عهد مينجا - الحلقة الثالثة

25.8K 1.1K 38
                                    

كان السجن الغربي أكبر سجون بيجانا .. قسّمه مهندسون الي قسمين؛ أحدهما بناء حجري من طابقين مقسمين الي زنازين ضيقة

متجاورة للرجال والنساء أمامها ممر واسع، يفصله سور حديدي عن قسمه الآخر تلك الساحة الواسعة التي عرفت أنها للسجناء الأكثر خطرا،أحاطهما سور صخري تجاوز ارتفاعه ثلاثين قدما، تراص عليه جنود كثيرون بسهامهم علي مسافات متقاربة .
وفي زنزانتها شبه المظلمة جلست أسيل لا تحرك ساكنا، تدور أيامها السابقة أمام أعينها دون توقف ولا يكف عقلها عن الضجيج، تشعر أن الزمن صار عدوها منذ دلفت إلى هذا المكان، لتمر دقائقها كساعات وساعاتها كسنوات مكثت بها جميعا تحملق
بالفراغ المظلم أمامها، ثم فتح باب زنزانتها مع بزوغ النهار، وظهر أمامها جندي حاملا طعام ردئ، وقال إن بابها سيظل مفتوحا حتي
غروب الشمس فأومأت برأسها دون أن تنبس بكلمة، وغابت في شرودها من جديد .
****
يوم بعد يوم صارت أيامها متشابهة، الا تغادر زنزانتها إلا قليلا ثم
تعود لتمكث بأحد أركانها وسط شرودها وذكرياتها، لا تتحدث إلى أحد، ولا تأكل من الطعام إلا مايسكت بطنها الصارخة جوعا، قبل صباح ذلك اليوم حين استيقظت علي جلبة لم تعتدها منذ وجودها
بهذا السجن، ثم فتح باب زنزانتها وخرجت لتري ما يحدث ففوجئت
بساحة السجن الكبري قد امتلأت بالكثيرين من البشر رجالا ونساء، شبابا وشيوخا، يتجاوز عددهم المئات، مبتلة ملابسهم وشعورهم
بزيت لمع مع آشعة الشمس، واجتمعوا جميعهم داخل دائرة جيرية
حددت وسط الساحة الواسعة، ونظرت إلى الجنود أعلي سور
السجن فوجدت أعدادهم قد تضاعفت عن أيامها السابقة، ثم سمعت صوتا يحدثها:
- إنها المرة الأولى التي تتركين بها زنزانتك في هذا الوقت المبكر.....
فالتفتت لتجد رجلا أشيب الشعر ابتسم حين التفتت
إليه قائلا
- لا تقلقي، أنا جارك هنا .
وأشار إلى زنزانة مجاورة مفتوح بابها فقالت أسيل :
- مرحبا سيدي ..
ثن نظرت بعيداا إلى باب السجن الضخم الذي كان يمر منه صف
من السجناء ليقف كل منهم لثوان فيسكب عليه جندي أعلى الباب قدرا من الزيت ثم يكمل مروره بعدما يأمره جندي آخر بذلك
ليأخذ سجين آخر مكانه أسفل الزيت المسكوب، فسألت أسيل هذا
الرجل بجوارها في دهشة :
- ماذا يحدث ؟! ولماذا سجنُ كل هؤلاء ؟!
فأجابها الرجل هادئا:
- إنه عهد مينجا.
فقالت في تعجب :
- عفوا، لم أفهم ..
وأكملت :
سامحني لم آت - إلى بيجانا إلا منذ أيام قليلة .
فابتسم الرجل وقال :
- أعرف من انت، جميع الأخبار تأتيني هنا، إن لي فضلا على الكثير من الجنود هنا
وأردف :
_سيدتي الطبيبة، إن بيجانا قد أنهكت بالحروب التي خاضتها،
وعوضً عن اهتمام حكامنا باصلاح ما اتلفته الحروب اهتموا
بتعزيز سلطانهم دون غيره، فرحل حرفيوها وأذكياؤها إلى بلاد
أخرى، وعام تلو الآخر لم تعد هناك سلعة تنتجها بيجانا، حتي
ما تنتجه من زيوٍت أصبحت بالكاد تكفي أبراجها وسجناءها إن
احتاجت لذلك ..
وأشار بعيدا إلى سجينة اسفل باب السجن أغرقت ملابسها
وشعرها بالزيت بعدما سِكب عليها قدر من أعلي، ثم إلى جنود
متراصين بسهامهم أعلي السور .. وأكمل :
- هؤلاء من تزايدوا فقط، الفقراء والجنود ..
ووثب قلب أسيل حين رأت سجينا شابا ينطلق بغتة خارج الدائرة التي حددت لهم ، ويركض نحو السور الحديدي الفاصل بين قسمي
السجن ليتسلقه، ثم فوجئت بسهم مشتعل أطلق من أعلى ليخترق جسده ويشعله بالكامل دون أن يقترب منه أي سجين آخرخشية أن
تطوله النيران حتي سقط جثة هامدة، فصرخت في ذهول، فقال
الرجل:
ِ_ أظن انك رأيت لماذا يبتل هؤلاء بالزيت، من يخرج عن الدائرة
يحترق ..
ثم تابع :
- لقد رأي حكامنا أن الطريقة المقلى لإطعام خمسمائة ألف
بيجاني تتمثل في السمع والطاعة لغيرها من الأقوياء، وأن
نستدين حتي يأتي يوم ويصبح حالنا أفضل فنرد هذا الدين .
و كما تعلمين، زيكولا لم تكن لتعطينا ثمرة واحدة، فاكتفينا
منها بالسمع والطاعة، في الوقت الذي رحبت بنا أماريتا،
وأصبحت تديننا كل شئ منذ سنوات عدة، حتي قيل أن بيجانا تحتاج تلالا
من الذهب كي ترد تلك الديون...
وأشار إلى سجناء الساحة وقال :
- وقد جاء وقت السداد ..
فسألته أسيل غير مصدقة :
- بشر ؟!!
فأومأ الرجل وقال :
- نعم، لقد امتلأت سجون بيجانا بالفقراء بعد رحيل رسول
أماريتا الذي جاء إلى بلادنا قبل أيام، وجميعهم الآن في طريقهم
ً إلى هذا السجن كي يرحلوا إلى أماريتا غدا... لقد قرر الحـــاكم أن يضحي بفقراء بيجـــانا كي يعيش بـــاقي
أهلها،
ووافق علي انضمام بلادنا إلى عهد مينجا، أو ما يسمي في بلدان
أخرى اتفاقية البشر مقابل الديون ..
ستسدد بيجانا ديونها إلى أماريتا ألف فقير يرحلون اليها كل عام...
فقالت أسيل :
- يريدون أن تسري بين الناس لعنة الخوف من الفقر مثل زيكولا
؟!
أجابها الرجل :
_نعم، أمام فقراء بيجانا أن يعملوا ويكونوا ثروة أو يدخلوا هذه الدائرة مبتلين بالزيت بعد عام . ***

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن