رسالة من فتاة مجنونة

By Reem-Elhosiny

7.3K 485 72

العالم بيننا..والزمان لم يكن أبدًا حليفنا.. فلا عتاب ولا رجاء سيمنع قدرنا.. لذا لا تراجعي ولا تمنعيني.. وب... More

رسالة من فتاة مجنونة-المقدمة
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الأول
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الخامس
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل السادس
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل السابع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثامن
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل التاسع
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل العاشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثالث عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس عشر
رسالة من فتاة مجنونة الفصل السادس عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثامن عشر
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع عشر
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل العشرون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والعشرين
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الرابع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الخامس والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السادس والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع والعشرون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الحادي والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الرابع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الخامس والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السادس والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل السابع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثامن والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل التاسع والثلاثون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الأربعون
رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الحادي والأربعون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثاني والأربعون
رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثالث والأربعون

رسالة من فتاة مجنونة الفصل الثامن والعشرون

103 8 0
By Reem-Elhosiny

~الرسالة السادسة عشر~
وقسوة الأيام يداويها قلبٌ صادق مهتم..
فرفقاً بنفسٍ أرهقتها الأيام وبحثت عن مداويها ولم تجدِ..
****
يا ريت منن.. مديت ايديي وسرقتك..
لأنك إلن رجعتن إيديي وتركتك حبيبي..
فيروز – يا ريت منن
****
:"يا ريت يا ست فيروز.."
همستها بينما تتنهد وهي تستمع لكلمات فيروز التي رنت بأذنيها.. كانت تصفف شعرها في محاولة لنبذ توترها الذي رافقها من وقت تركه لها أمام البيت في اليوم السابق..
عندما أخبرت خالتها بم حدث انفجرت ضاحكة هي ودارين وقد تملكها الغضب بوقتها ولم تتحدث معهم للمتبقي من اليوم.. لكن عندما تفكر بالأمر الآن هي الأخرى تضحك..
مؤمن منذ عرفته بصغرهما شخص بارد ولا يمكنه وصف مشاعره أو تركها تظهر.. لكنه كان دوماً شخص غير متوقع.. لا هي ولا أي أحد يمكنهم توقع تصرفاته.. وما حدث البارحة خير دليل..
هزت رأسها وقررت أن تتجنب التفكير بالأمر الآن فلديها الكثير من الأمور التي يجب أن تهتم بها وتعود باكراً فقد حذروا من تغير الطقس بعد فترة الظهيرة..
تحركت تخرج من غرفتها بينما تراسل إسلام التي كانت تسألها: "هل يمكن أن نلتقي اليوم؟!.."
:"ريم إلى أين؟"
التفتت لخالتها وردت: "سأذهب للقاء أمجد وبعدها ربما سأقابل إسلام"
كانت قد اتفقت مع أمجد أن تمر عليه اليوم ليتحدثا عما سيحدث بلقائها المرتقب مع عمها ليمنحها أموالها ويتفقا على الموعد السنوي لوضعه نصيبها من الأرباح بكل عام.. عادت تنظر للهاتف وللرسالة المبعوثة من إسلام والطريقة التي كًتِبَت بها.. سولي في الغالب لا تسألها بل تخبرها أنهم سيلتقون بمكانٍ ما وترافق رسائلها بالكثير من الرموز التحذيرية حتى تمنعها من الرفض.. وبما أنها لم تفعل فهي ليست على ما يرام.. مطت شفتيها وقررت أن تغادر لتتصل بها لكن ما أن التفتت لخالتها وجدتها تطالع دارين بطريقة غريبة فسألتها: "هل من مشكلة؟!"
التفتت لها وردت: "مؤمن تحدث معي اليوم.."
تنهدت بحنق ولم تفكر بالسؤال عن السبب في محاولة يائسة لنبذه بعيداً عن أفكارها فأكملت خالتها: "أكد أنه سيحضر عزيمة الغداء وأرادني أن أوصل لك رسالة.."
كانت على وشك الشجار معها لأنها دعته على الغداء بالرغم من تأكيدها عليها البارحة أنها لا تريد الاجتماع به بعد ما فعله.. لكن مع جملتها الأخيرة آثرت الصمت بينما تنتظر جملة خالتها التالية وهي تكمل: "يخبرك أنه يستحسن ألا تلتقي بأمجد"
ارتفع أحد حاجبيها بينما دارين تدخلت وهي تقول: "خطأ خالتي هو لم يقل هذا.."
قالتها ثم التفتت لها وهي تكمل: "أخبرنا بوضوح أنك لو التقيت به سيقتله ويحبسك بذلك المنزل حتى تنسي اسمك"
ضربت الأرض بعصبية ثم تحركت لغرفتها باحثة عن الحقيبة التي كانت تحملها باليوم السابق فقد منحها المتعجرف بطاقته التعريفية وما أن أخرجتها أسرعت بنقل الرقم لهاتفها وضغطت زر الاتصال دون أي تردد..
:"نعم يا صاحبة السمو"
انعقد حاجبيها باستغراب وهي تسأله: "من أين تعرفت على رقمي"
:"أنت لم تتصلي بي بالتأكيد لتسأليني هذا السؤال!"
:"لا أنا...."
صمتت وقد تناست كلياً السبب الرئيسي لاتصالها وتاه ردها عنها قبل أن تكمل بعصبية: "لم تتحدث معي بتلك الطريقة؟"
:"ريم لست بمزاج سانح للشجار سأتحدث معك ما أن أنهي عملي"
ثم أغلق الخط فوراً وهي لبضع ثوانٍ وقفت مذهولة تطالع الهاتف.. قبل أن ينتفض جسدها بأكمله من فرط الغضب وتتحرك بتلقائية لتخرج من الغرفة وهي تهتف: "دارين.."
ركضت الفتاة نحوها فسألتها بحدة: "هل تعرفين مكان عمله؟.."
أومأت لها بصمت فسحبتها دون تفكير نحو الباب وهي تكمل: "إذاً ارتدي حذائك"
:"إلى أين؟!.."
سألتها الفتاة فنظرت لها وابتسمت بطريقة أرعبتها وهي ترد: "سنذهب ونلقي على أخيك الحبيب تحية الصباح!"
:"لا ترتكبي حماقات يا فتاة.."
التفتت لخالتها التي أكملت: "لم تعودا صغيرين لهذه التصرفات"
:"أخبريه هو بهذا.."
همست بها ثم نظرت لدارين لتجدها قد ارتدت سترتها والحذاء فأسرعت بحمل حقيبتها ثم سحبتها جراً للخارج مقسمة أنها لن تمررها له..
***
:"أنت تحبها أليس كذلك؟!.."
سمع السؤال من إيلام لكنه لم يلتفت كان فكره مشغول بلقائه مع مؤمن صباح اليوم..
&&&
"لا أعلم ما الخطأ بم فعلت؟!"
قالها باستغراب بينما يسير بجوار فادي الذي انفجر ضاحكاً قبل أن يلتفت له وهو يكمل: "صدقاً لا أفهم سبب غضبها كنت أحاول إسعادها.."
توقف عن الضحك بصعوبة وهو يرد بسخرية: "صدقاً لا حق لها الحمقاء ريم"
ضربه مؤمن على ظهره بينما يقول: "لا تنعتها بالحمقاء فأنا فقط من يحق له هذا..."
تجاوزه بعدها ليتحرك ناظراً إلى البحر بينما تجمدت ابتسامة فادي.. ذلك الطلب البسيط من مؤمن أرغمه على التوقف بمكانه مفكراً بم سيحدث إن طاوعته ريم..
إن قررت مسامحته والزواج به.. عندها سيفقدها للأبد..
حتى مزاحه معها ونعتها بالحمقاء سيكون محرماً..
عدا عن أنها قد ترحل تماماً فمؤمن بالتأكيد لن يترك ما بناه بذلك البلد الغريب.. لطالما أخبره أنه يريد أن يعيش حياته ببلد أجنبي..
:"دعك من كل هذا أخبرني كيف حالك؟"
قاطع مؤمن أفكاره بذلك السؤال فابتسم بسخرية وهو يرد بتكهم دون أن يشعر: "بأروع حالة!.. ألا ترى بنفسك؟!"
التفت ينظر له دون أن يبدي أي شيء كالعادة قبل أن يلتفت وينظر نحو إيلام الجالس على سور البحر وهو يتناول الحلويات التي اشتراها مؤمن لأجله ما أن رآه معه صباحاً.. كان ذلك الجانب منه الذي لا يمكنه السيطرة عليه.. في الماضي كان يظهر حنواً كبيراً على مالي وحزن للغاية مع موتها.. بل وانتابته صدمة كبيرة مع سماعه الخبر سرعان ما تداركها.. وهذا كان حاله مع كل الأطفال والدليل معاملته الاستثنائية لأخته ولإيلام الذي يطالعه الآن بشبح ابتسامة بينما يسأله: "إذاً هل يعيش إيلام معك؟"
