تُرَاب أمْشِير (مكتملة)

By shahdmedhat_

266K 16.4K 2.4K

دائمًا ما نبحَث عن الحُب .. ونادرًا ما نَعثر عليه .. ولَـكـن في أغـلب الأحيان عندما نجدُه نتركُه يَفلِـت من... More

اقتباس ومقدمة ✨
** تنويه هام **
1- (عَـائِـلـة تَـلـيـدْ)
2- (العَـمّـة المَـلْعـونة)
3- (أَسـمَـتُـه فَـخْـر)
4- (عُــقْـدة)
5- (لَحظْة انكسَار و ردّ اعتِبار)
6- ( "عُصـفورًا عَاجـزًا" )
7- (ذهـبَ إلى مَـنـزِلـها)
8- (نُـزهَة فى الحىّ الشَعبِي)
9- (الحِـمـارُ المـتهوّر)
10- (أصْـدقَاء رسْـمـيًا)
12- (تـودّيـنَ التـعَـارُف؟)
ياريت تقروا للآخر ياشباب
13- (عِـيـدُ مِـيـلاد)
14- (مـهندِس فِي ورْطـة)
15- (لَـيـلة في المـخـفر)
16- (رَفـيـقِـي)
17- (الـذكرَى الخَامـسة)
18- (اعْـتـرَاف)
19- (فَــخّ)
20- (المُـتـهم بَـرئ)
21- (وقَـع فى المَحظُـور)
22- (قَـرار مُـفاجِـئ)
23- (المُهندس وأثيرةُ الكُحل)
24- (كُـشـفَ سِـرُّه)
25- (عَـقْـد قُـرآن)
26- (مِـصْباح مؤقّـت)
27- (عَـتْـمَـة)
28- (تُـراب أمْـشير)
29- (ظَـرف وڤِـيديو)
30- (سُـخرِيـة القَـدر)
31- (مَـلهَى لَـيلِي)
32- (رأسًا على عَـقِب)
33- (عَـودَةُ الحَـبِـيـب)
الفصل الرابع والثلاثون (CLASSIC)
35- (كَـسـرت الفَـانوس؟!!)
36- (فِي الخِدمَة يامَـولاتِي)
37- (جوّ عصابات وبتاع)
Guess the couple 🤫
38- (نـجـمـة ودبـلـتـيـن)
39- (عـ الـقَـهـوَة)
40- (رَبِـحَـتْ الـبُـومَـة)
41- (تُــحْــفَــة)
الفصل الثاني والأربعون (game over)
43- (نَـسَـمَات بَـرمُـودَة)
44- (لـنخطّ سُـطُـورنا معًا)
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الأولى•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثانية•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الثالثة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الرابعة•
{{حلقات خاصة}} •الحلقة الخامسة•
∆ هَل تـنـتـظرينَ قُـبـلـة؟؟ ∆
بـدأنـا رحـلـة جـديـدة 💙

11- (هو والفَـراشَـة)

4.4K 310 29
By shahdmedhat_


أتى الصباح ومرّ بشكل اعتيادى روتينى على الجميع إلى أن حلّ المساء الذي قضته ياسمين في محاولاتها المستمية لإقناع والدتها بالخروج ..

_ياماما فيها ايه لو روحت لوحدى؟ انا عارفة طريق المول وهعرف اجيب كل حاجة عادى

هكذا تحدثت وهى تقف بوسط ساحة منزلها ،لتعارض إصرار والدتها على مرافقتها لشراء بعض الأشياء ؛فلم تسمح لها ناهد يومًا بالاعتماد على نفسها والنزول وحدها ولو حتى لأقرب الأماكن للمنزل ،وكأنها فى الخامسة من عمرها ..

ردت ناهد باستنكار قائلة :
_تجيبى ايه؟ انا عارفاكى لو روحتى لوحدك هتنقى أنيل حاجة وتجيبيها ، ده غير انّى قولتلك قبل كدا نزول لوحدك استحالة يحصل تحت أى ظرف غير الجامعة ..

تساءلت ياسمين بضيق :
_طب وليه مع اصحابى مرفوض بردو؟

_عشان مش ضامناهم ياحبيبتى وانتى هبلة كدا يعملوا فيكى حاجة

_يعملوا ايه ياماما؟ , ياماما السيناريوهات اللى بتفكرى فيها دى انسيها شوية ارجوكى .. وبعدين انا مش هبلة زى مانتى فاكرة كدا

_هبلة وعبيطة كمان ، هو حد عارفك غير أمك؟

طالعتها ياسمين بعدم استيعاب للحظات ؛فمن غيرها السبب فى هذا؟

حتى إن كانت فعلًا بهذه الحماقة التى تظنّها والدتها ،فكل الفضل يعود لمجهودها فى إلغاء شخصيتها طوال الوقت !..

وليقين ياسمين الشديد بأن والدتها ليست ممن يأخذ النقاش بصدر رحب ،لم تعقّب ولم تقل شيئًا وعادت لموضوعها الرئيسى ،فطرحت فكرة أتت على بالها للتو ;لا تدرى إن كانت صائبة أم لا ،ولكنها الوحيدة التى ستحررها من قيود والدتها ..

_طب لو زياد هيجى معايا هتسيبينى اروح معاه لوحدى؟

صبّت ناهد كامل اهتمامها وتساءلت بتعجب :

_زياد؟!

