رسالة من فتاة مجنونة-الفصل الثاني عشر

144 10 2
                                    

أعلم أنكِ تعشقين البحر والحياة..
أعلم أنكِ تكرهين الفراق بقدر تعلقك بالأماكن والأشياء..
أعلم أنكِ تأمنين البشر رغم ما فات وما هو آت..
وأعلم أني عاجز أمام سطوة قلبك وروحكِ الغناء..
فاعذري ضعفي لأطماعي وحاولي أن تسامحيني يوماً ما..
****
تحركت تحمل حقيبة السفر الصغيرة التي أعدتها مع والدتها.. ووضعت بها كل ما يلزمهم بينما تهتف: "أمي هيا الآن أسرعي"
-:"تعالي ريم"
ظنت أنها ستمنحها شيئا لتضعه بالحقيبة.. فالتفتت وركضت ناحية المطبخ وهي ترد: "نعم أمي"
استقامت والدتها بوقفتها وقدمت لها طبقا به بعض الشطائر بينما تقول: "تعالي لتأكلي شيئا"
ردت بحنق: "لست جائعة كما أننا سنتأخر..."
أسرعت بوضع أحد الشطائر بفمها لترغمها على الصمت وهي تقول: "لا تعانديني يا فتاة.. يكفي أنك لم تنامي طيلة الليل"
لم تتجرأ على اعتراضها وبدأت بتناول الشطيرة بصمت.. وبعد مرور دقائق قليلة سمعت رنين جرس الباب فأسرعت نحوه وهي تهتف: "لابد أنه مؤمن"
أنهت التهام الشطيرة قبل فتح الباب لتصعق فقد كان مؤمن بالفعل لكن خلفه كانت خالتها شكرية التي بدت مستعدة تماما للخروج مع حقيبتها وثيابها المريحة.
-:"أغلقي فمكِ يا متشردة تعلمي أصول التهذيب"
هتفت بها خالتها بصرامة مجبرة إياها على إغلاق فمها بلا تفكير.. لكنها لم تكن بحال يسمح لها بالرد فبداخل عقلها كان هناك جملة واحدة تتكرر بلا توقف...
(بالتأكيد هي ذاهبة لأي مكان عدا المكان الذي سأقصده)
-:"مخطئة"
قالتها خالتها ثم خطت للداخل وهي تكمل: "أنا بالتأكيد قادمة معكم"
ثم تحركت نحو والدتها وبدأت بالحديث معها ببساطة بينما بقيت هي لفترة تحدق بأثرها.. ثم التفتت لمؤمن وهي تقول بذهول:"أنا لم أنطق حتى!"
-:"لستِ بحاجة للنطق"
رد بها بينما يدخل.. ثم ضربها بإصبعه بمنتصف جبهتها قبل أن يكمل: "كل مشاعرك ترتسم على ملامحك بوضوح.. جدي حلاً لهذا إن كنت لا تريدين من أحد معرفة ما يجول ببالك"
ثم تحرك للداخل فأصابها الغيظ وردت: "وكيف أفعل هذا.. هل علي تشويه ملامحي مثلا؟"
-:"ستبدو أفضل برأيي إن قمتِ بتشويهها"
قالها بينما يجلس على أحد الأرائك فملأها الغيظ.. وتحركت نحوه ناوية افتعال شجار معه.. لكنها توقفت أمامه تطالعه بصمت.. قبل أن تنحني وتمسك ذقنه وهي تتأمل مكان الكدمة متذكرة الجهد الذي بذلته لتحاول إخفائها قبل أن يتركها البارحة.
-:"لقد اختفت نوعا ما"
-:"هاااااه"
نظرت له فوجدته مشدوهاً نوعاً ما.. قبل أن يهز رأسه ويبعد وجهه عنها قائلا: "ماذا تفعلين؟"
ردت ببساطة: "أطمئن أن الكدمة قد اختفت يا هذا"
ثم تحركت تتجاوزه وهي تكمل: "الآن انهض لتحمل الحقائب"
-:"يا لك من ساذجة!"
همسها بسخرية فالتفتت وقالت بحدة: "توقف عن قول تلك الكلمة مؤمن!"
نهض عندها واقترب ينظر لها بتحدي بينما يهمس: "ساذجة وحمقاء أيضا.. ماذا ستفعلين الآن؟"
-:"لا تتشاجرا"
التفتا لشكرية التي كانت تكافح لتخفي ابتسامتها.. قبل أن تكمل بصرامة: "احملا الحقائب وتحركا.. فسنتأخر إن انصعنا لخلافاتكما"
تحركا فورا لحمل الحقائب بينما اقتربت والدة ريم وهي ترد: "دعيهما يتناولا شيئا أولا"
:"فليتناولا في الطريق.. فأنا لا أنوي تفويت الرحلة بسبب شراهتهما"
ردت بها شكرية بعصبية فهمست ريم بتذمر: "لم يطلب أيا منا تناول الطعام أساسا"
-: "لا تعترضي يا مقصوفة الرقبة!"
تحركت لتغادر سريعاً قبل أن تطالها يد خالتها.. بينما تبعها مؤمن حيث تنتظرهما سيارة الأجرة لكن قبل أن يصلا أوقفها مؤمن قائلاً: "انتظري.."
ثم مد يده بجيبه وأخرج محفظته ومنحها لها مكملاً: "أبقي هذه معك.."
أخذتها منه ونظرت للمال بداخلها ثم ابتسمت بسخرية ونظرت له وهي ترد: "أتذكر صراخك بجدك أنك لست بحاجة لأمواله الطائلة التي يرسلها لك وأنك لن تضع إصبعاً عليها و..."
-:"أنا أستعيرها وحسب.."
قاطعها بتلك الجملة قبل أن يتحرك ويسبقها وهو يكمل: "كما أني أحضرتها تحسباً لحاجتنا لشراء أي شيء فأنا أعلم أن أموالك لن تكفي لذا يمكنك التخلي عنها ببساطة.."
فكرت قليلاً بحديثه ولم تكد تمر لحظات إلا وكانت تفتح حقيبتها لتضع بها المحفظة وهي تهمس: "لا ضرر من استعارة بعض المال.."
ثم أسرعت بالهبوط تتبعه..
***
-:"أنا سعيدة لقدومك حقا أستاذة شكرية"
قالتها والدة ساندي لها بينما تصعد درجات الحافلة.. وما أن وقفت أمامها أكملت: "كنت أتمنى فقط أن تقبلي دعوتي دون إصرار على دفع مقابلها"
-:"أنا حقا أشكرك على تلك الرحلة لطالما تمنيت زيارة العاصمة.. لكن اعذريني لم أعتد الاستمتاع بشيء دون مقابل"
أومأت لها والدة ساندي.. ثم التفتت لسامية التي فضلت مراقبة الحوار بصمت قبل أن تقول: "سعدت بوجودكم حقا"
ابتسمت سامية وردت: "شكراً لكِ.."
تحركتا بعدها نحو مقاعدهما.. وما أن وصلا التفتت شكرية لسامية وقالت: "والآن علينا مناقشة أمر هام"
كانت تعلم تماما ما تريد مناقشته.. لذا نظرت لها بجدية بينما ترد: "أجل جدالنا المعتاد"
أخذتا نفسا عميقا قبل أن تقولا بذات النفس: "من منا ستجلس بجوار الشباك؟"
***
-:"أنا بالطبع"
ردت بها مالي وهي تقفز لتجلس بجوار النافذة.. قبل أن تسبقها ساندي التي نظرت لها بسخط وهي تقول: "يا لك من محتالة!"
كادت ريم أن تضحك.. لكن عيناها سقطتا على مقعدها بجوار النافذة الذي كان قد أُخِذ بواسطة إسلام.. التي ما أن رأت صدمتها ابتسمت ببراءة تقول: "لقد أتيت أولاً"
**
(ستكون رحلة بشعة وشنيعة)
كان ذلك لسان حاله بينما يستمع للحوار الدائر من خلفه..
