تُرَاب أمْشِير (مكتملة)

By shahdmedhat_

267K 16.4K 2.4K

دائمًا ما نبحَث عن الحُب .. ونادرًا ما نَعثر عليه .. ولَـكـن في أغـلب الأحيان عندما نجدُه نتركُه يَفلِـت من... More

اقتباس ومقدمة ✨
** تنويه هام **
1- (عَـائِـلـة تَـلـيـدْ)
2- (العَـمّـة المَـلْعـونة)
3- (أَسـمَـتُـه فَـخْـر)
4- (عُــقْـدة)
5- (لَحظْة انكسَار و ردّ اعتِبار)
6- ( "عُصـفورًا عَاجـزًا" )
7- (ذهـبَ إلى مَـنـزِلـها)
8- (نُـزهَة فى الحىّ الشَعبِي)
9- (الحِـمـارُ المـتهوّر)
10- (أصْـدقَاء رسْـمـيًا)
11- (هو والفَـراشَـة)
12- (تـودّيـنَ التـعَـارُف؟)
ياريت تقروا للآخر ياشباب
13- (عِـيـدُ مِـيـلاد)
14- (مـهندِس فِي ورْطـة)
15- (لَـيـلة في المـخـفر)
16- (رَفـيـقِـي)
18- (اعْـتـرَاف)
19- (فَــخّ)
20- (المُـتـهم بَـرئ)
21- (وقَـع فى المَحظُـور)
22- (قَـرار مُـفاجِـئ)
23- (المُهندس وأثيرةُ الكُحل)
24- (كُـشـفَ سِـرُّه)
25- (عَـقْـد قُـرآن)
26- (مِـصْباح مؤقّـت)
27- (عَـتْـمَـة)
28- (تُـراب أمْـشير)
29- (ظَـرف وڤِـيديو)
30- (سُـخرِيـة القَـدر)
31- (مَـلهَى لَـيلِي)
32- (رأسًا على عَـقِب)
33- (عَـودَةُ الحَـبِـيـب)
الفصل الرابع والثلاثون (CLASSIC)
35- (كَـسـرت الفَـانوس؟!!)
36- (فِي الخِدمَة يامَـولاتِي)
37- (جوّ عصابات وبتاع)
Guess the couple 🤫
38- (نـجـمـة ودبـلـتـيـن)
39- (عـ الـقَـهـوَة)
40- (رَبِـحَـتْ الـبُـومَـة)
41- (تُــحْــفَــة)
الفصل الثاني والأربعون (game over)
43- (نَـسَـمَات بَـرمُـودَة)
44- (لـنخطّ سُـطُـورنا معًا)
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الأولى•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثانية•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثالثة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الرابعة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الخامسة•
∆ هَل تـنـتـظرينَ قُـبـلـة؟؟ ∆
بـدأنـا رحـلـة جـديـدة 💙

17- (الـذكرَى الخَامـسة)

4.4K 370 51
By shahdmedhat_


**الفصل ده اتكتب بمجهود صعب جدا والله معرفش اشمعنا، بس مكانش سلِس معايا فى الكتابة كدا زى اللى فات ،والأحداث أرهقتنى عشان تتظبط
فـ تقديرًا لأنى بذلت فيه مجهود أضعاف مجهودى اللى بحطه فى الكلّية كلها ،متنسوش الڤوت وعرّفونى رأيكوا فيه ياريت**
______________________________________

.

.

.

فزعا الطفلان على صوت صياح وجدال حاد قائم بالغرفة المجاورة لحجرتهما .. ;ولدًا بالرابعة وبنتًا بالخامسة

كان هو على وشك التوجه إلى الخارج، لولا وقوفها أمام الباب لتمنعه، قائلة بصوت طفولى لم يخلُ من الجدية والخوف معًا :

_مينفعش تطلع يافخر! ، ماما قالت لو سمعنا صوت عالى منطلعش من أوضتنا

عقد حاجبيه بغضب شديد كسى ملامحه البريئة بأكملها، ثم تركها واتجه إلى السرير ليأخذ الهاتف من فوقه ويسرع بالاتصال بأحدٍ ما ، تحدث فور إجابة الطرف الآخر :

_ايوة ياجدو انت فين؟
.
.
.
تحدثت أمينة بعصبية واضحة مخاطبة زوجها الواقف أمامها بساحة الغرفة :

_هو انت فاكرني دايبة فى هواك أوى لدرجة إنّى احب اخلف منك تانى؟! ، انا مكنتش عايزة الحمل ده زيى زيك بس اهو حكم ربنا ،اعمل ايه يعنى!

أجابها عامر ببرود وحنق :
_تنزليه عادى

اتسعت عينيها بصدمة وصاحت باحتجاج :
_مستحيل اعمل كدا

_مش لسة قايلة إنك مش عايزاه؟

_مش لدرجة اقتله، ده روح! .. وبعدين ده أمر ربنا وانا خلاص راضية

صاح بخشونة :
_وانا مش عايزُه يا أمينة !!

ردت بعناد :
_ميخصنيش ياعامر

_يعنى ايه ده؟

_يعني كل واحد ينام على الجنب اللى يريحه

هتف بصرامة شديدة :
_العيل ده ينزل أحسن لك !

صاحت بحدة :
_مش هيحصل.

_انت بتتحدينى يعنى ؟!

_اعتبرها زى ماتحب ، ابنى مش هينزل إلا بموتى!

جذبها من شعرها فجأة يقول بقسوة وغضب :
_متخافيش هتنوليها قريب !

حاولت التحرر من قبضته وهى تزيحه بعنف :
_يا اخى سيبني فى حالي بقى ابعد

ولكنه على النقيض ضاعف الأمر حدة وصفعها بقوة، صفعة جعلتها تصرخ بألم حتى وصل صوتها إلى طفليها اللذان انتفض جسدهما على أثره بفزع ..

تسارعت أنفاس مريم وانكمشت على نفسها بزاوية الغرفة تبكي خوفًا، جسدها يرتجف بشدة ودموعها تنساب بكثرة ، فى حين وقف فخر يراقبها بوجه يبدو عليه الخوف أيضًا ولكنه يأبى الاستسلام ..
قلبه المنتمى لوالدته يرفض الصمت أمام أصوات صيحاتها المتألمة، فلم يقف عاجزًا وخاطَر بالذهاب إليهما..

دلف إلى الغرفة ليرى والده يبرز كل قوته فى ضربها أثناء محاصرتها فى الزاوية دون السماح لها بأى فرصة للمقاومة..