اعتراها التوتر قليلًا وهى تجيب :

_ااه ، يعنى احنا خرجنا مرتين سوا ومش هيمانع لو قولتله يجى معايا ، وبردو انتى عارفة لو جه أكيد الاحسن إننا نبقى لوحدنا عشان ياخد راحته ف الكلام شوية غير ماتبقى معانا ويبقى مربوط بوجودك فـ ميتكلمش براحته يعنى ، مش انتى عايزانا نقرّب من بعض شوية؟

سرعان ما اعتلت ناهد ابتسامة عريضة وأحاطت ذراعيها بكفّيها تربت عليهما بفخر وهى تقول :

_ أخيرا ابتديتى تفكرى فى مصلحتك صح

أنزلت يديها و أومأت بهدوء :

_لو هيوافق يروح معاكى فعلًا ماشى ، انا أكيد ضامنة ابن اخويا

شعرت ياسمين بالأمل وكأنها رأت بصيص النور بآخر النفق المظلم ،وليس عليها فقط سوى الركض تجاهه ..
لا يهم إن شعرت بالإحراج لطلب المجئ من زياد ، يكفى أنها لأول مرة ستنزل إلى الشارع بدون أمها وهذا كل مايهمها الآن ..

هزت رأسها بحماس وهرولت إلى غرفتها بعد قولها :

_ماشى هبعتله ..
*
*
*
جلس زياد فوق الكرسى الخاص بمكتبه فى الشركة ، ويده اليمنى مشغولة بكوب من الشاى بالحليب واليد الأخرى تمسك بالهاتف يتفحصه بلا هدف ..

فتح تطبيق التواصل الاجتماعي "واتساب" وبدأ بمشاهدة بعض الحالات المنشورة من الأصدقاء .. أو للدقة هو يظهر لهم أنه شاهدها ولكنّه فى الحقيقة أسرع يمررها واحدة تلو الأخرى ولم يتوقف إصبعه عن الضغط السريع المتتالِ فى الشاشة ، لينتهِ منها دون النظر بأى واحدة ;ولو من باب الفضول حتى ..

عاد لقائمة المحادثات وراح يقلّب بها قليلًا حتى لفت نظره أحد يكتب له ، فأوقف الشاشة وألقى نظرة على اسم صاحب المحادثة "Yasmine"

ظل يراقب ظهور كلمة "typing" (يكتب ..) وإختفاءها أكثر من مرة ،لتعلن عن ترددها فى الإرسال وعدم استقرارها على الكلمات التى يجب قولها ..

غلبته ابتسامة جانبية ورفع كوبه لشفتيه يحتسى منه القليل باستمتاع ، وعينيه لا تفارق الشاشة ؛فضولًا لمعرفة قرارها الأخير ;هل ستفصح عن مبتغاها أم ستتراجع ..

*
*
*
راحت تتردد بساحة غرفتها ذهابًا وإيابًا وهى تحاول اختيار أسلوب جيد لقول ماتريد .. إلى أن توقفت عن التحرك وركزّت فيما تكتب :

"ازيك يازياد؟ انا كنت نازلة المول اجيب شوية طلبات ايه رأيك تيجى معايا؟"

لم ترسلها وتطلعت من حولها بتردد وعدم رضا ، ثم عادت تمسح نصفها الأخير لتتغير الرسالة إلى :

"ازيك يازياد؟ انا كنت نازلة المول اجيب شوية طلبات وكدا ، لو مش وراك حاجة وحابب تنزل تشترى حاجة بردو ممكن استنّاك نروح سوا"

ضغطت على زر الإرسال ثم عادت تقرأ رسالتها أكثر من مرة ،فلم تشعر بالرضا عنها أيضاً وهزت رأسها بالنفى مهمهة مع نفسها :

_لا لا ملزقة وغبية

أسرعت تحددها لتمسحها ولكنها توقفت عندما لاحظت ظهور العلامة الزرقاء تؤكد أنه رآها ، فاتسعت عينيها قليلًا وفورًا دق قلبها بشكل مربك بل وحتى مؤلم ؛فكان التوتر ارتفع لذروته من التفكير فيما سيقول وما الفكرة التى أخذها عنها بعد طلب كهذا ..

زادت ضربات قلبها عندما رأته يكتب ، ولم يأخذ الأمر وقتًا ،واقتصر رده على :

"اشطا يلا بينا انا فاضى"

ثم ألحقها برسالة أخرى :
"هعدّى عليكى كمان نصّاية"

ضحكة عريضة احتلت ثغرها بوضوح ;لو رأت مدى اتساعها لنعتت نفسها بمجنونة أو بلهاء ..
.

سارعت بالركض إلى الخارج حتى قابلت والدتها الجالسة على الأريكة وهتفت بحماس :

_وافق ياماما

انتبهت لها "ناهد" وقالت :

_مسمعتكيش بتتكلمى يعنى

_لا انا بعتت له واتساب

نهضت قائلة :
_ورّينى قال ايه بالظبط؟

فتحت ياسمين هاتفها وأرتها المحادثة , فظهر السرور على وجه ناهد وأعادت نظرها لها قائلة :
_لازم بقى تجهزى كويس اوى و ...

أسرعت ياسمين تقاطعها قبل أن تسمع ماتعلمه بالفعل :

_ماما ماما من فضلك انسى كل ده ، لو عايزانى اكسب زياد سيبينى أكسبه بطريقتى ، انا فهمته وعارفة دماغه

هتفت ناهد باستخفاف واستصغار :
_هتعملى فيها ناصحة ياختى؟ زياد ايه اللى عرفتى دماغه من مرتين خرجتوا فيها؟!

