها فوق الأريكة الصغيرة القابعة فى الزاوية .. وضع البعض من سائل مطهر فوق قطنة نظيفة ثم وضع الزجاجة على الطاولة الصغيرة أمامه ..

التفت زياد لها وأحاط رأسها بيده من الخلف ليُثبت رأسها ويمنعها من التحرك، أثناء شروعه فى مداواة جروحها بحذر وهدوء شديد، ومع ذلك تألمت بمجرد لمسها وأغمضت عينيها بتوجع ..

قطب حاجبيه بنفور وعدم رضا من منظر تلك الكدمات ;لم يكن ليتحمل رؤية خدشًا بسيطًا بها والآن يرى ملامحها أصبحت تقريباً مختفية أسفل كل هذه الجروح ..

لو فقط تركوه على تلك المرأة المجنونة لما تردد فى نَسفها تمامًا .. ولكنه يتحامل على نفسه ويمنع نفسه عنوة ؛ليس لأنها عمته بقدر ما يهتم لحزن فراشته الصغيرة على تلك العجوز التى حُكم عليها أن تكون أمها ..

طرقت سحر فوق الباب _ المفتوح بالفعل_ ؛ولكن لزيادة احترام الخصوصية، فأذن لها زياد بالدخول ..
دخلت واقتربت منهما، وقالت وهى تضع الأغراض على الطاولة :
_جِبت لها لزق طبّى ومكعبات تلج

_شكرا ياست سحر تعبناكِ، روحي انتِ خلاص

نظرت سحر لياسمين وقالت :
_الف سلامة عليكِ ياحبيبتي

ابتسمت لها ياسمين بلطف :
_الله يسلمك شكرا

خرجت سحر وتركتهما معًا ..

التقط زياد مكعبًا من الثلج ووضعه بهدوء على جانب جبهتها المتورّم وقال :
_خلّيكِ حطاه دقيقة وبعدين هحط لك مرهم حلو هيخففها شوية ..

أومأت بالإيجاب وأمسكت بقطعة الثلج بدلًا منه، فيما التقط هو أحد الضمادات الطبية ووضعها على أحد الجروح بحرص وهدوء ..

نظرت له ياسمين برجاء وتوسّلته قائلة :

_زيزو عشان خاطري اوعى تكلّمها .. ماما لو حست إن طريقتك مش عجباها وبتتحداها هتعند أكتر وهيطلع على دماغي انا .. الله يخليك متكلّمهاش عشاني

حدقها بعدم استيعاب للحظات وأجاب :

_هو احنا فين هنا ؟! ، انتِ بتتكلمي على أمك ولا على سجّان خايفة تكلّميه لـ يكهربك!! ، فوقي ياسمين وخففي شخصيتك المتزعزعة دي شوية بقى!

ردت بانفعال خفيف :
_يعني عايزني اعمل ايه؟ .. دى امي! مستني منّي اروح اضربها مثلًا ولا ايه مش فاهمة

رد باستخفاف :
_يعني هى لو مكانتش أمك كنتِ هتعملي حاجة؟!

عبس وجهها بوضوح وأشاحت بوجهها بعيدًا ;ما الداعي لتذكيرها الآن بضعف شخصيتها الذى تمقته كل المقت وتعجز عن التخلص منه ..

لاحظ تجهم وجهها فسارع بتليين نبرته قليلًا وهو يردف :

_ياسمين انا مقصدش اضايقك والله انا بتكلم كدا عشان خايف عليكي .. انا مش عايز حد يدوس لك على طرف ويقدر يهزّك كدا

أجابته بضيق شديد وقلة حيلة :
_انت فاكرُه بمزاجي؟!

أنهى النقاش بقوله :
_خلاص انسي مش مهم دلوقتي ..

ثم أضاف وهو يهمّ بالنهوض :
_انا هروح اعمل لنا شاى بلبن

ردت بعدم اهتمام :
_مش عايزة

نطق وهو يتجّه إلى الباب دون أن ينظر إليها :

_مش باخد رأيك أساسًا هتشربيه عافية

*
*
*

عدل عز معطفه الطبّي الذى يرتديه وهو يسير بأحد أروقة المشفى، ثم وضع يديه بجيبي المعطف وتابع طريقه بخطوات متمهلة إلى أن توقف ؛بسبب تعجبه من رؤية مريم وهى تتبع إحدى الممرضات التى صاحت بمجرد رؤيته :

_أخيرًا يادكتور بقالنا ساعة بنلفّ ندوّر عليك ..

