رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الحادي والثلاثون

112 12 0
                                    

على الجانب الآخر من العالم ينتظرني حبيب هجرني..
وأحلام تطالعني وعشق يمتليء به صدري..
الحزن يزاولني والدموع تسبح بعيني والخوف يربكني ويمنعني..
فأخاف خيبة الأمل وأخاف ندم عدم البوح والكلمِ..
فأين الحل يا مالك القلبِ؟!..
****
:"ريم"
سمعت الهمس الناعم قبل أن ترطمها يد قاسية على رأسها هاتفة: "استيقظي يا كسولة"
انتفضت من الفراش مفزوعة لتقابلها عيون ساندي وإسلام التي التفتت للأولى قائلة: "يا لك من مخبولة.. هل هذه طريقة توقظين بها أي أحد؟"
وضعت يدها على صدرها بينما ساندي ردت بلا مبالاة: "أمي لا توقظني إلا بهذه الطريقة"
كادت تصرخ عليها لكنها اقتربت تسحبها وأوقفتها أمام إسلام وهي تقول: "أولا اعتذري لملكة الجمال لعدم ردك عليها"
نظرت لإسلام التي عقدت ذراعيها أمام صدرها بانتظار اعتذارها.. فاقتربت منها وهي تقول: "أنا حقاً آسفة سولي.. لم أقصد تجاهلك أنا فقط انشغلت"
طالعتها لبضع ثوانٍ دون تعبير قبل أن تبتسم ثم فتحت فمها لتتحدث.. لكن ساندي سحبتها وهي تقول: "جيد والآن...."
أوقفتها أمام الخزانة وأكملت: "بدلي ثيابك"
التفتت تنظر لها باستغراب.. فابتسمت ساندي وهي تكمل: "سنخرج ونتسكع هل نسيتِ اتفقنا على هذا بمكالمتنا الأخيرة"
أومأت بتفهم وهي تذكر بالفعل اتفاقهم لكنها كانت قد قررت البقاء بالمنزل منذ عادت البارحة من لقائها الكارثي مع عمها حتى أنها اعتذرت عن دروس التدريب مع نغم وحمدت الله أنها أخذت الإجازة من المدرسة بدءاً من اليوم.. اكتفت بالنهوض وتناول الفطور وإعداد الغداء لخالتها ودارين قبل أن تعود مجدداً لغرفتها وترغم نفسها على النوم..
ولكن مع نظرها لساندي وعيونها الحادة فهمت أنه لا أمل لها بمخالفة أوامرها.. لذا التفتت وتنهدت وهي ترد: "أخرجوا لأبدل ثيابي"
**
تحركت سوزان بعصبية تدخل للبيت واتجهت فوراً إلى غرفة والدتها التي كانت تتحضر للخروج كعادتها وما أن دخلت ابتسمت بفخر وزهو دائماً ما يرافقها مع رؤيتها وهي تقول: "ها قد وصلت ابنتي ذائعة الصيت!"
:"أمي لم وافقتِ على حضور تلك الحفلة؟!"
ابتسمت لها والدتها ونهضت تقترب منها ثم أمسكت كتفاها بينما ترد: "هل هذا ما يعكر مزاجك يا حبيبتي؟!"
:"أمي ردي علي.."
هتفت بها لكن والدتها لم تتحرك بها شعرة فقط أبقت على ابتسامتها الهادئة وهي تقول: "يا عزيزتي هذا لمصلحتك أنتِ وشقيقتكِ"
:"تلك الغبية الخائنة التي اختارت العيش مع والدها وزوجته الأفعى عوضاً عنا لا تستحق منا أي اهتمام!"
سحبتها والدتها لتجلسا وأمسكت بكفها بين يديها ثم تنهدت تقول: "سندس لا تزال صغيرة ومدللة كما أنها لا تملك ذكائك لنحاسبها على فعلتها الكارثية القاسية"
اقتربت منها ترتب خصلاتها وهي تكمل: "كما أن حضورنا لنثبت لتلك المرأة وابنتها أنكما ابنتا سامح الوحيدتان ولا أحد سيرثه إلا أنتما"
التفتت لوالدتها وردت بصبرٍ نافذ: "هذا أمرٌ مفروغٌ منه تلك الغبية إن فكرت فقط أن تستولي على حقي سأنهي أمرها"
ابتسمت والدتها وقالت: "هذا ما أنتظره منك يا حبيبتي.."