_ماهو طريقتك دى بردو مش هى اللى هتجيب صدقينى

_بقولك ايه اسمعى الكلام وانتى ساكتة ومتجادليش معايا

_طب هقول لك حاجة بس , انتى عارفة انّى بلبس هدوم عادية ومبحطش حاجة ف وشى وانا رايحة الجامعة صح؟ ، وأول مرة خرجنا فيها جالى الجامعة وشاف شكلى كدا ، ومقفلش منّى بالعكس ده جالى مرة تانية وخرجنا تانى بنفس شكلى .. ودلوقتى وافق اهو يجى معايا ، معنى كدا إنه مش كاره شكلى العادى

_ايوة بس مش بيشدّه بردو

تنهدت ياسمين بإحباط ؛فهى على علم تام بعناد أمها ، فقالت بهدوء :

_طب خلاص نقسم البلد نصين .. هحط ميكاب عادى بس مش الكمية اللى بحطها دى ، هحط حاجة خفيفة بس .. وهلبس حاجة كويسة وشيك بردو بس مش زى اللى بتختاريها ، ماشى؟ عشان خاطرى اسمعى كلامى مرة واحدة وشوفى

التوت شفتى ناهد بعدم اقتناع ولكنها أعلنت الخضوع بعد نظرات ابنتها الراجية :

_لما نشوف .....

*
*
*

على أحد المقاعد المقابلة لكورنيش النيل ، حيث نسيم الهواء الخفيف والكثير من الناس الموزّعين على طول الكورنيش بأكمله .. كان يجلس "فخر" وحده شاردًا ، عينيه مصوبة فى اللاشئ ورأسه لايزال محاط بالشاش الذى يحكم جرحه ..
يرتدى قميصًا من اللون الكحلى مفتوحًا منه أول ثلاثة أزرار ،ويصحبه بنطال من الجينز من اللون البيج ، وساعة يده الأنيقة تلمع بمعصمه الأيسر ..

اخترق خلوته صوت رقيق يقول :

"بتفكر هتنتقم منّى ازاى ،مش كدا؟"

التفت لها فور سماعها وضحك بخفة :
_لا مش اوى

كانت ترتدى بنطالًا واسعًا من الجينز مع رداء مفتوح من اللون الأخضر القاتم يصل إلى أعلى ركبتيها ،ويظهر من تحته قميصًا قطنيًا أبيض اللون ، تترك شعرها الأسود الطويل ينسدل على جانبى وجهها وعينيها كالعادة تتزين بالكحل ..

بادلته "جهاد" الضحك وأردفت بتوجس مازح :
_شكلى محتاجة اختفى من وشك اليومين دول

ضحك بهدوء ثم أفسح لها المجال قليلًا وهو يقول :
_تعالى اقعدى ..

غلبتها ابتسامة واسعة واستجابت له وجلست بجانبه ،تاركة مسافة صغيرة بينهما .. وقالت :
_انت متعوّد تيجى هنا؟

_لا مش دايمًا ، انا جيت الشركة قعدت مع حازم شوية واخويا المحتال خد عربيتى من ورايا ، فجيت عشان الكورنيش قريب من الشركة بس ، وبعدين هاخد اوبر واروّح ..

تحدثت هى باسترسال :
_انا بقى باجى هنا كتير ، ولما شوفتك قاعد قولت آجى أسأل عليك واشوف يعنى روحت المستشفى ولا لا

رد باطمئنان :
_انا تمام ، ابن خالى دكتور ،جبته البيت عمل كل حاجة وخلاص يعنى يومين وهشيل الشاش ده ..

_الف سلامة عليك ،والله انا ...

قاطعها سريعًا قبل أن تكمل :

_اوعى تقولى آسفة !

ضحكت بعنف حتى انغلقت حدقتيها من وسع ضحكتها :
_انا كنت هقول كدا فعلا

بادلها الضحك مجيبًا :
_ما انا توقعتها من أول ما شوفتك واقفة جنبى أصلا

تبقّى من ضحكتها ابتسامة صغيرة فقط على وجهها وعمّ الصمت لبرهة ، حتى تحدثت من جديد :

_يعنى حضرتك أكيد تمام؟

قطب حاجبيه بتعجب وطالعها بجانب عينيه :
_حضرتك؟ ، انتى مش اتفقتى معايا هنبقى اصحاب ولّا رجعتى فى كلامك؟!

اعتلتها ضحكة واسعة وهى تجيب :
_لا انا بس متعودتش يعنى ..

ثم هتفت باهتمام :

_طب خلاص طالما بقينا اصحاب مش المفروض تعرّفنى عليك شوية؟

أدار جسده ناحيتها قليلًا تعبيرًا عن ترحيبه بالأمر وقال :
_اسألى وانا هرد

ردت ضاحكة بهدوء :
_لا عادى عرّفنى على نفسك بس

أومأ بفهم وأجاب :
_ماشى ياستى .. انا اسمى فخر عامر تليد ، عندى ٢٩ سنة وخريج هندسة معمارى ، بس حاليًا مبشتغلش .. كنت شغال فى مكتب وسيبته من شهرين ولسة بشوف مكان جديد .. عايش مع ابويا واخواتى ،وبحب عربيتى والتفاح الأحمر

ضحكت من جملته الأخيرة ثم سألته :
_وايه تانى؟

أجاب بشئ من الامبالاة :
_مش هرسم لك صورة مثالية عنّى بقى ، انا عصبى بغباوة الحقيقة ، وساعات الغضب بيعمينى ويخلّينى اتهور واعمل تصرف اندم عليه بعدين ..

هتفت باندهاش :
_معقول؟ ، ميبانش عليك خالص ،مش لايق مع الشخصية اللى اتعاملت معاها خالص

رد ضاحكًا :
_ماهو عشان محصلش حاجة تخرّجنى عن شعورى

_ايوة بس انت يعنى طريقتك راسية اوى وبيشع منك هدوء انا مشوفتش زيه فى حياته أصلا ، مش متخيلاك وانت متعصب خالص

أردفت جملتها الأخيرة بضحكة صغيرة ، فضحك معها وهو يقول :

_احسن متتخيليش ،مش ببقى حلو خالص بجد

_بس قصاد ده بردو انت فيك مميزات مش فى حد ، أولهم شهامتك ..

