رسالة من فتاة مجنونة - الفصل الثامن والثلاثون

60 6 2
                                    

~الرسالة الثلاثون~
تأخر الوقت لأصحح خيباتي..
تأخر الوقت لأعيش حياتي..
تأخر الوقت عزيزتي فاغفري لي آثامي..
****
~الرسالة الحادية والثلاثون~
جراح الكلمات القاسية لا تُشفى..
بالذات لو خرجت على لسان أحبائنا..
***
كان يطالع النيل عبر الواجهة الزجاجية الكبيرة الخاصة بالفندق والتي تطل على حديقة تفضي لضفة النهر الأزرق الرائع ومع ذلك المشهد تذكر أول مرة رأى بها صورة مشابهة والتي كانت بإحدى المجلات التي تحبها والدته.. كانت تطلب منه قرائتها وتكافئه بمبلغ من المال إن أنهى عشر صفحات..
&&فـــلاش بـــــاك&&
:"أمي.. أمي.."
تركت غسل الصحون والتفتت له وعندها رفع صورة من مجلة أمامها وهو يسأل: "ما هذا المكان؟"
ابتسمت له وأمسكت المجلة بينما ترد: "هذه صورة للنيل من واجهة أحد الفنادق الموجودة في أسوان"
ابتسم بسعادة وهو يسأل: "أسوان تلك موجودة بالجنوب أليس كذلك؟"
:"أحسنت يا شاطر"
ردت بها وربتت على رأسه قبل أن تكمل: "يوماً ما سأصطحبك لزيارتها مع والدي فهو كان دوماً يأخذنا لها في الشتاء"
اتسعت عيناه وصفق بسعادة لكن قبل أن يفتح فمه سمع صوت الباب الخارجي يفتح ويغلق بعنف
:"آمال.."
نهضت والدته عن الأرض وهو بتلقائية تحرك ليقف خلفها ويحتمي بها فربتت على كفه لتطمئنه ثم واجهت والده الذي دخل المطبخ وقد بدا عليه الغضب الشديد بثبات وهو اقترب منها هاتفاً: "ألم أحذرك أن تقتربي من نادية؟!.. لم لا تستمعين لي يا امرأة؟!"
:"وأنا لم أؤذيها.."
ردت والدته ببساطة وهي تعقد ذراعيها أمامها قبل أن تكمل: "لقد قلت الحقيقة فقط أمام أخواتك والحقيقة أنها خاطفة رجال وامرأة بلا احترام أو كرامة"
هبطت يده القاسية على وجهها وعندها لم يتحمل فهي منذ أيام كانت تبكي كل ليلة لذا تحرك ووقف أمامها وهو يقول: "توقف عن ضربها أبي رجا...."
لكن قبل أن يتم جملته دفعه ليسقط أرضاً فشهقت والدته وهي تهتف باسمه وكادت تتحرك نحوه لكن يد والده منعتها وقبل أن يفتح فمه دفعته بكلتا ذراعيها وهتفت بشراسة: "لا ترفع يدك على ابني أيها الحقير.."
ثم التفتت وطالعته بخوف وهي تقترب منه وتنحني تجاهه تقول بقلق: "هل أنت بخير حبيبي؟"
ابتسم لها وكاد يوميء ليطمئنها لكن فجأة سُحبَت من شعرها بفعل يد والده الغليظة والتي سحبتها نحو الباب الخارجي للشقة وهو يتبعها كان هناك الكثير من الكلمات التي لم يفهمها وصراخ لا يتوقف ولكن هو وقف قرب الباب بعد أن دفع والده والدته خارجاً وبينما هي على الأرض طالعته برعب والدموع تملؤ عينيها فبكى هو الآخر..
:"أرني ما ستفعليه الآن بدون ابنك"
سمع تلك الجملة من والده قبل أن يدفع الباب ويغلقه وكانت تلك آخر مرة يرى بها والدته..
&&&&
:"هااي يا أنت"
تأفف بضيق وسأل: "ماذا تريد رائف؟"
:"ما الذي تعنيه بماذا أريد؟.. متى سنذهب لتلك الجولة التي وعدتنا بها؟"
سأل بنفاذ صبر فالتفت له ورد: "وقد أجبتك نحن ننتظر ريم وإسلام وهيثم"
:"ولم علينا انتظارهم؟.."
سألت سيرين ببرود قبل أن تكمل: "أعني هم من تأخروا إذاً علينا تركهم ببساطة"
:"هذا لن يحدث"
رد بها ثم عاد يطالع منظر نهر النيل بهدوء وقد قرر تجاهلهم فصحيح أنه صاحب اقتراح قدومهم حتى يتعرفوا أكثر على تاريخ بلادهم التي لا يعرفون عنها شيئاً..
لكنه لازال مصراً أنه لا يعمل حاضنة أطفال وتذمرهم ينتهي دوماً بتجاهله لهم وهو ما سيفعله الآن..
*****
شهقت ساندي بسعادة ما أن رأت نفسها بالمرآة كانت إسلام قد قررت تصفيف شعرها ولهذا قامت بجدل شعرها على هيئة ضفيرتين وأراحتهما على أكتافها بهدوء
التفتت لها بصدمة وهي تهمس: "إنها جميلة"
: "هذا لأن القالب غالب"
ردت بها إسلام بينما تطالعها بابتسامة قبل أن تتدخل ريم قائلة: "الفستان جميل كذلك سان"
نهضت تطالع الفستان المزخرف بأشكال عشوائية باللون الأحمر والأبيض من القطن الناعم كان اختيار ريم لها ما أن وصلوا ومروا بمتجر لبيع الأزياء التقليدية للمدينة وقد كان هذا أجملها..
طالعتهما بقلق وهي تسأل: "أليس هذا كثير؟.. أعني أنتما تعلمان أنه اجتماع عمل.."
:"لا بالطبع"
ردت سولي بينما نهضت ريم عن الفراش وهي تقول: "كما أنه ليس اجتماع عمل إنها فقط جلسة لتبادل الحديث لذا فمظهرك هكذا ملائم تماماً"
ابتسمت وأومأت لهما قبل أن تقترب ساندي من ريم وتسألها: "لم تخبريني كيف أقنعتِ خالتك؟"
:"الأمر كان سهلاً.."
ردت ريم بينما تقف أمام المرآة وتضع ربطة الشعر الحمراء حول رأسها وهي تكمل: "وافقت سريعاً لأنها أرادتني أن أًصفي ذهني لأحدد خطوتي التالية كما أنها مشغولة البال مع ابنة زوجها الراحل"
:"أيهما؟"
سألت إسلام بينما هي تنهي تصفيف شعرها ليبقى منسدلاً أسفل الربطة وترد: "هنا"
:"الحرباء الكبيرة!.. ما بها؟"
كانت هذه الجملة الحانقة من ساندي فتنهدت والتفتت لها بينما ترد: "زوجها جردها من كل شيء وطلقها"
ظهرت الصدمة على وجهيهما للحظة قبل أن تعود تعابيرهما لطبيعتها وقالت إسلام: "تستحق هذا وأكثر لو سألتني"
:"أجل أنا غير آسفة على حالها"
ردت بها ساندي بينما أطرقت ريم وهي تقول: "أنا أشعر بالأسف عليها.. فرغم كل ما أصابها إلا أنها لم تتغير ولازالت على حالها"
*****
:"ماذا تعني بكلامك ذاك؟!"
راقبت أمجد يتنفس بعمق ثم يطلق زفيراً حاراً يفضح عن مدى غضبه ومع هذا أبقى على وجهه الهاديء وهو يستعد لبدأ الشرح لشقيقتها كانت تحسده بالفعل على قدرته الكبيرة على الصبر والتحكم بغضبه قبل أن يرد:"كما أخبرتك هنا لقد حررنا محضرا بتعديه عليك بالضرب"
:"إذاً ما النتيجة؟ "
سألته شقيقتها بصلف مقاطعة حديثه ومع هذا هو رد بهدوء: "لقد شهدت إحدى صديقاته أنه كان معها وقتها وأنه لم يغادر"
انتفضت شقيقتها واقفة وهي تسأل بحدة: "هل هذا يعني اننا لن نتمكن من إثبات ما حدث؟"
مجدداً تنهد أمجد ورد برزانة: "لقد أعلمتك هنا الأمر صعب أنت تخليتي عن ثروتك له بمحض إرادتك ولا يمكنني المساعدة"
لكن ما كانت طريقته المهذبة لتلجم شقيقتها فقد انفجرت بوجهه هاتفة: "أنت تفعل هذا لأنك صديقه و..."
:"هنا.. احترمي نفسك"
أتى هذا الأمر الحازم من خالتها شكرية التي لم تتركهما منذ علمت بما حدث وأصرت على المساعدة بكل طاقتها وقد تراجعت هنا بالفعل وعادت للجلوس وهي تحرك ساقيها بتوتر قبل أن تلتفت خالتها له وتسأله: "أمجد ما الحل الأمثل الآن"
رد بعملية وأدب: "سأجلس معه وأحاول إقناعه بمنحها مؤخرها وحقوقها كاملة وهو كل ما نستطيعه الآن
أومأت له بتفهم فتهض بعدها وهو يكمل:" سأبقى على اتصال معكم"
ثم غادر دون أي كلمة زائدة وقد فهمت أنه يهرب قبل أن يفقد أعصابه بسبب طريقة شقيقتها التي سرعان ما نهضت واتجهت لغرفتها وأغلقت باب غرفتها بعصبية..
التفتت تنظر لخالتها التي طالعت أثرها بإشفاق قبل أن تتنهد وتستغفر وتطالعها فقالت:"هل يجب أن نخبرها بأن ترددها بالذهاب للشرطة في المقام الأول هو السبب بتلك الورطة"
:"إن استمعت لك أخبريها"
ردت بها خالتها بيأس ففهمت أن الإجابة هي لا فلا شيء سيجعلها ترى حقيقة أنها هي من ورطت نفسها بكل هذا..
***
منذ مغادرتهم للفندق بل من قبلها منذ وصلوا إلى هنا وتماماً كالمرة السابقة كان الحزن يسكن عيناه تمكنت من رؤية هذا بوضوح وهي تعرف السبب حاولت في البداية تجاهل الأمر فهي لازالت غاضبة منه وتتجنبه ولا شيء تغير لكن قلبها لم يطاوعها وبينما الجميع منتبهون للمرشدة السياحية التي تشرح الفولكلور النوبي وطريقتهم المميزة بالغناء تزامناً مع مرورهم بأحد الشوارع الصغيرة القديمة في طريقهم لركوب السفينة النيلية اقتربت منه وقالت: "والدتك كانت لتفخر بك لو رأتك وأنت تتحدث مع هؤلاء الألمان وترى نظرات احترامهم لك.."
التفت يطالعها فابتسمت وهي تكمل: "لكنها كانت ستسعد لو أنك اصطحبتها إلى هنا"
ظهر شبح ابتسامة على شفتيه قبل أن يضع يده بجيب بنطاله وهو يقول: "لقد أتت بالفعل مع جدي عدة مرات"

رسالة من فتاة مجنونة Where stories live. Discover now