-:"لِم علي أن أجلس بجوارك دوما؟!"
تنهد بملل وهو يحاول التركيز على القراءة بينما يسمع الأحمقان يتجادلان..
-: "البعض يدفعون أموالا لأجل تلك الجلسة"
كان هذا الرد من الطاووس المتغطرس أكمل وقد تكبد عناءاً بلجم نفسه عن الالتفات ولكمه بعد تلك الكلمات.. فمن الغبي الذي سيدفع مالاً للجلوس بجواره؟!..
-: "ومن الأحمق الذي قد يفعلها.. لكن لا عجيب بالأمر.. فأنت أحمق لابد أن كل معارفك حمقى"
كان يؤيد هيثم بشدة في رده لكن ما كان ليصرح بهذا.. فكلاهما غبيان ويزعجانه.. نظر أمامه إلى ريم التي كانت تتحدث مع ساندي وإسلام وهو يشعر بالحنق فبدلاً من الجلوس بجانب ريم المسلية المصغية يجلس بجوار أحمقان وأبله..
-: "هااي هاااي هااااي هل تريد العراك؟!"
-:"أنا من سيتعارك إن لم تصمتا!"
قالها بصرامة ليجبرهما على ايقاف تلك المهزلة ثم أكمل: "أنتما السبب الأساسي لكرهي لذلك المشروع.. فأنا أعلم أن هذا ما ستفعلانه"
شعر بحركة أحدهما قبل أن يجد رأس هيثم بينهما وهو يقول: "هااي فادي.. سأعلمك القيادة إن بدلنا الأماكن"
ضحك مؤمن بسخرية وهو يرد: "إنه لا يملك سيارة حتى و..."
كان يلتفت وقتها.. ليجد أن فادي تحرك ليجلس مكان هيثم.. وبلمح البصر أصبح هيثم جواره.. فعاد ينظر أمامه هامسا: "إنه المتوقع من أبله مثلك يا فادي!"
-:"لم ترد على سؤالي للآن مؤمن"
التفت لهيثم ورد: "لا أذكر أنك طرحت علي واحداً لأرد"
ابتسم هيثم وسأله: "ألا تجيد القيادة؟"
شعر أن للسؤال معناً آخر غير ما يقصده.. وفي الغالب كان معناً وقحاً.. لذا ابتسم ورد: "عندما أجرب..."
-:"ستخبرنا؟"
سأله فادي بتشوق لإجابته.. فمد يده للخلف وضربه بالكتاب على رأسه قبل أن يعاود القراءة مكملا: "بالطبع لن أفعل أيها المنحرفين!.."
***
بعد مرور ساعات
-:"اسمحوا لي أن أعرفكم على أحد أقوى رموز الحضارة المصرية"
كانوا قد هبطوا من الحافلة وساروا لفترة حتى وصلوا لوجهتهم.. ولثوانٍ طويلة وقفت تنظر مشدوهة للمشهد الذي لن تنساه ببساطة.. قبل أن تستمع لذلك الصوت الرخيم وتلتفت لصاحبه الذي سار عبر الجموع.. ثم وقف أمامهم بثقة وابتسامة هادئة قبل أن يكمل: "أولاً أعرفكم بنفسي.. أنا حسن وسأكون مرشدكم بهذه الرحلة"
-:"إنه وسيييم"
همست بها إسلام.. وقبل أن تلتفت لها سمعت ساندي تهمس بغضب: "اخرسي إسلام.. وتوقفي عن النظر له بتلك الطريقة!"
ردت اسلام بانزعاج: "لماذا يا هادمة اللذات؟!"
-: "لأنه يعمل لدى أمي يا غبية.. هل تريدين التسبب بعقابي لمدى الحياة!"
التفتت لها لتجدها تخرج قلما وورقة وتستعد للكتابة بينما صمتت إسلام تمامًا فبالتأكيد استنتجت أن العقاب لن يطال ساندي وحدها وعندها ابتسمت ثم التفتت تنظر للمرشد الذي أشار خلفه قائلا: "تشرفوا بمقابلة عجيبة من عجائب الدنيا السبع.. أهرامات الجيزة وأبو الهول"
-:"الشرف لهم بمقابلتي"
لم تحاول الالتفات حتى.. فبما أن المتحدث هو أكمل.. فالرد لن يتأخر من ساندي
-:"لو علموا أنك ستكون أحد أحفادهم لأبادوا البلاد بمن فيها!"
تحركت سريعاً تقف بجوار مؤمن.. الذي كان هو الآخر يدون بعض الأشياء خلف المرشد فانتبهت لحديثه: "الأهرامات بنيت بين 2630 و 1530 قبل الميلاد.. وقد استغرق بناء الممرات السفلية فقط للهرم الأكبر ما يقارب العشر سنوات.. بينما الهيكل العلوي ما لا يقل عن عشرين عاما"
-:"هذا حقاً مبهر.. كيف استطاعوا تصميم شيء خالد كهذا؟"
همست بها ثم التفتت لمؤمن الذي رد: "بدماء ومجهود آلاف العمال"
نظر لها قبل أن يشير للصرح أمامها وهو يكمل: "لقد كان آلاف العمال يقومون باقتطاع تلك الصخور من جبل المقطم.. ثم ينقلونه إلى هنا بظروف عمل قاسية"
عقدت ذراعيها وهي ترد: "هذا ليس صحيحاً.. لقد قرأت أن هناك نصوصا بالمعابد القديمة.. تفيد أن حقيقة بناء تلك المباني بالسخرة لم يكن حقيقياً.. وأنهم كانوا يعاملون بمنزلة أقرب للكهنة.."
ابتسم والتفت لها بكامل جسده وهو يقول: "وما دليلك أن كل هذا صحيح؟"
-: "وما دليلك أنت؟"
هتفت بها بعصبية مقابل نظرته الباردة وثقته المستفزة بنفسه..
-:"لا أملك واحدا كما لا تملكين أنتِ"
رد بها ببساطة قبل أن يكمل: "لكن دوماً خلف كل عمل عظيم وحضارة خالدة هناك قصة مأساوية.. قصة تجبر وطغيان أطاح بالكثير من الأرواح"
التفت ينظر للأهرامات وابتسم بسخرية بينما يكمل: "ما كانت تلك الحضارات ستنهار إن كانت بالطيبة والسمو الذي تخالينه"
لم تفهم يوماً كيف يتمكن من إيصال المعلومات لها بهذه السلاسة.. وكيف يتمكن من اختراق حواجز عقلها بسوداويته المعاكسة لكل شيء بداخلها.. والأهم من كل هذا.. كيف يقنعها بحديثه بتلك البساطة.. مطت شفتيها وهي تقول: "أتساءل كيف تستطيع دوماً خلق مأساة لكل حدث؟"
ابتسامة هازئة ظهرت على وجهه قبل أن يعود للكتابة وهو يرد: "الواقع مأساوي بالفعل.. وأنا لا أعتزم تجميله مثلكم"
ثم تحرك يسبقها وهو يدون ما يقوله.. بينما هي تمسد جبهتها وتهمس: "لا فائدة!"
-:"إنه كئيب وحسب لا تشغلي بالك"
التفتت تنظر لأكمل الذي كان محقاً.. مؤمن بالفعل كئيب ولا يرى أي خير بالعالم من حوله ولم تفهم يوماً أكان هذا بسبب ظروفه العائلية ونشأته القاسية أم أنه وُلِدَ وحسب بهذا الشكل.. التفتت تنظر لظهره المنصرف الذي دوماً تنظر له.. دوماً مؤمن يسبقها.. ودوماً هي عليها اتباعه.. لكن ما كانت لتتذمر من هذا.. ومع ذلك الهاجس ابتسمت بينما ترد: "إنه كئيب بالفعل.. لكن لا يمكنني إلا أن أشغل بالي به"
-:"الفضائيين بالتأكيد هم من بنوا تلك الأشياء!"