وتابعت ضاحكة :
_انت جدع بشكل يخوّف والله ، اللى هو مش معقول فى حد ابن اصول للدرجة دى

ضحك بتعجب :

_ليه وانا عملت ايه يعنى؟

_لا عملت كتير يابشمهندس ، مش أى حد يعمل اللى بتعمله ده ، يسلم اللى ربّاك بصراحة

طال نظره لها قليلًا حتى شردت عيناه ،وارتسمت بسمة واسعة على محياه .. ابتسامة مُحبة لوالدته عند مرورها على عقله بمجرد ذكر "جهاد" لسيرة من ربّاه ..

ومَن غير الجميلة "أمينة" حرص على تربيته ليغدو حنونًا وصافى القلب ؟

لطالما تساءل كيف كان سيكون لو لم تكن هذه المرأة الصبورة والصامدة هى والدته؟ وماذا لو كان تُرك مع والده وعمته ليتربّى على الخبث والقساوة مثلهما؟

مجرد تفكيره بهذا يشعره بالغثيان ،مما يجعله يسارع بترديد "الحمدلله" امتنانًا لوجود تلك السيدة ،التى يجزم أن الدعاء لها فى كل دقيقة لباقى حياته سيكون أقل ماتستحقه ؛جزاء ما تحمّلته طوال عمرها ..

أفاق من شروده على صوتها وهى تقول برقّة :
_طب اقول لك عنّى انا شوية؟

ابتسم وأومأ بإنصات :

_اطربنى ياكروان..

ثم أسرع يهتف بعدم رضا :

_انا الكلمة دى ملازمانى من زمان يخربيت كدا !

ارتفعت ضحكاتها من طريقته ، ثم بدأت فى التحدث بشئ من الإيجاز :

_انا اسمى بقى جهاد نصر ، عندى ٢٧ سنة وخريجة تجارة ، اشتغلت فى شركة زمان كدا بس كانت على قدها وكان صاحبها بصراحة راجل ميتعاشرش ،ومرتبها كان قليل فـ سيبتها والحمدلله ربنا كرمنى واشتغلت فى شركة والدك ، عايشة لوحدى وبحب شوكولاتة مورو

تبادلا الضحك قبل أن تتابع :
_فى حاجة ناقصة كدا؟

تساءل بفضول :
_انتى ازاى عايشة لوحدك؟ اومال فين مروان؟!

_لا ماهو احنا مش عايشين مع بعض ، هو طول حياته مع مامته وانا مع مامتى ، بس من كام سنة كدا خد شقة لوحده وقعد فيها .. وبنزور بعض كل يوم

اومأ بفهم :
_ممم .. طب كملى

تطلعت من حولها قليلًا ثم قالت بمشاكسة :
_زى مانت قولت عيب فيك هقول لك عيب فيا بردو ..

واستطردت :

_انا عندى لامبالاة أوڤر ، مش بفكر فى أى حاجة خالص .. لا بفكر فى كلامى قبل ما اقوله ولا بفكر فى أفعالى ، لو عايزة اعمل حاجة بعملها وخلاص من غير ما افكر فى العواقب ولا النتايج وبندم فى الآخر طبعا بس بردو مبحرّمش

اعتلته ابتسامة جانبية وهو يقول :

_هو ممكن يبقى عيب بس بالنسبة لى دى ميزة

ثم تابع موضحًا :

_اه أكيد لو زادت عن حدها مش هتبقى كويسة ، بس انا واحد بيشيل همّ الصغيرة والكبيرة وعلى طول بيفكر ف كل حاجة ، وده كمان مش حلو عشان دماغى مبترتاحش

ضحكت بيأس وقلة حيلة :

_لا كدا حلو ولا كدا حلو ، طب نعمل ايه !؟

بادلها الضحك بصمت ، فعادت تتحدث :

_خلاص احنا ننقل العدوى لبعض بقى ، انا اعلّمك تكبّر دماغك وانت تعلّمنى اهدى ومدخلش بـراسى فى الحاجة زى التور كدا !

ارتفعت ضحكاته من أسلوبها العفوى فى الحديث وفى المقابل شاركته الضحك دون إضافة شئ آخر .....

*
*
*
سارا معًا بساحة المركز التجارى ، ولم تكن ياسمين قادرة على إخفاء حماسها ؛فلم يكن باديًا على ملامحها وحسب ،بل ظهر على جسدها بأكمله وكأنها أصابها فرط حركة فلم تقف ثابتة لثانية واحدة وظلت تسير وهى شبه تقفز ،فكانت رغمًا عنها تسبقه ببضع خطوات وعينيها تدور بين كل المحلات والناس بابتسامة تتمادى فى الاتساع دون توقف ..

كانت تبدو كطفل رأى الشارع لأول مرة ، أو كـسجين خطى أولى خطواته خارج السجن بعد سنين عديدة من المكوث فى الظلام ..

لم تفارقها نظرات "زياد" التى تراقبها بتركيز واضح وابتسامة صغيرة تحمل بعض التعجب من هذا الحماس البالغ ..

لم يتكلّف كثيرًا فى ملابسه ;فقط بنطال أسود اللون من الجينز وقميص من اللون السماوى ذو أزرار مغلقة عدا أول اثنين وأكمامه مشمّرة حتى مرفقيه .. ويترك شعره المموّج بشكله كما هو ;لا يحكمه باتجاه محدد ..