ثم ضمت شفتيها معاً باستياء وهي تكمل: "لو أنكِ تطاوعيني وحسب بأمر الزواج من..."
:"ها قد بدأنا.."
ردت بها بتأفف وهي تنهض وتقف أمامها مكملة: "أمي كم مرة سأخبركِ أني لا أريد الزواج بابن زوجك الراحل؟!"
أبقت والدتها على ابتسامتها المستفزة وهي تنهض وتقترب منها قائلة: "يا حبيبتي هذا لمصلحتك.. علاء قريباً سيسيطر على كل إرث والده باستثناء الجزء الذي سأحصل عليه أنا.. فكري بالأمر وحسب"
:"لا لن أفعل.."
قالتها بحدة ثم عقدت ذراعيها معاً وهي تكمل: "أخبرتكِ أني سأتزوج من مؤمن الهلالي ولا أحد سواه"
تنهدت والدتها وأخيراً اختفت الابتسامة عن وجهها بينما تقول: "أنا لم أربيكِ على التعلق بالأحلام الواهية يا سوزان ذلك الرجل...."
:"سيتزوجني.."
قاطعتها بخفوت قبل أن تقترب منها وتكمل بإصرار: "ذلك الرجل سيتزوجني فلا توجد امرأة تليق به غيري"
زفرت والدتها بضيق ثم عادت الابتسامة تزين ثغرها وهي تقول: "دعينا نتحدث بهذا الأمر لاحقاً"
ردت بلا مبالاة: "أو نغلقه للأبد لأني لن أغير رأيي كما أن سقف طموحاتك بشأن استيلائه على كل إرث والده عالٍ للغاية أمي فأخته لن تتخلى عن نصيبها بهذه السهولة.."
ضحكت والدتها باستهزاء وهي ترد: "ومن تكون تلك النكرة لتتمكن من الوقوف بوجه فريد الغباشي"
:"هي نكرة بالفعل.."
قالتها ثم ابتسمت تكمل: "طيلة عمرها نكرة ولهذا لن تتخلى عن الشيء الوحيد الذي يعيلها بهذه الحياة"
******
:"آنسة ريهام هلا ركزتِ معي!"
كانت مشغولة بالتفكير بالطريقة التي ستتمكن بها من كشف سر فادي عندما سمعت صوت المحامي الحاد يناديها فالتفتت تطالعه بلا اهتمام وهو يكمل: "أخوك رفع ال...."
:"لا تقل أخوكِ.."
قاطعته بهدوء وهي تتذكر كيف طردها من بيتها بعد أن ماتت والدتها دون أي شفقة بعد أن أعماه الحقد الذي أكنه لها ولأمها منذ سنوات وقد زاد هذا الحقد بزواج والده من الحية الرقطاء التي أنجبت العقربة سوزان.. أطرقت لثانية ثم هزت رأسها وهي تكمل: "هو ليس أخي"
نظرت للمحامي الذي لم يبدو عليه أي اهتمام بينما يقول: "حسناً السيد علاء الغباشي رفع قيمة السعر الذي سيدفعه لك مقابل نصيبك مائتي ألف جنيه ليصبح السعر الكلي مليون وثلاثمائة ألف من الجنيهات.. ما رأيك؟"
ابتسمت بسخرية وهي ترد: "هذا لا يعد ثمناً للبضاعة الموجودة بأحد منافذ البيع خاصتنا"
:"هذا ما لديه"
قالها المحامي بغطرسة فضحكت قبل أن ترد: "حسناً أخبر أخي الغالي أن...."
توقفت وهي تنظر للفراغ ثم أكملت: "لا أعلم كيف أقولها بطريقة مهذبة صراحة.."
استمرت بالتفكير حتى فرقعت إصبعها وهي تهتف: "وجدتها.."
استقامت بجلستها وابتسمت تردف: "أخبره أن يذهب ويتزوج من نفسه دون زواج.."