ركض فخر ناحيته وأمسك بثيابه محاولًا جذبه للخلف بجسده الضعيف وصاح بأعلى صوته :

_كفاية كفااااية !!

التفت له عامر ونظر له بشر مهيب، مما بث الرعب بنفس الصغير وجعله يرجع للخلف بارتعاد شديد ،توافقًا مع استعداد عامر للاقتراب منه ،ولكن لم تسمح له أمينة التى حالت بينه وبين ولدها بجسدها المرهق قائلة بتحذير وحدّة رغم تعبها :

_إياك تقرب منه !

_انتِ فكراني مش هعرف اكسره واكسر ضلوعك وراه !؟

مسحت الدم الذى نزف من جانب شفتيها بظهر يدها ، وهتفت بتحذير وصرامة قوية تشير باستعدادها لافتراس أى ممن يقترب من طفلها :
_مالكش دعوة بيه ياعامر !

_قلبك مات وبقيتي تقفي قصادي يا أمينة

ردت بتحدٍ وقوة :

_و اقف قصاد مليون زيك لو جم ناحيته !

غروره وتسلطه لم يسمحا له يومًا بتجاهل عنادها، بل يجبرانه على كسر أنفها أكثر حتى وإن اضطر لدهسها تحت قدميه ؛فقط لتعلن خضوعها له ويرى ضعفها أمامه ..

دفعها بعيدًا بقوة لتصطدم بالحائط وتبتعد عن ولدها الذى كان يحتمى بها ..

ارتعش جسده الصغير برعب وعاد للوراء سريعًا حتى التصق بالحائط، ولكن لم تتركه والدته رغم كل شئ وقامت بدفع زوجها بكل قوتها فجعلته يرتطم بالجدار، مما أشعل غيظه أكثر وجعله يلتفت لها ليفرغ غضبه بها أكثر من السابق ;غير مباليًا بولده الذى يتابع مايحدث بعينين متسعتين بارتعاد وعدم استيعاب ،وجسده يحاول العودة للخلف أكثر حتى قارب على الالتحام بالجدار ..

حاول استجماع نفسه قدر المستطاع وتحرك باضطراب إلى السرّاحة ليأخذ من فوقها الفرشاة ثم اقترب منه وألقاها على رأسه بقوة ..
تحقق مراده بالفعل وتوقف عامر بسبب الألم، ولكن نظرته المخيفة له كانت كفيلة بزيادة الرعب عليه أكثر، فلم يلبث حتى ركض إلى الخارج بأسرع مايمكنه ..

لم يترك الغرفة وحسب، بل ترك الشقة بأكملها ;فوقف على أطراف أصابعه ليصل للمقبض بقامته القصيرة حتى نجح بفتحه، ثم أسرع بالنزول دون ارتداء حذاء حتى ..

فى نفس الوقت كان قد خرج عامر بحثًا عنه ليذيقه عاقبة فعلته ، فوقع نظره على الباب المفتوح .. لم يتأكد إن كان قد خرج بالفعل أم أنه يختبئ بإحدى أركان الشقة
ولكنه على كل حال .. لم يحفل نهائيًا !
.
.
.
تحركت أمينة بصعوبة وهى تستند على الجدار ، ومع كل حركة بسيطة تشعر بوجع يفتك بجسدها بأكمله .. ولكن لم تدع الألم يوقفها، فكل ما يهمها الآن ابنها الذى ظنت أنه وقع بقبضة عامر الآن ..

خرجت بأسرع ما يمكنها بخطوات واهنة غير ثابتة، حتى وصلت إليه ورأته يجلس على أحد الكراسى يفرغ غيظه فى السجائر ،فصاحت بقوة وغضب :

_فخر فين !!

لم يعيرها أى اهتمام و ردد ساخرًا دون النظر صوبها :

_طفَش.

اتسعت عينيها بصدمة ووقع بصرها على الباب المفتوح، وصاحت باندهاش وهى تهم بالتحرك :

_سيبته ينزل الشارع لوحده !؟

لم تنتظر منه ردًا وسحبت حجابها القابع على طرف أحد المقاعد وارتدته وهى تركض إلى الخارج بجسدها المجهد ..
.
أسرعت بخطواتها على الدرج تناديه بقلق بالغ وهى تلف حجابها بإهمال ، حتى تعدت آخر درجة لتصل لمدخل البناية ..
وقفت أمام البوابة الرئيسية وهى تنظر يميناً ويسارًا بخوف واضح ..

ألم قلبها من القلق تخطّى ألمها الجسدى بكثير، فقد مرت العديد من السيناريوهات السوداء ببالها فى آن واحد .. صرخت بإسمه بصوت مضطرب مرعوب :

_فــــخـر !!

ظلت توزع أنظارها من حولها أملًا فى أن يظهر عندما يسمع صوتها ، سالت الدموع على وجهها الملطخ بالجروح والورم من أثر الضرب ، خفق قلبها وأصابتها وخزة مؤلمة شعرت بسببها أن قلبها يوشك على فقدان نبضه ..

"ماما"

ما إن سمعت صوته الخافت ينطق بكلمته حتى شرعت تدور حول نفسها بجنون بحثًا عنه، فلم تحدد موقعه إلا عندما سمعته مجددًا ،ونظرت داخل البناية لترى أنه فقط يختبئ أسفل السلم ولم يخرج إلى الشارع ..

هرولت إليه سريعًا لتجثو على ركبتيها أمامه وتجذبه لأحضانها وبدأت تتنفس بارتياح بعض الشئ :

_حرام عليك وقّعت قلبى

داعبت شعره الناعم بيدها لتبث له بعض الطمأنينة، بعدما رأت دموعه تنسدل على وجنتيه وعينيه ينبعث منها الخوف ولاحظت جسده يرتعش بشدة ، ضمته لصدرها مجددًا وهى تربت عليه بحنان وتهمس له بهدوء :

_بس ياحبيبى بس خلاص هدّي نفسك مفيش حاجة

مسدت فوق شعره بهدوء وتابعت :

_اوعى تنزل لوحدك تاني عشان خاطرى، متعملش كدا تانى

رد بجملة متقطعة تفصل بين كلماتها شهقات مستمرة أثر البكاء :

_كنت .. خايف .. يضربنى

هزت رأسها نفيًا وهى تقول بإصرار وتتمسك به أكثر :
_محدش يقدر يعمل لك حاجة طول ما انا موجودة ، والله ما هسيب حد يقرّب منك متخافش ..

ظلت معانقة إياه واستمرت بالتربيت عليه بصمت وهدوء حتى تشعره ببعض السكينة والاطمئنان ...