بينما اتخذت ياسمين بنطالًا قماشيًا واسعًا من اللون البيج ومعه بلوزة أنيقة مكتملة الأكمام بنية اللون ,بالإضافة لحقيبة الظهر البيچ المعلقة على كتفيها ، وقد ربطت شعرها البنى تاركة منه بضع خصلات تتدلى على جانبى وجهها ..

أفاقت لنفسها وانتبهت لقدميها التى سبقته بخطوتين ، فتوقفت واستدارت من خلفها لتراقب وصوله إليها ، ثم تابعت معه السير وشرعت تتحدث بشكل سريع وحماسى للغاية وهى تحملق فى كل أرجاء المكان :

_بص احنا عايزين نعمل خطة .. ، انا عايزة اجيب لبس الأول عايزة اجيب لبس كتير .. وعايزة اشترى كوتشى أبيض .. وعايزة شنطة كمان انا عايزة شنطة سودا

ثم نظرت له بطريقة مباغتة قليلًا عندما تذكرت شيئا آخر :
_وتوك شعر! ، عايزة اجيب توك وبِنَس كتير انا بحبها .. وشوية اكسسورات كمان انا بحب الخواتم والساعات

عادت عينيها تدور فى الأنحاء من جديد وهى تشعر بدقات قلبها تتعالى من السعادة ،صارخة بحماس :

_عايزة اشترى حاجات كتير ، كتير اوى اوى اوى !! , انا مبسوطة ونفسى ينسونى فى أى محل هنا !

اعتلت الضحكة محياه أثناء استماعه لأسلوبها الطريف فى التعبير عن سعادتها ، وبنفس الوقت لم يتخلّ وجهه عن القليل من الدهشة ؛لمَ كل هذا الفرح لمجرد نزولها إلى التسوق؟

لم يتكتم عن التساؤل وأفصح عن تعجبه قائلًا :
_انتى بقالك كتير منزلتيش المول ولّا ايه؟!

ردت دون أن تنظر إليه ؛فقد تعلقت عينيها بمشاهدة كل ماتعرضه المحلّات :

_أول مرة انزل من غير ماما ! ، عمرى ما اتبسطت ف ال shopping ده عشان مش بجيب حاجة عجبانى خالص ، دايمًا ماما بتودّينى الأماكن اللى هى عايزاها وتجيبلى حاجات على مزاجها

تابعت بشرود وهى لاتزال تنظر بكل البضاعات المعروضة :

_أخيرًا مرة واحدة فى حياتى هختار اللى انا عايزاه مش اللى هى عايزة تجيبه ، ومن غير ما اسمع منها قد ايه زوقى يقرف ومش بفهم حاجة ..

أردفت كلماتها بنفس ضحكتها المتحمسة غير مبالية بضيقها من هذه الأمر الآن ..فالأهم أن تستغل حريتها المؤقتة فى فعل كل ماتودّه ..

فى حين غلبت زياد الشفقة على تلك المسكينة التى لا يُسمح لها باختيار مقتنياتها على الأقل ، واعتراه المقت وعدم الرضا عن أفعال عمته التى بالتأكيد محت شخصية ابنتها وجعلت منها تابع لا يستطيع الاعتماد على نفسه ..
هل ستبقى سعيدة الآن عندما ترى ابنتها تسعد بالابتعاد عنها ؟!

لطالما كان الخوف المبالغ به والانغلاق الزائد على الأبناء يأتِ دائمًا بنتيجة عكسية .. وبدلًا من أن تكون العلاقات بينهم كالاصدقاء المقرّبين ،تصبح علاقة بين سجّان وسجين لا يصدق ولا يقتنع أن هذا ينبع من حب سجّانه له ،ويظل يعافر فقط ليتحرر من القفص ..

يظن الآباء أنهم يحافظون على أبناءهم بتلك الطريقة ، ولكنهم فى الحقيقة يساهمون فى خلق مسافات طويلة بينهم وبين أولادهم ، حتى يصبح الوصول إليهم صعبًا ..
بل وأقرب إلى المستحيل ..
.

توقفت أمام أحد المحلات فجأة ، فوقف معها وأمسى يراقب عينيها اللامعتين تتطلّع لبعض الملابس بإعجاب واهتمام ، فالتفتت له ورفعت عينيها له ؛لفرق الطول الواضح بينهما ، وأردفت بحماس :

_ممكن ندخل هنا؟

قطب حاجبيه باستغراب ؛لمَ تستأذنه فى ذلك ، ومن ثم أدرك سريعًا أن شخصيتها المتزعزعة بالتأكيد اعتادت على عدم اتخاذ أصغر القرارات ولم تألف التحرك خطوة واحدة دون أن يسمح لها مُرافقها ..

ابتسم لها بهدوء شديد وأجاب :

_احنا ممكن ندخل أى مكان انتى عايزاه ، اللى تحبى تخشيه خشى على طول وانا وراكى

ابتسمت بسرور واضح ، ولكن تآكلت الابتسامة قليلًا ليحلّ مكانها الأسف والاعتذار :

_انا آسفة عشان أحرجتك وقولتلك تيجى معايا ،انا عارفة إنك جيت عشان متكسفنيش ، بس انا ....

قاطعها فورًا وقال :
_فرملى فرملى وبلاش عبط عشان مبحبش اسمع كلام عبيط..

ثم استرسل قائلا :

_ أنا لو مكنتش عايز انزل كنت هتحجج بأى حاجة واعتذرلك على فكرة مش هنزل غصب عنى أنا !

وأضاف :
_ الأهم بقى دلوقتى انا عايزك تسرحى النهاردة ، ان شالله نخش كل المحلات اللى ف المول ست مرات! ، انا صايع وموارييش حاجة ومعاكى لحد الصبح

قصد إظهار الحماس بنبرته وعلى قسماته ،ليحمل عنها عبء الشعور بأنها تثقل عليه وتحرجه ،ويطمئنها أنه بالفعل يرحب بالأمر ..

وقد نجح ذلك وارتسمت ضحكتها الرقيقة فوق محياها بارتياح و سعادة غامرة ، وأردفت بامتنان :

_مش عارفة اقول لك ايه يازيزو بجد ربنا يخليك والله

ابتسم وأشار برأسه تجاه المحل :
_يلا بينا .......

.
.
.
خرجت ياسمين من الغرفة المخصصة لقياس الملابس ،مرتدية فستانًا صيفيًا واسعًا تجتمع ألوانه بين الأبيض والأزرق القاتم والسماوى الفاتح , يتخطى ركبتيها وأكمامه مكتملة تغطى ذراعيها بالكامل ..

التفت لها زياد ،حيث كانت يده اليسرى تتعلق بحقيبة الظهر خاصتها التى علّقها على كتفه الأيمن ، وابتسم بإعجاب واضح ثم أومأ باستحسان :
_جامد

اتسعت ضحكتها قائلة :
_بجد؟

_اه جدا ، حلو عجبنى

ابتسمت برضا ثم عادت إلى الداخل ..
.
.
.
خرجت من نفس الغرفة من جديد بثياب مختلفة ، بنطال قماشى واسع من اللون النبيذى وبلوزة من اللون السكرى بها شريطين عند العنق لتحكمهم بربطة مميزة ، وتطلعت له بترقب ..

رفع يده بثلاث أصابع فقط وتلامس طرفى السبابة والإبهام معًا ،تعبيرًا عن "ممتاز" ..

اختارت مجموعة لا بأس بها من الملابس ,وعرضتها كلها عليه لتعرف رأيه ،فنالت جميعها إعجابه ,مما بث لها بعض الثقة بنفسها وأشعرها بأن اختياراتها ليست بشعة كما تخبرها أمها دائمًا ..

وقد لاحظ أن كل ما قررت أخذه كانت ملابس فضفاضة لا تحدد تفاصيل جسدها بشكل ملفت ، ولم يعلم إذا كانت تقصدها أم أن الألوان والنقوش فقط أعجبتها

وبالطبع ليس "زياد تليد" من يترك شيئًا للتخمين وقرر إرضاء فضوله ، فنظر لها بعد أن وقفت بجانبه وهى تعلّق الملابس على ساعدها ، وقصد الإشارة لبلوزة ضيقة بعض الشئ وقال :

_ايه رأيك فى دى؟

لم يظهر عليها رد فعل يوحى حتى بإعطاءها فرصة ، ولكن لم تفصح عن رأيها ؛خشية أن تضايقه ..

هتف وكأنه قرأ أفكارها :

_قولى رأيك عادى مش انا اللى هلبسها

ضحكت من قوله ثم عادت تنظر للبلوزة وهزت رأسها نفيًا :
_لا بصراحة مش عجبانى

_شكلها يعنى؟

_لا ضيقة

_بس انا شوفتك لابسة شبهها مرة لما جيتى عندنا

نظرت له بجانب عينيها :
_دى ماما اللى كانت مختاراها مش انا

رد وهو يستعد للتحرك :

_لا طالما ماما اللى مختاراها خلاص مش عايزينها ..

نزع الحقيبة عن كتفه وهو يقول :
_عايزاها ولّا اروّح بيها؟

ضحكت وأخذتها منه :
_لا عايزاها ..

علّقتها على كتفها ثم أشارت بالملابس التى تحملها :
_انا خلاص خلصت وهاخد دول

_استقرّيتى على ايه؟

_الفستان الأزرق ده وبنطلونين وبلوزتين

أخذ منها الملابس وهو يقول :
_طب هاتى نحاسب

تركته يأخذها ثم أوقفته قبل أن يتحرك وشرعت بفتح حقيبتها :
_استنى خد الفلوس ..

بادر بالتحرك وهو يقول :

_لا لا بعدين مش وقته

صاحت فجأة وأمسكته من ذراعه بقوة تمنعه من الابتعاد :
_لا هو دلوقتى !

رد ضاحكًا :
_بالراحة طيب

_لا انت مش بتصرف عليا عشان تدفع حاجة، متخلنيش اندم انّى كلمتك

_يابنتى مفيهاش حاجة متكبريش الموضوع

أردفت بصرامة شديدة لم تظهر عليها من قبل :

_يا تاخد الفلوس يازياد يا إما والله هتقمص وامشى ومش هاخد حاجة ولا هكمل اليوم أصلا

أردف باستسلام :
_طب خلاص خلاص .. هاتى ياستى الفلوس براحتك

*
*
*
صعدت "جهاد" على سلالم المنزل وهى تنفخ بملل وتبعد الهاتف عن أذنها بعد طلب رقم مروان للمرة التى لا تعرف عددها ، وكالعادة بلا جدوى ..

_مبيردش ليه ده !

تمتمت سؤالها بعصبية ، ثم توقفت أمام باب شقتها وفتحته أثناء انشغالها بالاتصال بمساعدته الخاصة بمكتبه..

أغلقت الباب بنفس اللحظة التى أتاها الرد ،فتحدثت :
_ايوة يادينا ازيك؟

انتظرت إجابتها الروتينية ثم طرحت سؤالها :
_هو مروان قال لك أنه هيقعد فى المكتب؟

_لا ده مستر مروان مجاش النهاردة أصلا ، انا حاولت اكلمه كتير مردش عليا !

غلبها التعجب بشدة و ردت :

_مجاش المكتب؟ اومال هو فين كل ده؟!