التفتوا لفادي الذي أكمل: "أترون كيف هي عملاقة.. كما أنه من المستحيل أن تبقى مباني بهذا الشكل لأربعة آلاف سنة دون ضرر إلا لو كانت من صنع مخلوقات خارقة"
-:"هذه حماقة!"
ردت بها ساندي ثم أكملت: "إنها صروح خالدة.. ودليل على إعجاز أجدادنا وتقدمهم الهندسي والعلمي.. والذي بالتأكيد لم يصلوا له ببساطة.. وها أنت ذا تضيع كل مجهودهم بكلماتك أيها الأحمق"
التفت الجميع لفادي فاستغرب طريقتهم بالنظر له وسألهم: "ماذا؟!"
-:"ننتظر جوابك!"
ردوا بها جميعاً قبل أن يميل عليه هيثم ويكمل: "أنت بالتأكيد تملك إجابة فادي.. أليس كذلك؟"
نظر لهم بتوتر ثم هز رأسه بعنف قائلاً: "بالطبع أنا أملك"
نظر لساندي بعدها مكملاً: "هم بالتأكيد عظماء لأنهم استطاعوا اقناع الفضائيين ببناء تلك الأهرامات"
-:"أوووه حقا؟"
قالتها ساندي بينما تغلق دفترها ثم التفتت له بكامل جلستها ووقفت تواجهه بتحدي وهي تسأله: "حسنا.. المعروف عن تلك الحقبة أن الدول القوية كانت دوماً بصراع لتوسيع حدودها وفرض سيطرتها بالحروب.. لكنها لم تكن بالتقدم الكافي.. هلا أخبرتني ما الذي منع الفضائيين المتقدمين أكثر من أي شخص وقتها من احتلال الأرض بمن عليها؟"
فكر قليلاً ثم رد: "لأنهم أرقى من فعلها ربما؟"
ضاقت عينا ساندي قبل أن ترفع كفيها وهي تقول: "أنا حقا أعتذر لنفسي بدخول هذا الجدال العقيم"
-:"أيها المتشردين!"
التفتوا لمالي التي هتفت بغضب: "توقفوا فأنتم تفسدون علي استمتاعي بالرحلة بسبب كلامكم الأحمق!"
حكت رأسها بعدها ثم عادت تهتف: "كما أني لا أفهم أي كلمة مما قلتوه.."
كتموا جميعاً ضحكتهم بينما انحنى هيثم وحملها عن الأرض وهو يقول: "أنتِ الوحيدة التي تفكرين بهذه المجموعة الميئوسة.."
ثم تحرك بها وهو يهتف: "الآن لنركب جملاً.."
شهقت مالي ثم رفعت ذراعيها تهلل بسعادة: "مرحى.. يعيش هيثم.. يعيش مؤمن.."
كانت ساندي تراقبهم بصدمة قبل أن تلتفت لريم وتقول: "أنا شقيقتها منذ أن وُلِدَت ولم أتلقى منها يوماً سوى التوبيخ.."
-:"لا أصدق أنها توبخكِ وحسب.."
قالها أكمل ولم تكد تمر ثانية بعدها إلا وكانت ضربة قاسية موجهة لساقه فالتفت لساندي بغضب ولكنها لم تلتفت وردت: "من سمح لك بالتدخل أيها المتعجرف الأحمق.."
وعندما كادت ريم تتدخل للفصل بينهما وجدت نفسها تُسحَب من إسلام التي هتفت بمرح: "دعكِ منهم ولنركب نحن أيضاً جملاً.."
******
بعد مرور بعض الوقت
تحرك حسن ناحية والدة ساندي وما أن وقف أمامها قال بأدب: "يسعدني لقائك مجدداً سيدتي.."
ابتسمت له وردت: "أنا أيضاً حسن.. لقد أعجبني شرحك وقد لاحظت أن لغتك الانجليزية تحسنت أيضاً"
-:"هذا بفضل توجيهاتك السيد محمود أنا أدين له بالكثير.."
اتسعت ابتسامتها مع سماعها لكلماته بينما ملأها زهو وفخر لم يلبثا ثوانٍ قبل أن يتحولا لحزنٍ وخيبة..
-:"كنت أتمنى أن يأتى وألتقيه فقد اشتقت إليه.."
نظرت له وتنهدت بينما ترد: "لقد حاولت إقناعه بالقدوم لكنه رفض تماماً.."
نظر لها بأسف قبل أن يقول: "أقدر شعوره.. من الصعب عليه تقبل ذاك التغيير الكبير.."
شعر أن جملته زادتها حزناً فالتفت ينظر ناحية الفتاتين وهو يكمل: "لكن لابد أنه فخور بالآنستين الصغيرتين.."
رفعت ميلينا عينيها تنظر لساندي ومالي بينما تسيران نحوها ومع مراقبتها لشجارهم المعتاد ثم التفات ساندي للحديث مع أصدقائها كانت البهجة تعود لتسكن قلبها إلى أن تمكنت من الابتسام برضا أخيراً وهي تهمس: "كلانا فخور بهما.."
*****
نظرت شكرية للطريق الطويل المؤدي للأهرامات والذي لم تحاول هي وسامية حتى خوض صعوده واكتفيتا بالجلوس على السور ومراقبة المكان من بعيد.. التفتت لأختها الكبرى وقالت بحسرة: "لو كنا أتينا قبل عشر سنوات فقط.."
-:"ماذا كنتِ ستفعلين؟"
سألتها سامية فردت بزهو: "كنت لأصعد تلك الهضبة ثلاث مرات على الأقل.."
ضحكت سامية فأكملت بانزعاج: "تسخرين مني يا أختي.."
التفتت لها وردت: "لا بالطبع يا حبيبة أختك.. أنا واثقة أنكِ كنتِ ستفعلين.."
ضاقت عينيها وهي تقول: "تسخرين مني يا سامية!.. هذا ما أناله منكِ أنتِ وناكرة الجميل عديمة الذوق نادية.."
ضحكت سامية قبل أن يحل صمتٌ لثوانٍ ثم ردت: "ليتها أتت معنا تلك الحمقاء.."
-:"أنتِ قلتها بنفسك.. إنها حمقاء.."
قالتها شكرية ثم تنهدت وأكملت: "حمقاء وقاسية وعديمة ذوق.. وستدفع ثمن كل هذا غالياً.."
أطرقت سامية بينما تهمس: "أولم تدفع الثمن بالفعل؟!.."
ابتسمت شكرية بسخرية ثم التفتت لمؤمن الذي كان يتحدث مع ريم ثم همست: "أنتِ طيبة يا سامية وتجهلين سوء المستقبل الذي ينتظر الجميع.."
مرت ثانية بعدها سمحت للحزن بتملكها قبل أن تنفضه من رأسها ونفسها ثم هتفت تنادي: "ريم.."
التفتت لها ثم أسرعت تقترب وما أن وقفت أمامها سألتها: "نعم خالتي؟.."
منحتها بعض المال وهي ترد: "اذهبي واشتري لنا علبتي عصير ولا تتلكأي يا مقصوفة الرقبة.."
نظرت لهما بانشداه قبل أن تقول: "لكني اشتريت لكما قبل قليل!.."
-:"وما المشكلة يا مقصوفة الرقبة؟!.. أم أنكِ تعدين علينا أكلنا وشربنا؟!.."
هزت رأسها بنفي ثم التفتت تتجه للبائع وهي تهتف: "سأشتري حالاً ولن أتلكأ خالتي.."
-:"تتجرأين على إرعاب صغيرتي!.."
همست بها سامية ثم لكزتها بذراعها بعنف وهي تكمل: "ألا تملكين قلباً؟.. ارحمي الفتاة قليلاً.."