هز رأسه بنفي وتحرك ليجلس على أحد المقاعد المقابلة للبحر وهو يرد: "لا إنه يقيم معي إلى أن تعود والدتي من عملها.."
نظر له مؤمن باستفهام فأكمل مفسراً: "أنت تعرف كانت تمتلك صالوناً لتجميل النساء.. باعت الشقة وحصدت أموال المعاش وذهبت لأخذ دورة خاصة بلبنان.. ثم عادت وأصبحت خبيرة تجميل للمشاهير ويستعينون بها ببعض الأفلام"
:"أي شقة وأي معاش؟!"
سأله مؤمن بحذر فتردد لثانية قبل أن يرد فقد كان يعلم ما سيحدث مع سماعه بالحقيقة لكنه فيما بعد ارتدى قناع اللامبالاة وقال بهدوء: "شقة ومعاش والدي"
اتسعت عيناه والتفت نحوه بكامل جسده قبل أن يسأله: "هل تمزح معي؟!"
هز كتفيه وهو يرد محاولاً ادعاء اللامبالاة: "ولم قد أفعل؟"
ظهر الحنق جلياً على ملامحه لثانية فابتسم بحزن وندم على الفكرة التي شغلت باله قبل قليل.. مؤمن الصديق الوحيد بعد ريم الذي يهتم به حقاً الجميع يحبه ويحب حديثه لكن لا أحد يهتم به فعلاً عداهما.. ومؤمن رغم بروده وعدم إظهاره أي مشاعر تجاه المحيطين به فهو حتى لا يحاول إخفاء اهتمامه به.. سيخسره باللحظة التي سيعرف بها أنه أحب فتاته التي أمنه عليها..
:"ارفع قضية اذاً لاسترداد حقك"
قالها مؤمن ببساطة فنظر له بصدمة ورد: "هل تريدني أن أدعي على والدتي بالمحاكم مؤمن؟!"
تحرك نحوه يطالعه بصمت ثم صفعه على مؤخرة رأسه وهو يقول بعصبية: "إنه حقك أيها الأحمق وهي سلبته منك لمنفعتها الخاصة"
هز رأسه بنفي بينما يرد: "ولو.. لن أفعلها"
التفت مؤمن عندها وأشار لإيلام بينما يقول: "ماذا عنه؟"
التفت ينظر للصغير وهو يتذكر يوم ميلاده.. كان الوحيد الذي جلس بجواره.. والدته بصعوبة وافقت أن ترضعه وما أن سمح لها الطبيب بالخروج لم تكترث لوجوده بالحضانة لسوء حالته الصحية وغادرت فوراً بل ونسيت أن تذهب لتسجيله بينما بقي هو بجواره لعدة ليالي حتى أخبره الطبيب أنه بخير ويمكنه أن يعود به للبيت..
ابتسم بسخرية ثم عاود النظر له وهو يرد: "إنه غلطة.."
كان يعلم ما يفكر به مؤمن من نظرته المليئة بالاستنكار بينما يكمل: "بعد طلاقها من زوجها الثالث أخذ أخويّ ورحل لإحدى الدول.. بينما هي بقيت تتزوج وتتطلق حتى وصلت لوالد إيلام كان شاباً أصغر منها بعشرين عاماً.. ممثل مغمور وزواجهم كان في السر.. عندما علمت بحملها أراد التخلص منه لكنها رفضت.. لأن الطبيب حذرها من خطورة الإجهاض على صحتها.. فقررت أن تنجبه وذاك الشاب وافق أن يعترف به.. لكنه لم ينفق عليه أو يسأل عنه"
التفت مؤمن ينظر للبحر ففهم أنه يفكر بما سيقوله بعناية حتى لا يجرحه.. كان جميع أصدقائه يفعلون المثل وينظروا بذات الطريقة المستنكرة عندما يسمعون بالقصة التي انتشرت بين الجميع بعد أن اشتهرت والدته وصالون التجميل خاصتها.. ريم الوحيدة التي لم تفعل.. عندما أخبرها بم حدث كانت فخورة به ودارت تخبر الجميع بما فعله فادي مع شقيقه الصغير..
جلس مؤمن بجواره وطالعه بصمت ففهم أنه لا يجد ما يقوله فقال: "أنا أعلم لا داعي لتواسيني.."
بقي مطرقاً وشعر أن الغضب تمكن منه فجأة قبل أن يهمس: "اللعنة عليها!"
التفت له مؤمن وهو يسأله بدهشة: "يا لغرابتك.. تلعنها لكن لا ترغب بالادعاء عليها؟!"
التفت ينظر له ثم رد: "اللعنة لا يسمعها سوى ربي وهو رحيم غفور.. لكن إن ادعيت عليها فسيسمعنا ويرانا البشر.. وهم لا يحملون أي رحمة"
ارتاح مؤمن بجلسته وقد كان واضحاً تضايقه منه فقرر أن يبدل الموضوع ورغم ألمه مما سيستفسر عنه إلا أنه سأله: "دعك مني وأخبرني كيف تنوي اقناع صاحبة السمو؟.."
ضحك مؤمن بسخرية قبل أن يرد: "لن أمنحها فرصة للرفض.."
التفت له بعدها وهو يطالعه بثقة يتمنى الحصول على ربعها حتى بينما يكمل: "ريم مآلها في النهاية إلي.. رفضها شيء طبيعي لأنها غاضبة.. ما أن يهدأ ذلك الغضب لن تفكر بكلمة الرفض حتى وأنا لن أتركها لوقتها.. الأمر بسيط علي.."
ابتسم له وقال: "معك حق الأمر بسيط عليك!.."
&&&
تنفس بعمق ثم نظر لإيلام الجالس على مقعد بقربه وابتسم له قائلاً: "أنا بالتأكيد لا أكرهها فهي والدتي و...."
:"أنا لا أعني والدتي.."
اتسعت عيناه بصدمة بينما تحرك الصغير ووقف بجواره وهو يكمل: "لا بأس بكره والدتي فأنا أيضاً أكرهها.."
:"إيلام.."
زجره بقسوة قبل أن يضع الأداة بيده جانباً ثم وضع يده على كتفه مكملاً: "لا يمكنك قول هذا عن والدتنا؟!"
لم يبدو عليه أي تأثر وهو يرد: "لماذا؟.. هي لا تحبنا وأنا لن أمنحها شيئاً لم تفكر بمنحه لنا.."
عض فادي شفته السفلى وهو يفرك عنقه بقلة حيلة فقد ضاعت كلماته ولم يجد ما يقوله بينما رفع إيلام يده عن كتفه ونظر للضمادة على كفه ثم قال: "وأخبرتك أني لا أتحدث عن والدتي"
نظر له فادي قليلاً وحل الصمت فجأة وهو يشعر باختناق صدره يصل لحلقه ليمنع عنه التنفس حتى.. لاح بباله ذلك اللحن الذي طالما ما كانت ريم تعزفه وتصفه بأنه لحنهما معاً.. لحن السقوط..
أخبرته مراراً أنها تعزفه عندما تشعر باختناق وقد كان يساعدها أن تسترخي وتهدأ رغم أن صورتها عن اللحن هو فتاة تغرق..
:"لا يمكنك إخفاء الأمر للأبد.."
عاد للتركيز مع الصغير الذي كان يطالعه بهدوء واهتمام وهو يكمل: "عليك أن تخبرها"
التفت بعدها وعاد للعمل بينما يرد: "أنا لا أعلم عماذا تتحدث يا إيلام؟.."
سمع صوت حركته عائداً لمقعده قبل أن يقول: "لا تنسى تبديل الضمادة فجرحك سيبقى مفتوحاُ مادمت لم تفصح لطبيب عن وجعك.."
ثبت مكانه لثانية ثم التفت ينظر له فوجده يمسك بالهاتف وقد انشغل به فعاد هو لعمله متجاهلاً ما قاله..
****
وأخيراً أنهت تصميم مشروعها مع ياسر!..
كانت تتنهد براحة بينما تعود لمكتبها وتضع أغراضها بعناية وهي تفكر أن ياسر سيبدأ بتنفيذ المشروع وهي ستتابعه وخلال شهرين ستتمكن من تحصيل مكافئتها على التصميم وعندها يمكنها التبكير من الشروع بخطتها..
نظرت للهاتف واستغربت أن ريم لم ترد على رسالتها كل هذا الوقت لكنها أوزعت الأمر لانشغالها وقررت التركيز على ترتيب أوراقها والبدأ بالتفكير بم ستفعله اليوم لتبتعد عن المنزل أطول وقت ممكن.. البارحة قضت اليوم مع نور بالتنقل بين المحلات لتشتري بعض الأغراض ثم ذهبتا لتناول الغداء بأحد المطاعم واليوم كانت تفكر بأن تقضيه مع ريم حتى أنها فكرت بإخبارها بكل شيء لتطلب نصيحتها.. لكن على ما يبدو هي مشغولة..
دخلت نور الغرفة وهي تحمل عدداً من الملفات ووضعتها أمامها فاستغربت وسألتها: "ما هذا؟!.."
:"إنها مشاريع يريد السيد هيثم أن تراجعيها وتتركي ملاحظاتك على كلٍ منها.."
طالعت كومة الملفات وتراجعت بمقعدها بصدمة.. صحيح أنها كانت تبحث عمّ يشغلها لكن ليس هذا!..
نظرت لنور وهي ترد: "لابد أنك تمزحين.."
ترددت نور لثانية قبل أن تقول: "السيد هيثم يريد تلك الملفات على مكتبه بصباح الغد.."
عندها نهضت بعصبية من مكانها وقد قررت أن تذهب إليه فهذا ليس تخصصها وإن كانت تراجع مشاريع معينة قبل التسليم فهذا استثناء وليس قاعدة لكنها تراجعت وتذكرت أنه لم يحادثها البارحة ولا اليوم وربما فعل هذا فقط ليستفزها ويجعلها تذهب إليه..
جلست على المقعد بانهزام وقررت الشروع بالعمل بعد ثوانٍ بصمت بينما تنهدت نور وقررت أن تغادر لكنها توقفت فجأة وسألتها: "أين الفتاة المزعجة؟.."
تلفتت هي الأخرى حولها تبحث عنها لكنها لم تمنح الأمر أهمية وردت: "لابد أنها تتسكع بمكانٍ ما.. حقها بعد أن أشعرها صاحب الشركة أنها بفسحة لا مكان عمل.."
تلفتت نور حولها تتأكد أن أحداً لم يسمع ردها الحانق قبل أن تكمل: "اذهبي وأبلغي السيد أنه سيجد الملفات على مكتبه غداً.."
ثم تنفست بعمق وسحبت أول ملف وهي تهمس: "لا بأس على الأقل لدي حجة للابتعاد عن ذاك السجن.."
تنفست بعمق مجدداً وهي تطرد كل الأفكار من بالها ثم بدأت بالعمل فوراً..
****
تحرك السمسار ليغادر بعد أن مضوا العقود وقبل أن يخرج من باب الشقة التفت ونظر لسيرين ثم له ومال عليه قائلاً: "أنت مثل ابني وأريد نصحك بإبعاد تلك الفتاة عن العمل فهي ستسبب لك الكثير من الخسائر.."