انعقد حاجباه بعدم فهم قبل أن يدرك معنى جملتها وهي تكمل: "أخبره أنها الترجمة الحرفية من جوجل ويمكنه البحث عنها ليتأكد من معناها"
تنحنح الرجل ونهض قائلاً: "لا أعدك أن رده سيكون جيداً يا آنسة"
:"لا تنسى إغلاق الباب خلفك"
قالتها وهي تجلس بأريحية غير مكترثة لغضبه الذي أفرغه على الباب عندما أغلقه بعنف.. بقيت تطالع السقف بشرود لفترة وهي تهمس: "والآن كيف سأعرف سرك الذي سيمكنني من الانتقام منك يا فادي.."
نهضت من مكانها واتجهت لإحدى خزائن المطبخ وأخرجت زجاجة من الخمر وسيجارة ملغمة بالمخدر وبينما تتحرك وقفت لثانية وطالعتهما ثم ضحكت وهي تهتف: "وجدتها!.."
****
ثنى ساقيه يحكم إغلاق قفل باب المحل المعدني الضخم.. ثم استقام متأوهاً وهو يهمس: "آااااه يا لظهرك المسكين يا فادي!"
تحرك بعدها بينما يكمل: "لا بأس لقد نلت حصتك الكبيرة جداً من العمل المضني على عشرين غرفة خلال الخمسة عشر يوماً الماضيين"
أخرج ورقة من فئة المائتي جنيه يطالعها وهو يتذكر كيف كان السيد خشبة يطالعه بتعالي وكيف جلس معه لساعات يتحدث بتبجح عن كرم أخلاقه لمنحه هذه المكافأة وقد أنقذ نفسه بالفعل بمنحه إذناً للخروج باكراً اليوم بسبب قلة العمل..
:"مائتي جنيه مقابل تجديد عشرين غرفة!"
سار مبتعدا بينما يهمس بسخرية: "بمعدل عشرة جنيهات مقابل كل غرفة.. يا له من كرم يا سيد خشبة!"
:"فادي"
التفت ينظر للسيارة التي يستقلها هيثم وأكمل ومؤمن الذي بمجرد أن رآه تلفت ينظر لأي جهة عداه.
:"هل فقدت عقلك وتحادث نفسك الآن؟"
قالها أكمل فطالعه وهو يرد: "وما شأنك أنت يا رأس البطاطا"
اقترب منهم بينما يسأل باستغراب: "ثم ما الذي تفعلونه هنا؟"
-:"ابتهج أتينا لنأخذك بنزهة"
قالها أكمل وهو يرفع يده بحماس فضربه بحدة عليها وهو يرد: "ولم قد ابتهج أيها الأحمق.. ثم من الذي أخبرك أني أرغب بمرافقتكم؟"
نظر له أكمل باستغراب ثم ابتسم بتسلية وهو يسأل: "وهل تملك حلاٌ آخر غير الاستماع لنا؟"
ابتسم بينما يرد: "أجل أملك.. يمكنني السير مبتعداً ببساطة"
هز أكمل رأسه قائلاً: "عندها سنهبط أنا وهيثم ونحملك قصراً لنضعك بالسيارة"
:"كفى!"
كان على وشك الرد عندما قال مؤمن تلك الكلمة بهدوء ثم التفت يطالعه ببرود مكملاً: "اركب فادي"
وبالطبع لم يجادل.. بل وتحرك بمنتهى الهدوء وركب فوق الهيكل الخلفي للسيارة كما فعل أكمل بينما يقول: "لِم لم تحضروا سيارة طبيعية تتحمل أربع ركاب؟"
:"هل تمزح معي.. أتريدني أن أفوت هذه الفرصة لتجربة سيارة مؤمن؟"
رد بها هيثم قبل أن يلتفت لمؤمن بالكامل وهو يبتسم بخبث قائلا: "إذا كيف حالك مع صاحبة المقعد الثاني؟"
:"أوووه لا تذكرني!"
******
:"أوووه لا تذكريني!"
قالتها ريم بينما تخرج من غرفة القياس وهي تكمل بغضب مكبوت واضح: "لقد طلب مني الزواج!"
