رسالة من فتاة مجنونة الفصل الثامن والعشرون

100 8 0
                                    

~الرسالة السادسة عشر~
وقسوة الأيام يداويها قلبٌ صادق مهتم..
فرفقاً بنفسٍ أرهقتها الأيام وبحثت عن مداويها ولم تجدِ..
****
يا ريت منن.. مديت ايديي وسرقتك..
لأنك إلن رجعتن إيديي وتركتك حبيبي..
فيروز – يا ريت منن
****
:"يا ريت يا ست فيروز.."
همستها بينما تتنهد وهي تستمع لكلمات فيروز التي رنت بأذنيها.. كانت تصفف شعرها في محاولة لنبذ توترها الذي رافقها من وقت تركه لها أمام البيت في اليوم السابق..
عندما أخبرت خالتها بم حدث انفجرت ضاحكة هي ودارين وقد تملكها الغضب بوقتها ولم تتحدث معهم للمتبقي من اليوم.. لكن عندما تفكر بالأمر الآن هي الأخرى تضحك..
مؤمن منذ عرفته بصغرهما شخص بارد ولا يمكنه وصف مشاعره أو تركها تظهر.. لكنه كان دوماً شخص غير متوقع.. لا هي ولا أي أحد يمكنهم توقع تصرفاته.. وما حدث البارحة خير دليل..
هزت رأسها وقررت أن تتجنب التفكير بالأمر الآن فلديها الكثير من الأمور التي يجب أن تهتم بها وتعود باكراً فقد حذروا من تغير الطقس بعد فترة الظهيرة..
تحركت تخرج من غرفتها بينما تراسل إسلام التي كانت تسألها: "هل يمكن أن نلتقي اليوم؟!.."
:"ريم إلى أين؟"
التفتت لخالتها وردت: "سأذهب للقاء أمجد وبعدها ربما سأقابل إسلام"
كانت قد اتفقت مع أمجد أن تمر عليه اليوم ليتحدثا عما سيحدث بلقائها المرتقب مع عمها ليمنحها أموالها ويتفقا على الموعد السنوي لوضعه نصيبها من الأرباح بكل عام.. عادت تنظر للهاتف وللرسالة المبعوثة من إسلام والطريقة التي كًتِبَت بها.. سولي في الغالب لا تسألها بل تخبرها أنهم سيلتقون بمكانٍ ما وترافق رسائلها بالكثير من الرموز التحذيرية حتى تمنعها من الرفض.. وبما أنها لم تفعل فهي ليست على ما يرام.. مطت شفتيها وقررت أن تغادر لتتصل بها لكن ما أن التفتت لخالتها وجدتها تطالع دارين بطريقة غريبة فسألتها: "هل من مشكلة؟!"
التفتت لها وردت: "مؤمن تحدث معي اليوم.."
تنهدت بحنق ولم تفكر بالسؤال عن السبب في محاولة يائسة لنبذه بعيداً عن أفكارها فأكملت خالتها: "أكد أنه سيحضر عزيمة الغداء وأرادني أن أوصل لك رسالة.."
كانت على وشك الشجار معها لأنها دعته على الغداء بالرغم من تأكيدها عليها البارحة أنها لا تريد الاجتماع به بعد ما فعله.. لكن مع جملتها الأخيرة آثرت الصمت بينما تنتظر جملة خالتها التالية وهي تكمل: "يخبرك أنه يستحسن ألا تلتقي بأمجد"
ارتفع أحد حاجبيها بينما دارين تدخلت وهي تقول: "خطأ خالتي هو لم يقل هذا.."
قالتها ثم التفتت لها وهي تكمل: "أخبرنا بوضوح أنك لو التقيت به سيقتله ويحبسك بذلك المنزل حتى تنسي اسمك"
ضربت الأرض بعصبية ثم تحركت لغرفتها باحثة عن الحقيبة التي كانت تحملها باليوم السابق فقد منحها المتعجرف بطاقته التعريفية وما أن أخرجتها أسرعت بنقل الرقم لهاتفها وضغطت زر الاتصال دون أي تردد..
:"نعم يا صاحبة السمو"
انعقد حاجبيها باستغراب وهي تسأله: "من أين تعرفت على رقمي"
:"أنت لم تتصلي بي بالتأكيد لتسأليني هذا السؤال!"
:"لا أنا...."
صمتت وقد تناست كلياً السبب الرئيسي لاتصالها وتاه ردها عنها قبل أن تكمل بعصبية: "لم تتحدث معي بتلك الطريقة؟"
:"ريم لست بمزاج سانح للشجار سأتحدث معك ما أن أنهي عملي"
ثم أغلق الخط فوراً وهي لبضع ثوانٍ وقفت مذهولة تطالع الهاتف.. قبل أن ينتفض جسدها بأكمله من فرط الغضب وتتحرك بتلقائية لتخرج من الغرفة وهي تهتف: "دارين.."
ركضت الفتاة نحوها فسألتها بحدة: "هل تعرفين مكان عمله؟.."
أومأت لها بصمت فسحبتها دون تفكير نحو الباب وهي تكمل: "إذاً ارتدي حذائك"
:"إلى أين؟!.."
سألتها الفتاة فنظرت لها وابتسمت بطريقة أرعبتها وهي ترد: "سنذهب ونلقي على أخيك الحبيب تحية الصباح!"