*
*
*
بنفس هذه البناية التى احتفظت بنفس تفاصيلها ;بخلاف لمسات الزمن التى وضعها على الجدران والدرج فجعلهم متهالكين قليلًا .. دلف (حازم) من باب البناية وهو يتجه إلى السلم بخطوات ثابتة متسارعة بعض الشئ ..

وصل إلى الطابق المقصود، واتجه إلى الشقة الوحيدة القابعة به ، فوجد الباب مفتوحًا قليلًا بالكاد يظهر له نصف المقعد المقابل للباب، حيث شغله فخر وهو يصب انتباهه لصفحات دفتره بين يديه ..

طرق على الباب مرتين وهو يزيح الباب بهدوء وينادى بإسمه، ليجذب نظره له وهو يقترب منه ببطء،يقول بيأس :

_يافخر! ، يافخر قولتلك مية مرة متجيش هنا، انت عنيد ليه؟

نظر له بصمت تام، نظرة خاوية لا يظهر منها أى تعبير مفهوم .. ملامحه جامدة لا حياة فيها .. يبدو وكأنه لا يكترث البتة ولكنه العكس تمامًا من الداخل

اقترب حازم حتى جلس على مسند اليد الخاص بمقعد فخر وطالعه عن قرب باهتمام :

_بقول لك ايه ماتيجي احسن نتغدّى مع بعض برا ونلف شوية

رفض فخر مُغمغمًا بخفوت :
_خلّيها بعدين

_طب نقعد فى البيت مع بعض، نعمل أى حاجة ياعم غير القعدة دى! ، يلا بس اسمع كلامي

لم يجبه بشئ، ظلت حدقتيه معلقة بالفراغ القابع أمامه، مكفهر الوجه شارد الذهن، تعصف به ذكريات الماضى من كل جانب حتى أوشكت على تفجير رأسه ..

توترت أنفاسه قليلًا وأدمعت عينيه، ما ان شعر بأن عبراته على وشك الظهور سارع بمسحها بأنامله، بينما لم يحيد حازم نظره عنه وطالعه بشفقة وهو يربت على كتفه بتعاطف ..

رفع عينيه اللامعتين بالحزن له لينظر له مباشرة، رمقه حازم بعمق واضح ولم يستلزم الأمر منه وقتًا لإدراك مدى اهتزازه وضعف كيانه واحتياجه لـ .. عناق!
فقط عناق يبث له بعض القوة..

لم يتأخر حازم وسارع بضمه لصدره بهدوء، أسند رأسه فوق خاصته بخفة وتمسك به قويًا يشعره بالأمان ويؤكد له وجوده بقربه، أخفض عينيه قليلًا ليلاحظ ارتجافة يده العفوية التى تصيبه كلما شعر بالتوتر أو الغضب، فتنهد بهمّ وزوّد من تربيته عليه وتحدث بهدوء :

_فخر انا فاهمك كويس، والله عارف انت حاسس بإيه ونفسى اعمل حاجة تساعدك بس مش عارف

أطلق فخر زفيرًا مطولًا بتعب وابتعد عنه بهدوء مجيبًا بخفوت وهو يدلك عينيه بإرهاق :

_انا مش محتاج حاجة ياحازم، كفاية إنك موجود

ابتسم حازم بخفة ونهض وهو يقول :
_هجيبلك كباية ماية طيب ثوانى.

اتجه حازم إلى الداخل ، فيما أخرج فخر هاتفه من جيبه وتفحصه قليلًا فوجد أنه قد وصلته ثلاث رسائل من جهاد تقول :

"ازيك يافخر"
"انا شوفت ياسمين منزّلة على الفيسبوك إن النهاردة الذكرى الخامسة لوفاة والدتك وطالبة ندعيلها وكدا"
"ربنا يرحمها يارب ، تعيش وتفتكر .. انا قولت واجبى اعزيك بردو ، إن شاء الله هى فى حتة أحسن بكتير ، يارب تكون انت واخواتك تمام"

لم يظهر عليه رد فعل يذكر واكتفى بكتابة بعض الحروف :
"متشكر ياجهاد"

خرج من المحادثة وكان على وشك إغلاق التطبيق، ولكن توقف عندما لاحظها تكتب، وأرسلت :

"انت كويس؟"

سكت قليلًا ثم عاد للمحادثة من جديد وأجاب :

"مش عارف والله"

بضع ثوان وأتاه ردها :

"لو محتاج تتكلم أنا موجودة ، انت بردو سمعتني قبل كدا ومعنديش مشكلة خالص أسمعك انا كمان لو عايز"

*
*
*
جلست ياسمين على السرير وهى تتحدث بالهاتف مع صديقتها (منة) ، تتناقش معها ببعض الأمور الخاصة بالدراسة .. قطعت حديثها فجأة عندما فزعت من دخول أمها دون سابق إنذار وهى تناديها ..

نظرت لها ناهد رافعة أحد حاجبيها وسألت :
_بتكلمي مين؟

_دى منة صاحبتى

اقتربت منها ناهد وجذبت منها الهاتف لترى اسم الطرف الآخر، وعندما تأكدت منها أعادت لها الهاتف تقول :
_اقفلى دلوقتى عايزاكي

وضعت ياسمين الهاتف على أذنها و رددت بخفوت :
_باى يامنة دلوقتى هكلمك تاني

أغلقت الخط ثم نظرت لها معاتبة إياها بحزن :
_ايه ياماما؟ بردو بتشكي فيا ؟!

_مش انتِ اللى اتخضيتى أول مادخلت كأنك عاملة مصيبة؟

_اتخضيت عشان حضرتك دخلتي فجأة مش عشان خايفة من حاجة

لم تكترث ناهد وتحدثت بما تهتم به :

_خلينا فى المهم دلوقتى .. عايزاكي تلبسي وتروحي بيت خالك وتقعدى مع زيزو وتهونى عليه، حسسيه كدا إنه يهمك وخايفة عليه و واقفة جنبه

وأضافت بحنق :

_والبسى حاجة تشد عين الواد شوية متبقيش غبية !

ثم همت بالخروج صائحة :
_يلا خلّصى ..

زفرت ياسمين بضيق واستياء من معاملة أمها لها كالبضاعة التى يجب تلميعها حتى تجذب انتباه الزبون .. ومع ذلك لم تنطق بكلمة والتزمت الصمت ....

*
*
*
دلف عز إلى غرفة والده وتوقف عند عتبة الباب ليلقى نظره على رؤوف وهو يجلس على مقعده يعطِ ظهره للباب، لم يكن بحاجة لرؤية وجهه لاستكشاف دموعه فقد كانت واضحة من أصوات أنفاسه التى يحاول جعلها منتظمة، ولكن للبكاء رأى آخر ..