شهقت كلاً من إسلام وساندي لكنها لم تكترث بينما تكمل: "بل هو حتى لم يطلب.. بل فرضه كأمر واقع"
:"تمزحين!"
قالتها إسلام بذهول وصدمة قبل أن تطالع الفستان الأزرق الطويل بأكمامه الواسعة ثم أظهرت وجهاً رافضاً وهي تكمل: "أحببت الأحمر القصير أكثر"
التفتت ريم تنظر للفستان القابع بين يدي إسلام وردت: "خالتي ستقتلني إن رأته في خزانتي.. فكيف بارتدائه!"
نظرت له إسلام ثم أومأت بموافقة على كلامها بينما عادت هي تبدل الفستان بغرفة تبديل الملابس وساندي وقفت قرب الستار وهي تسأل: "إذاً بم رددت؟"
:"لا طبعاً"
قالتها بصوتٍ عالي لتسمع شهقة إسلام وهي تهتف: "لِم يا حمقاء؟"
تجمدت بمكانها ونظرت للستار وهي تتسائل بصدمة: "هل تمزحين معي سولي؟"
:"لا بالطبع لا أفعل"
قالتها ثم مدت يدها بفستان آخر وهي تكمل: "جربي هذا"
كانت قد خلعت الفستان لذا ارتدت الآخر سريعاً وخرجت تواجه إسلام وهي تقول: "لقد كنت شاهدة على ما عانيته بغيابه.. وهو حتى لم يفكر برفع سماعة هاتفه ليقول (مرحباً ريم ما هي أحوالك؟)"
:"ولهذا بالضبط أنا لا أوافق على تصرفك"
قالتها إسلام ثم عقدت ذراعيها وهي تكمل: "لقد كنت شاهدة.. ولهذا بالضبط لا أريدك أن تتسرعي برفضه"
تأففت بضيق ثم تحركت تنظر لنفسها بالمرآة وهي تهمس: "يخال نفسه هارون الرشيد.. يتركني كل هذه السنوات ويعود ليطلب مني الزواج.. بأحلامه فقط قد أوافق"
**
:"بأحلامها فقط قد أستسلم"
قالها مؤمن لهم بينما يسيرون معاً بجوار البحر.. ولامست أقدامهم العارية الأمواج الباردة بعد أن تخلوا عن أحذيتهم بينما التفت لهيثم قائلاً: "أنا لا أفهم لِم هي غاضبة من الأساس؟.. أعني أقدر أنه لم يكن حلمها هي من سافرت لأحققه.. لكن سفري كان واجباً لأحسن من وضع كلانا.. ما الذي كانت تنتظره مني؟"
:"أن تبقى بجوارها ربما؟"
قالها فادي فالتفت له مؤمن ثم ابتسم بسخرية قائلاً: "أنت بقيت هنا.. أخبرني ما الذي فعلته؟"
توقف فادي بصدمة قبل أن يبتلع لعابه بحرج.. بينما التفت مؤمن مكملا: "هذا بالضبط ما توقعته"
تحرك أكمل ليسير بجوار مؤمن وهيثم.. تاركاً إياه يسير في الخلف مكسور الخاطر وهو يستمع لحديث مؤمن..
:"إنها تقيس الأمر بمشاعرها كعادة كل النساء.. لكن في النهاية ستستمع لك"
ضحك فادي بسخرية فالتفتوا له جميعاً وتوقفوا مجدداً تردد لثانية لكنه تذكر جملة مؤمن وقال :"ريم ليست تافهة لتعتمد على مشاعرها فقط بتقدير الأمور الهامة بحياتها"
نظر لمؤمن بعدها وهو يكمل: "ولازلت مصراً على أنها محقة بردة فعلها.. لقد تخليت عنها بأصعب لحظات حياتها وهي لن تنساها لك بسهولة"
صمت الجميع بينما تقدم منه مؤمن وسأله: "ما الذي كنت سأقدمه لها برأيك إن بقيت فادي؟"
صدم من السؤال لكنه حرك كتفيه ورد: "لا أعلم.. دعم نفسي ربما.. وقوفك بجوارها كان سيمثل لها ال...."
:"هذا ما توقعت أن تقوله"
قالها مؤمن قبل أن يكمل: "وهذا لا شيء فادي"
رفع يده أمامه يحركها بينما يكمل مفسراً: "بمواقف كتلك لا توجد كلمة أو دعم معنوي كما تفضلت وشرحت.. إما أن تكون قادراً على منح شيء ملموس ليساند من تخاطب أو لا"
حرك رأسه بنفاذ صبر وعدم رضا قبل أن يرد: "أتعلم ماذا؟.. هذا بالضبط ما يغضب ريم منك.. أنت دوماً تتحدث ببرود.. حتى عندما تتحدث بالأمور الحساسة التي تتطلب التعاطف وإبراز المشاعر.. تقلب الأمر وتتحدث كأنك تشرح درساً للفيزياء"
ابتسم مؤمن بسخرية وهو يرد: "ما أدراك أنها تتضايق من طريقتي.. أنت لا تعرفها بقدر ما أعرفها أنا"
ألقى كلمته ثم التفت ليسير مبتعداً وهيثم وأكمل يتبعانه وهو يكمل: "ولا زلت مصراً على رأيي أنت لم تقنعني"
تحركا بجواره مردفاً: "أنا أتفق مع أكمل وأظنها مرتي الأولى التي اتفق معه بها بأي شيء.. هي لم تتغير.. مجنونة وتتعامل بمشاعرها لا أكثر"
***
:"يظنني مجنونة ذلك البارد!"
قالتها بعصبية بينما يخرجن من محل آخر للملابس دون شراء أي شيء.. بينما همست إسلام: "لا ألومه على هذا"
التفتت تنظر لها بحدة فأكملت: "ماذا؟.. إنها الحقيقة التي يعلمها الجميع"
كادت أن تفرغ شحنات غضبها عليها.. لكن تدخل ساندي أوقفها وهي ترد: "أخبريني الآن ماذا ستفعلين؟"
:"لا شيء طبعاً"
ردت بها ثم تنفست بعمق وهي تكمل: "لدي ما يشغلني بالفعل وهو عملي الجديد.. مؤمن نال ردي بالفعل الذي ليس عندي سواه.. فأنا لا أنوي الزواج به"
التفتت ساندي تنظر لإسلام قبل أن ترد: "هل أنت واثقة ريم؟"
التفتت تنظر لها بصدمة وهي تسأل: "حتى أنت سان.. ألهذه الدرجة تظنونني ضعيفة؟!"
اقتربتا منها وردتا بنفس الصوت: "بالطبع لا"
قبل أن تكمل ساندي: "لكن أنا فقط أتفق مع سولي بألا تتسرعي وتمنحيه ردك"
توقفتا بينما هي تحركت خطوة للأمام وهي تنظر للقمرثك تنهدت هامسة: "يستحيل أن أنسى"
التفتت تطالع نظراتهما الآسفة بينما تكمل: "لقد تركني وحيدة!"
**
:"أعلم أني أخطأت بتركها وحيدة"
قالها ما أن جلسوا على السور ليرتدوا أحذيتهم بينما هو يكمل: "لكن ما الذي كان بيدي فعله؟.. كان هذا هو الحل الوحيد لأصل لما أنا عليه الآن"
:"كنت لا اطيقك في البداية وأعيب على فعلك.. لكن أنا الآن اتفهمه بل واتفق معك"
قالها أكمل بينما نهض هيثم قائلا: "لا تقلق ريم في النهاية ستوافق.. ليست من النوع العنيد على كل حال.. سولي أعند منها إن سألتني"
:"اسأله هو عن هذا!"
قالها هيثم بخبث بينما يغمز لمؤمن فضربه هيثم على رأسه قائلاً: "احترم نفسك"
ابتسم بسخرية على جدالهما المعتاد ثم منح هيثم المفتاح وهو يقول: "لِم لا تجربها الآن؟"
التقط المفتاح منه ثم تحرك مغادرا وهو يصدر صيحة حماسية هاتفا: "لننل بعض المرح!"
ابتسم مؤمن وهو يهمس: "بعض الأمور لا تتغير"
التفت بعدها لفادي الذي كان لا يزال يرتدي حذائه وعلامات الانزعاج تملؤ وجهه فقال: "هذه الجملة تنطبق عليك أيضا"
تنهد بينما ينهض وهو يرد: "اعذرني لأنني لا أشبه مقامك الرفيع سيد مؤمن!"