:"لا ترتكبي حماقات يا فتاة.."
التفتت لخالتها التي أكملت: "لم تعودا صغيرين لهذه التصرفات"
:"أخبريه هو بهذا.."
همست بها ثم نظرت لدارين لتجدها قد ارتدت سترتها والحذاء فأسرعت بحمل حقيبتها ثم سحبتها جراً للخارج مقسمة أنها لن تمررها له..
***
:"أنت تحبها أليس كذلك؟!.."
سمع السؤال من إيلام لكنه لم يلتفت كان فكره مشغول بلقائه مع مؤمن صباح اليوم..
&&&
"لا أعلم ما الخطأ بم فعلت؟!"
قالها باستغراب بينما يسير بجوار فادي الذي انفجر ضاحكاً قبل أن يلتفت له وهو يكمل: "صدقاً لا أفهم سبب غضبها كنت أحاول إسعادها.."
توقف عن الضحك بصعوبة وهو يرد بسخرية: "صدقاً لا حق لها الحمقاء ريم"
ضربه مؤمن على ظهره بينما يقول: "لا تنعتها بالحمقاء فأنا فقط من يحق له هذا..."
تجاوزه بعدها ليتحرك ناظراً إلى البحر بينما تجمدت ابتسامة فادي.. ذلك الطلب البسيط من مؤمن أرغمه على التوقف بمكانه مفكراً بم سيحدث إن طاوعته ريم..
إن قررت مسامحته والزواج به.. عندها سيفقدها للأبد..
حتى مزاحه معها ونعتها بالحمقاء سيكون محرماً..
عدا عن أنها قد ترحل تماماً فمؤمن بالتأكيد لن يترك ما بناه بذلك البلد الغريب.. لطالما أخبره أنه يريد أن يعيش حياته ببلد أجنبي..
:"دعك من كل هذا أخبرني كيف حالك؟"
قاطع مؤمن أفكاره بذلك السؤال فابتسم بسخرية وهو يرد بتكهم دون أن يشعر: "بأروع حالة!.. ألا ترى بنفسك؟!"
التفت ينظر له دون أن يبدي أي شيء كالعادة قبل أن يلتفت وينظر نحو إيلام الجالس على سور البحر وهو يتناول الحلويات التي اشتراها مؤمن لأجله ما أن رآه معه صباحاً.. كان ذلك الجانب منه الذي لا يمكنه السيطرة عليه.. في الماضي كان يظهر حنواً كبيراً على مالي وحزن للغاية مع موتها.. بل وانتابته صدمة كبيرة مع سماعه الخبر سرعان ما تداركها.. وهذا كان حاله مع كل الأطفال والدليل معاملته الاستثنائية لأخته ولإيلام الذي يطالعه الآن بشبح ابتسامة بينما يسأله: "إذاً هل يعيش إيلام معك؟"
هز رأسه بنفي وتحرك ليجلس على أحد المقاعد المقابلة للبحر وهو يرد: "لا إنه يقيم معي إلى أن تعود والدتي من عملها.."
نظر له مؤمن باستفهام فأكمل مفسراً: "أنت تعرف كانت تمتلك صالوناً لتجميل النساء.. باعت الشقة وحصدت أموال المعاش وذهبت لأخذ دورة خاصة بلبنان.. ثم عادت وأصبحت خبيرة تجميل للمشاهير ويستعينون بها ببعض الأفلام"
:"أي شقة وأي معاش؟!"
سأله مؤمن بحذر فتردد لثانية قبل أن يرد فقد كان يعلم ما سيحدث مع سماعه بالحقيقة لكنه فيما بعد ارتدى قناع اللامبالاة وقال بهدوء: "شقة ومعاش والدي"
اتسعت عيناه والتفت نحوه بكامل جسده قبل أن يسأله: "هل تمزح معي؟!"
هز كتفيه وهو يرد محاولاً ادعاء اللامبالاة: "ولم قد أفعل؟"
ظهر الحنق جلياً على ملامحه لثانية فابتسم بحزن وندم على الفكرة التي شغلت باله قبل قليل.. مؤمن الصديق الوحيد بعد ريم الذي يهتم به حقاً الجميع يحبه ويحب حديثه لكن لا أحد يهتم به فعلاً عداهما.. ومؤمن رغم بروده وعدم إظهاره أي مشاعر تجاه المحيطين به فهو حتى لا يحاول إخفاء اهتمامه به.. سيخسره باللحظة التي سيعرف بها أنه أحب فتاته التي أمنه عليها..
:"ارفع قضية اذاً لاسترداد حقك"
قالها مؤمن ببساطة فنظر له بصدمة ورد: "هل تريدني أن أدعي على والدتي بالمحاكم مؤمن؟!"
تحرك نحوه يطالعه بصمت ثم صفعه على مؤخرة رأسه وهو يقول بعصبية: "إنه حقك أيها الأحمق وهي سلبته منك لمنفعتها الخاصة"
هز رأسه بنفي بينما يرد: "ولو.. لن أفعلها"
التفت مؤمن عندها وأشار لإيلام بينما يقول: "ماذا عنه؟"
التفت ينظر للصغير وهو يتذكر يوم ميلاده.. كان الوحيد الذي جلس بجواره.. والدته بصعوبة وافقت أن ترضعه وما أن سمح لها الطبيب بالخروج لم تكترث لوجوده بالحضانة لسوء حالته الصحية وغادرت فوراً بل ونسيت أن تذهب لتسجيله بينما بقي هو بجواره لعدة ليالي حتى أخبره الطبيب أنه بخير ويمكنه أن يعود به للبيت..