_مش عارفة والله ، ده حتى فى مواعيد اتعطلت واعتذرت لما لقيته لا جه ولا بيردّ

_ماشى يادينا شكرا

أغلقت الهاتف وارتمت عند أقرب كرسى لها ، تطلعت من حولها بحيرة وقد بدأ القلق يتسلل إلى قلبها وهمهمت بتوجس :

_روحت فين يامروان ..
*
*
*
انتقلا الاثنان إلى محل الاكسسوارات ، فكان يقف زياد بأحد الزوايا يعقد ذراعيه وعينيه مثبتة عليها وهى تدور بالمحل وتشاهد كل ماهو معروض بإعجاب واضح ..

بضع ثوان ثم اقتربت منه وهى تحمل بعض الأشياء بين يديها ، فسألها باهتمام :
_ها اختارتى ايه؟

أجابت بحماس بالغ ؛وكأنها بالفعل كانت تود التحدث عنهم من فرط سعادتها بهم :

_جبت بِنس على شكل فراشات شكلهم عسل اوى ، وجبت خمس خواتم منهم اتنين عليهم فراشة ، وجبت سلسلة على شكل فراشة زرقا بتلمع .. وجبت طوق شعر عليه فراشات كمان

فصّلت كل ما أحضرته بابتسامة عريضة ، فضحك زياد متسائلًا بدهشة :

_ايه كل الفراشات دى يافراشة ؟!

أجابت ضاحكة :
_انا بحب أى حاجة عليها فراشات اوى ، بضعف قدامها
.

سبق وانتشرت مقولة أن الفراشات لا تعلم أن لديها أجنحة خلّابة ،وكذلك هناك البعض لا يدرك كم هو رائع ..

يبدو أنها تنطبق على هذه الفراشة الصغيرة أيضًا 🦋
.

تساءلت بتردد وهى ترفع يديها قليلًا لتريه عن قرب :
_هما حلوين؟

_اه جدا ، شكلهم رقيق و simple "بسيط" ..

و أضاف :
_ زوقك مطلعش وحش اهو زى ماكنتى بتقولى ولا حاجة , ده انا هجيبك تختاريلى حاجتى بعد كدا

حسنًا ، لقد توقفت الآن عن عدّ المرات التى يخبرها بها جملة صغيرة كهذه لتجعل الابتسامة تحتل محياها بقوة ،وتحفر بقلبها أثرًا تعلم أنه سيدوم طويلًا ....

.
.
.
_بقول ايه ، ماتيجى ناكل شاورما

طرح زياد عرضه وهو يسير بجانبها بساحة مركز التسوق ويحمل عنها بعض الحقائب التى تحتوى مشترياتها ..

ردت باستنكار :
_شاورما بالليل؟

_فيها ايه؟

_لا انا عاملة دايت

رفع طرف شفته العلوية تعبيرًا عن استنكاره الشديد وقال :

_دايت؟ ده على أساس ايه يعنى؟ ،ده انتى قد دراعى !

ضحكت وردت باعتراض :

_يا أوڤر !

ثم أوضحت :

_لا انا فاضل لى اخس اتنين كيلو بس وابقى بالوزن المثالى

رد زياد بملل :

_مفيش حاجة اسمها وزن مثالى، ده أولا .. ثانياً انتى لو خسيتى جرام تانى وانتى متر ورُبع كدا هندوس عليكى بالغلط واحنا ماشيين

وكزته بذراعه بخفة :
_انت غتت بجد !

ضحك وقال :
_مانتى بتقولى هبل ميدخلش الدماغ يعنى ، اوزنى الكلام شوية ..

ثم تابع :

_وهناكل شاورما بردو ، يلا انا عازمك

بادرت بالرد ولكنه أبطل محاولتها قبل أن تنطق بحرف :

_خلص الكلام خلاص!

*
*
*
انتهى اليوم بشكل مثالى بالنسبة لياسمين ، ولن تبالغ إن وصفت بأن مقدار سعادتها تخطّى قطرات البحر ..
فلم يسبق لقلبها ودق بهذه السعادة من قبل ..

ما إن دلفت من باب الشقة حتى وجدت أمها تقفز فوق رأسها وهى تتحرق فضولًا لتعرف كيف سار اليوم :

_عملتى ايه يابت تعالى احكيلى

ضحكت ياسمين وقالت :
_حاضر هقول لك ، اقعد آخُد نفَسى بس ..

*
*
*
دلف زياد من باب المنزل ،فكان أول ما رآه هو نزول أخيه على الدرج وهو يحدجه بنظرات حادة ، فتمتم مع نفسه بترقب :

_يامنجّى من المهالك يارب!

رسم ابتسامة عريضة على محياه وفتح أذرعه على مصرعيها وهو يتجه إليه استعدادّا لاحتضانه :
_فوفّا حبيب قلبى شكلك قمر ووشك منوّر النهاردة ..

انقطعت كلماته عندما تلقّى منه لكمة عنيفة جعلت وجهه يشيح إلى الجانب من قوتها ،فتأوه بخفوت قبل أن يعيد بصره له قائلًا :

_مقبولة منك يامعلم

_المفاتيح يالا !!
أمره فخر بصوت حاد فاستجاب زياد وأعطاه ميدالية المفاتيح ، ثم قال قاصدًا السيارة :

_كويسة على فكرة

_بردو هربطك يومين

_هقطعلك الحبال !

شعر زياد بيد أحد على كتفه فاستدار له وسرعان ما انتفض جسده وعاد للخلف صارخًا بفزع ، ثم صاح بحنق :

_ايه اللى انتى عملاه ده !!