تنهد عز بهمّ واقترب منه ونطق بهدوء :
_بابا

لم يجبه رؤوف ولم يوجه له ولو نظرة خاطفة حتى ..
اقترب منه عز حتى جثا على ركبتيه أمامه أرضًا وأمسك بيده يربت عليها بحنوّ وقال برجاء :

_بابا بلاش كدا أرجوك متتعبش نفسك، العياط ده مفيش منه فايدة

استمرت دموع رؤوف بالانهمار وتحدث بصوت يغطيه الندم والتوجع :
_عمتك كانت ست جميلة اوى ياعز .. جميلة من كل ناحية لدرجة إنك متعرفش تشوف فيها عيب ، مكانتش تستاهل واحد حقير زى عامر

تضاعفت دموعه أكثر واهتز صوته كثيرًا :
_كل ما افتكر انّى سِبتها فى ايده بحس إنّى مستاهلش أى حاجة حلوة فى حياتى

اعترضه عز قائلًا :
_يابابا عمتى مكانتش بتحكيلك حاجة أصلا، انت مكنتش تعرف اللى بيعمله معاها

صاح باحتجاج :
_كان لازم احس بيها ! ، دى اختى الوحيدة ياعز .. وانا مهتمتش بيها

_والله يابابا انت مشيّل نفسك ذنب على الفاضى ، كلنا عارفين عمتى لما كانت بتطلب الطلاق كان بيعند فيها وبيقول لها هتمشى ومش هتاخدى ولادك معاكي ، وهى استحملت عشانهم ..

وأضاف مؤكدا :
_عمتى خبّت عليك عشان كانت عارفة إنك لو اتدخلت ولادها اللى هيتضروا فى النص، انت مالكش دعوة هى اللى كانت بتعرف تداري .. وانت لو كنت فى موقف شبه ده وحاسس إن ولادك ممكن يتأذوا لو قولت حاجة معينة أكيد مكنتش هتتكلم

نبس بصوته الباكى ألمًا ووجعًا :
_حياتها ضاعت ياعز ، كان المفروض تتجوز عشان تبتدى تعيش أيامها مش تتدفن بالحيا

ربت عز على كفه مجددًا قبل أن يقبّل يده بهدوء ثم ينهض ويقبل رأسه ويقول :

_قوم يابابا نقعد برا .. متسيبش نفسك للأفكار دى تسيطر عليك لو سمحت، يلا قوم معايا .....

*
*
*

خرجت من باب ينايتها قاصدة سيارته القابعة بالقرب منها وسط ضوء النهار ..
رأته يقف عند مقدمتها يستند عليها وهو يعقد ذراعيه ببعضهما، وعينيه مثبتة في الفراغ بشرود تام .. يرتدى بنطالًا من اللون الكحلى وقميصًا سماوى اللون ، بينما نزلت هى بملابس البيت القطنية العادية التى تكونت من بنطال رمادى اللون وقميصًا من نفس اللون مكتمل الأكمام، وقد أضافت وشاحًا خفيفًا حول كتفيها ,ولم تتخلّى عن الكحل كعادتها وتركت شعرها الطويل منسدلًا ..

أفاق على صوتها تنطق إسمه بهدوء، فتوجه بصره نحوها حتى وقفت أمامه وسألته بابتسامة صغيرة :

_عامل ايه؟ وزيزو ومريم عاملين ايه؟

حرك كتفه بعدم اهتمام :
_كويسين

ثم أسرع يقول :
_بصى انا عارف انا مكانش ينفع افاجئك وآجى هنا بس ....

قبل أن يواصل باقى كلماته كانت قاطعته هى سريعًا :
_متقولش كدا انت تيجي فى أى وقت عادى

ابتسمت ابتسامة واسعة ورفعت يدها بتفاحة حمراء قائلة :
_وجبت لك التفاحة بتاعتك اللى نسيتها

ضحك بهدوء وأخذها منها ولكن سرعان ما وقعت منه، كان على وشك الانخفاض لأخذها ولكن سبقته جهاد ولحقت بها قبل أن تتدحرج بعيدًا، ثم أعادتها له قائلة بضحكة بسيطة :

_معلش ابقى اغسلها بقى

تنهد وأخذ التفاحة ليضعها بسيارته من خلال النافذة المفتوحة ثم أعاد نظره لها وتساءل :

_انتِ اخبارك ايه؟، قولتي لمروان على الكلام اللى قالته امه؟!

نفت برأسها مجيبة :
_لا لا انا مش عايزاه يعمل معاها مشكلة، مش عايزة علاقته بمامته تتوتر بسببى .. وده اللى خلّانى اجيلك ساعتها عشان مكنتش هقدر افضفض معاه واتكلم على امه يعنى

هز رأسه بفهم قبل أن تقول هى:
_سيبك منّى المهم انت؟

أصدر تنهيدة طويلة مهمومة ولاذ بالسكوت للحظات ثم تحدث دون تصويب نظره لها :

_كل سنة فى نفس اليوم ده بالذات رجلى بتاخدنى لشقتنا القديمة مع إنى عارف لما اروح هفتكر كل حاجة وحشة حصلت فيها وهتنكّد زيادة ..

نظر لها وتابع عاقدًا حاجبيه بضيق شديد :

_كان نفسى انا وابويا علاقتنا تبقى سوية وطبيعية زى أى اب وابنه .. بس احنا فى بيننا مسافات وسدود كتير اوى عمرها ما هتتهد، وحتى لو حاولت من ناحيتى هو عمره ما هيحاول من ناحيته .. مش قادر ينسى عقدة إنه كان مجبور يتجوز امى ولا حتى عايز يحبنا ،زى مايكون ولادها لوحدها وهو مستحملنا فَضل وجِميل من عنده.

استطرد بوجه مكفهر ونبرة مهزوزة بتأثر واضح :

_عمره ما خاف علينا ولا حسسنا بالأمان، بالعكس .. احنا كنا بنترعب أول مايدخل من باب البيت، كانت أمى طول ماهو موجود تخلّينا قاعدين فى الأوضة عشان خايفة علينا منه ..
انتِ متخيلة البيت اللى هو المفروض أول مصدر أمان ليكِ تبقى عايشة فيه خايفة وبتستخبّى!

ظهر الحزن الشديد عليها أثناء استماعها له ولم تنبس بشئ لتتركه يتحدث كما يريد ..