ابتسم بسخرية ثم عاود النظر له وهو يرد: "إنه غلطة.."
كان يعلم ما يفكر به مؤمن من نظرته المليئة بالاستنكار بينما يكمل: "بعد طلاقها من زوجها الثالث أخذ أخويّ ورحل لإحدى الدول.. بينما هي بقيت تتزوج وتتطلق حتى وصلت لوالد إيلام كان شاباً أصغر منها بعشرين عاماً.. ممثل مغمور وزواجهم كان في السر.. عندما علمت بحملها أراد التخلص منه لكنها رفضت.. لأن الطبيب حذرها من خطورة الإجهاض على صحتها.. فقررت أن تنجبه وذاك الشاب وافق أن يعترف به.. لكنه لم ينفق عليه أو يسأل عنه"
التفت مؤمن ينظر للبحر ففهم أنه يفكر بما سيقوله بعناية حتى لا يجرحه.. كان جميع أصدقائه يفعلون المثل وينظروا بذات الطريقة المستنكرة عندما يسمعون بالقصة التي انتشرت بين الجميع بعد أن اشتهرت والدته وصالون التجميل خاصتها.. ريم الوحيدة التي لم تفعل.. عندما أخبرها بم حدث كانت فخورة به ودارت تخبر الجميع بما فعله فادي مع شقيقه الصغير..
جلس مؤمن بجواره وطالعه بصمت ففهم أنه لا يجد ما يقوله فقال: "أنا أعلم لا داعي لتواسيني.."
بقي مطرقاً وشعر أن الغضب تمكن منه فجأة قبل أن يهمس: "اللعنة عليها!"
التفت له مؤمن وهو يسأله بدهشة: "يا لغرابتك.. تلعنها لكن لا ترغب بالادعاء عليها؟!"
التفت ينظر له ثم رد: "اللعنة لا يسمعها سوى ربي وهو رحيم غفور.. لكن إن ادعيت عليها فسيسمعنا ويرانا البشر.. وهم لا يحملون أي رحمة"
ارتاح مؤمن بجلسته وقد كان واضحاً تضايقه منه فقرر أن يبدل الموضوع ورغم ألمه مما سيستفسر عنه إلا أنه سأله: "دعك مني وأخبرني كيف تنوي اقناع صاحبة السمو؟.."
ضحك مؤمن بسخرية قبل أن يرد: "لن أمنحها فرصة للرفض.."
التفت له بعدها وهو يطالعه بثقة يتمنى الحصول على ربعها حتى بينما يكمل: "ريم مآلها في النهاية إلي.. رفضها شيء طبيعي لأنها غاضبة.. ما أن يهدأ ذلك الغضب لن تفكر بكلمة الرفض حتى وأنا لن أتركها لوقتها.. الأمر بسيط علي.."
ابتسم له وقال: "معك حق الأمر بسيط عليك!.."
&&&
تنفس بعمق ثم نظر لإيلام الجالس على مقعد بقربه وابتسم له قائلاً: "أنا بالتأكيد لا أكرهها فهي والدتي و...."
:"أنا لا أعني والدتي.."
اتسعت عيناه بصدمة بينما تحرك الصغير ووقف بجواره وهو يكمل: "لا بأس بكره والدتي فأنا أيضاً أكرهها.."
:"إيلام.."
زجره بقسوة قبل أن يضع الأداة بيده جانباً ثم وضع يده على كتفه مكملاً: "لا يمكنك قول هذا عن والدتنا؟!"
لم يبدو عليه أي تأثر وهو يرد: "لماذا؟.. هي لا تحبنا وأنا لن أمنحها شيئاً لم تفكر بمنحه لنا.."
عض فادي شفته السفلى وهو يفرك عنقه بقلة حيلة فقد ضاعت كلماته ولم يجد ما يقوله بينما رفع إيلام يده عن كتفه ونظر للضمادة على كفه ثم قال: "وأخبرتك أني لا أتحدث عن والدتي"
نظر له فادي قليلاً وحل الصمت فجأة وهو يشعر باختناق صدره يصل لحلقه ليمنع عنه التنفس حتى.. لاح بباله ذلك اللحن الذي طالما ما كانت ريم تعزفه وتصفه بأنه لحنهما معاً.. لحن السقوط..
أخبرته مراراً أنها تعزفه عندما تشعر باختناق وقد كان يساعدها أن تسترخي وتهدأ رغم أن صورتها عن اللحن هو فتاة تغرق..
:"لا يمكنك إخفاء الأمر للأبد.."
عاد للتركيز مع الصغير الذي كان يطالعه بهدوء واهتمام وهو يكمل: "عليك أن تخبرها"
التفت بعدها وعاد للعمل بينما يرد: "أنا لا أعلم عماذا تتحدث يا إيلام؟.."
سمع صوت حركته عائداً لمقعده قبل أن يقول: "لا تنسى تبديل الضمادة فجرحك سيبقى مفتوحاُ مادمت لم تفصح لطبيب عن وجعك.."