نظرت له مريم ذات الوجه الملطخ بخليط بنى اللون يغطى كامل وجهها ، وأجابت بتعجب :
_فى ايه؟ ماسك قهوة عادى

ليشارك فخر بالحديث بملل :
_اهى دايرة فى البيت بالمنظر ده بقالها ساعتين

خاطبها زياد باستهانة :

_ابوكى لو عرف إنك بتخلصى القهوة على وشك هيخبّيها فى اوضته بعد كدا

ثم أضاف :
_انتى مشوفتيش منظرك قبل ماتيجى تبصى فى وشّنا ؟!

أجابته بقرف :
_ مالكش دعوة يابارد

_ايه مالكش دعوة دى؟ لا ليّا ونص

أردفت بعناد :
_ليه انت جايبها من جيبك ولّا ايه؟

لم يلبث زياد لبدء شجار معها وأمسك برسغها بقوة :
_لا ده انتى قليلة الأدب وعايزة تتربى

لم تتراجع مريم وأقبلت عليه تسدد له عدة ضربات فى ذراعه وظهره ،فى حين قبض هو على شعرها ، وشرعا الاثنان يتصارعان كالقردة المجانين ، بينما حاول فخر الفصل بينهما بالكلمات فقط دون الاقتراب منهما :

_بس انت وهىّ , ايه المعيلة دى!

وجّهت له مريم ضربة ببطنه جعلته يفلت يده من شعرها لشعوره بالألم ، ثم باشرت بالركض فأسرع بملاحقتها وأثناء طريقه التقط جهاز التحكم الخاص بالتلفاز وألقاه عليها ، بينما وقف فخر بثبات يطالع ضاحكًا هذين الطفلين وهما يطاردان بعضهما وترتفع أصوات ضحكاتهما وعنادهما معًا ، وقد أخذا الوسادات الصغيرة التابعة للأثاث كسلاح أمام بعضهما وشرعا برميها على بعضهما وكلًا منهما يتفادى الآخر ثم يقوم بالهجوم .. حتى نجحا فى إحداث فوضى عارمة بساحة المنزل ..

خرجت السيدة سحر على أصواتهما واعتراها الذهول والصدمة من منظر البيت وصاحت باندهاش :
_ايه اللى حصل ده !!

وقفا زياد ومريم يتطلعان لها بقلق ،مثل طفلين ينتظران تأنيب والدتهما ، ثم أشارا الاثنان على بعضهما بنفس الوقت وصاحا معًا بنفس اللحظة :

_هو
_هىّ

اكتفى فخر بالضحك فى صمت ، بينما ظهر الضجر على وجه سحر من تصرفاتهما المعتادة .......

*
*
*

وقفت ياسمين أمام المرآة وهى تتمسك بذلك الفستان الأبيض ذو النقوش الزرقاء الذى اشترته اليوم ..

وضعته على جسدها وراحت تتحرك يمينًا ويسارًا ، والابتسامة لا تفارق ثغرها مطلقًا ..
لقد وقعت بحبه حقًا ;وخاصةً بعد تعبير زياد عن إعجابه به أصبح المفضل لديها الآن ..

أخذت شهيقًا عميقًا ثم زفرته بهدوء شديد ، قبل أن تبتعد عن المرآة وتترك الفستان ثم تقوم بفتح حقيبة أخرى من حقائب المشتريات وتخرج منها الثياب ،وفورًا انتبهت لمجموعة من المال تمكث فى قاع الحقيبة ..

اتسعت عينيها بصدمة والتقطتهم بسرعة وهى تحملق بهم باندهاش ، ولم تلبث حتى تغيرت تعابير وجهها إلى الإحباط والضيق عندما أدركت أنه نفّذ ما برأسه ودفع كل شئ ، ولم يأخذ منها المال ؛سوى ليدفسه فى إحدى الحقائب لتكتشفه هى لاحقًا ..

بدأت بعدّهم ؛أملًا فى أن يكون على الأقل أخذ منه القليل ، ولكن خاب ظنها ولم ينقص من المال فلسًا ..! تضاعف الحنق على وجهها وسارعت بإمساك هاتفها لتراسله عبر موقع التواصل الاجتماعي "واتساب" ..

"عيب لما تضحك عليا وتقول حاجة وتعمل من ورايا حاجة تانية على فكرة"

انتظرت لثوان عديدة حتى رأته يكتب , وكانت رسالته عبارة عن بعض الوجوه التعبيرية الضاحكة .. فردّت :

"بتضحك على ايه؟"

أجابها :

"حوار تافه يعنى مش مستاهل رغى كتير"

فكتبت :

"هتاخدهم على فكرة"

انتظرت قليلًا حتى يكتب رسالته ،إلى أن وصلت لها :

"لو عايزة تردّيهم بجد خلّيهم ليكى ومتقوليش لامك عشان متاخدهمش ، انا عايزك انتى اللى تصرفيهم"

"والله انت بتستعبط"

أرسل لها رسالته مع وجه تعبيرى يغمز :

"جود نايت"

يتبع..
______________________________________
لا تنسووا التصويت عن طريق الضغط على النجمة فى الشريط أسفل الفصل ..♥️

تحياتي❣️
|شهد مدحت

Continue Reading

You'll Also Like

631K 21.1K 35
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
3.8M 58K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
2K 129 9
رَحْلِه عَبَّر الْإِبْعَاد الْمَوَّازِيَّة بَحَثَا عَنْ الْحَيَاةِ المثالية
157K 15.8K 35
هي:انت بائس هو: مفيش حد بائس في الدنيا دي قدي هي: لا طبعا انا بائسه اكتر منك هو: تعرفي كتاب لن ينهي البؤس هي : اكيد طبعا دة بتاع محمد طارق هو: ا...