_جدى كان راجل شديد وكلمته لما بتتقال لازم تتعمل وهو اللى أصرّ عليه إنه يتجوزها عشان يشيل مسؤولية والكلام الفاضى بتاع "لما يتجوز هيعقل" ..
أفكار جاهلة راحت ضحيتها واحدة غلبانة كانت كل اللى عايزاه تعيش حياة مستقرة وهادية مش أكتر

ثم تابع متعجبًا :
_ بس جدى حتى وهو جامد كدا كان بردو حنيّن، مكانش عنده كمّ القسوة والجبروت اللى عند ابويا ده!

شعر بغصة تطبق على أنفاسه فأخذ نفسًا عميقًا ملأ به صدره ثم زفره على مهل ، واستطرد :

_عارفة؟ ، امى لما حملت فى زياد ابويا مكانش راضى وكان مصمم يخليها تنزّله .. ولما رفضت مد ايده عليها .. قدام عينى

بان الألم بصوته كثيرًا مع جملته التالية والتمعت عينيه بالدموع :

_ومكانتش آخر مرة ..

أدمعت عينيها بتأثر وشفقة ،بينما يواصل :

_ جدى ساعتها جه وشاف اللى حصل واتخانق معاه خناقة كبيرة ، وقرر ياخد أمى عنده لحد ماتولد عشان مكانش ضامن ان ابويا ميقربش منها تانى .. وطبعا خدنا معاها

اعتلته ابتسامة جانبية ساخرة ، ونبس بتفانٍ :

_مش هبالغ لو قولتلك إن التسع شهور دول كانوا أحسن فترة فى حياتى عشان بس كنا بعيد عنه

ترددت عينيها فى الأنحاء بحزن وحيرة ;ما الذى يمكن قوله ليخفف عنه ألمًا كهذا؟

انتبهت له عندما قال وهو يستعد لفتح باب السيارة :

_هوريكّى حاجة

راقبته وهو يحضر شيئًا ما ثم أغلق السيارة والتفت لها ليريها دفتره الأنيق ذو الغلاف الخشبى ..

ولكن قبل أن ينبس بحرف وقع الدفتر من يده لا إراديًا ؛بفعل تلك الحالة التى لا تدعه وشأنه ;حيث تتوقف أعصاب يده للحظات وترتعش بوضوح ،دون القدرة على إمساك شئ حتى تعود لطبيعتها ..

مالت جهاد لتتناول الدفتر ثم اعتدلت وهى تقول ضاحكة :

_انت مالك النهاردة؟

شرع يضم قبضته ويفتحها أكثر من مرة ،كمحاولة فاشلة لإيقاف رجفتها ، نفخ بملل وقال :

_هى حالة زفت بتجيلى كدا لما بتعصب أو بتوتر

استفسرت قائلة :
_ازاى؟

_ أعصاب إيدى بتتأثر نفسيًا وبتقف كام ثانية فـ مش بعرف أمسك حاجة لحد ما تروح لوحدها

تساءلت متعجبة :
_دى بتحصل لك من زمان؟؟

_كانت بتحصل قليل زمان بس بالتدريج بقت تزيد

_ومالهاش علاج؟

ردد بضجر ويأس :
_علاجها متعصبش !

ضحكت بخفة وقالت :
_سلامتك الف سلامة .. ياسيدى روّق محدش واخد منها حاجة

مدت له الدفتر قائلة :
_تمام؟

زفر بعدم اكتراث والتقط منها الدفتر ، حدق به قليلًا ثم استرسل قائلا بهدوء :

_النوتة دى كانت آخر هدية تجيبهالى امى قبل ماتتوفّى .. فضلت اربع سنين محتفظ بيها فى صندوق عشان احافظ على الذكرى بتاعتها، بس بعدين مؤخرًا لما فكرت حسيت إن ذكراها هتبقى عايشة أكتر لو استخدمتها ..

لم تفارقه بسمته الهادئة أثناء تحدثه، وتابع :
_هى زى ماتقولي كدا بطلع فيها أفكارى .. شوية خواطر وعبارات على جُمل عشوائية كدا ، فى الغالب بيجيلى الإلهام من المواقف اللى بتحصل حواليا أو اللى بتحصل معايا ، وأوقات بتيجى فى دماغى فكرة قبل ما انام .. كدا يعنى

غلبتها ضحكة واسعة باهتمام وصاحت بحماس :

_الله! انت ليك فى الكتابة؟!

ابتسم من أسلوبها المتحمس وأومأ بإيجاب، فأسرعت تسأله بلُطف :

_طب ممكن تورّينى حاجة انت كتبتها ؟

استجاب لطلبها وفحص بين صفحات الدفتر قليلا حتى استقر على إحدى الصفحات ثم أعطاه لها وهو يقول :
_دى آخر حاجة كتبتها

تناولت الدفتر من يده وقرأت الكلمات المدونة به :

"أخبروك أن استمرارية السعى لا تعنى حتمية الوصول
ولكنهم نسوا إخبارك بالباقى ..

استمرارية السعى لا تعنى حتمية الوصول
-لما تريد-
ولكنها تعنى الوصول للمكان الصحيح والأنسب لك، فتحلّى ببعض المرونة والصبر، وانهض لمواصلة طريقك .."

ظهر عليها الإعجاب الشديد وهتفت بحرارة :

_حلوة اوى!

رفعت مقلتيها له متابعة :
_صح فعلًا عندك حق

أعطته الدفتر وهى تهتف بحماس كطفل صغير :
_ورّينى حاجة تانية ورينى حاجة تانية!

ضحك بسرور يتخلله التعجب من رد فعلها وتساءل :
_عجبتك اوى كدا؟

_اه انا أصلا بحب الحاجات دى جدا

نظر بالدفتر وراح يقلب بين الصفحات لبرهة ،حتى اختار واحدة ثم عاد يناولها إياه ،فأخذته وقرأتها، وسرعان ما عبّرت عن إعجابها قائلة بابتسامة عريضة :

_تحفة يافخر بجد

نظرت له ونبست برقّة :

_هو ينفع كل ما تكتب حاجة جديدة تبعتهالي؟؟

اعتلته ابتسامة واسعة بترحيب وأومأ بموافقة :

_معنديش مانع ......

*
*
*

جلست مريم فوق سريرها، تثني قدميها لتضمها لصدرها وتُسند ذقنها على ركبتها ..
تركت نفسها للبكاء ولم تحاول منع نفسها ، حتى إن حاولت فلن تستطيع على أى حال ..

تتساقط دموعها بغزارة وكأن عينيها أصابها فيضانًا، حتى أصابتها شهقات لا إرادية ..