ثم أشارت على مريم وهى تقول :
_البنت الحلوة دي بتسأل عليك وصممت تشوفك

لم تبتعد أنظاره عنها، لاحظ وجهها الباهت وعينيها المجهدتين .. حتمًا كانت تبكي!

شعر بالقلق وأسرع يخاطب الممرضة :
_خلاص شكرا روحي انتِ خلاص

أومأت وسارت فى طريقها، فيما اقترب منها عز وتساءل باهتمام :
_ايه يامريم في ايه مالك؟

ردت بصوت متعب بعض الشئ :
_مفيش حاجة، انا بس .. عايزة اتكلم معاك شوية لو فاضي ...
.
.
.
دخل إلى مكتبه الفارغ وأفسح لها المجال للدخول .. فدلفت ثم أغلق الباب خلفها ..

جلست عند أقرب مقعد وجدته أمامها ودلّكت عينيها بإرهاق .. التفتت له عندما جلس على مقعد يجاورها وقال :

_ها؟ ايه الحوار؟

نطقت بصوت محبط :

_متضايقة اوي ياعز .. مخنوقة ومحدش فاضيلي .. عايزة اتكلم مع حد قادر يسمعني شوية

تساءل بنبرة أوضح بها اكتراثه بالأمر :

_ ايه اللى مضايقك طيب؟ حصل حاجة؟

أجابت بـ شبه انفعال أعلنت به عن نفاد صبرها :

_مفيش حاجة بتحصل غير جوا دماغي بس! ، انا قرّبت اخبط راسي فى الحيط من كُتر التفكير .. ومش بفكر غير فى الأفكار اللى بتنكّد عليّا وغصب عني مبعرفش ابعدها عنّي، بتفضل لازقة فيّا حالفة تخلّيني أنام معيّطة!

صمتت والتقطت أنفاسها بعنف أثر حنقها واستياءها .. وضعت يدها على وجهها وحكت جبهتها بيأس ..
بقى يراقبها بصمت تام ، يبدو عليه تأثره وضيقه من حزنها ولكنّه فضّل السكوت ليترك لها مساحة التحدث كما تريد ..

انخفضت نبرتها كثيرًا عن السابق ، حملت كل التعب والإحباط والحزن فى آن واحد :

_انا على طول قلقانة .. على طول خايفة .. كل شوية دماغي تسوّحني وتقول لي ان كل اللى بحبهم هيزهقوا ويبعدوا عنّي، لدرجة إنّي ساعات ببقى عايزة اقطع علاقتي بيهم قبل ما يعملوها همّا واتصدم ..

تابعت بأسى وألم :

_دايمًا مُخّي مصدعني بفكرة إن معنديش حاجة حلوة تخلّي حد يتمسك بيّا .. محدش هيستحمل عُقدي وقرفي وشكّي اللى شغّال عمّال على بطّال فى إن حب حد ليّا يقلّ .. انا حتى اخواتي بسألهم بيحبوني ولا لا من كُتر ما انا مش واثقة فى نفسي ومش شايفة فى نفسي ميزة ..

أدمعت عينيها و رددت بِهمّ :

_نفسي اتطمن مرّة إن في واحد بس على الأقل مش هيستغنى عنّي ..

تعلّقت عينيه بها بينما تتطلّع هى من حولها بتشتت وحزن ;يود إخبارها أنه موجود .. هو لن يتركها حتى إن فعلت هى .. هو الشخص الذى يصلح لبث الاطمئنان بقلبها ؛فقط إن منحته فرصة ..
صدقًا هو لن يمانع فى حرق العالم إن بقيت فقط جالسة أمامه هكذا .. فماذا سيفعل إن اقتربت أكثر؟

*
*
*

ارتمت جهاد على الأريكة الخاصّة بشقتها وهى تتحدث ضاحكة :

_رغينا كتير النهاردة وقعد يحكيلي على الچيم والكوتش والتمرين .. والله دمه خفيف ولذيذ ..

وتابعت :
_انت عارف؟ ، انا مبهورة بيه إنه بعد كل اللى شافه فى حياته من أبوه ده لسة عايز يبقى إنسان كويس وطيب .. مش عايز عقدته تتحكم فيه وتخلّيه واحد وحش ، بيتعامل بطريقة بسيطة كدا تحسّه شبهنا ومننا مش من الجماعة اللى أول ما يبقوا معاهم فلوس يتنططوا على الخَلق ..