نهض من مكانه وطالعه قليلاً قبل أن يقول: "أتعلم.. أنت تشبهها كثيراً"
أشار لموضع قلبه بينما يكمل: "هذا الشيء السخيف يتحكم بأفعالك تماماً مثلها.. لكن هي فتاة فادي.. ريم في النهاية فتاة وقد تحطمت أحلامها لذا تحمل الكثير من مشاعر الحب.. وقلبها مُحطَم.. لكن أتعلم ما الفارق بينكما؟"
ابتسم بحزن بينما يرد: "أنها لا تستسلم"
أومأ له ورد: "بالضبط.. ريم لا تستسلم ودوماً تحاول التكيف مع ظروفها السيئة لتحسنها.. لكن أنت استسلمت منذ سنوات.. وهو أمر ليس بجيد إن سألتني فادي"
نظر له قليلا ثم سأله: "وماذا يجب أن أفعل برأيك؟"
:"تتشجع وتنال فرصك"
قالها مؤمن ثم أشار للسماء وهو يكمل: "العالم واسع فلا تستسلم لضيق أفقك"
تكلف ابتسامة بصعوبة وأومأ له فربت مؤمن على كتفه وسحبه ليسيرا معاً قائلاً: "تعال الآن سأجعلك تقود سيارتي قليلاً"
**
:"مصيبة!"
هتفت بها هويدا وهي تدخل بيتها فتأففت سوزان بضيق وقالت: "ألا تنوين جلب أي خبرٍ جيد لي؟!"
التفتت لها وردت: "لقد كنت أجلب كل الأخبار الجيدة لسنوات يا هذه لا تنسي"
تنفست سوزان بعمق ثم عقدت ذراعيها وقالت: "اختصري وأخبريني ماذا حدث؟!"
:"ستسافر وتعزف بأحد أهم الحفلات الموسيقية"
اتسعت عينا سوزان بينما هويدا تكمل بغيظ: "تلك المعدمة النكرة ستسافر لدبي!.. هل تتخيلين تلك الرعناء تسافر لمكانٍ أنا لم أزره للآن والأسوأ ستعزف أمام أنظار العالم بأسره!"
لم تتحمل كلماتها فتحركت بعصبية وأمسكت إحدى الزهريات وألقتها على الأرض.. تنفست بعصبية وهي تطالع الأرض وقد لاح ببالها صورتها بأول عرض بذلك الفستان الأحمر.. هي حضرت ذلك العرض وتوارت عن الأنظار حتى لا يتعرف عليها أي أحد وقد رأت انبهار الجميع بها.. وقد كان هذا ما يحدث دوماً منذ بدأت العزف.. لا شيء الآن سيمنعها عن المزيد من الإبهار..
:"كيف؟!.."
التفتت تنظر لهويدا وهي تكمل بحدة: "كيف يمكنها العزف ألم يفصلها ذلك الغبي من المعهد؟!"
:"لا يمكنه فصلها.."
ردت بها هويدا ثم تنهدت تكمل بعصبية: "اكتفى بمنعها من العزف بالمعهد لكن إن فصلها ستتعالى التساؤلات عن السبب.. حتى إن منعها من العزف بالمعهد لن يدوم طويلاً في النهاية سيضطر لإعادتها بالذات لو نجحت بعرضها هناك.. فهاندا وجميع الأساتذة الذين أشرفوا عليها أو استمعوا لعزفها متحمسين لها وينوون إشراكها في الكثير من العروض"
تحركت سوزان لتجلس على أقرب مقعد وهي تطالع الفراغ بشرود.. يداها كانتا تتعرقان مفصحتان عن توترها وغضبها وهي تتخيل أن تنجح تلك الغبية.. ستنتهي كل خططها إن نجحت وأفاقت من اليأس المحيط بها..
:"ماذا سنفعل سوزان؟"
التفتت تنظر لهويدا التي أكملت بتوتر: "إن نجحت ريم سينتهي كل شيء.. لا أحد سيهتم بتوصيات عاطف عني لو برزت أكثر.. فالجميع سيدرك أنها أفضل مني"
:"توقفي عن قول أنها أفضل منك إن كنت ترغبين بإقناع الناس بهذا.."