ثبت مكانه لثانية ثم التفت ينظر له فوجده يمسك بالهاتف وقد انشغل به فعاد هو لعمله متجاهلاً ما قاله..
****
وأخيراً أنهت تصميم مشروعها مع ياسر!..
كانت تتنهد براحة بينما تعود لمكتبها وتضع أغراضها بعناية وهي تفكر أن ياسر سيبدأ بتنفيذ المشروع وهي ستتابعه وخلال شهرين ستتمكن من تحصيل مكافئتها على التصميم وعندها يمكنها التبكير من الشروع بخطتها..
نظرت للهاتف واستغربت أن ريم لم ترد على رسالتها كل هذا الوقت لكنها أوزعت الأمر لانشغالها وقررت التركيز على ترتيب أوراقها والبدأ بالتفكير بم ستفعله اليوم لتبتعد عن المنزل أطول وقت ممكن.. البارحة قضت اليوم مع نور بالتنقل بين المحلات لتشتري بعض الأغراض ثم ذهبتا لتناول الغداء بأحد المطاعم واليوم كانت تفكر بأن تقضيه مع ريم حتى أنها فكرت بإخبارها بكل شيء لتطلب نصيحتها.. لكن على ما يبدو هي مشغولة..
دخلت نور الغرفة وهي تحمل عدداً من الملفات ووضعتها أمامها فاستغربت وسألتها: "ما هذا؟!.."
:"إنها مشاريع يريد السيد هيثم أن تراجعيها وتتركي ملاحظاتك على كلٍ منها.."
طالعت كومة الملفات وتراجعت بمقعدها بصدمة.. صحيح أنها كانت تبحث عمّ يشغلها لكن ليس هذا!..
نظرت لنور وهي ترد: "لابد أنك تمزحين.."
ترددت نور لثانية قبل أن تقول: "السيد هيثم يريد تلك الملفات على مكتبه بصباح الغد.."
عندها نهضت بعصبية من مكانها وقد قررت أن تذهب إليه فهذا ليس تخصصها وإن كانت تراجع مشاريع معينة قبل التسليم فهذا استثناء وليس قاعدة لكنها تراجعت وتذكرت أنه لم يحادثها البارحة ولا اليوم وربما فعل هذا فقط ليستفزها ويجعلها تذهب إليه..
جلست على المقعد بانهزام وقررت الشروع بالعمل بعد ثوانٍ بصمت بينما تنهدت نور وقررت أن تغادر لكنها توقفت فجأة وسألتها: "أين الفتاة المزعجة؟.."
تلفتت هي الأخرى حولها تبحث عنها لكنها لم تمنح الأمر أهمية وردت: "لابد أنها تتسكع بمكانٍ ما.. حقها بعد أن أشعرها صاحب الشركة أنها بفسحة لا مكان عمل.."
تلفتت نور حولها تتأكد أن أحداً لم يسمع ردها الحانق قبل أن تكمل: "اذهبي وأبلغي السيد أنه سيجد الملفات على مكتبه غداً.."
ثم تنفست بعمق وسحبت أول ملف وهي تهمس: "لا بأس على الأقل لدي حجة للابتعاد عن ذاك السجن.."
تنفست بعمق مجدداً وهي تطرد كل الأفكار من بالها ثم بدأت بالعمل فوراً..
****
تحرك السمسار ليغادر بعد أن مضوا العقود وقبل أن يخرج من باب الشقة التفت ونظر لسيرين ثم له ومال عليه قائلاً: "أنت مثل ابني وأريد نصحك بإبعاد تلك الفتاة عن العمل فهي ستسبب لك الكثير من الخسائر.."
كان متفقاً معه كلياً فالغبية كانت على وشك هدم الاتفاق بينهما بعد أن تشاجرت مع صاحب الشقة..
ربت الرجل على ذراعه ثم أكمل: "بالتوفيق يا بني"
أومأ له قبل أن يغادر وما أن فعل التفت هو يطالع سيرين الواقفة أمام الواجهة بعصبية واضحة بعد أن أمرها بالخروج من الغرفة ونحاها تماماً عن جلسة البيع.. لكنه لم يكن يهتم.. تحرك نحوها وهو يحمل أحد زجاجات المياه وما أن وقف بجوارها التفتت له تقول بعصبية: "أنا سأخبر جدي عن طريقتك ب..."
:"أخبريه.."
قاطعها ببساطة قبل أن يشير للهاتف بيدها وهو يكمل: "اتصلي به الآن وأخبريه"
تملكها الغيظ وقد كان هذا واضحاً ففتحت الهاتف واتصلت بجده بينما هو تجرع بعض الماء..
:"مرحباً جدي أنا...."
لم يتركها تتم جملتها وسحب الهاتف من يدها ثم وضعه على أذنه قائلاً: "إن كنت أرسلتها لتساعدني فأحب أن أبشرك بأنها تفسد كل عملي يا جدي.."
:"ماذا حدث؟.."
:"حفيدتك كادت تفسد عملية شراء المقر التي أثنيت عليها البارحة.."
قالها ببرود دون أن يلتفت لها وسمع على الطرف الآخر التنهيدة الحانقة من جده فعلم أنه منزعج مثله.. فالبارحة عندما أرسل له موقع البناية ومساحتها وأخبره عن الثمن كان سعيداً لأنه توصل لاتفاق بمبلغ أقل من المتوقع..
