لم أكن أعلم أنَ إعتياد حياةٍ جديدة سيكون بِتلكَ الصعوبة، عشرون يوماً بعد نَجاتي المؤقتة من تهمة الخيانة أحاول أن أتَقبَّل واقعي الجديد، بِإنني صرت مُزارعا أجيراً يجوب الحقول الرطبة حاف القدمين لينثُر حبات القمح والشعير بين أرجائه مقابل وحدات زهيدة مِن الذكاء .. لِأعود إلى غُرفتي الضيقة مع غروب الشمس .. فتمُر ساعات ليلي ببطء .. ليبدأ نهار آخر بحقل جديد وحبات أخرى لا تنتهي..
الحقيقة إنني سئمت ذلك العمل بعد يومي الأول .. وازداد الضيق بداخلي يوما بعد يوم .. وبدأت نفسي تحدثني بأن أترك المنطقة الجنوبية إلى منطقة أخرى بزيكولا، ثمَ وجدت قدمي تأخذني إلى قائد جنود المنطقة الجنوبية .. وأخبرته بأنني أستطيع الضرب بالفأس جيداً .. وحطمت أمامهو درع أحدهم بِفأسي برهاناً لمهارتي .. لتتخذ حياتي مساراً جديداً لم أتوقعه يوماً .. بعدما مُنحت هذا الوشم على ظهر يدي اليُمنى وشم مُشاه زيكولا .. رمحٌ وفأسٌ متقاطعان الوشم الذي يريحني إلى الأبد مِن تُهمة خيانة زيكولا .. بعدما أصبحت أحد مقاتليها المخلصين .. كما أنهُ سيَمنحني عشر وحدات مِن الذكاء عن اليوم الواحد .. وعلِمت إنني سأرحل مع مقاتلي المنطقة الجنوبية إلى خارج زيكولا بعد أربعة أيام .. سيختار خلالها القائد ما تَبَقى مِن المُقاتلين الجدد قبل أن أجد إياد وشاب لا أعرفه لم يبدو لي أنهُ زيكولي يَدْلُفان إلى غُرفتي فرحبت بهما كثيراً .. وكِدْت أُخبِر صديقي بأمر إنضمامي إلى الجيش .. فبادرني قائلاً:
إنَ الطبيبة أسيل في حاجةٍ إلينا ..
ثمَ تابع:
إنها في المنطقة الشرقية مريضة للغاية..
ثمَ حدثني التاجر عما حدث للطبيبة .. وعن ذلك الذهب الذي استبدله بوحداتنا وضاع هباءً .. بعدما لم ينتقل إليها .. وأنهُ لم يعُد مِن سبيل لإفاقتها سوى عودة خالد إلى زيكولا .. ثم إنتهى قائلاً:
أخبرني إياد أن النفق لم يُهدَم بعد .. أُريدك أن تُحدثني عن سرداب فوريك .. وسأُعطيك ما شئت مِن وحدات الذكاء..
فقلت لهُ:
لا داعي لِوحداتك
ثمَ تابعت مُتَذَكِراً:
حدَثَني خالد كثيراً عنه .. ممر يصل بين عالمِنا وعالمه .. واسع للغاية .. لا يكون مُضاءً إلا ليالي البدر .. طريقٌ واحد ينقسم إلى طريقين .. أحدهما شرق زيكولا والآخر غَربَها..
ثمَ صَمَت .. وعصرت رأسي لِأتذكر وأكملت:
يستطيع المرأ التنفُس بداخله غير أنَ هناك نفقاً آخر بنهايته .. أخبَرَني خالد أنهُ مظلم قليل الهواء .. وعلى المرأ أن يسرع وإلا اختنق بداخله .. نهايتهُ الأخرى توجد بلاد خالد .. تختلف كثيراً عن بلدنا .. هذا كل ما أتذكرُه ثمَ أردفت:
آه نسيت .. حين تبدأ جدرانه بالإنهيار .. عليك أن تُسرع .. وإلا دُفنت بداخله .. قرأتُ ذلك بكتاب خالد..
فسألني:
هل تَتذَكر أي شيئٍ آخر؟
أجبتَهُ:
هذا كل شيء
فصمت ثمَ سألنا:
كم يتبقى على اكتمال القمر؟
قلت:
أربعةُ أيام
فسألني:
وكم تبلغ مسيرة السرداب إلى بلاد صديقك؟
أجبتَهُ:
أخبرني خالد أنها ليست إلا ساعات قليلة ثمَ سألتَهُ:
ما الذي تنوي فعله؟
قال:
سأَعبُر نفق المنطقة الغربية إلى سرداب فوريك .. لِأصِلّ إلى بلاد خالد
فقال إياد:
إنكَ حقا تشبِههُ في تَهَوره .. كما أخبرتك جنود السور غير قابلين لِلرِشوة ..
فأشاح عباءته وأظهر سيفه وقال:
لن يحمي ذلك النفق أكثر مِن رجُلَين أو ثلاثة.
فقلت:
إذن مصيرَك القتل أو تُهمة الخيانة .. ومصير الطبيبة الموت
فقال هادئاً:
أو أعبُره وأعود بصديقكم .. ثمَ تابع .. ليس هناك وقت على خالد أن يعود ويعيد إلى الطبيبة وحداتِها كي تنجو..
قلت:
وماذا إن لم تجدَه؟
فصاح بنا:
سَأجدُه .. وأثق أنهُ سيعود مِن أجلها..
كنت أوافقه تلك الثقة .. ثمَ سألَنا:
هل ستأتيان معي إلى المنطقة الغربية..
فصمتْنا وبِتّنا عاجزين عن الرد .. حقا نريد مساعدة الطبيبة .. لكن ما رأيناه خلال أشهرنا الخمس الماضية ليس هَيناً .. وَنَطقت هادئاً:
سَيموت كلانى إن ذهبنا إلى المنطقة الغربية .. قد يرى الخادم إياد فَيشي عنه مُجددا .. ولن يُفلت هذهِ المرة .. وقد رأيت ما حدث للطبيبة .. أنا لن أستطيع التخلف عن واجبي .. سأُغادر إلى صَحراء زيكولا ليلة اكتمال القمر أيضاً بعد أربعة أيام..
ثمَ أرَيتهُما وشم يدي وأنا أقول:
إن تخلفت سَتُقطَع هذهِ اليد
فسألَني إياد مندهشا:
إنضمَمت إلى الجيش؟
أجبتَهُ:
نعم .. سأحارب ضد الأماريتيين..
ثمَ قلتُ لِلتاجر الشاب:
علينا أن نفكر بحلٍ آخر
قال:
سأعبُر ذلك النفق .. وإن كَلَفَنّي حياتي .. وسأعود مع صديقكم مِن أجل نجاة أسيل..
وتابع .. بعد برهة:
وَنَجاتِكُما ..
فَنظرنا إليهِ مشدوهين بعدما شَملنا حديثه فأكمل:
لم تعُد إلا أيام قليلة وسيعبُر جيش أماريتا هضاب ريكاتا .. أيام قليلة وستُحال زيكولا إلى كومة مِن الرماد..
لم أُصارع الوقت بحياتي مثلما أُصارعه هذهِ الأيام .. لا أريد إلا أن أعود بسيدتي سالمة لأصحابها بعيداً عن بلدكم الذي أكرهه..
قال إياد:
لستَ تاجراً؟
فأجابهُ الملِك:
نعم .. ثمَ أكمل .. لست إلا الملك تميم .. مَلكُ أماريتا..
فسقط كوب الشراب من يد صديقي .. بينما وثَبَ جسدي تجاه باب الغرفة .. وركلتْه قدمي لتُغلقه .. وأسندت إليه ظَهري مُحكِماً إغلاقه.
رَكَلتُ باب الغرفة بقدمي .. وأسندت إليه ظَهِري مُحكِماً إغلاقه .. وقال له إياد ذاهلاً:
لم تُخبرني فتاه بيجاناَ بذلك..
فقال الغريب:
لهذا السبب أَعَدّتُها لِتُرافق الطبيبة..
سألته:
أنتَ مَن قرر مُحاربة زيكولا؟
أجابني:
نعم
فسألته في دهشة:
مِن أجل الطبيبة؟
قال:
نعم .. مِن أجل إسقاط خِيانَتِها
ثمَ اردف:
ولَكنَني كما ترون أسعى لِتجنب خيار الحرب..
فصمت .. وسألَني حين أَطَلِتُ وقوفي ملاصِقاً لِباب الغرفة:
هل تحتجِزُني لتبلغ قادتك؟
فَنظرت إلى نفسي ثمَ نظرت إليه وقلت:
لا لست نَذِّلا .. ثمَ تابعت بِفَخر:
سأُقاتل مع بلادي .. وسَنهزم جيشك سيدي..
وتركت الباب وعُدت إلى مِقعدي مجددا وسألّته:
هل رأيت جيش زيكولا أثناء خروجه؟
قال:
نعم
قلت:
هل يستطيع جيشك هزيمته؟
قال:
نعم
فَصمتنا فقال:
لابد أن يعود صديقكم .. وإلا لن تغفر أماريتا لِزيكولا موت الطبيبة .. ساعِداني كي أعبُر ذلك النفق..
فقلت:
هذا قبل أن تصبح مَلِكاً سيدي ..
ثمَ تابعت:
إن عَبَرت النفق ولم تعُد لن يكون هناك مفر مِن الحرب
وتَمتَمت إلى نفسي:
إن لم يعبُره .. ولم يعُد خالد .. سَتموت الطبيبة التي نُحبها .. ولا مفر مِن الحرب أيضاً..
نظرت إلى إياد .. فوجَدته ينظر إلَي .. وكأنه لا يجد ما يقوله .. فَنَظرت إلى الملك وسألّته:
كم لدينا مِن الوقت ليعبر جيشك الريكاتا؟
قال:
بضع أيام..
فأخرجت زفيري ثمَ قلت بعد برهة مِن التفكير:
حسنً .. لن نجازف بِعبورَك سيدي .. هناك مَن يستطيع عبور النفق .. وتجاوُز حُراسِه .. دونَ إراقة نُقطَة دم واحدة..
فَنظراَ إلَي مترقبين حديثي .. فَنَظَرِت إلى إياد وهزَزت رأسي قائلاً:
نعم .. ما تُفكر بهِ تماماً يا صديقي.....