استمعت لصوت دقات فوق الباب، فصمتت فورًا حتى يعتقد الطارق أنها نائمة ويتركها وشأنها .. ولكنها غيّرت رأيها عندما سمعت صوت صديقتها (رنا) :

_مريم انا رنا ممكن تفتحي نتكلم شوية؟

نهضت من مضجعها وقررت فتح الباب ، نظرت لها بعينيها الذابلتين بصمت تام .. فيما رمقتها رنا بشفقة ورسمت بسمة صغيرة على وجهها ;تعرف حالتها عن ظهر قلب كلما مر عليها هذا اليوم وكيف تقضى الساعات فى البكاء على والدتها التى لم تخرج عن بالها يومًا ،ولكن يومَ شهدت وفاتها كان أكثر الأيام قساوة وتعاسة ..

لم تنطق رنا بشئ واقتربت منها لتضمها إليها ..
وكأنما رأت مريم مأمنها وارتمت فورًا بأحضانها، تاركة نفسها لنوبة قوية من البكاء المريع ..

أخذت رنا تربت فوق ظهرها ويدها الأخرى تمسد على شعرها بهدوء ،وهى تهمس لها بأن كل شئ سيكون بخير وتذكرها بمدى قوتها على تخطى حزنها ...

تشبثت بها مريم قويًا وكأنها تخبرها بامتنانها لوجودها الذى يحمل عنها عبء الكثير مما يثقل كاهلها ويطبق على أنفاسها ..

تمر مرارة الأيام بصديق وفىّ يحبك بصدق ويكترث لأمرك ..
صديق يغنيك عن العالم بأسره، قادرًا على خلق شعاع الأمل من أعماق ظلمة اليأس ,فقط بوجوده معك ....

*
*
*
كان يجلس زياد وحده بحديقة المنزل فوق مقعد واسع ، يفرد ذراعيه على مسند الظهر الخاص بالمقعد ويضع سماعات أذن لاسلكية (بلوتوث)، ويعيد رأسه للخلف مغمض العينين شاردًا فى عالم آخر ..

فتح عينيه عند شعوره بيد تربت على كتفه بهدوء، رفع عينيه لها .. ابتسم بمجرد رؤيتها رغم الضيق البادى على وجهه .. نزع السماعات وقال :

_ايه ده جيتي امتى؟

أجابت ياسمين :
_لسة دلوقتي

أفسح لها المجال لتجلس بجواره :
_تعالي اقعدي

استجابت له وجلست بهدوء قائلة :
_انا طلعت شوفت مريم وبعدين سألت عليك قالولى قاعد هنا .. أخبارك ايه؟

أجاب بلامبالاة وهو يدس السماعات بجيبه :
_اهو تمام

تطلعت بوجهه بعمق وتساءلت بشك :
_أكيد؟

ارتكز بصره عليها ، أطال نظراته قليلًا بثبات وظهرت عليه ابتسامة باهتة وهو يحرك كتفه بعدم اكتراث ..

لاذ بالصمت لبرهة ، مرت الثوانى وعينيه تتردد من حوله بعدم ارتياح ، التمعت حدقتيه بحزن شديد وهو يتحدث بصوت متحشرج :

_انا بَكره اليوم ده اوى

لم ينظر صوبها وظلت أنظاره معلقة باللاشئ ، ونبرته مهتزة بوضوح :

_كل حاجة طعمها بقى ماسخ من ساعة ما ماتت ، لو فى حاجة كانت حلوة فـ ده بس عشان أمى أكيد حطت فيها ريحتها .. الكلمة العادية اللى مبتعملش فرق كانت بتلمسنى عشان طالعة من لسانها هىّ

أطلق زفيرًا متعبًا لم يخرج براحة ثم نظر لها قائلا :

_بس انا مش انانى بردو ، انا اه عايزها معايا بس بردو هفرح لراحتها .. انا عارف هى كدا مرتاحة أكتر ما كانت عايشة فى الحياة المقرفة دى ..

عقد ذراعيه ببعضهما وعادت مقلتيه تحملق فى الفراغ بوجه متجهم بضيق ونبس بخفوت :

_ارتاحت من الإهانة والضرب وقلة القيمة والمعاملة الزبالة اللى مكانتش تستاهلها ..

أخذ شهيقًا عميقًا ثم زفره على مهل و ردد مع نفسه مبتسمًا بحزن :

_فى الجنة يا أمينة إن شاء الله

تمتمت ياسمين بخفوت:
_يارب آمين

خيم الصمت لثوانٍ قليلة ، وأبت إطالة الأحزان أكثر من ذلك وخاطبته بضحكة واسعة :

_انا جِبت لك حاجة بتحبها على فكرة

فتحت حقيبتها وأخرجت منها حقيبة بلاستيكية ورفعتها أمام وجهه وهى تهتف بطريقة مسرحية حماسية وكأنها تراضى طفلًا صغيرًا :

_شاورماااا

ضحك من أسلوبها بشدة ، بينما تابعت هى :

_جبتها عشان ناكل سوا ونعمل شاى بلبن ونرغى شوية، ايه رأيك؟

رد باستنكار وهو يضحك :
_هنشرب شاى بلبن مع شاورما؟

_لا ناكل الأول وبعدين نشرب

ابتسم بهدوء وأومأ بقبول وقال :

_فى بيبسى جوا، اجيب؟

ضحكت بحماس موافقة :
_ماشى يلا .......

*
*
*

فتحت حنين باب شقتها له وسرعان ما هبّت بوجهه باندفاع صائحة :

_انت كنت فين!! ، انت عارف انا رنيت عليك كام مرة!؟

عاد فخر للخلف خطوة من فزعه منها ثم أجاب :
_الموبايل كان silent "صامت" .. ، وبعدين انا بعتت لك رسالة وقولتلك هجيلك أصلًا

تطلعت من حولها قليلًا ثم ردت :
_مخدتش بالى مشوفتهاش

تجاهلت الأمر وتابعت باهتمام :
_سيبك خلاص ، المهم انت كويس؟

أجاب بعدم اكتراث :
_عادى يعنى

اعتلتها ابتسامة واسعة متحمسة وهى تقول :
_طب انا عملت لك حاجة حلوة

تساءل بفضول :
_ايه دى؟

صفعت كفّيها ببعضهما فخرجت منها صقفة تنم عن حماسها :

_ كيكة بالكريمة وعليها تفاح !

ضحك وقال :
_ده زمان التفاح اسوّد

_لا انا مش غبية كدا يعنى ، انا عملت الكيكة وحطتها فى التلاجة وقولت احط عليها التفاح قبل ما ناكلها على طول

ثم قالت بضحكة مترقبة :
_ايه رأيك نتمشّى شوية واحنا بناكلها؟

أومأ بقبول :
_ماشى أنا هستنّاكى تحت .. متتأخريش

*
*
*

_يادى نفس الحوار اللى بنتكلم فيه كل شوية ده !!