كان متفقاً معه كلياً فالغبية كانت على وشك هدم الاتفاق بينهما بعد أن تشاجرت مع صاحب الشقة..
ربت الرجل على ذراعه ثم أكمل: "بالتوفيق يا بني"
أومأ له قبل أن يغادر وما أن فعل التفت هو يطالع سيرين الواقفة أمام الواجهة بعصبية واضحة بعد أن أمرها بالخروج من الغرفة ونحاها تماماً عن جلسة البيع.. لكنه لم يكن يهتم.. تحرك نحوها وهو يحمل أحد زجاجات المياه وما أن وقف بجوارها التفتت له تقول بعصبية: "أنا سأخبر جدي عن طريقتك ب..."
:"أخبريه.."
قاطعها ببساطة قبل أن يشير للهاتف بيدها وهو يكمل: "اتصلي به الآن وأخبريه"
تملكها الغيظ وقد كان هذا واضحاً ففتحت الهاتف واتصلت بجده بينما هو تجرع بعض الماء..
:"مرحباً جدي أنا...."
لم يتركها تتم جملتها وسحب الهاتف من يدها ثم وضعه على أذنه قائلاً: "إن كنت أرسلتها لتساعدني فأحب أن أبشرك بأنها تفسد كل عملي يا جدي.."
:"ماذا حدث؟.."
:"حفيدتك كادت تفسد عملية شراء المقر التي أثنيت عليها البارحة.."
قالها ببرود دون أن يلتفت لها وسمع على الطرف الآخر التنهيدة الحانقة من جده فعلم أنه منزعج مثله.. فالبارحة عندما أرسل له موقع البناية ومساحتها وأخبره عن الثمن كان سعيداً لأنه توصل لاتفاق بمبلغ أقل من المتوقع..
:"اهدأ مؤمن.."
:"أنا هاديء كلياً.."
رد بها ثم نظر لها وهو يكمل بهدوء قاتل: "لكن إن كانت سيرين لا تجيد التعامل مع البشر العاديين أعدها لألمانيا لتدير العمل هناك فلست شاغراً للتعامل مع تصرفات الأطفال تلك.."
اتسعت عيناها ورأى الغضب يتجسد على ملامحها ومجدداً لم يهتم بينما جده رد: "أنا سأتفاهم معها وسأحادثك في المساء.."
لم يرد ومنحها الهاتف فتحركت مبتعدة لتتحدث بينما جلس هو على أحد المقاعد وهو يفرد ساقيه أمامه على الأرض ويلقي رأسه للخلف.. كان مجهداً للغاية.. لم ينم منذ أيام سوى بضع ساعات معدودة.. ابتسم بسخرية وهو يهمس: "وما الجديد بهذا؟!.."
تذكر مكالمة ريم له عندما كان بمنتصف الاجتماع وإغلاقه للخط فأغمض عيناه هامساً: "لن تمررها لي.."
وما كاد ينهي جملته إلا وسمع صوت خطوات تدخل الشقة فالتفت ليجدها تدخل بعصبية وبثانية كانت تقف أمامه ببنطالها الجينز وسترتها الطويلة المفتوحة بلونها الزهري الرقيق وأسفلها كنزة صوفية باللون الأبيض وشعرها المرفوع بذيل حصان يتحرك مفصحاً عن غضبها المتجسد بعينيها ليجعلهما أدكن من لونهما المعتاد.. كان يتمنى إخبارها أن ذوقها لازال راقياً ورقيقاً لكن تخيل أن هذا سيزيد الأمر سوءاً.. نظر بطرف عينه لدارين التي أشارت له بيديها علامة أن يهدأ.. وعلم أنها بالتأكيد من أخبرتها بمكانه فهو تحدث معها بشأن المكان وخططه القادمة وأعلمها بموقعه..
:"كيف تتجرأ يا لوح الثلج يا متعجرف يا سليط اللسان يا بارد الدماء على إغلاق الهاتف بوجهي هل نسيت نفسك يا ابن آمال.."
نظر لها بانزعاج ومط شفتيه فتراجعت وهي تكمل بتردد: "حسناً أسحب كلمتي الأخيرة.."
ثم هتفت بعصبية: "لكن لازلت سأحيل أيامك جحيماً على فعلتك.."
تنفس بعمق وهو يغمض عيناه ويفكر أنها بالتأكيد محقة فما كان عليه غلق الهاتف بوجهها.. كان غاضباً من سيرين ومن الموقف الذي وضعته به.. لكن ما كان ليعترف عدا عن كونها ستستشيط غضباً إن علمت بالسبب فهو لا يمكنه إخبارها أنها محقة لذا نظر لها قائلاً: "أولاً أنا لم أغلقه بوجهك لقد أخبرتك قبلها أني سأحادثك لاحقاً.."
ضربت بكفها اليمنى ظهر يدها اليسرى وهي تحرك رأسها بينما ترد بسخرية: "حقاً؟!.. وماذا أيضاً يا روحي؟!.."
نهض عن المقعد ووقف مقابلها وهو يقول: "ثانياً لا ترفعي صوتك علي.."
رآها تكز على أسنانها بعصبية فتخيل أنها ستنفجر بوجهه صارخة لكنها تنفست بعمق ثم اقتربت منه وهي ترد: "حسناً اسمع.. أولاً أنت أغلقت الخط بوجهي لأنك وقح وعديم ذوق.."
ثم ابتسمت مكملة: "وثانياً فأنا هنا لأخبرك بأني لن أستمع لك وسأقابل أمجد لأنه المحامي الخاص بي وهو من يهتم بقضيتي مع عمي"
تحركت لتغادر بعدها لكنه أوقفها وأعادها لتقف أمامه.. حدجها بنظرة واحدة لتثبت بمكانها بينما يقول: "لا تبدأي بعنادي ريم فصبري له حدود.."
حاولت أن تفلت منه لكنه لم يمنحها فرصة فنظرت له بغضب ثم ابتسمت واقتربت من وجهه وهي تهمس بخفوتٍ متحدٍ: "البحر واسع يا ابن الهلالي اشرب منه قدر ما تريد.."
كان الدافع لقتل ذلك المعتوه يتزايد مع كل لحظة بينما يطالع العناد بعينيها ويتأكد أنها لن تستمع له.. فهو يعرفها ما أن تقرر شيئاً وتتمسك به لا هو ولا أي أحد باستطاعته زحزحتها للتخلي عنه..
:"رأيي أن تستمعي له يا آنسة.."
التفتا لسيرين التي بدت هادئة وهي تكمل: "بدا ذلك المحامي خبيثاً إن سألتني لذا..."
:"سيرين الزمي حدودك.."
قالها بحدة ثم أكمل ببرود: "لا تتدخلي بحديثنا فلا علاقة لك به.."
التفت لدارين بعدها التي بدت شامتة بشكلٍ لا يمكن انكاره ولكنه لم يهتم وقال: "دارين أحضري هاتفي وأغراضي من الغرفة أمامك فسنغادر.."
تحركت فوراً لتنفذ طلبه بينما حاولت ريم أن تفلت منه لتبتعد لكنه سحبها لتبقى بجواره وهو يهمس: "اهدئي وسنتحدث فيما بعد.."
وقد هدأت بالفعل لكنها التفتت تنظر لسيرين وابتسمت بسخافة قائلة: "أنرتِ بلدنا يا حبيبتي!"
كتم ضحكته بصعوبة وهو يرى ابتسامة سيرين العصبية وقد أعجبه أن ريم انتقمت له منها بتلك الجملة البسيطة التي تحوي الكثير من المعاني –إن كان قد فهمها بالشكل الصحيح- فهو لن ينسى لها أبداً ما فعلته مع السمسار ومساعده..
*****
:"إذاً ما رأيك؟!.."
سأله أكمل بينما احتسى أمجد قليلاً من القهوة وهو مطرق قبل أن يرفع عيناه له ويرد: "لن أخفي عليك الأمر صعب يا أكمل"
تنهد أكمل وهو يفرك وجهه ثم نظر لأمجد الذي بقي يطالعه بصمت قبل أن يضع فنجان القهوة أمامه ويجلس منحنياً للأمام ومتكئاً على ركبتيه.. نظر لعمق عينيه وسأله: "أكمل هل أنت واثق بأن عمك يكذب؟.."
:"بالطبع.."
رد فوراً قبل أن يقترب منه وهو يكمل: "أبي ما كان ليتخلى عن تلك الشركة.. لقد عمل بها مع جدي.. كان هو من بناها وكانت السبب بكبر اسمه بالسوق كما أنه لم يملك أي سبب ليتخلى عنها.."
بقي أمجد يطالعه لبعض الوقت قبل أن يبتسم له وهو يقول: "أردت التأكد وحسب.."
نهض بعدها والتف حول المكتب وجلس عليه وهو يكمل:" سأخبرك بالأوراق التي سأحتاجها لنحرك الدعوة.."
:"إذاً هناك أمل.."
سأله أكمل بلهفة فعاد أمجد يرد: "الأمر لن يكون سهلاً.."
ثم ارتاح بمقعده وهو يكمل: "وربما سنحتاج لاستعمال بعض الطرق الملتوية"
تنهد أكمل قبل أن يقول: "افعل ما تراه مناسباً.."
****
كانت جالسة بانتظار أمجد وهي تطالع الأوراق التي أحضرتها معها.. عندما فُتِح الباب أخيراً وخرج أمجد برفقة أكمل قائلاً: "سأنتظر التوكيل والأوراق لنشرع بالعمل.."
:"بالتأكيد.."
رد بها أكمل ثم التفت واصطدم بوجودها وكالعادة ابتسم وهو يقترب منها قائلاً: "انظروا من هنا!.. الآنسة شرسة بنفسها.."
نبذت السعادة الغريبة التي تملكتها مع ابتسامته تلك بعيداً قبل أن تنهض وتنظر له شذراً بينما ترد: "راعي ألفاظك نحن بمكانٍ عام.."
حرك حاجباه بإغاظة وهو يهمس: "لابد أنك سعيدة لأني غبت اليوم عن صالة الألعاب ولم أرهقك بالقتال معي.."
:"هاااه.."
ضحكت باستهزاء قبل أن تقترب منه وترد: "أنا واثقة أنك هربت مني حتى لا أمرغ أنفك المغرور مجدداً.."
ثم تجاوزته وتحركت ناحية أمجد الذي كان يمنح مساعدته بعض الأوامر ثم التفت لها قائلاً: "أنرتِ مكتبي آنسة ساندي.."
:"شكراً لك"
ردت برسمية فمد ذراعه نحو مكتبه وهو يقول: "تفضلي لنبدأ حديثنا.."
تحركت بالفعل لتدخل المكتب واستقرت في مقعدها بانتظار دخوله وبعد ثوانٍ اهتز هاتفها ليعلمها بوصول رسالة وما أن فتحتها ابتسمت وهي ترى رسالة أكمل
:"سآتي بعد الدوام ونخرج معاً للتنزه يا شرسة.."
****
أمسك بيدها فارتجف جسدها كله من وقع تلك اللمسة..
ليس خجلاً كذاك الذي كان يتملكها ببداية علاقتهما..
ليس خوفاً كذاك الذي تملكها بعد فترة قصيرة من زواجهما..
كان شيئاً آخر هو ما تملكها.. شيء لا يمكنها تفسيره أو تسميته.. لكنه لم يكن خوفاً أو خجلاً.. كان شعوراً يملأ صدرها بألم وسقيع بارد يجعلها ترتجف.. لم تبكي ولم تفكر.. فقط تلك المحادثة التي كانت بينها وبين حماتها هي ما تردد برأسها بتلك اللحظة..
&&&
:"إذاً ما رأيك يا راما؟.."
تنهدت بملل بينما تستمع لأليسار على الجانب الآخر من الخط كانت تحادثها لأكثر من ساعة وهي لا يمكنها الهروب منها..
:"خالتي أنا حقاً لا أعلم بم أرد"
قالتها بحيرة حقيقية فهي لا تجد ما ترد به على طلبها أن تمنح تامر فرصة أخرى..
:"فكري بالأمر يا راما تذكري أنكما متزوجان منذ سنوات.. وأنتِ تحبينه وهو وعدني أنه سيتغير ويتوقف عن إهانتك..."
فتحت فمها لترد لكنها عاجلتها بجملة ألجمتها: "كلتانا نعلم أنك لا يمكنك الابتعاد عنه.. لا أحد لك غيره.. شقيقك مصيره في النهاية سيتزوج ويؤسس لنفسه بيتاً وحياة كاملة وعندها ستصبحين وحيدة وبعد كل السنوات التي قضيتها بجوار رجل تهتمين بشئونه ويهتم بشئونك لن تتحملي الوحدة.."
سرحت عيناها بالفراغ وشعرب بجليد يملؤ صدرها عندها..
هي فعلاً لا ترغب بأن تكون وحيدة وفي النهاية شقيقها سينشيء حياته الخاصة.. هي تهتم بشئون تامر لكنه أبداً لا يهتم بشئونها.. هذا كافٍ لكي ترفض.. لكنها لاتقدر على نطق كلمات الرفض.. ليس لأنها لا تجدها كما ظنت قبل قليل بل لأنها لا تريد أن ترفض.. وبتلك اللحظة بالذات دخلت الخادمة واستأذنت منها قبل أن تقول: "السيد تامر في الخارج ومصر على رؤيتك سيدتي!.."
&&&
هي لا تذكر كيف انتهى ذاك الاتصال ولا تذكر كيف وصل بها الأمر أن تقف معه الآن بشرفة منزلها وهو يمسك بيدها.. رفعت عيناها التي تعلقت طويلاً بكفه الممسك بكفها ونظرت لعيناه.. كانت تتغزل بهما ببداية علاقتهما وأكمل يرد ساخراً: "حبيبك يملك عينا أفعى!"
تصدق كلامه الآن.. حتى مظهره أصبح كالأفعى.. فقد كل وزنه وأصبح ضعيف الجسد وعيونه أصبحت جاحظة أكثر.. حتى الطريقة التي يبتسم بها كانت مصطنعة وتتمنى أن تختفي من محياه بأسرع وقت..
:"كيف حالك يا راما؟!.."
لو لم تكن تركز كل تفكيرها على إيقاف ذلك الارتجاف ربما كانت ستضحك بسخرية.. هو فعلاً يسألها عن حالها.. لكن سرعان ما لاح ببالها صورة والدها التي دفعتها للابتسام..
تذكر بمرة والدها كان يشاهد برنامج وثائقي يعرض أسلوب حياة الضباع.. تذكر كم شعرت بالحزن على الغزالة التي يتم إرعابها لفترة بينما تركض محاولة النجاة بحياتها ولكن في النهاية يتم اصطيادها وتمزيقها دون رحمة.. تذكر كيف سألت والدها عن السبب الذي قد يجعل أي شخص يتابع مثل تلك البرامج وكيف دخلا بجدالٍ طويل انتهى بقوله: "عليكِ أن تري ما يحدث للضعفاء حتى لا ترضي أبداً أن تكوني واحدة منهم"
والدها كان رجلاً طيباً لكنه أحب عائلته لذا عاش مستعداً أن يظهر كأحد الضواري ليحميهم..
وقد صدق.. يمكنها الآن أن تصدق على كلامه..
يمكنها وهي تنظر لنفسها بالمرآة أن تتخيل نظرته المليئة بخيبة الأمل لو رآها الآن وقد رضت بأن تكون من بين الضعفاء..
قد رضت بأن تكون فريسة مستسلمة بين براثن الضبع..
تخيلت أن ابتسامها بوجهه سولت له نفسه المريضة أن تلك الابتسامة له فعلاً لأنه فجأة انحنى وطبع قبلة على شفتيها ثم احتضنها بطريقة آلمت عظامها..
:"لا يمكنك الهرب مني.."
جملة همسها بصوت فحيح سام أصبح جزءاً من حياتها.. كلماته منذ اللحظة الأولى التي رأته بها كانت أشبه بأفعى تلتف حول حياتها.. تخدعها بحلاوتها.. تذيب مشاعرها وأنوثتها.. لتستسلم وتتبدل الكلمات لأخرى تخنقها.. تدميها.. وتحطم كل ما فيها.. ليصبح هو كل ما تراه.. هو كل شيء.. لا مفر منه..
هل هي تحبه؟!
لا بالطبع.. لقد كرهته منذ زمن لم تعد تحسبه.. ربما كان بالمرة الأولى التي صفعها بها وربما كان بالمرة الأولى التي رأته بها بأحضان امرأة أخرى.. ربما كان بتلك المرة الأولى التي رفضت بها أن ترافقه في الفراش فأرغمها على الاستلقاء أسفله وهو يهتف بها أنه حر ليفعل بها ما يشاء..
هي لا تذكر متى كرهته..
ولا تذكر اللحظة التي أحبته بها..
لم يعد بإمكانها تذكر الأشياء التي جعلتها تحبه..
لا تذكر سوى تلك الجملة التي التفت حولها كأفعى سامة.. لا تذكر سوى ذراعيه اللذان أحاطا بها كسجن خانق.. لا تفكر سوى أنه محق ووالدته محقة وأنه ما من مفر لها بهذه الأرض بعيداً عنه.. لقد أصبحا شيئان لا يمكن أن يفترقا.. كالحيوان المفترس وفريسته.. والدها كان محقاً بحديثه لكنه لم يخبرها أن العالم لا يستقيم دون ضحايا.. فالمفترس لن يعيش دون فريسته ولا مجال لهرب الفريسة من ملكوت مفترسها..
ستموت الغزالة مهما ركضت من الضبع..
فهذا هو واجبها الذي خلقت لأجله..
واجبها أن تهوى في النهاية بين براثن الضباع..
****
يتصرف بطريقة تغضبها وتجعلها توشك على قتله ثم ينطق بجملة واحدة لتهدأ وتتراجع!..
كان هذا ما عليه الحال منذ عاد.. لا يمكنها أن تبقى غاضبة منه بسبب تلك الطريقة التي يعاملها بها..
طالعته وهو ينتقي الكتب والأغراض المكتبية لدراين وابتسمت وهي ترى حماسها فقد كان يذكرها بحماس مؤمن عندما كان بعمرها بينما تشتري لهما والدتها الأغراض المدرسية..
همست لتترحم عليها وبالثانية التالية التفت ينظر لها ثم تحرك نحوها يسألها: "ألا تريدين ابتياع أي شيء؟.."
هزت رأسها بنفي والتفتت تنظر لدارين بينما تقول: "تذكرني بك.."
تنهدت وعادت تنظر له وهي تكمل بسخرية: "للأسف هي تشبهك كثيراً"
تحرك ليقف بجوارها ثم نظر للأرض وهو يرد: "أعلم أنكِ غاضبة لكن لا تبالغي بكلماتك القاسية حتى لا أعتبرها تجريحاً"
نظرت له قليلاً وهي تفكر بالصراخ عليه وإخباره أنها تتمنى تجريحه بالفعل لكنها لا تقدر.. في النهاية تنهدت قبل أن تقول: "مؤمن أنا لا يمكنني إبعادك عن حياتي"
نظر لها فأكملت بخفوت مليء بالألم: "أنا لا يمكنني أن أكون قاسية مثلك"
بقيا يطالعان بعضهما بصمت وهي تتخيل أنه رأى بتلك الجملة القصيرة كل ما عانته وكل ما عاشته بدونه وتخيلت أنه يفكر برد لكنها لم تنتظر منه واحداً والتفتت بعدها تنظر لدارين مردفة: "لكن هذا لا يعني أني سأوافق على طلبك للزواج.. أنا لا أريد الزواج بك"
:"لماذا؟"
حاولت ألا يظهر الحزن بصوتها وهي ترد: "لذات السبب الذي يمنعني عن طردك من حياتي.."
التفتت تنظر له وهي تكمل: "لا يمكنني أن أكون قاسية على نفسي وإلقائها بأحضان شخص مثلك"
:"لقد انتهيت.."
التفتا لدارين التي اقتربت حاملة السلة بوجههما بسعادة بالغة فتنهدت وهي ترد: "جيد لنذهب حتى لا نتأخر عن خالتي"
تحركت تسبقهما نحو طاولة الدفع وكادت تلحق بها لكنه أمسك يدها واقترب يقف بجوارها وينظر لعينيها ثم ابتسم بطريقته الباردة قائلاً: "أخبرتك مراراً أني لا أذكر طلبي رأيك بالزواج!.."
ثم اقترب منها وهمس بجوار أذنها مكملاً: "أخبرتك سأتزوجك.. لم ولن أنتظر رأيك بما سأفعل!"
شعرت بنبرته تسقط كثقل على صدرها.. قلبها تسارعت خفقاته وحلقها جف فجأة.. لا تفهم ما أصابها لكنها كانت تكافح لتخرج بنفسها من تلك الحالة بينما هو تراجع وابتسم لها مجدداً قبل أن يتحرك ساحباً إياها وهي بالكاد قادرة على التنفس!..
****
تحركت نادية تخرج من غرفتها ثم نظرت لنهاية الرواق بامتعاض قبل أن تلتفت وتتجه لغرفة فاطيمة التي كانت جالسة كالعادة ممسكة بهاتفها..
:"انهضي يا هذه.."
نظرت لها بحنق قبل أن ترد: "ماذا تريدين؟!.."
:"انهضي من مكانك يا باردة.."
هتفتها بها وبالفعل استقامت جالسة فتنهدت وهي تكمل: "اهتمي بوالدك فأنا سأخرج لتفقد العمل بالمحل.."
:"ماذا؟!.."
هتفت باستنكار قبل أن تنهض وهي تكمل: "لا بالطبع لن أفعل أنت تعلمين أني...."
:"لا أعلم شيئاً ولا أريد أن أعلم.."
قالتها بحدة قبل أن تلتفت وتغادر وهي تكمل: "لا وقت لدي لأضيعه معك انتبهي له لحين عودة شقيقتك.."
ومع خروجها ضربت فطيمة الأرض بعصبية بينما تقول بحنق: "الهانم تخرج لقضاء وقتٍ ممتع مع شقيقها وأنا أبقى هنا لأطبب العجزة.."
وصلت لغرفة والدها بنهاية الممر وطالعته من الخارج لتجده جالساً بهدوء فقررت أنها لن تبقى بجواره وتحركت عائدة لغرفتها مقررة أن تنتظر عليا وحسب وهي يمكنها الاعتناء به..
****
:"إذا ماذا سنتناول اليوم على الغداء"

سأله إيلام بسعادة تغمر كلاهما لأنه اليوم أخذ المتبقي من اليوم راحة.. فالسيد خشبة خاف على أصدقائه الأخشاب في المحل بسبب سوء حالة الطقس هذه الليلة لذا طلب منه إرجاء العمل للغد وإغلاق الورشة باكراً اليوم.. التفت له وأمسك يده وهو يرد: "أنا سأعد...."
:"فادي"
سمع هذا الصوت تزامناً مع نفير السيارة وعندها التفت والحنق يشعل قلبه بنيرانه وهو يطالع السيدة كوثر او كوكي كما تحب أن يناديها الكل لأن الاسم قديم كما تزعم لا يليق بصورتها التي تحاول رسمها..
شعر بيد إيلام تشد على كفه فالتفت ينظر له ليجده يطالع السيارة بتوتر وحنق..
للحظة فكر باعتراض أخذها له ولم يتخيل أنها ستناقشه طويلاً بهذا الأمر.. لكنه تذكر مدرسته التي لم يذهب لها منذ غادرت السيدة دون اكتراث لما سيفوته وتذكر أنه بالكاد استطاع توفير طعامهما خلال الفترة الماضية فالفتى لا زال صغيراً ولابد أن يتناول طعاماً صحياً بانتظام عدا عن كونه يأخذه معه للعمل ويومياً ينام على المكتب حتى تتيبس أطرافه وتتجمد بهذا البرد ومع كل هذا تنهد وقرر أن عليه التراجع..
هز كفه فالتفت له وما أن فعل ابتسم له وقال: "اذهب هيا"
امتلئت عينا الفتى بالدموع لكنه تحرك بصمت فنظر هو لسيارة والدته قبل أن يبتسم بسخرية قائلاً: "سيارة جذيدة إذا؟!"
ابتسمت وأخرجت يدها من النافذة بينما تربت عليها لترد: "أجل اشتريتها واستلمتها قبل أسبوع وحسب"
ضحك بسخرية ثم انحنى يتكيء على النافذة وهو يقول: "مبروك يا كوكي"
ابتسمت أكثر قبل أن تمد يدها بحقيبتها وتخرج رزمة من المال وتمنحها له بينما ترد: "خذ ابقي هذا معك"
ابتسم بسخرية ورد: "ابقيهم معك يا كوكي أنا مستور الحمدلله.. اهتمي بإيلام"
اقترب منها أكثر فملأها الرعب بينما يكمل: "اعتبريه سيارة جديدة يا كوكي"
كادت ترد لكنه اقترب منها أكثر وطالعها بغضب وهو يهمس: "هذا إن كنتِ حريصة على ألا تغضبيني يا أمي.."
أومأت بخوف بينما تراجع وهو يطالعه بابتسامة فابتسم الصغير وهو يقول: "اهتم بنفسك يا صاح"
هز رأسه بإيجاب فتراجع ليسمح لها بالتحرك وما أن غابت عن ناظريه تحرك بهدوء يسير نحو بيته.. كان مطأطأ الرأس يشعر بخيبة ووحدة شديدة فجأة تجمعت كل ذكرياته السوداء برأسه حتى ضربها بحدة بكفه علّ الألم يخفت ثم ودون أن يشعر التفت ينظر لنهاية الطريق عله يجد إيلام يعود له ويخبره أنه سيبقى معه لكنه لم يجده لذا عاد يسير بانهزام عائداً للمنزل..
ما أن وصل اصطدم بوجود ريهام جالسة أمام باب شقته تنهد بحنق ثم تحرك سريعاً ناحية الباب وسحبها للداخل وما أن أغلق الباب قال بغضب: "ألم أخبركِ ألا تأتي إلى هنا ريهام.. لم أنتِ مصممة على التسبب لي بمتاعب.."
:"أنت لا ترد على اتصالاتي لذا أتيت.."
كز على أسنانه بغضب قبل أن تقترب هي منه وتكمل: "أنا كنت أفكر بك بالفترة الماضية و..."
حرك عيناه بملل وهو يحاول تمالك أعصابه لكنه لم يقدر ومع لمسها لكتفه دفعها بعيداً وهو يرد: "لم لا تفهمين الأمر يا ريهام؟!"
طالعته بصدمة قبل أن يكمل: "أنا لا أفكر بأمرك ويستحيل أن يجمعنا أي شيء"
بقيت تطالعه قبل أن تبتسم وترد: "أعلم لكني لن أتخلى عن أفكاري بشأنك"
اقتربت منه أكثر وكانت على وشك تقبيله على شفتيه لكنه أبعد وجهه فبقيت ثابتة لثواني قبل أن تطبع قبلة على وجنته ثم تراجعت لتخرج من المنزل وما أن فعلت تنهد براحة ثم تحرك ليجلس على الأريكة بإنهاك.. التفت ينظر نحو غرفته.. رحل إيلام وتركها فارغة.. وترك كل شيء حوله خاوي كما كان الحال قبله!..
**
:"ريم هي من أعدت كل الطعام.."
قالتها دارين بينما يتناول الطعام بتلذذ.. كان متأكداً أن ريم لكزتها بساقها لتصمت قبل أن يرد: "أعلم"
:"عليا أحضرت الحلويات معها فهي من حضرتها.."
التفت ينظر لعليا التي بقيت صامتة منذ رآها مع وصولهم.. نظرت له عندها وقالت: "أنا أحب صنع الحلويات.."
أومأ لها ورد: "لابد أن ريم من علمتك"
عاد ينظر لريم التي ابتسمت له بسخافة قبل أن تعود لتناول الطعام..
:"هذا يكفي.."
قالتها شكرية قبل أن تكمل: "توقفوا عن تصرفات الأطفال تلك.."
التفت لخالته التي أردفت تسأل: "ثم لم لم تحضر تلك الفتاة قريبتك معك؟.."
:"ماذا؟!.."
قالتها دارين بعصبية قبل أن تلتفت له وهي تكمل: "أنا لا أريد الاجتماع بتلك المتعالية بمكان واحد"
:"تأدبي يا فتاة"
ردت بها خالتها فصمتت قبل أن تقترب من الطاولة وهي تهمس: "لا زلت لا أرغب بالاجتماع بها"
:"لا أعدك بهذا"
قالها بهدوء قبل أن يتنهد مكملاً: "إنها شريكتي وابنة خالي لذا سترينها بقربي كثيراً"
نظرت له ريم وابتسمت بغيظ ثم التفتت لدارين تقول: "أجل يا دودو ألم تري كيف أنها مسكينة وبحاجة لمن يرشدها.."
ثم نظرت لخالتها وهي تكمل: "تخيلي يا خالتي بكل تلك الأموال والغطرسة التي تمتلكها ولا تجيد القيادة واضطررنا لانتظار سائق الكونتيسة حتى وصل وأخذها"
بقي يطالعها لثوانٍ قبل أن يستوعب ما يحدث فانعقد حاجباه وهو يقول: "ألهذا السبب أنتِ غاضبة مني هل تغارين منها حقاً؟!.."
اتسعت عيناها وعندها تأكد أنها الحقيقة وأكمل بحنق: "يا لكِ من ساذجة!.."
غصت دارين التي كانت تشرب المياه وألقت برأسها على الطاولة في محاولة لكتم ضحكها بينما ضربت ريم الطاولة وهي تهتف: "ولم قد أغار من تلك المتغطرسة ذات اللسان الملووح يا ابن الهلالي.. هل تظن نفسك شيخ الشباب والفتيات لا يستطعن مقاومة جاذبيتك"
تراجع بمقعده وهو يطالعها بانشداه قبل أن يرد: "تلك الجملة الأخيرة إن كانت سخرية فلا أملك رداً عليها أما إن كنتٍ تسألين فأنا بالفعل أتلقى الكثير من الإعجاب من شريحة عريضة من الفتيات.."
ازداد ضحك دارين بينما حاولت عليا تمالك نفسها وهي تقول: "دارين احترمي نفسك"
وباللحظة التالية خبطت ريم الطاولة وهي تنهض هاتفة: "أيها البارد المستفز هل تتقصد إصابتي بالجنون.."
ارتفع حاجباه بدهشة قبل أن يتملكه الغضب وينهض ليقول ببرود: "أنا أرد عليك بمنتهى الهدوء وقد أخبرتك ألا ترفعي صوتك علي.."
:"اخرس أيها ال...."
:"قبل أن تكملي تذكري أني حذرتك وطلبت منك انتقاء ألفاظك معي.."
وضعت يداها بخصرها وهي تقول بعناد: "وماذا ستفعل إن مرغت بتحذيرك وبك الأرض يا روحي؟!"
:"ماشاء الله.."
توقفا والتفتا ناحية شكرية التي نهضت وهي تبتسم بطريقة أرعبتهما معاً بينما تكمل: "لم توقفتما؟!.. لازال صوتكما لم يصل للصين بعد.."
ثم تحركت فجأة وشدت أذنيهما بنفس الوقت فصرخت ريم قبل أن تقول: "خالتي رجاءاً.."
:"اخرسي.."
هتفتها قبل أن تشد أذنيهما بقوة أكبر وهي تكمل: "تتشاجران وترفعان صوتكما دون أي احترام لوجودي.."
:"هو الباديء"
:"هي البادئة.."
هتفاها كلاهما بذات اللحظة بينما يشيران لبعضهما بينما شكرية اقتربت وقالت بخفوت محذر: "لا أريد سماع أي كلمة منكما.."
ثم تركتهما فوقفا باستقامة وأدب وبعدما جلست هي وتنهدت تستغفر أمرتهما: "اجلسا.."
امتثلا لها فأكملت: "الآن تناولا الطعام بصمت وإلا قسماً بالله لن أهتم لكبر سنكما وسأعاقبكما كما كنت أفعل بصغركما.."
ثم نظرت لدارين التي ما أن رأت نظرتها المحذرة توقفت فوراً عن الضحك ونظرت بطبقها لتكمل طعامها وكذلك فعلت عليا وعندما تأكدت أن الجميع لا يلاحظ ابتسمت بسعادة وانتصار..
**

:"إذاً علام اتفقتما؟!.."
سألها أكمل فقضمت قطعة من الشطيرة قبل أن تلتفت له وترد: "لا شيء.. طلب مني توكيله وإخطاره فور وصول محضر القضية فقد أعلمني أننا لن نتمكن من فعل شيء إلا عندما يتحرك المتعوس البخيل.."
ابتلع ما بفمه بصعوبة بعد سماعها وهي تتحدث بطريقتها الحانقة بينما أكملت: "علام تضحك أكمل أنا أتحدث بجدية.."
مسح فمه وألقى الورقة الخاوية بعد أن أنهى الشطيرة بإحدى سلال المهملات قبل أن يسألها: "أعرف أنه بخيل لكن لم تنعتيه بالمتعوس.."
:"لأنه جلب التعاسة لنفسه بسبب طمعه وبخله.."
تناولت فضمة أخرى من الشطيرة وأغمضت عينيها بتلذذ وهي تهمس: "ما أروع أفكاري!.. شطيرة البرجر بالجبن لذيذة بشكل لا يوصف.."
راقبها وهي تبتسم بارتياح ثم التفتت تنظر له واختفت ابتسامتها فعلم ما يدور ببالها وقال: "عليك إخبارهما بكل شيء.."
تنفست بعمق وهي ترد: "أعلم.. فلا زلت على رأيي أن يعرفا مني خير من معرفتهما من غيري.."
التفتت تنظر أمامها بصمت وهي تهمس: "لكني أخاف عليهما.. كلاهما مريض.. أبي سيتخطى الأمر سريعاً فمعاملة ذلك البخيل المتعالية له قد اعتادها رغم أنها تؤلمه.. لكن أمي لازالت حزينة.. بنظرها هي لم تقصر بأي شيء معه اهتمت به وساندته طيلة حياتها حتى وهو يهينها وينتقص منها بعد اختيارها لوالدي.."
فتح فمه ليرد لكنه توقف ما أن أكملت بخفوت: "هو حتى لم يساندها عندما توفت مالي.."
اقترب ليسير بجوارها عندها وهو يقول: "لم تكن بحاجته.."
التفتت له فابتسم لها وهو يكمل: "كنتِ بجوارها وساندتها أكثر من أي أحد.."
ابتسمت له وتحولت وجنتاها لكتلتين من الشيكولاتة الذائبة بينما عيناها تتوهجان وهي ترد: "هذا بفضلكم أنتم ساعدتوني.."
سمع صوت الرعد يضرب السماء فوقهما ثم بدأ المطر فهتف: "يييه لقد نسيت أن الليلة ستبدأ النوة.."
نظر لها فوجدها تتلفت حولها بقلق وهي ترد: "اللعنة لنبحث عن مكانٍ نحتمي به لأخرج سترتي.."
ازداد المطر فرفعت كفاها تغطي شعرها وهي تصرخ: "لا لا سيفسد شعري.."
ضحك بشدة ثم تخلى عن كم سترته القريب منها ليمسك بالسترة ويغطي بها رأسها فرفعت عيناها نحوه وعندها هرب بالتلفت حوله قبل أن يشير للمقعد القريب منه قائلاً: "لنحتمي أسفل مظلة ذلك المقعد.."
ثم ركضا معاً نحوه وما أن وصلا تنفست براحة وهي تهمس: "الحمدلله.."
:"انظروا للشرسة التي تحاول دوماً ادعاء أن المظهر ليس كل شيء.."
قالها بمشاكسة فنظرت له بحنق قبل أن تقترب وتقف أمامه مباشرة وهي ترد: "وهو كذلك بالفعل يا أحمق.. أمسك هذا.."
ناولته الشطيرة وفتحت حقيبتها الضخمة لتخرج منها سترتها بينما تكمل: "شعري لو تبلل ولم أجففه فوراً سيتشابك ولن أتمكن من حل عقده بليلة حتى..."
:"عليك أن تتركيه منسدلاً بدلاً من تلك الربطة الخانقة.."
قالها بتذمر حقيقي فهي منذ سنوات لا يحصيها تربط شعرها ولا تحاول تركه بسبب أفكارها التي لا تقنعه..
:"أخبرتك مراراً أني أفعل هذا لأتمكن من تصفيفه بسهولة و...."
توقفت عن الحديث ما أن رفعت عيناها له ثم اتسعتا قبل أن تهتف بحنق: "أكمل أيها المزعج لم تناولت شطيرتي.."
لم يلحظ الأمر فعلاً إلا مع صراخها فنظر للشطيرة بين يديه ووجد أنه لم يتبقى منه سوى قضمة فبتلقائية وضعها بفمه وتناولها وعندها رفعت ساندي يدها لتضربه لكنه أمسك بكفها واقترب منها قائلاً: "احترمي نفسك يا فتاة نحن بالشارع.."
:"أنا محترمة رغماً عن أنفك.."
قالتها وهي تحاول تخليص نفسها منه فابتسم ثم التفت نحو المحل الذي اشتروا منه قبل قليل وعاد ينظر لها بعدها وسحبها قائلاً: "تعالي سأشتري لك المزيد.."
وقفت بمكانها بقلق وهي تنظر للمطر فتأفف بحنق ثم رفع قلنسوة سترتها على رأسها وأحكمها وهو يكمل: "هكذا لن يتأذى شعرك يا شرسة.."
ثم أمسك كفها وعاد لسحبها وتحركا أسفل المطر..
****
جلس بالشرفة واضعاً كفه أسفل رأسه وهو يطالع البحر مع نسمات الشتاء الباردة.. ضرب الرعد بقوة فوجه ناظريه للسماء قبل أن يشعر بباب الشرفة يفتح ثم دخلت خالته.. كاد ينهض عن المقعد لكنها أوقفته بقولها: "ابقى مكانك يا ولد.."
وضعت كوب الشاي على الطاولة الصغيرة بجواره ثم توجهت للجانب الآخر من الشرفة وجلست على الأريكة الصغيرة الملتصقة بالجدار وأشعلت المدفئة التفتت تنظر عبر الزجاج وهي تبتسم قائلة: "ريم من أغلقت لي الشرفة بهذا الشكل"
ابتسم هو الآخر وتلفت للمكان من حوله كانت الشرفة مغلقة كلياً بالزجاج السميك الذي يسمح برؤية البحر والسماء وهناك حاجز صغير موضوع به أصيصات من الزهور ونبات النعناع والريحان..
:"كان هناك مبلغ تركته لها والدتها وأنا وضعته باسمها في البنك.."
التفت لها بينما تبتسم وهي تطالع السماء ثم أكملت: "وعندما تخطت السن القانوني سحبت جزءاً منه لتجدد لي الشرفة خوفاً على صحتي لأني أبقى بها لأوقات طويلة لذا أصاب بالإنفلونزا كثيراً.."
:"أطال الله عمرك يا أستاذة.."
قالها ثم أكمل: "لكن لابد أنها تلقت منك القليل من التوبيخ.."
مطت شفتيها ففهم أنها تلقت الكثير فابتسم ثم عاد للنظر نحو السماء..
:"توقف عن استفزازها"
عاد للنظر لها فوجدها ترتاح بجلستها وهي تكمل: "هي بالفعل غاضبة منك فلا داعي أن تستفزها وتزيد غضبها منك يا ولد"
تلفت ينظر للبعيد ثم تنهد هامساً: "لم لا يصدق أحد أني لا أعني استفزازها حقاً.."
سمع صوت ضحكتها الخافتة فالتفت لها وهو يكمل: "صدقاً أنا لم أقصد استفزازها لقد بدت غيورة بالفعل من سيرين.."
نظرت له بلوم ثم قالت: "لا يمكنك إخبارها أنها تغار على الأقل ليس بهذا الشكل.."
حرك رأسه بتعب قبل أن يرد: "لا يمكنني التعامل بمثل تلك الأمور من المفترض أنها تفهمني"
:"هي غاضبة الآن لتتفهمك مؤمن.."
التفت لها فأكملت بصرامة: "وهو حقها وأنت من عليه التفهم بهذه المرحلة إن كنت حريصاً على تنفيذ وعدك"
كان يدرك كل ذلك لذا أومأ ورد بطاعة: "أعلم خالتي.."
*****

وصلت لبيتها وما أن دخلت طالعت المكان من حولها.. ثم صرخت: "مرحباً"
لا شيء أجابها سوى الصمت فابتسمت بسخرية قبل ان تتحرك نحو الأريكة وهي تهمس: "ماذا كنت أتوقع؟!"
جلست تحدق بالفراغ وهي تتذكر طريقة معاملته معها وهي تهمس لنفسها أنه كالجميع قاسي لكنه كان يخفي الأمر تماما كما توقعت..
طالعت السقف بعيون باردة متذكرة ما سمعته عندما ذهبت للمكان الذي يعمل به في الصباح وعندها ابتسمت بطريقة مخيفة وهي تهمس: "يمكنني الآن الانتقام دون ندم فمن أين أبدأ؟!.."
****
رحلت نور في تمام الساعة الخامسة والنصف بعد أن انتظرت معها ما يزيد عن الساعة والنصف على أمل أن تنهي العمل باكراً وتغادرا معاً لكن في النهاية استسلمت وغادرت حتى لا يتضايق خطيبها من تأخرها..
التفتت تنظر للساعة لتجدها تعدت السابعة بعشرين دقيقة وزاد حنقها.. صحيح أنها شعرت بالراحة لمنحها حجة للبقاء بعيدة عن البيت لكنها لم تكن تتمنى قضاء ذاك الوقت بالعمل..
تراجعت بظهرها لترتاح على المقعد قبل أن تقرر الرحيل فالأفضل هو الراحة في فراشها أسفل غطائها وبحضنها حاسبها المحمول لتشاهد أي فيلم يخرجها من الجو الكئيب الذي تعيش به.. ستطلب من نور ما أن تحضر معها أي فيلم عبر الهاتف لتخرج من ذاك الجو الخانق.. نهضت عن المقعد وفردت ظهرها بتعب قبل أن تغلق الأدراج ودولاب الملفات بإحكام خوفاً من أيادي جوان العابثة تحركت تحمل الملفات كلها دفعة واحدة ثم خرجت من الغرفة بعد إغلاقها..
سمعت صوت الرعد ليزداد ندمها على عدم إحضار سيارتها معها فثيابها لم تكن ثقيلة كفاية لكنها لم تكن تملك حلاً آخر..
عليها توفير نفقاتها وبالتالي عليها توفير البنزين.. بدلاً من المجيء للعمل بسيارتها والاضطرار لملأ البنزين أربع مرات في الشهر يمكنها ملئه مرتين لا أكثر.. عليها توفير كل قرش حتى تنفذ خطتها..
توقفت أفكارها مع سماعها صوت موسيقى وغناء من داخل غرفة هيثم.. اقتربت بحذر وما أن وصلت للغرفة أطلت برأسها ولدهشتها كان هيثم يجلس هناك على المكتب ساقيه مرفوعتان لتظهر قدميه الحافيتين على المقعد أمام المكتب بينما يعبث بهاتفه وعندها تذكرت أن نور أخبرتها بأنه لم يغادر وأخبرها أن تغادر لأنه سينهي عملاً أخيراً قبل أن يغادر..
تخيلت أنه سيغادر بعدها بنصف ساعة ولن ينتظر كل هذا الوقت..
"ياللي عشت في حضنك أحلى سنين
نسيت أنا مين ولا بنساك
كل كلمة حب ما بين اتنين
هتوصف ايه في لحظة معاك"
مع ترديده لتلك الكلمات فهمت فوراً أنه تقصد انتظارها طيلة هذا الوقت وتحركت ببرود لتضع الملفات بجانبه ثم التفتت لتغادر لكنه أمسكها وأعادها لتقابله ثم سحبها لتقترب منه بينما يهمس: "قولي مساء الخير على الأقل يا كريمة الكراميل.."
لم تظهر له سوى الغضب بينما تبعد كفه بحدة وهي ترد: "أنت بالفعل لا تطاق بعدما ورطتني بكل هذا العمل تطلب مني التحدث معك بلطف.."
عاد ينظر للهاتف وهو يقول: "هذا عقابك على مخالفة أوامري أخبرتك ألا تجلسي مع ذاك الوغد وحدكما.."
لم تنتظر لسماع المزيد منه وتحركت للخارج منتوية تجاهله كلياً.. سارت نحو الحمام ووقفت أمام المرآة لتجمع شعرها وتمسح كحل عينيها تحسباً للمطر حتى لا تفسد هيئتها وقبل أن تتم عملها وجدت الباب يفتح وهيثم يدخل خلفها.. تحرك دون أي كلمة ليدفعها نحو الحائط ضاغطاً عليها بجسده فهتفت: "هل فقدت عقلك؟!.."
:"ماذا قلنا عن تركك لي بينما أتحدث؟!.."
قالها بخفوت محذر بينما يمسك ذقنها بكفه لكنها أبعدت وجهها عنه وهي ترد: "ابتعد عني هيثم لقد تأخرت بالفعل والجو بارد.."
عاد يمسك بذقنها واقترب منه وهو يقول: "لازلتِ لم تلقي تحية المساء يا كريمة الكراميل.."
ثم طبع قبلة سريعة على فمها وما أن ابتعد قالت: "ماذا تفعل ابتعد عني هيثم.."
:"أنا أدفئك.."
:"لا أريدك أن...."
قاطع جملتها بقبلة أخرى وتلك المرة كانت قوية وطويلة وأحاطت بها ذراعيه ليلصقها به أكثر وقد اندفع الدفء بالفعل يملأ جسدها لينسيها الخصام والكلمات التي أعدتها لتلقيها عليه بسبب العمل الشاق الذي ورطها به.. فجأة استسلمت وتناست كل شيء عدا ما عانته بتلك الليلة بعد أن رفضته وتخيلت أن كل شيء انتهى ثم ضرب أسلم لها وكلمات حفصة وبناتها التي سمعتها في اليوم التالي كل هذا دفعها للبكاء.. فابتعد عنها يطالعها بقلق لكنها اندفعت تدفن رأسها بصدره بينما تبكي فبدأ بالتربيت على رأسها وهو يحتضنها وبعد ثوانٍ لفحتها أنفاسه الساخنة وهو يهمس: "لن أمل أبداً من سؤالك عما أصابك لكن بما أن إجابتك لا تتغير فسأخبرك أني سأبقى بجوارك دوماً سولي.."
دفنت رأسها بصدره أكثر وهي تهمس: "شكراً هيثم"
طبع قبلة على رأسها ثم ابتعد يبتسم لها قائلاً: "هل تناولتِ الغداء؟"
مسحت وجهها وهي ترد: "كنت مشغولة بعقابك سيد غيور"
ضحك بخفة قبل أن يسحبها إليه وهو يقول: "سأطلب لنا طعاماً"
كانت ستعترض وتعود للبيت لكنها همست بنفسها: "اللعنة على البيت وقاطنيه!"
ثم ابتسمت ووضعت يدها على قميصه تعبث بأزراره وهي تقول بغنج: "هيثم.."
اقترب منها وهو يرد بخبث: "ماذا؟!.."
لوت شفتيها بابتسامة مغوية بينما تقول: "أريد مشويات..."
:"فقط؟!.."
قالها وهو يطبع قبلة على وجنتها فردت بنفس الطريقة: "أجل.."
طبع قبلة على وجنتها الأخرى ثم همس قرب أذنها: "وماذا عن الحلويات؟!.."
رفعت إصبعها تداعب به شفتيها بينما تدعي التفكير قبل أن ترد: "يمكنك أن تنتقيه.."
داعب شعرها بأنفه وهو يهمس: "أنا أملكه كله بين ذراعاي الآن.."
ثم نظر لها وبثانية انفجر كلاهما بالضحك ثم سحبها ليحتضنها بينما يخرجان ويتوجهان لمكتبه..
*****
في اليوم التالي
ألقت نظرة على قياسات جسد الآنسة أمامها وهي تفكر أنها بالفعل لا تحتاج أي شيء.. جسدها متناسق وهي بالفعل قامت بعدة عمليات بوجهها لتصغير أنفها وتكبير شفتيها ووجنتيها عدا عن العمليات التي ساهمت بجعل جسدها بذلك التناسق..
:"ما رأيكِ يا دكتورة؟"
نظرت لها وابتسمت بطريقتها الملائكية وهي ترد بعملية: "أنا أتفق معك أنت بحاجة لحقنٍ آخر لشفتيك وبعض التعديلات على قوام جسدك"
ابتسمت الفتاة وهي تقول: "لقد علمت أنني محقة.. حبيبي يظن أني أبالغ وخضنا شجاراً طويلاً لهذا السبب"
:"الرجال ببعض الأحيان يتمسكون بآراء لمجرد فرض السيطرة.."
قالتها بهدوء قبل أن تتكيء على المكتب مكملة: "لكن نحن النساء بإمكاننا فعل ما نريد مادمنا نريده"
اتسعت ابتسامة الفتاة وامتلأت عيناها بالزهو فعلمت أنها اصطادتها قبل أن تردف: "لكن بالطبع يمكنك التفكير بالأمر و...."
:"لا داعي"
قاطعتها الفتاة قبل أن تكمل: "أنا موافقة لنحدد موعداً لإجراء تلك العمليات"
ابتسمت لها واستدعت مساعدتها التي دخلت فورا وهي تقول بأدب: "نعم دكتورة"
:"ضعي اسم الآنسة خلود بقائمة العمليات وسجلي بياناتها"
أومأت لها بينما نهضت الفتاة وهي ترد: "سأنتظر مكالمة لتحديد الموعد دكتورة"
نهضت لتسلم عليها قبل أن تغادر وما أن فعلت اختفت ابتسامتها وهي تهمس: "حمقاء"
:"عفواً دكتورة"
قالتها مساعدتها بخوف فرفعت عيناها لها وسألتها :"ما الأمر يا غبية"
ابتلعت لعابها قبل أن ترد: "الآنسة هويدا طلبت لقائك على الفور"
:"أدخليها"
تحركت تهرب من أمامها وبعد ثواني دخلت هويدا وأغلقت الباب وما أن اقتربت من المكتب قالت: "تلك الفتاة التي خرجت من عندك أنا أريد تكبير شفتاي لتصبحان بحجمها"
تنهدت سوزان وهي ترد: "دعك من هذا يا هويدا وأطلعيني بالأخبار"
:"لدي خبر سييء وآخر جيد"
عقدت ذراعيها بانتظار تفسيرها فجلست هويدا تقول: "صديقتك هي من عزفت بالعرض"
:"اللعنة عليها"
همستها بغيظ وهي تلتفت بعيداً عنها وتطالع الفراغ غير مصدقة لقد كان كل شيء معداً بعناية حتى ينتهي أمرها.. عادت تنظر لها وهي تسألها: "كيف يمكن أن يحدث هذا ألم تخبريني أن والدك اتفق مع عميد المعهد؟!"
مطت هويدا شفتيها وردت: "حدثت بعض العقبات"
تنهدت سوزان بينما تتحرك لتقف أمامها وهي تسألها: "وما الخبر الجيد؟"
نطقت هويدا بالجملة التي دفعت الابتسامة الشامتة لتزيين وجه سوزان فوراً
:"لقد أغضبت السيد عاطف وقد أقسم لأبي أنها لن تخطو داخل المعهد مجدداً"
****
:"وما الجديد بهذا؟!"
قالتها وهي تجلس أمام البيانو بعد أن أخبرتها نغم بما حدث وبدأت بعزف لحن قصير بينما نغم تحركت لتقف أمامها وهي تقول: "السيد عنان سيحاول اقناعه بالتراجع و..."
:"أخبريه ألا يفعل.."
قاطعتها ثم التفتت لها تكمل: "سيحرج نفسه دون جدوى كلانا يعلم أنه لن يوافق فهذه فرصته"
صمتت نغم قبل أن تجلس بجوارها وهي تقول: "لدي خبر جيد.."
عادت للنظر لها فأكملت: "الآنسة هاندا رشحتك لتقديم عرض بأحد الاحتفالات المقامة في دبي"
اتسعت عيناها بينما أخرجت نغم بطاقة الحفل وهي تكمل: "هو أول حفل هولوجرام ومن ضمن فقراته ستكون عزف البيانو وهاندا تساعد أنطوان بتنسيق فقرات الحفل وكلاهما متحمس لعزفك.."
بقيت تطالع البطاقة طيلة حديثها وما أن صمتت نظرت لها بذهول وهي تهمس: "أنت تكذبين"
ضربتها نغم على رأسها بخفة وقالت: "تأدبي يا فتاة.."
نهضت بعدها تتجه لحقيبتها ثم أخرجت بعض الأوراق المغلفة واتجهت بها نحوها وما أن وصلت لها قالت: "هذه هي العقود اطلعي عليها فيما بعد فعلينا بدأ التمرن الآن.."
ثم تراجعت تقف خلفها وهي تكمل: "وأفيقي من صدمتك سريعاً فلازال لديك شخص عليك اقناعه بأسرع وقت فالحفل بعد عشرة أيام وأنت عليك أن تصلي هناك خلال ثلاثة أيام على الأكثر"
ومع جملتها الأخيرة اندفعت لتبدأ التمرن بحماس مرجأة التفكير بكيفية اقناع خالتها لاحقاً

*

يجب أن ينساها!..
يجب أن يفعلها مهما كان الثمن!..
كان يهتف بتلك الجمل منذ أنهت مكالمتها معه صباح اليوم بعد أن أعلمها أن إيلام قد غادر..
:"كفى..."
همسها لنفسه وهو يحمل المقعد الذي أنهاه ويضعه جانباً قبل أن يكمل: "علي التوقف عن التفكير بها"
تحرك بعدها يلتقط سترته ناوياً أن يذهب لتناول شيئ ما فهو لم يتناول فطوره حتى.. فالسيد خشبة طلب منه الحضور بالسادسة ليبدأ بالعمل الذي تركه البارحة وتعويض تلك الساعات التي أهدرها على حد زعمه..
تحرك ليغادر المحل ويغلقه وهو يهمس: "فعلت خيراً لا يوجد أفضل من الطعام ليشغل بالي"
:"مرحباً"
التفت بصدمة حتى ارتطم ظهره بالباب وأصدر صوتاً عالياً بينما هي تسأل: "ما الأمر هل رأيت عفريتاً فادي"
:"نعم.."

:"ماذا؟!"
هتفت به بغضب وهي تقترب منه فرد سريعاً: "أعني لا.. أعني.. ماذا تفعلين هنا ريم؟!"
ابتسمت له وشعر عندها فجأة أن العالم بأكمله يبتسم.. الهواء أصبح أنقى والشمس أشرقت بعد ساعات طويلة من التواري خلف الغيوم القاتمة الكئيبة لتمنحه تلك الأشعة الناصعة التي تملؤ كل ما تلمسه حيوية ونشاطاَ..
ابتسمت فابتسم كل شيء معها وشعر بنفسه تستكين وتهدأ ونسي كل همومه وهي تقول بلطف: "أخبرتني أنك ستشتاق لإيلام لأنه يسليك بتناول الطعام فأتيت لنأكل معاً"
ضحك لها ثم اقترب رافعاً إصبعه وهو يرد: "أنا من سيدفع هذه المرة.."
ألقت بالحقيبة التي تحملها بيدها خلف ظهرها وهي تهمهم بتفكير قبل أن تقول: "لا مانع عندي فأنا مفلسة على أي حال"
ثم تحركت أمامه تسير بحذر بين برك المياه التي خلفتها الأمطار..
هو كاذب.. هو أحمق..
من تلك التي يمكنه نسيانها..
يستحيل أن ينساها..
يستحيل أن ينتزعها من قلبه مهما حاول..
***

Continue Reading

You'll Also Like

1.5M 107K 79
هي عنيدة، متمردة، تُحب الظهور بشكل لائق يسر الناظرين، بشكل متبرج.. ! لاتعرف شيئـًا عن الله أو الإسلام، كل ماتعلمه هو أنها مسلمة فقط ! تحب نفسها جد...
1M 67.5K 104
" فرحات عبد الرحمن" شاب يعمل وكيل نيابة ويعاني من مرض اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع مع ارتباط وثيق باضطراب النرجسية مما يجعله ينقاد نحو كل شيء معاك...
246K 8.5K 39
النساء لا مكان لهُنَّ في حياته، عالمه ينصب على أبناء شقيقه وتوسيع تجارته في أنحاء البلاد. هو "عزيز الزهار" الرَجُل الذي أوشك على إتمام عامه الأربعين...
511K 16.1K 33
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...