بات مروان يحدقها بصمت وترقب وهو يجلس على أحد الكراسي، رافعًا قدمًا فوق الأخرى ويحاصر لفافة مشتعلة من التبغ بين إصبعي السبابة والوسطى ، تعجبت من سكوته وتساءلت :
_ايه ؟

نطق بتوجس وشكّ :

_لـ يكون اتقلب على وشُّه وحبّك يابت!

طالعته جهاد باستخفاف شديد وهى تقول :
_متزيطش يامروان وتأڤور، يحبّ مين!

رد بلامبالاة :

_واحد بيتكلم معاكِ كل شوية وبيحب يقابلك وبيجيب لك مورو وبيشاركك كل حاجة بيعملها حتى كتاباته .. يبقى ايه؟

صاحت باستنكار :
_هو مينفعش حد يعمل كدا مع صاحبه عادى؟ ليه لازم كل حاجة ندخّلها فى السكّة دي؟ .. فخر بيرتاح لي بس شوية عشان انا مش مقيّداه ،مش مضطر يرسم قدامي صورة معينة عشان ميتفهمش غلط بالعكس بسيبه ياخد راحته .. ومش معنى إن حد مرتاح لحد شوية يبقى بيحبه

_وليه لأ يعني؟

أجابته بنبرة متيقنة :

_عشان فخر مش هيسيب كل ولاد الأكابر اللى حواليه ويبص لـموظفة صغيرة بتشتغل فى شركة أبوه .. خلّيك واقعي وبطّل عبط .. ، انا حتى مش البت فاتنة الجمال يعني عشان ينجذب لي .. فكك من الهبل ده

أخذ نفسًا من سيجارته ثم خرجت كلماته مع الدخان من فمه :
_طب سيبك منُه هو ، انتِ ايه موقفك ناحيته؟

أجابت فورًا وبدون تفكير :

_موقفي متغيرش يامروان ومش هعامله أكتر من صاحب .. وحتى لو حسيت إنّي بحبه همنع نفسي بالعافية عشان انا وهو مستحيل نبقى مع بعض .. حط الكلمتين دول فى دماغك بقى واوزن الكلام بعد كدا قبل ما تقولُه .....

*
*
*
خطت ياسمين آخر درجة من السلم ووقعت مقلتيها على السيدة سحر فتوجهت إليها وهى تقول :
_طنط سحر لو سمحتي هو زيزو فين؟

ردت سحر ضاحكة :
_بيعُك فى الشاي بلبن جوا

ضحكت ياسمين ثم قالت :
_طب معلش ممكن تقوليله إنّي هقعد استنّاه فى الجنينة؟

قبل أن تبادر سحر بردّها انتفضت كلتاهما فجأة على صوت دق عنيف على الباب، وتطلعا لبعضهما بتوجس وعدم فهم ..

أخذت (بسمة) خطواتها على الدرج بثبات وهى تصيح بانزعاج :
_مين المتخلف اللى بيخبّط بالطريقة دي !

أسرعت سحر إلى الباب وفتحته لتدخل منه ناهد بعواصف غضبها، والتى اشتعلت أكثر عندما رأت ابنتها أمام عينيها تقف على بُعد صغير منها ..

ارتعدت ياسمين وهى تراقب خطواتها المنفعلة ناحيتها فأسرعت تتحدث :
_ماما استنّي انا هفهّمك اللى حصل

لم تواتيها الفرصة لمتابعة تبريرها وصاحت بتأوه عندما قبضت ناهد على شعرها بعنف وهى تصيح بغضب :

_انتِ وخداها معايا عِند مش كدا؟ بتتحدّيني يعنى وحاطّة راسك بـ راسي!!

حاولت سحر فض الأمر وهى تقول :
_بالراحة ياناهد هانم, كل حاجة ليها حل، اهدي

صرخت ناهد بها غضبًا :
_مالكيش دعوة ياسحر !

لم تهتم بسمة بما يحدث وظلت واقفة بمنتصف السلم تكتفي بالمشاهدة فقط ..