صاح مروان بجملته بكل تأفف وهو يسير بساحة شقته مبتعدًا عن والدته التى لحقت به تقول بإصرار :

_ماهو انا طول ما انا مش بتكلم بتفضل مكبر دماغك ، وانا مش هفضل واخداك على قد عقلك كدا كتير

وقف والتفت لها ينطق بملل :
_يا ماما الحياة مش عبارة عن جواز وخلاص ,ماتسيبى كل حاجة بظروفها انا مش فاهم ايه الزن ده؟!

_يابنى حرام عليك بقى! هو انا عندى ولاد غيرك؟ مش من حقى افرح بـابنى الوحيد واشوف عياله؟!
نفسي اشوفك فى بيتك ومستقر وعندك أطفال .. انا مش عارفة انت معترض ليه؟ ما الحمدلله ربنا كارمك وتقدر تفتح بيت، ايه اللى مانعك؟!

دلّك مروان وجهه بمنتهى الضجر وصمت للحظات ثم قال :

_بصى ياماما ، انا هريحك شوية واصارحك بحاجة .. انا فى بنت معجب بيها بس لسة مش عارف الدنيا ما بيننا هتمشى ازاى، وكنت مستنّى اعرف آخد خطوة حقيقية الأول قبل ما ابلغّك بس خلاص بقى

صاحت صابرين بكل حماس وفرحة غامرة :

_بجد؟! يا الف نهار أبيض ده مين الحلوة دى؟! ، مين هى واسمها ايه وبنت مين؟

_لا لا فكك من التفاصيل دى مش مهمة دلوقتى، بس هى مؤدبة وجميلة وهادية ربنا يكرم إن شاء الله.. انا هدخل انام بقى

كان يعتقد أنه عندما يخبرها بهذه الكذبة الصغيرة ستسعد فقط وستكف قليلًا عن فتح سيرة الزواج، ولكن لم يحدث ماتوقعه بل طلبت منه رؤيتها وأوقفته عن التحرك إلى الداخل :

_استنّى تنام ايه؟ انت لازم تاخد لى معاها معاد عشان اشوفها

ردد بتعجب :
_تشوفى مين؟!

_اشوف عروستك، اه مانا لازم اتعامل معاها واعرف شخصيتها وأسلوبها ..

_لا لا مش هينفع

قاطعته صابرين بكل إصرار :
_مش هاخد منك أى أعذار ، روح ابعت لها حالا وقول لها انا وماما هنقابلك .. شوفها عايزانا نتقابل فين ونروح لها لحد عندها

كان على وشك التحدث ولكنها منعته مجددًا واقتربت منه لتقبل وجنته بسعادة كبيرة :

_الف مبروك ياحبيبى الف الف مبروك ، يارب يجعلها من نصيبك إن شاء الله..

ثم تركته وطارت إلى غرفتها بخفة كالفراشة من فرط السرور ، بينما وقف مروان يحدق بأثرها وهو يلعن رأسه الغبى الذى طرح هذه الفكرة، وضرب جبهته مهمهمًا بحنق :

_ايه اللى انا نيّلته ده !

*
*
*
وقف زياد بصحبة ياسمين بساحة مطبخ الڤيلا الواسع، تحديدًا أمام الرخامة التى وضع فوقها كوبين لتحضير الشاى بالحليب، نظر لها وقال :

_كام معلقة سكر؟

_تلاتة

أشاح بوجهه بعدم اهتمام يقول باعتراض :

_كفاية واحدة انتِ مش لاقية صحتك فى الشارع

ضحكت وقالت متصنعة البراءة :
_طب اتنين حتى!

أومأ ضاحكًا ونطق برضا :
_زى بعضه ماشى

راقبته وهو يضع لها معلقتين ووضع بخاصته أقل من نصف معلقة، فعلّقت :
_بس كدا؟

صاح مشيرًا على جسده :

_اومال انتِ فاكرة الفورمة دى جت من الهوا وخلاص؟ ، ده انا طلع عيني عشان اعملها ولو ضاعت هيجيلى ذَبحة

ثم نطق بانفعال :
_لا انتِ لو مش شايفاها همشى قالع بعد كدا، ده شقى سنين لازم تاخدوا بالكوا منها

لكمته بكتفه بقوة :
_خلاص عرفنا عرفنا !

تبادلا الضحك بخفة ثم التفت للحليب الذى أشعل عليه النار مسبقًا، عاد ينظر لها عندما تساءلت :

_طب انت ليه مش بتخلّى حنان تعملهولك مثلًا ولّا حاجة؟

_مبحبوش من إيد حد ، بحب اعمله بمزاجى انا ..

أطفأ النار ثم ارتدى قفاز يحول بين يده وحرارة إناء الحليب ،ثم حمله بحذر وبدأ بصبّه فى الأكواب، متابعًا :

_وبعدين حنان دى الدلدول المخلص بتاع بسمة، يعنى مش بعيد تسمّنا .. واحنا مأكدين على ست سحر متخلّيهاش تمد ايدها فى الأكل ولا حتى فى كباية ماية

ترك الإناء ثم بدأ بتقليب الأكواب وهو يقول :
_فى بسكوت بالعجوة على الشمال من فوق، هاتيه

استدارت من خلفها وفتحت الخزانة العلوية ورأت البسكويت فى الأعلى، فوقفت على أطراف أصابعها ومدت يدها بأقصى مدى، ولكنها لم تصل له رغم ذلك بسبب قامتها القصيرة ..
تفاجأت به يقف بجانبها ليحضره بكل سهولة، ثم نظر لها بيأس مازح أثار استفزازها :

_كنت فاكرك هتطوليه، خذلتينى.

صاحت بغضب :
_انت بتعمل منّى نكتة بقى !

ضحك بقوة وقال :
_مقدرش يافراشة ياصغيرة ..

ثم أردف :

_يلا يلا تعالي دوقى حلاوة الشاى بلبن وهو من إيدى تعالي ....

*
*
*
بداخل سيارة فخر حيث جلس بصحبة حنين وهما يأكلان الكعك الذى حضّرته هى مسبقًا، حيث أمسك كلًا منهما بطبقه الخاص .. وقد نبس فخر محذرًا بحدة :

_عارفة لو لقيت فتافيت مكانك هعمل فيكي ايه؟

_ما انا جبت لك اطباق اهو، اعمل ايه تانى؟

_انا بأكد عليكى بس عشان تخلص الليلة على خير ، انا أصلا مانع الأكل فى العربية بس عملت لك استثناء عشان مش قادر امشى ..