:"اهدأ مؤمن.."
:"أنا هاديء كلياً.."
رد بها ثم نظر لها وهو يكمل بهدوء قاتل: "لكن إن كانت سيرين لا تجيد التعامل مع البشر العاديين أعدها لألمانيا لتدير العمل هناك فلست شاغراً للتعامل مع تصرفات الأطفال تلك.."
اتسعت عيناها ورأى الغضب يتجسد على ملامحها ومجدداً لم يهتم بينما جده رد: "أنا سأتفاهم معها وسأحادثك في المساء.."
لم يرد ومنحها الهاتف فتحركت مبتعدة لتتحدث بينما جلس هو على أحد المقاعد وهو يفرد ساقيه أمامه على الأرض ويلقي رأسه للخلف.. كان مجهداً للغاية.. لم ينم منذ أيام سوى بضع ساعات معدودة.. ابتسم بسخرية وهو يهمس: "وما الجديد بهذا؟!.."
تذكر مكالمة ريم له عندما كان بمنتصف الاجتماع وإغلاقه للخط فأغمض عيناه هامساً: "لن تمررها لي.."
وما كاد ينهي جملته إلا وسمع صوت خطوات تدخل الشقة فالتفت ليجدها تدخل بعصبية وبثانية كانت تقف أمامه ببنطالها الجينز وسترتها الطويلة المفتوحة بلونها الزهري الرقيق وأسفلها كنزة صوفية باللون الأبيض وشعرها المرفوع بذيل حصان يتحرك مفصحاً عن غضبها المتجسد بعينيها ليجعلهما أدكن من لونهما المعتاد.. كان يتمنى إخبارها أن ذوقها لازال راقياً ورقيقاً لكن تخيل أن هذا سيزيد الأمر سوءاً.. نظر بطرف عينه لدارين التي أشارت له بيديها علامة أن يهدأ.. وعلم أنها بالتأكيد من أخبرتها بمكانه فهو تحدث معها بشأن المكان وخططه القادمة وأعلمها بموقعه..
:"كيف تتجرأ يا لوح الثلج يا متعجرف يا سليط اللسان يا بارد الدماء على إغلاق الهاتف بوجهي هل نسيت نفسك يا ابن آمال.."
نظر لها بانزعاج ومط شفتيه فتراجعت وهي تكمل بتردد: "حسناً أسحب كلمتي الأخيرة.."
ثم هتفت بعصبية: "لكن لازلت سأحيل أيامك جحيماً على فعلتك.."
تنفس بعمق وهو يغمض عيناه ويفكر أنها بالتأكيد محقة فما كان عليه غلق الهاتف بوجهها.. كان غاضباً من سيرين ومن الموقف الذي وضعته به.. لكن ما كان ليعترف عدا عن كونها ستستشيط غضباً إن علمت بالسبب فهو لا يمكنه إخبارها أنها محقة لذا نظر لها قائلاً: "أولاً أنا لم أغلقه بوجهك لقد أخبرتك قبلها أني سأحادثك لاحقاً.."
ضربت بكفها اليمنى ظهر يدها اليسرى وهي تحرك رأسها بينما ترد بسخرية: "حقاً؟!.. وماذا أيضاً يا روحي؟!.."
نهض عن المقعد ووقف مقابلها وهو يقول: "ثانياً لا ترفعي صوتك علي.."
رآها تكز على أسنانها بعصبية فتخيل أنها ستنفجر بوجهه صارخة لكنها تنفست بعمق ثم اقتربت منه وهي ترد: "حسناً اسمع.. أولاً أنت أغلقت الخط بوجهي لأنك وقح وعديم ذوق.."
ثم ابتسمت مكملة: "وثانياً فأنا هنا لأخبرك بأني لن أستمع لك وسأقابل أمجد لأنه المحامي الخاص بي وهو من يهتم بقضيتي مع عمي"
تحركت لتغادر بعدها لكنه أوقفها وأعادها لتقف أمامه.. حدجها بنظرة واحدة لتثبت بمكانها بينما يقول: "لا تبدأي بعنادي ريم فصبري له حدود.."
حاولت أن تفلت منه لكنه لم يمنحها فرصة فنظرت له بغضب ثم ابتسمت واقتربت من وجهه وهي تهمس بخفوتٍ متحدٍ: "البحر واسع يا ابن الهلالي اشرب منه قدر ما تريد.."
كان الدافع لقتل ذلك المعتوه يتزايد مع كل لحظة بينما يطالع العناد بعينيها ويتأكد أنها لن تستمع له.. فهو يعرفها ما أن تقرر شيئاً وتتمسك به لا هو ولا أي أحد باستطاعته زحزحتها للتخلي عنه..
:"رأيي أن تستمعي له يا آنسة.."
التفتا لسيرين التي بدت هادئة وهي تكمل: "بدا ذلك المحامي خبيثاً إن سألتني لذا..."
:"سيرين الزمي حدودك.."
قالها بحدة ثم أكمل ببرود: "لا تتدخلي بحديثنا فلا علاقة لك به.."
التفت لدارين بعدها التي بدت شامتة بشكلٍ لا يمكن انكاره ولكنه لم يهتم وقال: "دارين أحضري هاتفي وأغراضي من الغرفة أمامك فسنغادر.."