ابتسمت شكرية والتفتت له ترد ببساطة: "لن أرحمها أبداً يا سامية وأرني ما ستفعلينه!.."
مطت شفتيها وتنهدت وهي لا تملك ما تقوله فعادت شكرية تنظر أمامها وهي تكمل: "هذا ما توقعته.. لن تفعلي شيئاً"
رأتها تقف بحيرة من أمرها قبل أن يحضر منقذها ليقرر عنها ما يجب أن تشتريه لهما وعندها ابتسمت وهمست: "ربما عندما تحقق ما أتمناه سأرحمها!.."
***
بعد مرور أربعة ساعات..
-:"إذاً.. نحن هنا لأن...؟"
تساءل أكمل بينما يلتفت لساندي.. التي نظرت لمؤمن.. الذي بدوره كان ينظر للمكان من حوله بينما يقفون بساحة المسجد قبل أن ترد: "هذا المكان اختاره مؤمن"
أومأ برأسه ثم التفت لمؤمن قائلا باستهزاء: "أتعلم.. كان هناك مسجدا بقلعة محمد علي وقد زرناه بالفعل.. لذا لم يكن هناك داع لزيارة هذا المكان"
-:"تقول هذا لأنك جاهل وحسب"
رد بها مؤمن ببساطة ثم تحرك يدون كل ما يراه.. فاستشاط أكمل غضبا وتحرك نحوه.. ثم تحرك ووقف أمامه يسأله: "اعذر جهلي إذاً.. وأخبرني يا فهيم لم اخترت هذا المكان؟"
لم يلتفت له حتى وتجاوزه وهو يرد بهدوء: "ستعرف عندما تقرأ التقرير الذي سأكتبه"
كان أكمل على وشك افتعال شجار.. لولا تدخل ساندي التي واجهته متحدية إياه بتجاوزها.. وعندما لم يفلح ابتسمت وقالت: "لم لا تجعل من نفسك شخصا ذا فائدة"
ثم ناولته الكاميرا وتحركت وهي تكمل:"لقد توليت أنا وهيثم التقاط الصور لغاية هذه اللحظة.. اهتم بها أنت من الآن"
وقف أكمل ينظر بأثرها وهو يفكر بعاقبة الاعتراض قبل أن يستسلم ويرفع الكاميرا ثم يبدأ بتصوير الساحة والمأذنة المستديرة وقد استغرب التصميم العجيب للمكان فهناك ساحة واسعة تتوسط المسجد يحيط بها سور من كل الجهات وتتوسطها غرفة تعلوها مئذنة مستديرة.. لكنه لم يسمح لنفسه بالتفكير طويلاً واكتفى بالتصوير..
**
مساءاً
-:"يا للسخافة!"
همس بها أكمل ثم التفت لهيثم مكملا: "لِم لم نذهب لمكان مسلٍ.. مدينة الألعاب مثلاً؟"
: "لسنا هنا للتنزه والمتعة"
قالتها ساندي بينما تتجاوزه وتأخذ منه الكاميرا.. ثم بدأت بتصوير المكان من حولها فرد: "لسنا هنا للمتعة لكنك كنت تستمتعين منذ الصباح"
التفتت له وادعت التفكير بينما تقول: "كنت لتستمتع لو لم تكن جاهلاً وعديم ذوق"
عادت للنظر أمامها وهي تكمل: "لكنك أحمق بالفعل لذا لن ألومك"
-: "يا لك من..."
-: "ألن تتوقفوا عن الشجار هذا أصبح مزعجا حقا!"
هتفت بها مالي بينما تقف بينهما فأشار كلاً منهما للآخر بينما يهتفان..
-: "هو البادئ!"
-: "هي البادئة!"
مط هيثم شفتيه ثم التفت لمؤمن قائلا: "أنا اتفق مع الصغيرة.. هذا أصبح مزعجاً بالفعل"
نظر له مؤمن باستغراب فسأله: "ماذا؟!"
رد ببساطة: "لست أفضل منهم صراحة"
ثم التفت ينظر للشارع التاريخي الذي أراد دوماً زيارته.. لم يكن مزدحمًا وقد حمد الله على ذلك.. قبل أن يلتفت لفادي الذي جلس على أحد الأرصفة وقال: "فادي انهض فلازال لدينا ما نفعله"
-:"لقد تعبت كما أني جائع"
حرك عينيه بملل وهو يهمس: "أنت لا تفكر سوى بالطعام"
-:"يا للروعة!"
همستها إسلام وهي تنظر للمكان.. فأسرعت ساندي تقول: "سولي إياكِ و..."
لكنها لم تكن بالسرعة الكافية.. فقد أسرعت إسلام تخطو داخل الشارع.. ومنه فورًا لأول محل لبيع الإكسسوارات.. فأسرعت هي وريم تتبعانها.. وما أن وصلتا لها قالت ساندي: "سولي لا يعقل أن تضيعي وقتنا بشراء تلك الأشياء!"
التفتت لها لتعترض فأسرعت ساندي تكمل: "نحن منهكين وجائعين.. لنسرع بأخذ الصور ونجد مكاناً نجلس به"
كادت تقتنع لكن عندها تدخل البائع وقال بابتسامة بشوشة: "أهلا يا آنسات.. لدينا تشكيلات رائعة للقلائد والخواتم تفضلوا وشاهدوا"
وعندها تناست كل ما قالته ساندي وأسرعت بالدخول.. وعندما أوشكت ساندي على الاعتراض تشبثت ريم بذراعها وقالت: "لم لا تستمتعين قليلا سان؟"
التفتت لها وقبل أن تعترض ابتسمت ريم وأكملت: "لقد التقطنا بالفعل الكثير من الصور.. ودونا المعلومات لذا استرخي واستمتعي"
التفتت تنظر للبائع الذي كان يشرح لإسلام تاريخ إحدى القلائد التي صُنعت يدوياً قبل عشرين عاماً وقد بدت بالفعل جمية ومتقنة الصنع وتجذب الأنظار وعندها تنهدت وهمست: "حسنا لم لا؟"
***
-:"وااااااو!"
قالتها مالي وهي تلمس الطبلة.. ثم نظرت لأسفل حيث يقبع رأس هيثم الذي يحملها.. ونظرت له ببراءة وهي تقول: "هل لي بالحصول عليها رجااااء"
كاد أن يوافق لولا تدخل فادي الذي سألها: "ماذا ستفعلين بها؟"
ضمت كفيها معا ونظرت للبعيد وهي ترد بحالمية: "سأتمكن أخيرًا من تحقيق أحلامي"
-:"وما هي أحلامك؟"
التفتت لأكمل وردت: "أن أنشيء فرقتي الخاصة وأهرب من البيت.. ثم أعيش حياة الحرية.. سأؤجر عربة متنقلة وسأسافر بكل مكان مع فرقتي"
نظروا لها جميعا بصدمة.. لكنها لم تكن تكترث إلى أن قال مؤمن: "هذا جامح للغاية"
اتسعت عيناها ثم صُدِمَت لثوان قبل أن تسأله بهدوء: "ألا تعجبك أحلامي؟"
-:"على العكس.. هذا رائع حقا"
قالها مؤمن ثم رد أكمل: "أنا وهيثم نرسم ذات الحلم يوميًا.. لكننا نريد أن نكون فنيا تصليح سيارات وندير ورشتنا الخاصة"
ابتسمت عندها قبل أن يرد فادي: "اعتراضي الوحيد على الأداة.. ألم تجدي غير الطبلة؟"
وعندها أشارت له بتحذير بينما تهتف: "لا تسخر من أحلامي يا هذا!"
ضحك مؤمن بخفة قبل أن يمد كفه ويمسك بكفها قائلا: "سنشتريها لكِ بنهاية الرحلة.. لكن الآن دعينا نبحث عن أشياء أكثر متعة"
رفعت ذراعها الحرة وهتفت: "أجل"
***
: "إنها بردية رائعة عُثِرَ عليها بإحدى المقابر"
نظرت إسلام للبردية بانبهار.. بينما ريم كانت تنصت لحديث الرجل بتركيز.. لكن ساندي بدت هادئة وغير متأثِرة على الإطلاق.. فأسهب محاولا إبهارها: "انظروا لألوان الحبر كيف لا تزال بارزة و..."
-:"سنأخذها"
أسرعت إسلام تقاطعه ثم التفتت لساندي تسألها: "إنها رائعة أليس كذلك؟"
مطت شفتيها وردت: "لا بأس بها ستؤدي الغرض"
نظرت بعدها للبائع وسألته: "كم سعرها؟"
-:"سعرها بسيط مائة وخمسين جنيها فقط.."
قالها بفخر وثقة فابتسمت هي الأخرى وأخرجت من حقيبتها المال.. ثم مدت يدها به وهي ترد: "عشرون جنيها وحسب"
اتسعت عينا ريم وساندي وانحبست أنفاسهما.. بينما تنظران لها ثم للبائع الذي لم يكن أفضل منهما حالا.. قبل أن ينعقد حاجبيه وهو يقول: "هل تمزحين معي؟!"
: "أنا بالتأكيد لا أمزح معك فأنا لا أعرفك"
قالتها بهدوء ثم اقتربت منه وأكملت: "إن كانت تلك البردية حقا عُثِرَ عليها فعلا في إحدى المقابر.. إذاً فوجودها هنا غير شرعي ويجب أن يتم إبلاغ وزارة الآثار لت..."
-:"حسنا هذا يكفي!"
قالها البائع بحدة ليوقف سيل كلماتها.. ثم تنهد بعصبية قائلا: "سأمنحها لكِ بمائة وعشرين جنيها"
-:"عشرين"
-:"مائة"
-:"عشرين فقط"
-:"ثمانون"
-:"فقط عشرين"
-:"خمسين!"
التفتت ساندي لإسلام التي كانت تقف خلف ريم كأنها تحتمي بها وكلتاهما تنظران للحديث باستغراب.. فابتسمت لها ساندي وسألتها: "إنها تعجبك سولي أليس كذلك؟"
بدت إسلام مرتبكة بالبداية قبل أن تبتسم وترد: "أجل سان إنها تعجبني كثيراً"
فتحت ساندي حقيبتها وهي تقول: "بما أنها تعجبك سآخذها بخمسة وعشرين"
وضعت الخمس جنيهات فوق العشرين وهي تكمل: "وهذا لأجل سولي وحسب"
كان البائع مشدوهاً لثوان.. وقد شعرت ريم أنه على وشك طردهم من المحل فوراً.. لذا أغمضت عينيها وهي تتضرع سراً أن يمر الموقف على خير.
***
-:"هل أعجبتك؟"
التفت للبائع لثانية ثم عاود النظر للقلادة بيده وهو يتخيلها معلقة على رقبة صاحبتها.. وعندها ابتسم ورد: "أجل أعجبتني"
سلمها للبائع وأكمل: "سآخذها من فضلك ضعها في علبة"
وبعد أن أتم الشراء خرج من المحل وتحرك نحو هيثم وأكمل وفادي.
-:"صدقيني مالي.. سنشتري لك زيًا تنكريًا هذا سيكون أفضل"
قالها هيثم محاولاً إقناعها باقتناء أي شيء غير الطبلة.. فبعد تحذير أكمل له مما ستفعله بهم والدتها إن شعرت أنهم يشجعون ابنتها على أحلامها المتهورة فضل أن يحاول إقناعها بشراء شيءٍ آخر لكنها قابلت عرضه بضرب ساقها في الأرض بعنف بينما زمت شفتيها بغضب.. وعندها اقترب مؤمن منها وقال: "اسمعي لم لا نشتري لك قلادة بدلا من كل هذا؟"
نظرت له وقد خف عنها الغضب فأكمل: "سنشتريها تحمل عين حورس حتى تذكرك دوما بالرحلة.. ونعدك سنشتري لك الطبلة عندما تؤسسين فرقتكِ الخاصة"
ابتسمت وأومأت له فنهض يسحبها ناحية المحل لتنتقي القلادة.
-:"مرحبا يا شباب"
التفتوا لإسلام التي أكملت: "لقد أنهينا عملنا سننتظركم بالمقهى"
-:"انتظرنني"
قالها فادي ثم التفت لهم يكمل: "سأذهب لأطلب لنا الطعام لا تتأخروا"
ثم تحرك بالفعل ليسير معهن.. ومع ابتعاده قال هيثم: "مؤمن معه حق.. إنه لا يفكر سوى بالطعام"
فكر أكمل قليلا قبل أن يرد: "أنا أيضاً جائع بصراحة لذا لنسرع ونتبعهم"
****
ما كادوا يصلون للمقهى إلا ووجدوا الجميع واقفين قرب الحافلة.. فأسرعت ريم ناحية والدتها التي ابتسمت لها وقالت: "جيد كنا على وشك الاتصال بكم لتعودوا"
تقدمت ساندي وسألت والدتها: "هل سنرحل فوراً؟"
أومأت والدتها برأسها وردت: "للأسف عزيزتي علينا الرحيل.. فهناك زحام شديد بالفعل.. ويجب أن نغادر فوراً حتى لا نتأخر"
مطت إسلام شفتيها وردت: "كنت أتمنى الجلوس بمقهى الفيشاوي قليلا"
: "وأنا كنت أتمنى تناول الطعام حقا"
همسها فادي وهو يستند على الحافلة بإنهاك.. بينما أسرعت ساندي تلتقط بعض الصور وردت والدتها: "سنقف أمام أحد المطاعم لشراء الطعام.. لكن لنسرع الآن ونغادر"
****
-:"ساقاي تحطمتا"
قالتها إسلام وهي تجلس بمقعدها بجوار ريم التي لم تكن أفضل منها حالا.. بينما تستند على النافذة بتعب وانهاك وهي ترد: "هل سرنا كثيراً.. أنا حقا لم أشعر بأي تعب إلا عندما جلست"
-:"هذا يعني أنكم استمتعتم"
رفعتا نظرهما لمالي التي كانت لا تزال تبتسم بسعادة.. ولم يبدو عليها أي إرهاق.. قبل أن تنظرا لبعضهما وتبتسما بينما تهمسان: "لقد استمتعنا بالفعل"
اتسعت ابتسامة مالي ثم قالت: "كان عليهم تركنا لوقت أطول.. كما كان من المفترض أن نذهب للملاهي و..."
لم تكد تتم جملتها إلا ووجدت نفسها تسحب من الخلف.. وما أن استقرت بمقعدها التفتت لشقيقتها بغضب.. لكن ساندي قالت بهدوء: "لقد سرتِ ضعف سيرنا فكيف لا تكونين متعبة؟"
-:"كان هيثم يحملها طيلة الوقت"
أتى الرد من إسلام فابتسمت ساندي بخبث وهي تهمس: "ومن سينتبه لهذا غيرك"
***
-:"أنا جاااائع!"
قالها فادي ليصدم من الرد الجماعي من ثلاثتهم: "توقف عن النحيب كالأطفال!"
ثم رد أكمل: "سنقف أمام أحد المطاعم لشراء الطعام.. لذا توقف عن إيلام رؤوسنا"
شعر فادي بالحرج وقد لاحظ مؤمن هذا فتنهد ورد: "اعذره فادي فأنت تذكره بجوعه.. وإن بدأ بالصراخ أنا جائع.. لن يتوقف إلا وصورة الشاب المثالي الوسيم قد انهارت أمام الجميع"
كتم هيثم ضحكته بينما اقترب أكمل من مقعده وهو ينتوي افتعال شجار.. لكنه توقف عندما توقفت الحافلة بصورة مفاجئة ليصطدم الجميع للأمام..
بدأت الهمسات تتعالى من الجميع بينما ينظرون ناحية السائق.. الذي هبط وعاد بعد ثوان قائلا: "عذرا لكن الإطار بحاجة لتغيير وهذا سيأخذ بعض الوقت.. لذا يمكنكم الهبوط فهناك بضع محلات قريبة وعندما انتهي سأبلغكم لنستأنف الرحلة"
تأففت ساندي بملل بينما وقفت مالي هاتفة: "أمي أنا جائعة"
التفتت والدتها نحوها وردت: "اذهبي لشراء الطعام لنا سان"
-:"ماذا؟!"
هتفتها باعتراض فكتمت إسلام ضحكتها.. قبل أن تحدجها والدتها بنظرة صاعقة.. فاضطرت للنهوض واتجهت نحوها بغضب قبل أن تسألها: "لم أنا بالذات؟"
-:"لأنك الكبيرة.."
قالتها ثم أقرضتها المال بينما تكمل: "ولا يحق لك الاعتراض.."
سمعت ضحكة اسلام الساخرة فعادت إليها وقالت: "انهضي وتعالي معي.."
فتحت فمها لترفض لكن ساندي اقتربت بينما تكمل: "انهضي الآن.. وإلا لن آتي معك للتسوق مجددا بحياتي.. وسأجعل والدتي تلغي وجودك بكل الرحلات"
كانت تعلم عزمها على فعل ما هو أكثر إن اعترضت.. لذا نهضت بهدوء كما نهضت ريم تتحرك معهما فسألتها ساندي: "ابقي أنت ريم إن أردت"
-:"لا.. لا داعي"
ردت بها ثم تحركت ناحية والدتها وهي تكمل: "أنا أيضا جائعة"
وقفت بجوار والدتها وسألتها: "أمي هل أشتري لكما طعاماً معي؟"
ابتسمت لها وردت: "لا عزيزتي لقد تناولنا شطائر بالمقهى"
كادت تسير مبتعدة لكن خالتها أوقفتها: "انتظري يا فتاة"
التفتت لها فمنحتها بعض المال وهي تكمل: "اشتري لنا بعض المسليات فالطريق طويلة"
أومأت لها ثم أسرعت تلحق بصديقتيها.. وعندها ابتسمت سامية وهي تنظر بأثرهم قبل أن تقول: "أنا حقاً سعيدة لأجلها لقد حصلت على أصدقاء..."
-: "بٍلهاء مثلها"
قاطعتها شكرية فالتفتت لها لتعترضها لكنها أكملت: "أنا معلمتهم منذ سنوات لا يمكنك اعتراضي"
ضحكة صدرت من أمامهما.. قبل أن تلتفت والدة ساندي التي ردت: "لا أحب أن أظهر كمتطفلة.. لكن الأستاذة محقة"
-:"هذا يكفي توقفا عن إزعاجي"
قالتها سامية وهي تلتفت وتنظر عبر النافذة لابنتها وأصدقائها.. قبل أن تبتسم وتكمل: "وإن كانوا بلهاء قليلا ما العيب بهذا؟.. المهم أن يبقوا معاً.."
****
-: "إذاً أين سنجد المطاعم؟"
سأل فادي فتململ أكمل وكان على وشك توبيخه.. قبل أن يلتفت له مؤمن قائلا: "لا تبدأ بالجدال معه.. وحاول التفكير بإجابة لسؤاله عوضا عن هذا أيها المتنمر"
ضحكت ساندي بسخرية قبل أن ترد: "لا تحاول نصح ذاك الغبي.. إنه يتغذى على مضايقة من حوله"
: "هذا حقا لا يطاق!"
همس بها هيثم بينما يستمع للشجار الذي نشب بين ساندي وأكمل.. ثم تنهد مكملا: "أتمنى لو كانت مال هنا.. كانت لتسكتهم أو تلهيني عن إزعاجهم على الأقل"
: "تتحدث وكأنك أفضل منهم"
همس بها مؤمن بينما يسير بجواره.. وعندها طفح كيل ريم والتفتت تنظر حولها.. وما أن رأت أحد المارين توجهت نحوه قائلة: "عفوا سيدي"
: "ريم!"
لم تلتفت لهتاف مؤمن الغاضب.. فقط ابتسمت بوجه الرجل وهي تسأل: "اعتذر عن إزعاجك.. لكن هلا أخبرتني عن مكان أقرب مطعم"
ابتسم لها الرجل بهدوء.. ثم التفت للجهة التي أتى منها وهو يقول: "سيري من هنا قليلا وستجدين مطعما شهيرا للشطائر بعد ناصيتين"
كانت تنظر لجهة وصفه.. ثم التفتت له وقالت بأدب: "شكراً لك يا عم"
-:"العفو آنستي"
قالها بأدب هو الآخر ثم غادرها.. تاركاً إياها بوجه محمر من فرط السعادة بعد مناداته لها بآنسة.. التفتت بعدها نحوهم فوجدت مؤمن يواجهها بنظرته الباردة قبل أن يقول: "ماذا أخبرتكِ عن التحدث للغرباء؟!"
وضعت يدها على خصرها وردت بحدة: "أفضل التحدث للغرباء عن الاستماع لجدالاتكم.. لقد آلمتم رأسي اليوم ..لا نسير بضعة أمتار إلا وأجدكم تتشاجرون"
كان الانزعاج بادياً بوضوح على محياها بينما تتحدث ففضل الصمت.. بينما تحركت بعدها تسبقهم فنظرت كلا من ساندي وإسلام لبعضهما قبل أن تتبعانها فورا.. اقتربت منها إسلام وهي تنظر لساندي باحثة عما يجب قوله.. لكن أيا منهما لم تتمكن من الحديث واكتفيتا باتباعها بصمت.. وبعد بضعة أمتار هتفت ساندي فجأة: "كنت أعلم أنه هنا!.."
التفتوا جميعا ينظرون لها بينما تتحرك ناحية الجهة الأخرى من الطريق.. حيث توجد بوابة كبيرة قبل أن يتبعوها..
-:"إنه هو حقا"
قالتها ساندي وهي تتأمل القصر الذي يبعد عن البوابة بكثير من الأمتار.. كان القصر مظلما ومخيفا.. تأملوا التماثيل المخيفة التي تزين جدرانه مع تصميم هيكله الغريب.. بالإضافة لخلو مساحة كبيرة من حوله.. وبعد ثوان من التأمل زادت من رهبة البعض منهم.. سألت ريم: "ما هو هذا المكان بالضبط؟"
التفتت ساندي وردت: "هذا يا عزيزتي هو قصر البارون"
قالتها ثم لكزت أكمل وهي تكمل بحدة: "امنحني الكاميرا أيها الأحمق!"