ختم حديثه بقضم قطعة من الكعك، فى حين هتفت حنين بترقب وقالت مبتسمة :

_طب قول لى بس .. ايه رأيك فى الكيكة؟

هز رأسه برضا :
_حلوة .. زايدة سكر حبّة بسيطة بس ماشية يعنى

اختفت الابتسامة عن وجهها ومدّت يدها لتأخذ قطعته من يده وهى تقول :

_هات ، متاكلش منها طالما مش عاجبك ،يلّا روح شوف طريقك امشي

صاح بامتعاض :

_يابنت القمّاصة! ، اومال بتسألي على رأيي ليه؟

_انا بسأل عشان تطبل لى مش عشان تقول رأيك بجد !

هتف بانبهار ساخر ليجاريها :
_انا مش قادر اقول لك انا لسانى عاجز قدام الحلاوة دى كلها ازاى! ، انتِ ازاى ايدك بتطلّع الحاجة بالروعة دى مش معقول انا مش عارف اقول ايه ولّا ايه

قهقهت بقوة قبل أن تعيد له قطعته وهى تقول متصنعة السماح :
_اوكي خلاص رضيت عليك

تبادلا الضحك وأخذ منها الكعك وواصل تناوله برفقتها ...

*
*
*

خرجت والدة حازم (ولاء) من الحمام وسارت إلى ساحة الشقة لتتفاجأ بوجود تلك الضيفة الثقيلة (نرجس) تحتضن حفيدها الصغير (عبدالله) وتبادله الحديث بلطافة، بينما تضع زوجة ولدها (مى) العصير على الطاولة ..

لوت شفتيها بملل وقالت :
_مساء الخير

نظرت لها نرجس وقالت بضحكة واسعة :
_ازيك ياطنط أخبارك ايه؟

_أحسن منك
طرحت ولاء ردها بأسلوب ممتعض ينم عن عدم قبولها لها، ولكن قابلتها نرجس بالضحك آخذة الأمر بمزاح :

_يارب دايمًا ياطنط، احنا نِكرَه؟

زفرت ولاء بضجر والتفتت لمىّ قائلة :
_انا داخلة اريّح ضهرى شوية يامى، لما حازم يجى قوليلي عشان اتعشّى معاه

ردت مى :
_عيني ياماما حاضر

أعادت نظرها لحفيدها الجالس بجانب نرجس التى تحيطه بذراعها وتقرّبه إليها بشدة، فاسشاطت غيظًا وخاطبته قائلة :
_تعالى ياعبدالله اقعد معايا شوية عشان مبحبش ابقى لوحدى

نهض عبدالله وركض إليها فورًا ليتمسك بيدها وهو يقول بحماس :
_هتحكيلي حكاية زى امبارح ياتيتة؟!

نظرت له قائلة بحنان :
_هحكيلك مية حكاية كمان ياروح تيتة

نظرت لهما مردفة بعدم اهتمام :
_بالإذن.

ثم تحركت آخذة الصغير بصحبتها وتركت السيدتين معًا ..

جلست مى بجانب نرجس التى تمتمت بخفوت :
_هتضربني بحاجة المرة الجاية

ضحكت مى وقالت بعدم اهتمام :
_مالكيش دعوة بيها، ست كبيرة خديها على قد عقلها وخلاص

_هى قاعدة معاكوا كتير؟

_ دى يادوب جت من يومين ،حتى لو قررت تمشى لا انا ولا حازم هنسيبها أكيد لازم تقعد شوية

صمتت نرجس قليلًا ثم نطقت بتردد :

_بمناسبة سيرة حازم يعنى، عايزة أسألك سؤال كدا

ردت مى بتعجب :
_ايه؟

أعربت نرجس عن سؤالها بفضول :
_هو انتِ مبتشكيش فيه؟

قطبت حاجبيها باستغراب مجيبة :
_وهشك فيه ليه؟

ردت عليها نرجس ساخرة :
_ومتشكيش فيه ليه أصلا ياحبيبتى، الرجالة دول ملهمش أمان أصلاً

أنكرت مى وهى تهز رأسها نفيًا :
_لا لا حازم مش كدا خالص

لوت شفتيها بلامبالاة وقالت :
_متنسيش إنى كنت بقول كدا على طليقى قبل ما اعرف إنه باصص لواحدة تانية بردو

احتل التعجب كل قسمات مىّ وزاغت عينيها من حولها بحيرة ،فيما واصلت نرجس :

_بصى يامىّ .. انا مكنتش عايزة اقول لك كدا خالص بس بردو ميرضنيش تبقى على عماكي خالص كدا.

ثم أوضحت :

_ حازم كل ما بزورك ويشوفنى بيبص لى بطريقة مش مريحة ومش سالكة ، وأشك ان اللى مانعُه يتكلم معايا بس هو انّى صاحبتك .. لكن الله أعلم بقى هل فى واحدة تانية بتشوف نفس النظرات دى كمان ولا لا

اتسعت عينى مىّ بدهشة و رددت بعدم تصديق :
_ايه اللى بتقوليه ده يانرجس !!

ردت نرجس باهتمام :
_والله ياحبيبتى ما كنت عايزة اقول لك كدا بجد عشان متضايقيش، بس قولت يمكن لو فى مشاكل بينكوا ولّا حاجة تحلّيها وتقرّبوا لبعض تاني بدل ما تتفاجئى بحاجة كبيرة بعد كدا

اخترقت تلك الكلمات عقل مى ولم تتجاهلها ، التزمت بالصمت وصارت توزع أنظارها من حولها بتفكير وتوجس .........

يتبع..
______________________________________
* Published in 19 may 2023*

Continue Reading

You'll Also Like

356K 30.2K 13
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...
94.1K 7.4K 25
عالم جديد ابتلعهما فرض عليهما الحب ولكن أيستسلما له أم يقاوما تيار الحب الجارف الذي امتلكهما؟
8.5K 427 11
كان يقف بعض الطلاب داخل المشرحه وإمامهم جثه كان كل منهم ينظر إليها برعب ومنهم من كان ممسك بيد الآخر بخوف. مر نصف ساعه وهما علي هذا الحال حتي اتي ا...
38.5K 1.7K 41
خُلق الحب بينهم، رغم إختلاف الطرفين... فهي لا تتكلم وفاقدة للنطق منذ زمن وهو رجل ثرثار لا يخاف من شيء ومقبل على الحياة بصدر رحب هل سيكون سعيدا بأن يح...