تحركت فوراً لتنفذ طلبه بينما حاولت ريم أن تفلت منه لتبتعد لكنه سحبها لتبقى بجواره وهو يهمس: "اهدئي وسنتحدث فيما بعد.."
وقد هدأت بالفعل لكنها التفتت تنظر لسيرين وابتسمت بسخافة قائلة: "أنرتِ بلدنا يا حبيبتي!"
كتم ضحكته بصعوبة وهو يرى ابتسامة سيرين العصبية وقد أعجبه أن ريم انتقمت له منها بتلك الجملة البسيطة التي تحوي الكثير من المعاني –إن كان قد فهمها بالشكل الصحيح- فهو لن ينسى لها أبداً ما فعلته مع السمسار ومساعده..
*****
:"إذاً ما رأيك؟!.."
سأله أكمل بينما احتسى أمجد قليلاً من القهوة وهو مطرق قبل أن يرفع عيناه له ويرد: "لن أخفي عليك الأمر صعب يا أكمل"
تنهد أكمل وهو يفرك وجهه ثم نظر لأمجد الذي بقي يطالعه بصمت قبل أن يضع فنجان القهوة أمامه ويجلس منحنياً للأمام ومتكئاً على ركبتيه.. نظر لعمق عينيه وسأله: "أكمل هل أنت واثق بأن عمك يكذب؟.."
:"بالطبع.."
رد فوراً قبل أن يقترب منه وهو يكمل: "أبي ما كان ليتخلى عن تلك الشركة.. لقد عمل بها مع جدي.. كان هو من بناها وكانت السبب بكبر اسمه بالسوق كما أنه لم يملك أي سبب ليتخلى عنها.."
بقي أمجد يطالعه لبعض الوقت قبل أن يبتسم له وهو يقول: "أردت التأكد وحسب.."
نهض بعدها والتف حول المكتب وجلس عليه وهو يكمل:" سأخبرك بالأوراق التي سأحتاجها لنحرك الدعوة.."
:"إذاً هناك أمل.."
سأله أكمل بلهفة فعاد أمجد يرد: "الأمر لن يكون سهلاً.."
ثم ارتاح بمقعده وهو يكمل: "وربما سنحتاج لاستعمال بعض الطرق الملتوية"
تنهد أكمل قبل أن يقول: "افعل ما تراه مناسباً.."
****
كانت جالسة بانتظار أمجد وهي تطالع الأوراق التي أحضرتها معها.. عندما فُتِح الباب أخيراً وخرج أمجد برفقة أكمل قائلاً: "سأنتظر التوكيل والأوراق لنشرع بالعمل.."
:"بالتأكيد.."
رد بها أكمل ثم التفت واصطدم بوجودها وكالعادة ابتسم وهو يقترب منها قائلاً: "انظروا من هنا!.. الآنسة شرسة بنفسها.."
نبذت السعادة الغريبة التي تملكتها مع ابتسامته تلك بعيداً قبل أن تنهض وتنظر له شذراً بينما ترد: "راعي ألفاظك نحن بمكانٍ عام.."
حرك حاجباه بإغاظة وهو يهمس: "لابد أنك سعيدة لأني غبت اليوم عن صالة الألعاب ولم أرهقك بالقتال معي.."
:"هاااه.."
ضحكت باستهزاء قبل أن تقترب منه وترد: "أنا واثقة أنك هربت مني حتى لا أمرغ أنفك المغرور مجدداً.."
ثم تجاوزته وتحركت ناحية أمجد الذي كان يمنح مساعدته بعض الأوامر ثم التفت لها قائلاً: "أنرتِ مكتبي آنسة ساندي.."
:"شكراً لك"
ردت برسمية فمد ذراعه نحو مكتبه وهو يقول: "تفضلي لنبدأ حديثنا.."
تحركت بالفعل لتدخل المكتب واستقرت في مقعدها بانتظار دخوله وبعد ثوانٍ اهتز هاتفها ليعلمها بوصول رسالة وما أن فتحتها ابتسمت وهي ترى رسالة أكمل
:"سآتي بعد الدوام ونخرج معاً للتنزه يا شرسة.."
****
أمسك بيدها فارتجف جسدها كله من وقع تلك اللمسة..
ليس خجلاً كذاك الذي كان يتملكها ببداية علاقتهما..
ليس خوفاً كذاك الذي تملكها بعد فترة قصيرة من زواجهما..
كان شيئاً آخر هو ما تملكها.. شيء لا يمكنها تفسيره أو تسميته.. لكنه لم يكن خوفاً أو خجلاً.. كان شعوراً يملأ صدرها بألم وسقيع بارد يجعلها ترتجف.. لم تبكي ولم تفكر.. فقط تلك المحادثة التي كانت بينها وبين حماتها هي ما تردد برأسها بتلك اللحظة..
&&&
:"إذاً ما رأيك يا راما؟.."
تنهدت بملل بينما تستمع لأليسار على الجانب الآخر من الخط كانت تحادثها لأكثر من ساعة وهي لا يمكنها الهروب منها..
:"خالتي أنا حقاً لا أعلم بم أرد"
قالتها بحيرة حقيقية فهي لا تجد ما ترد به على طلبها أن تمنح تامر فرصة أخرى..
:"فكري بالأمر يا راما تذكري أنكما متزوجان منذ سنوات.. وأنتِ تحبينه وهو وعدني أنه سيتغير ويتوقف عن إهانتك..."