منحها الكاميرا دون التفات حقيقي.. فقد كان ناظريه معلقان بالمكان من خلفها قبل أن يقول: "إنه أشبه ببيوت الأشباح"
-:"وهو كذلك"
رد بها مؤمن بينما يتأمل المكان فالتفتت له ريم لتجد ناظريه معلقتان بالمبنى وعندها فهمت أنه معجب بتصميم البناء.. وباللحظة التي فتحت بها فمها لتتحدث.. سمعت صوت حركة ووجدت ساندي تسير بمحاذاة السور بينما تقول: "يُحكى أن في نهاية القرن التاسع عشر.. بالتحديد بعد عدة سنوات من افتتاح قناة السويس.. رست على شاطئ القناة سفينة كبيرة قادمة من الهند.. وكان على متن هذه السفينة مليونير بلجيكي يدعى إدوارد إمبان"
وصلوا لمكان كان السور به منزوع.. وقبل أن يعترض أيا منهم كانت ساندي قد عبرته ثم تبعها مؤمن.. فلم يجدوا بدا من اتباعهم بينما تكمل ساندي: "كان إدوارد يحمل لقب بارون.. وقد منحه له ملك فرنسا تقديرا لمجهوداته في إنشاء مترو باريس.. حيث كان مهندسا متميزا وكان أيضا صاحب عقلية اقتصادية فذة.. حيث عاد إلى بلاده وأقام عدة مشروعات جلبت له الكثير من الأموال.. وكان على رأس تلك المشروعات بنك بروكسل في بلجيكا"
بقيت تسير وهم يتبعونها بينما يتأملون الحديقة الواسعة المرصوفة والتي تنتهي بالقصر المخيف وهي تردف: "لم يكن جمع المال شغفه الوحيد.. فقد كان يعشق السفر والترحال.. لذا فقد زار الكثير من البلدان بداية بالمكسيك وحتى قلب القارة السمراء حتى انتهى به الترحال في الهند"
وصلوا لمكان قريب من القصر ووقفت ساندي تراقبه قليلا.. قبل أن تبدأ بالتقاط بعض من الصور: "عاش إدوارد سنوات طويلة في الهند وعشق الأساطير القديمة.. حتى كان قراره بالبحث عن مكان تاريخي أكثر.. ولم يجد أمامه سوى مصر.. وبعد مرور أيام من وصوله لبلادنا التي عشقها من اللحظة الأولى قرر أن يستقر بها لدرجة أنه طلب بوصيته أن يُدفَن بمصر حتى لو مات خارجها.. وكان طبيعيا على من اتخذ مثل هذا القرار.. أن يبحث له عن مقر إقامة دائم في المكان الذي سقط صريع هواه.. وكان أغرب ما في الأمر هو اختياره لمكان في الصحراء.. بالقرب من القاهرة"
ابتسم هيثم بينما يراقب المكان من حوله ثم رد: "لقد كان بعيد النظر.. فمن كان يتخيل أن المكان الذي اختاره سيصبح من أهم أحياء العاصمة"
-:"كان مهندسا بارعا واقتصاديا فذا"
قالها مؤمن قبل أن يسأل فادي: "لكن ما هذه التماثيل الغريبة؟. أنا لم أرى مثيلا لها"
رد مؤمن: "في أثناء إقامته بالهند عندما ألم به مرض شديد كاد يودي بحياته.. اهتم به الهنود واعتنوا بصحته وأنقذوه من الموت المحقق.. وعندما كان يبحث عن مكان إقامته تذكر القرار الذي اتخذه أيامها بعد شفائه.. بأن يبني أول قصوره الجديدة على الطراز الهندي.. عرفانا منه بالجميل وكانت النتيجة هذا القصر الفخم.. جملت شرفاته بتماثيل مرمرية على شكل أفيال.. وبه برج يدور على قاعدة متحركة دورة كاملة كل ساعة.. ليتيح للجالس به مشاهدة ما حوله في جميع الاتجاهات"
مط أكمل شفتيه قائلا: "هذا لا يفسر ادعائك بأنه قصر أشباح يا متوحشة!"
التفتت له ساندي وعقدت ذراعيها بينما ترد: "انتظر لتسمع البقية أيها الأحمق"
عادت تلتفت وتتحرك لتلتقط صورا بزوايا مختلفة بينما تكمل: "السكان المجاورين للقصر بمختلف العقود.. كانوا دوما يؤكدون على وجود أشباح بهذا القصر.. الجميع صرح عن سماع تحرك بعض الأثاث وفتح وغلق الشبابيك والأبواب.. كما حدث بمرة أن اشتعلت إحدى الغرف من تلقاء نفسها ثم خمدت وحدها دون أي تدخل"
تراجعت إسلام خطوتين بينما تبتلع لعابها.. لكن لتتغلب على خوفها قالت بارتباك: "هذا ليس مدعاة للقول أنه مسكون سان"
التفتت لها وباغتتها بالتقاط صورة لها فهتفت إسلام: "أنتِ توقفي أنا لم أكن مستعدة.. امسحي هذه الصورة.."
ضحكت ساندي بشدة وتجاهلت اعتراضها ثم ردت: "معكِ حق.. لكن حياة ذلك الرجل كانت مأساوية.. لذا الجميع يرجح أن المنزل مسكونا"
-:"لم كانت حياته مأساوية؟"
سألت ريم قبل أن تكمل: "أعني لقد كان مهندساً ناجحاً وثرياً.. وقد زار العالم بأسره لم قد يكون تعيساً؟"
ردت ساندي: "لقد ذكروا أنه وُلِدَ بعرج ظاهر في قدميه.. هذا بالإضافة إلى كونه مريضاً بالصرع.. وكثيرا ما كانت تنتابه النوبات الصرعية فيقع وتشرق عليه الشمس وكلبه يقف بجانبه إلى أن يفيق.. فلا أحد من الخدم كان يتجرأ على الاقتراب خوفاً منه حتى لو كان فاقداً الوعي.. كما أن أخته قتلت بهذا القصر"
-:"قُتِلَت؟!"
قالوها جميعاً بصدمة بينما ينظرون لساندي التي ردت بهدوء: "أجل.. لقد سقطت من شرفتها لسبب غامض للآن.. وقد ذكر الكثير من السكان وقتها أنهم كانوا يستمعون لصوت شجارها وصراخها حتى بعد موتها.. كما أنهم ذكروا ألا أحد علم أبدا مكان دفنها"
بقوا ينظرون للمكان بذات اللحظة التي هبت بها بعض الرياح لترتطم بأبواب القصر مصدرة صريرا مرعبا وبعد ثوان قال أكمل: "أتساءل الآن لِم قد يشك أي أحد أنه مكان مسكون؟"
-:"أنا أتساءل لم نحن هنا بالأساس؟"
رد بها هيثم قبل أن يتراجع فادي فجأة ويقول بخوف: "علينا المغادرة!"
التفت بعدها وأكمل:" لنغادر حالا"
تبعته إسلام بينما التفت أكمل لهيثم.. وفكرا لبضع ثوان قبل أن يهمس: "أنا أتفق مع ذاك الجبان لأول مرة"
ثم التفتا معاً يتبعانه.. وعندها تنهدت ساندي بينما تلتقط آخر صورة ثم التفتت تتبعهم وهي تقول: "يا لكم من جبناء.. كم مرة سأخبركم لا يوجد شيء اسمه أشباح أو منزل مسكون.. إنهم يؤثرون على عقولكم بالخرافات يا حمقى"
غادروا جميعا تاركين مؤمن ينظر للمنزل وهو مسحور بتصميمه.. رغم أنه لم يحب التصميم.. لكنه كان دومًا مولعًا بالتصميمات القديمة.. وقد كان هذا القصر تحفة فنية سابقة لعصرها.. فالشمس تصل كل غرفه بفعل القاعدة المتحركة.. وأيضاً الغرفة السرية التي لم يصلها أحد للآن.. وهي الغرفة الوردية بقبو القصر.. وهذه الغرفة تفتح أبوابها على مدخل السرداب الطويل الممتد لكنيسة البازيليك.. والتي دفن فيها البارون بعد موته.. والقصر مكون من طابقين وملحق صغير بالقرب منه تعلوه قبة كبيرة.. وعلى جدران القصر توجد تماثيل مرمرية لراقصات من الهند.. وأفيال لرفع النوافذ المرصعة بقطع صغيرة من الزجاج البلجيكي.. وفرسان يحملون السيوف وحيوانات أسطورية متكئة على جدرن القصر..
ابتسم مؤمن ثم التفت ليجد ريم تقف أمامه.. وما أن نظر لها ابتسمت وقالت: "ستبني قصورا أجمل بكثير يوما ما"
نظر لها لثوان وهو غير مستغرب لقدرتها على فهمه لتلك الدرجة.. لكنه لم يستطع منع تلك السعادة التي تنتابه بكل مرة تظهر بها هي تفهمها له أكثر من أي أحد.. وعندها ضغط على نظارته ثم تحرك قائلا: "لا تخافي لن أنسى بيتك المطل على البحر"
ثم تحركا ليغادرا ويتبعان البقية..