فيما حضر زياد وهرول إليهما سريعًا .. أبعد يد ناهد عنها بعنف وحال بينهما بعدما جذب ياسمين خلف ظهره ووقف أمامها كالدرع الحصين، وهدر بغضب :

_ابعدي ايدك انتِ جاية تكملي عليها !؟ مش كفاية اللى عملتيه؟؟

خرج عامر من غرفة مكتبه بتمهل شديد وركّز بصرُه عليهم دون أى اهتمام .. ;هو لا يكترث مطلقًا بأى مما يحدث فى هذا المنزل الأشبه بالسيرك الذى لا يخلو من الضجيج والإزعاج ..

تطلعت ناهد لزياد بعينين يقفز منها الحنق .. نطقت بنبرة منخفضة تنذر بانطلاق غضبها قريبًا :
_انت فاكر نفسك مين عشان تقف قدامي وتتكلم معايا كدا !؟

فُتح باب الڤيلا بهدوء ودلف منه فخر بصمت تام .. عقد حاجبيه بعدم فهم لسبب هذا التجمع .. لم ينتبه له أحد ؛فكانت أنظارهم منصبة على زياد الذى تضاعفت حدة ملامحه أكتر من حدتها المعتادة حتى أصبحت مخيفة، ونطق بهدوء شديد يتخلله التوعد والصرامة :

_صدقيني لولا إنك محسوبة عليا عمتي مكنتش هعدّي اللى عملتيه ده !

اتسعت عينيها بذهول واستنكار، ثم هتفت باستهزاء :
_خلّي بالك من كلامك يا ابن أمينة

بدا الحنق على وجه فخر من كلماتها حينما فهم فورًا أنها تنعته بهذا اللقب لتقول أن أمه لم تفلح بتربيته .. ضم شفتيه بغيظ شديد وكان على وشك الرد عليها, بل وحتى افتعال شجار معها ؛فعندما يصل الأمر لوالدته ليحترق الجميع من الأكبر للأصغر، ولن يمانع فى دهس أى ممن يمسّها بنصف كلمة ..

أخذ خطوة واحدة استعدادًا للاقتراب منها، ولكنه امتنع عن أخذ الثانية عندما رد زياد بدلًا منه ..

لم يظهر الغضب على وجه زياد كما حدث مع أخيه ولم يتنازل عن بروده المعتاد، رغم رغبته فى صفعها لتجرؤها على قول اسم أمه على لسانها العفن ..
على النقيض اعتلته ابتسامة واسعة مليئة بالتهكم والاستخفاف وقال ببرود :

_أكبر شرف ليا إنّي ابقى ابن أمينة ولو فاكرة إنك كدا بتهنيني تبقي مغفلة ياناهد هانم .. أمينة دي لو حاولتي تبقي زيها مش هتحصّلي ربعها حتى!

ظهر بعض الرضا على وجه فخر وهز رأسه بتشجيع .. في حين صاحت ناهد بغضب :
_انت نسيت نفسك خالص !

ثم واصلت بعناد :
_انت مالكش دعوة بيا ولا بأسلوبي مع بنتي .. ومتعملش نفسك فتوّة عليا، انت مالكش علاقة بيا ولا بيها عشان تتحمق اوى وتتكلم بالطريقة دي

رد زياد بعناد أكبر منها :
_وانا مش هسيبها تروح معاكي واللى عندك اعمليه

شعر بوكزة ياسمين الخفيفة لذراعه، فأدار وجهه وألقى نظرة سريعة على عينيها الخائفتين التى ترجوه أن يخفف حدته معها .. ثم عاد ينظر لعمته التى اقتربت منه خطوة لتنظر بعينيه عن قرب بقوة وتحدٍ :

_ دي بنتي انا ومحدش له كلمة عليها غيرى .. ولو دفنتها حية انت مش من حقك تحاسبني ولا تتحشر أساسًا !

دخل صوت بسمة فى الحوار وهى تقول بضجر :

_انت عايز تعمل مشاكل وخلاص ليه؟ ، ما كلّ واحد حر فى عياله مالك محروق اوي ليه كدا؟

نظرا الأخوان لتلك المرأة بنفس النظرات الحادة التى تعبر بوضوح عن عدم تحملهم حتى لسماع صوتها، والذى تبعه صوت عامر يقول بعدم اكتراث :

_سيبها يازياد تروح مع امها ومتكبرش الموضوع .. أمها أدرى بمصلحتها بلاش شُغل الجدعنة الزايد ده!

طالعه زياد بدون رد فعل مطلقًا .. ؛هذا المعتاد من "عامر تليد"، لن يتوقع منه غير ذلك بالطبع ..

لم تصمت بسمة وأضافت :

_مفيش واحدة هتضرب بنتها إلا لو غلطت أكيد وعملت حاجة .. أُم ومن حقها تربي بنتها، بتدخّل انت ليه؟

أغمض زياد عينيه محاولًا كبت غيظه منها ;لا ينجح أحد فى إثارة غضبه كما تفعل هى بطلّتها المستفزة ..

شعرت ناهد بالانتصار بعد وقوفهما معها، ووقع نظرها على فخر الواقف بعيدًا صامتًا منذ مجيئه، وقالت :

_ايه يافخر؟ مش ناوي تقول حاجة انت كمان وتعقّل اخوك؟

لم يبالِ بالتدخل نهائيًا واكترث فقط بتعديل كلمتها قائلًا بملل :

_مهندس فخر !

وزّع زياد أنظاره على الجميع بصمت تام لوقت قصير ..
استدار بتمهّل ونظر لياسمين التى لم تنطق بكلمة وظلّت غارقة فى القلق والخوف منذ بداية الحديث ..
أومأت له بهدوء تعبيرًا عن استسلامها للأمر حتى تتجنب أى مشاكل، واستعدت للتحرك صوب والدتها ولكنه أوقفها بذراعه الذى رفعه أمامها، تزامنًا مع التفاته للجميع وهو يقول ببرود تام :

_احنا قدّامنا خمس ايام لحد يوم الجمعة، ولحد ما يجي الجمعة ياسمين هتفضل هنا .. مش عِند فيكوا لاسمح الله لا خالص بس انتوا عارفين ترتيبات المناسبات دي بتبقى كتير ازاى ومتعبة فـ الاحسن تفضل مع ولاد خالها

ثم واصل ببرود أكبر :

_ياترى ايه المناسبة؟ ، انا هكتب كتابي على ياسمين يوم الجمعة إن شاء الله .. أى استفسارات؟ زغروطة بقى!

لم تستطع سحر كبت سعادتها بمجرد سماع تلك الكلمات، وصاحت بعفوية :

_يا الف نهار أبيض !

ومن ثم أطلقت زغرودة طويلة، غير مبالية بهولاء المندهشين يحاولون استيعاب ما سمعوه للتو ..

اعتلت فخر ضحكة عريضة، ألحَقها بجملة قديمة كان زياد قد وجهّها له يومًا :

_ That's my boy !!!

يتبع ..
________________________________________
🔶بالمناسبة يارفاق🔶

كلمة "أثير" في المشهد الثاني للفصل تعني (مفضّل) .. وعبارة "أثيرة الكُحل" تعني (المفضلة للكحل) ;فيما معناه أن الكُحل هو من يُفضّل أن يُزيّن عينيها دونًا عن باقي النساء ؛لجمالها وتميّزها ..

وفعليًا أنا من أكبر المعجبين بلطافة ورُقيّ صديقنا فخر وبكلماته الرقيقة ..♥️

המשך קריאה

You'll Also Like

38.8K 1.7K 41
خُلق الحب بينهم، رغم إختلاف الطرفين... فهي لا تتكلم وفاقدة للنطق منذ زمن وهو رجل ثرثار لا يخاف من شيء ومقبل على الحياة بصدر رحب هل سيكون سعيدا بأن يح...
960 99 9
"قل للمليحة فى السراب الابيض ماذا فعلتِ بناسك متعبد" اعلم ان بيت الشعر خاطئ و لكننا دائمًا ما نحاكي الشعر على ساجيتنا، فهى ابدًا لم تكن بمليحة الخلق،...
5.6K 489 9
الحياة مجرد قارب يمر بكثير من العواصف و الأمواج العتيه، تشبث به جيداً حتى تنجوا، لكن قاربى الذى صَعدتُ عليه كى انجو كان هو السبب لبدايه عذابى و رحله...
939K 92.8K 31
في وسط دهليز معتم يولد شخصًا قاتم قوي جبارً بارد يوجد بداخل قلبهُ شرارةًُ مُنيرة هل ستصبح الشرارة نارًا تحرق الجميع أم ستبرد وتنطفئ ماذا لو تلون الأ...