فتحت فمها لترد لكنها عاجلتها بجملة ألجمتها: "كلتانا نعلم أنك لا يمكنك الابتعاد عنه.. لا أحد لك غيره.. شقيقك مصيره في النهاية سيتزوج ويؤسس لنفسه بيتاً وحياة كاملة وعندها ستصبحين وحيدة وبعد كل السنوات التي قضيتها بجوار رجل تهتمين بشئونه ويهتم بشئونك لن تتحملي الوحدة.."
سرحت عيناها بالفراغ وشعرب بجليد يملؤ صدرها عندها..
هي فعلاً لا ترغب بأن تكون وحيدة وفي النهاية شقيقها سينشيء حياته الخاصة.. هي تهتم بشئون تامر لكنه أبداً لا يهتم بشئونها.. هذا كافٍ لكي ترفض.. لكنها لاتقدر على نطق كلمات الرفض.. ليس لأنها لا تجدها كما ظنت قبل قليل بل لأنها لا تريد أن ترفض.. وبتلك اللحظة بالذات دخلت الخادمة واستأذنت منها قبل أن تقول: "السيد تامر في الخارج ومصر على رؤيتك سيدتي!.."
&&&
هي لا تذكر كيف انتهى ذاك الاتصال ولا تذكر كيف وصل بها الأمر أن تقف معه الآن بشرفة منزلها وهو يمسك بيدها.. رفعت عيناها التي تعلقت طويلاً بكفه الممسك بكفها ونظرت لعيناه.. كانت تتغزل بهما ببداية علاقتهما وأكمل يرد ساخراً: "حبيبك يملك عينا أفعى!"
تصدق كلامه الآن.. حتى مظهره أصبح كالأفعى.. فقد كل وزنه وأصبح ضعيف الجسد وعيونه أصبحت جاحظة أكثر.. حتى الطريقة التي يبتسم بها كانت مصطنعة وتتمنى أن تختفي من محياه بأسرع وقت..
:"كيف حالك يا راما؟!.."
لو لم تكن تركز كل تفكيرها على إيقاف ذلك الارتجاف ربما كانت ستضحك بسخرية.. هو فعلاً يسألها عن حالها.. لكن سرعان ما لاح ببالها صورة والدها التي دفعتها للابتسام..
تذكر بمرة والدها كان يشاهد برنامج وثائقي يعرض أسلوب حياة الضباع.. تذكر كم شعرت بالحزن على الغزالة التي يتم إرعابها لفترة بينما تركض محاولة النجاة بحياتها ولكن في النهاية يتم اصطيادها وتمزيقها دون رحمة.. تذكر كيف سألت والدها عن السبب الذي قد يجعل أي شخص يتابع مثل تلك البرامج وكيف دخلا بجدالٍ طويل انتهى بقوله: "عليكِ أن تري ما يحدث للضعفاء حتى لا ترضي أبداً أن تكوني واحدة منهم"
والدها كان رجلاً طيباً لكنه أحب عائلته لذا عاش مستعداً أن يظهر كأحد الضواري ليحميهم..
وقد صدق.. يمكنها الآن أن تصدق على كلامه..
يمكنها وهي تنظر لنفسها بالمرآة أن تتخيل نظرته المليئة بخيبة الأمل لو رآها الآن وقد رضت بأن تكون من بين الضعفاء..
قد رضت بأن تكون فريسة مستسلمة بين براثن الضبع..
تخيلت أن ابتسامها بوجهه سولت له نفسه المريضة أن تلك الابتسامة له فعلاً لأنه فجأة انحنى وطبع قبلة على شفتيها ثم احتضنها بطريقة آلمت عظامها..
:"لا يمكنك الهرب مني.."
جملة همسها بصوت فحيح سام أصبح جزءاً من حياتها.. كلماته منذ اللحظة الأولى التي رأته بها كانت أشبه بأفعى تلتف حول حياتها.. تخدعها بحلاوتها.. تذيب مشاعرها وأنوثتها.. لتستسلم وتتبدل الكلمات لأخرى تخنقها.. تدميها.. وتحطم كل ما فيها.. ليصبح هو كل ما تراه.. هو كل شيء.. لا مفر منه..
هل هي تحبه؟!
لا بالطبع.. لقد كرهته منذ زمن لم تعد تحسبه.. ربما كان بالمرة الأولى التي صفعها بها وربما كان بالمرة الأولى التي رأته بها بأحضان امرأة أخرى.. ربما كان بتلك المرة الأولى التي رفضت بها أن ترافقه في الفراش فأرغمها على الاستلقاء أسفله وهو يهتف بها أنه حر ليفعل بها ما يشاء..
هي لا تذكر متى كرهته..
ولا تذكر اللحظة التي أحبته بها..
لم يعد بإمكانها تذكر الأشياء التي جعلتها تحبه..
لا تذكر سوى تلك الجملة التي التفت حولها كأفعى سامة.. لا تذكر سوى ذراعيه اللذان أحاطا بها كسجن خانق.. لا تفكر سوى أنه محق ووالدته محقة وأنه ما من مفر لها بهذه الأرض بعيداً عنه.. لقد أصبحا شيئان لا يمكن أن يفترقا.. كالحيوان المفترس وفريسته.. والدها كان محقاً بحديثه لكنه لم يخبرها أن العالم لا يستقيم دون ضحايا.. فالمفترس لن يعيش دون فريسته ولا مجال لهرب الفريسة من ملكوت مفترسها..
ستموت الغزالة مهما ركضت من الضبع..
فهذا هو واجبها الذي خلقت لأجله..
واجبها أن تهوى في النهاية بين براثن الضباع..
****
يتصرف بطريقة تغضبها وتجعلها توشك على قتله ثم ينطق بجملة واحدة لتهدأ وتتراجع!..
كان هذا ما عليه الحال منذ عاد.. لا يمكنها أن تبقى غاضبة منه بسبب تلك الطريقة التي يعاملها بها..
طالعته وهو ينتقي الكتب والأغراض المكتبية لدراين وابتسمت وهي ترى حماسها فقد كان يذكرها بحماس مؤمن عندما كان بعمرها بينما تشتري لهما والدتها الأغراض المدرسية..
همست لتترحم عليها وبالثانية التالية التفت ينظر لها ثم تحرك نحوها يسألها: "ألا تريدين ابتياع أي شيء؟.."
هزت رأسها بنفي والتفتت تنظر لدارين بينما تقول: "تذكرني بك.."
تنهدت وعادت تنظر له وهي تكمل بسخرية: "للأسف هي تشبهك كثيراً"
تحرك ليقف بجوارها ثم نظر للأرض وهو يرد: "أعلم أنكِ غاضبة لكن لا تبالغي بكلماتك القاسية حتى لا أعتبرها تجريحاً"
نظرت له قليلاً وهي تفكر بالصراخ عليه وإخباره أنها تتمنى تجريحه بالفعل لكنها لا تقدر.. في النهاية تنهدت قبل أن تقول: "مؤمن أنا لا يمكنني إبعادك عن حياتي"
نظر لها فأكملت بخفوت مليء بالألم: "أنا لا يمكنني أن أكون قاسية مثلك"
بقيا يطالعان بعضهما بصمت وهي تتخيل أنه رأى بتلك الجملة القصيرة كل ما عانته وكل ما عاشته بدونه وتخيلت أنه يفكر برد لكنها لم تنتظر منه واحداً والتفتت بعدها تنظر لدارين مردفة: "لكن هذا لا يعني أني سأوافق على طلبك للزواج.. أنا لا أريد الزواج بك"
:"لماذا؟"
حاولت ألا يظهر الحزن بصوتها وهي ترد: "لذات السبب الذي يمنعني عن طردك من حياتي.."
التفتت تنظر له وهي تكمل: "لا يمكنني أن أكون قاسية على نفسي وإلقائها بأحضان شخص مثلك"
:"لقد انتهيت.."
التفتا لدارين التي اقتربت حاملة السلة بوجههما بسعادة بالغة فتنهدت وهي ترد: "جيد لنذهب حتى لا نتأخر عن خالتي"
تحركت تسبقهما نحو طاولة الدفع وكادت تلحق بها لكنه أمسك يدها واقترب يقف بجوارها وينظر لعينيها ثم ابتسم بطريقته الباردة قائلاً: "أخبرتك مراراً أني لا أذكر طلبي رأيك بالزواج!.."
ثم اقترب منها وهمس بجوار أذنها مكملاً: "أخبرتك سأتزوجك.. لم ولن أنتظر رأيك بما سأفعل!"
شعرت بنبرته تسقط كثقل على صدرها.. قلبها تسارعت خفقاته وحلقها جف فجأة.. لا تفهم ما أصابها لكنها كانت تكافح لتخرج بنفسها من تلك الحالة بينما هو تراجع وابتسم لها مجدداً قبل أن يتحرك ساحباً إياها وهي بالكاد قادرة على التنفس!..
****
تحركت نادية تخرج من غرفتها ثم نظرت لنهاية الرواق بامتعاض قبل أن تلتفت وتتجه لغرفة فاطيمة التي كانت جالسة كالعادة ممسكة بهاتفها..
:"انهضي يا هذه.."
نظرت لها بحنق قبل أن ترد: "ماذا تريدين؟!.."
:"انهضي من مكانك يا باردة.."
هتفتها بها وبالفعل استقامت جالسة فتنهدت وهي تكمل: "اهتمي بوالدك فأنا سأخرج لتفقد العمل بالمحل.."
:"ماذا؟!.."
هتفت باستنكار قبل أن تنهض وهي تكمل: "لا بالطبع لن أفعل أنت تعلمين أني...."
:"لا أعلم شيئاً ولا أريد أن أعلم.."
قالتها بحدة قبل أن تلتفت وتغادر وهي تكمل: "لا وقت لدي لأضيعه معك انتبهي له لحين عودة شقيقتك.."
ومع خروجها ضربت فطيمة الأرض بعصبية بينما تقول بحنق: "الهانم تخرج لقضاء وقتٍ ممتع مع شقيقها وأنا أبقى هنا لأطبب العجزة.."
وصلت لغرفة والدها بنهاية الممر وطالعته من الخارج لتجده جالساً بهدوء فقررت أنها لن تبقى بجواره وتحركت عائدة لغرفتها مقررة أن تنتظر عليا وحسب وهي يمكنها الاعتناء به..
****
:"إذا ماذا سنتناول اليوم على الغداء"

رسالة من فتاة مجنونة Where stories live. Discover now