هتفت بها لتتراجع هويدا وهي توميء بموافقة بينما هي ألقت من بالها حقيقة أن تلك الجملة كانت لنفسها أكثر فللحظة كانت ستنطق ما يشبه حديث هويدا.. للحظة فكرت أن ثقة ريم بنفسها سيجعلها تدرك أنها أفضل منها وعندها سيضيع كل شيء.. لكن أبداً هي لن تعترف بهذا..
هي الأذكى والأفضل والأجمل.. هي الأحق بكل ما امتلكته تلك الرعناء الحالمة ولن تسمح لها أبداً أن تنال ما لا تستحق لهذا عادت تنظر لهويدا وهي تقول: "حاولي معرفة اسم الفندق الذي ستقيم به"
أومأت لها بينما تسألها: "حسناً لكن ماذا ستفعلين؟!"
ابتسمت بسخرية ثم التفتت تحدق بالفراغ أمامها مجدداً وهي ترد: "سأرسل تهنئتي الحارة للفتاة الذهبية!"
*****
تحركت تدخل البيت بعد أن أوصلتها ساندي.. وما أن دخلت غرفتها وجدت خالتها ودارين تتساعدان لغلق حقيبة سفرها: "لِم أتعبتما نفسيكما.. كنت سأحضرها بنفسي"
التفتت لها خالتها وردت: "لقد تأخرتِ يا فتاة لذا قررنا حزم أمتعتك"
نهضت من الفراش ومنحتها منامة مع منشفة وهي تقول: "اذهبي الآن لتستحمي.. بالكاد يمكنك أن تنامي بضع ساعات قبل موعد الطائرة"
وبالطبع تحركت دون أي مناقشة واتجهت للحمام فوراً..
****
ما أن وصل للمنزل اتجه للمكتب القابع بغرفته.. طالعه قليلاً بشرود متذكراً الليالي التي قضاها يدرس وهو يجلس عليه.. وتجسدت أمامه صورة لنفسه جالساً بينما والده يدخل الغرفة.. ويضع بجواره كوباً من السحلب الذي يحبه كثيراً وبعدها يغادر دون أن ينسى ضربه على مؤخرة رأسه بينما يقول ممازحاً: "علّه يثمر.."
قبل أن يغادر فابتسم بينما يجلس وهو يتنهد هامسا: "لو لم تكن رحلت لرأيت كم أثمر يا أبي!"
فتح الدرج الوحيد الشاغر.فهناك دفتره الذي أخرجه وطالع صفحته الأولى التي كتبها عندما مرض والده
:"عزيزي أنا.. أعلم أنك لابد مع قرائتك لتلك الرسالة ستكون بائساً ولا يوجد أي شخص يناديك بعزيزي.. لذا سأناديك بها حتى لا تبتئس.. اسمع أو اقرأ إن جاز التوضيح.. تلك الأيام ستمر ككل شيء سيئ مررنا به.. ستعبر كل هذا بالتأكيد.. وتدخل كلية الحاسبات والمعلومات كما تطمح لذا لا تحزن"
ضحك بسخرية وقرر عدم الإكمال.. فبعض تلك الكلمات لن يساعده بل سيزيد جراحه التي لا شفاء لها.. انتقلت عيناه لألبوم الصور الصغير الذي لا يملك غيره.. أخرجه وفتحه ليقابل أولاً صورة زواج والديه.. وأمامها صورة لثلاثتهم معاً وعندها لم يتمالك نفسه وانفجر ضاحكاً.. ضحك وضحك حتى انقطعت أنفاسه وسعل بحدة وهو يقول: "تلك المرأة لا يمكن لأحد تخيل أفعالها!"
عاد ينظر للصورة وهو يهمس: "صوتها الناعم وملامحها الرقيقة تخدع الجميع كما خدعت أبي تماماً"
قلب الصورة لتأتي صورة إيلام رضيعاً.. ثم صورة لهما معاً كان قد التقطها من هاتفه وجعل أحد أصدقائه يطبعها لأجله.. وعندها ابتسم وهو يحاول قمع دموعه.. هذا الفتى الجميل البشوش الذكي.. يستحق حياة أفضل من تلك التي تمنحها له والدته.. يستحق حياة مليئة بالاهتمام والحب ممن حوله.. لو امتلك فقط القدرة كان سيأخذه منها ويرعاه بنفسه.