***
جلسوا بالمطعم ينتظرون إعداد طلبهم.. بينما اقتربت ساندي من الطاولة بعد أن أنهت الاتصال مع والدتها وقالت: "أمي تخبرني أن أمامنا ربع ساعة وإلا سيتركوننا خلفهم"
التفت فادي لطاولة وضع الطعام وكاد ينهض ليستعجلهم.. لكنه توقف ما أن قالت إسلام: "كدت أنسى"
قالتها وهي تفتح حقيبتها ثم أخرجت منها كيسًا ورقيًا.. ثم أخرجت منه مجموعة من الأساور الجلدية.. ووضعتها على الطاولة بينهم وهي تقول: "لقد اشتريت واحدة لكل منا"
نظروا لبعضهم لثانية قبل أن يمدوا أيديهم ليمسكوا بالأسورة الجلدية بلونها الأسود مع قطعة معدنية بمنتصفها كتب عليها أصدقاء للأبد لكن باللغة الإنجليزية..
: "إنها رائعة سولي شكراً"
قالتها ريم قبل أن يرد فادي: "إنه لطف منكِ"
ابتسمت لهم جميعاً ثم أخرجت هي واحدة بحجم صغير ومنحتها لساندي وهي تقول: "أبقيها معك وامنحيها لمالي.. فأنا بالتأكيد سأنسى"
ابتسمت ساندي وهي تنظر للقطعتين ثم التفتت لها تقول: "ستسعد بها كثيراً"
ابتسموا لبعضهم ثم ارتدى كلٌ منهم خاصته.. وبعد ثوان نادى النادل على رقمهم فأسرع فادي بأخذ طلبهم.. وبينما يخرجون من المطعم مرت من أمامهم سيارة رياضية حديثة.. بلون أحمر لامع مكشوفة السقف.. وعندها ابتسم هيثم وأشار لها قائلا: "هذه هي فتاة أحلامي يا رجل"
نظروا جميعا للسيارة بينما يكمل: "فيراري كاليفورنيا 2009.. ظهرت بمعرض باريس بنهاية العام الماضي.. طراز رياضي جديد كليا.. سقف صلب قابل للكشف.. أربعة مقاعد على شكل 2+2.. جلد مزخرف ومحرك سعته 453 حصان.. ويوما ما ليس ببعيد ستكون تلك المثيرة بين ذراعاي"
كان هيثم يتحدث بحالمية شديدة استغربها الجميع.. قبل أن يرد أكمل: "إنها مثيرة بالفعل"
وعندها تلقى ضربة قوية بساقه من ساندي وهي تقول: " احترم نفسك أيها المنحرف!"
ثم تحركوا جميعا وقد بدأ شجار جديد بين ساندي وأكمل.. بذات الوقت كان فادي يهمس لمؤمن: "بصراحة لم أفهم كلمة واحدة مما قاله"
*****
وصلوا للبيت أخيرا بعد ساعات من السفر..
وما أن هبطوا من سيارة الأجرة تمطأت ريم محاولة فك عضلاتها بينما تبتسم هامسة: "بيتي العزيز اشتقت إليك"
-:"ريم"
التفتت لوالدتها التي أكملت: "حبيبتي الدواء الخاص بي انتهى.. هلا ذهبتِ مع مؤمن لشراء علبة من الصيدلية بالشارع المجاور"
أومأت لها وأخذت منها المال.. ثم تحركت بجوار مؤمن لشراء الدواء.. وبسبب تأخر الوقت اضطروا للبحث عن صيدلية مفتوحة ولم يجدوا إلا واحدة قرب الشاطئ.. وبينما يعودون رفعت ريم عينيها تنظر للسماء وهي تقول: "لقد كان يوما رائعا لا ينسى"
التفتت له بعدها وأكملت بحماس: "سأطلب نسخة من كل الصور لأحتفظ بها"
حرك رأسه ورد: "لم لا"
التفت ينظر لها فوجدها تنظر للبحر فابتسم وهو يقول: "لقد اشتقت له"
تنفست بعمق بينما تغمض عينيها وهي تهمس: "أجل"
ضحك بسخرية بينما يرد: "أنت لا تُصدقين.. لم يكد يمر على غيابنا يوما حتى!"
-: "ولو كانت بضع دقائق كنت سأشتاق له"
خفتت ابتسامته بينما يراقبها وقد تملكه الأسى لثوانٍ.. قبل أن يهز رأسه ويخرج من جيبه القلادة.. مفكرًا بالطريقة الملائمة لمنحها إياها.. وذاك التفكير لم يدم لثانية ثم وضعها أمام وجهها.. وما أن رأتها أمسكتها والتفتت بابتسامة بلهاء تسأله: "هل هذه لأجلي؟"
-:"ولِم سأمنحها لك إذاً؟"
مطت شفتيها بعد إجابته ثم تجاهلت رده البارد وتأملت القلادة بينما يكمل: "الحجر الأزرق يضيء بالظلام ويظهر كبحر مضيء.. ولهذا اخترته لأجلك يا مدمنة البحر"
ضحكت بخفة ثم أشارت للقطعة الثانية من القلادة وهي تسأله: "وما هذه؟"
ظهر الارتباك عليه لثانية قبل أن يرد: "إنها علامة الأبدية يا بلهاء"
كانت سعيدة بشكل لا يوصف وتتأمل القلادة ككنز نفيس.. ثم رفعت عينيها له وقالت: "شكرا لك مؤمن.. سأحافظ عليها للأبد"
أطرق وهو يرد: "أعلم أنك ستفعلين"
ثم التفت يسبقها وهو يكمل: "هيا الآن حتى لا نتأخر"
تبعته وهي تهتف: "انتظر ألن تساعدني بارتدائها"
-: "ارتديها بنفسك"
رد بها دون التفات فضحكت وهي تهمس: "كنت أعلم أن هذا ما سترد به.."
لكن هذا لم يمنعها من الركض واعتراض طريقه قبل أن ترفع القلادة بوجهه وتقول بإصرار: "أنت اشتريتها لي.. لذا عليك أن تلبسني إياها.."
بقيا ينظران لبعضهما بحربٍ صامتة قبل أن يعلن مؤمن هزيمته ويتنهد بينما يأخذها منها قائلاً: "التفتي.."
التفتت بالفعل ورفعت شعرها بينما همس هو لنفسه: "سأفعلها بسرعة ودون تفكير"
ثم عدّ لثلاثة وفتح القفلة وسريعاً وضعها حول عنقها بعيونٍ مغمضة وأغلق القفل وما أن انتهى أبعد كفيه عنها كالملسوع وهو يتنهد براحة لكن ما أن فتح عينيه تجمد بمكانه فقد كانت قد التفتت ووقفت لتواجهه بينما تطرق بابتسامة ساحرة ويدها معلقة بالقلادة وتتأمل الحجر وبعد ثوانٍ همس: "هذا يشعرني بالحرج حقاً"
اتسعت عيناه بتلقائية ما أن رفعت عينيها له وهي تكمل: "لم أهديك يوماً شيئاً بهذه الروعة.."
أغمض عيناه قليلاً ليمنع نفسه من إخبارها أنها هي هديته التي لا يرجو أن يُهدى أي شيءٍ بعدها.. وما أن تمالك نفسه وفتح عينيه لم يستطع سوى أن يبتسم ويقترب منها خطوة ثم وضع كفه على رأسها وهو يرد: "لا داعي لتهديني أي شيء يا سبونج بوب.."
اتسعت ابتسامتها بينما تطالعه فأجبر نفسه على هز رأسه بعنف ليخرج من تلك الحالة ثم سار ساحباً إياها وهو يكمل: "هيا الآن وإلا ستعلن الأستاذة حالة الطواريء بسبب تأخرنا.."
*****
أتمنى الفصل يعجبكم 🌹❤

رسالة من فتاة مجنونة Where stories live. Discover now