قلب الصورة لتحتل وجهه الابتسامة فوراً.. كانت تلك صورة له مع صفه الأول وبجواره وقفت ريم بزيها المدرسي اللطيف.. وقد التُقِطَت الصورة وهي تشير نحو الكاميرا لأجله لأنه كان خجلاً.. في الغالب عندما ينظر لهذه الصورة يطالع تكشيرة مؤمن ليضحك.. لكن هذه المرة تجاهله وهو يطالع ريم بابتسامتها المرحة.. التفت بناظريه للصورة المواجهة والتي كانت لها معه.. بينما هي تجلس أمام البيانو وهو مع زملائه من الجوقة (كورال) خلفها..
ثم صورة لها كان قد التقطها بأول هاتف بكاميرا وقد كان لا يزال يذكر ذلك اليوم...
&&فـــــــلاش بــــــــاك&&
دخل لشقة نغم واتجه للمكان الذي تتمرن ريم به ليجدها هناك تعزف لحن السقيع الذي يحبانه ففهم أنها حزينة وهو أمر متوقع بيوم كهذا.
:"كنت متأكداً أني سأجدك هنا"
:"وهل هناك مكان آخر لي؟"
ردت بها دون التفات فتحرك ليقف أمامها وهو يقول: "إن لم تعزفي بهذا العرض يمكنك العزف بعرض آخر يا ريم"
:"لكني تدربت كثيراً لأجل هذا العرض!"
قالتها ثم طالعته بعيونها الدامعة وهي تكمل: "سيعني الكثير أن أعزف بشكل أساسي في عامي الثاني من المعهد.. ولكن الفرصة ضاعت علي رغم أني لم أبخل بأي جهد.. ولم أنم اليومين السابقين لأتحضر بشكل كامل"
تحرك ليجلس بجوارها بينما هي أسقطت رأسها على البيانو هامسة: "أتعلم ما كنت لأحزن لو أني لا أستحق.. لكن ما يحزنني حقا أني العازفة الأفضل.. الجميع يشهد بهذا ولا يكفون عن وصفي بالموهبة الفذة والفتاة الذهبية.. لا يتوقفون عن إخباري أني مستقبل عزف البيانو بالمعهد.. ورغم كل هذا لا أحد فتح فمه ليمنع السيد عاطف من ظلمي لمصالحه الشخصية!"
التفتت تنظر له وهي تكمل باختناق: "هل تظنهم يبالغون يا فادي.. هل تظنني لست بتلك المهارة ولا أستحق؟!"
ادعى التفكير لثانية قبل أن يرد: "أظنهم يقصرون بحق وصفك"
اهتزت شفتيها وهي تقول: "إذاً لم يظلموني بهذا الشكل؟"
ربت على كفها ثم ابتسم يرد: "لأنك الفتاة الذهبية التي لا تملك واسطة.. ولهذا ستتعبي لتصلي حتى لا يكون لأي شخص فضل عليك.. ولا يجب أن يصيبك إهمالهم باليأس.. بل يجب أن يزيدك عزماً على جعلهم يندمون لأنهم ظلموك"
ابتسمت له ثم فركت أنفها.. قبل أن تتنهد وهي تنظر للفراغ هامسة: "معك حق.. لا يجب أن استسلم أبدا"
التفتت تنظر له وابتسمت وهي تكمل: "إذاً ماذا تحب أن أعزف لك سيد فادي؟.. إنه عرض الموسم ستعزف لك موهبة المستقبل وحدك دون أي مقابل.."
فكر قليلاً قبل أن يرد: "والله يا آنسة موهبة المستقبل سمعت البارحة أغنية جميلة لفيروز.. لِم لا تعزفيها لنا؟"
عادت تضع أصابعها على أزرار البيانو وهي تقول: "أخبرني بالاسم وحسب"
&&&&

رسالة من فتاة مجنونة Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora