وشم النجوم الخمس - الحلقة التاسعة والثلاثون

12.2K 886 6
                                    

كانَ الطريق الداخلي أمام باب زيكولا خالياً في انتظار دخول المجانيق المجرورة، تزايَد عدد الجنود المصطفين المتشابكين الأيدي على الجانبين ليمنعوا تجاوُز أي مِن أهل زيكولا إلى الطريق ومَن حاول فعل ذلك لم ينجُ مِن لكمة قوية أو لَسِعة سوط مِن أحد الفُرسان الذين ركضوا بخيولهم ذهاباً وإياباً أمام صفي الجنود فالتزم الجميع على الجانبين في انتظار قدوم باقي العربات التي وعدَهم بها الحاكم كي تنقلهم بعيداً عن أرض المعركة المنتظرة.

صار الزحام هائلاً خلف الجنود مع مرور الدقائق وكان كبير القُضاه لايزال يتنقل بين المتزاحمين يطَمئنهم مِن حوله وتعَمَق وسطَهُم فابتعد بضعة أقدام عن حارسه الذي ظلت عيناه تترقَب الوجوه مِن أسفله .. دون أن يدري أنَ هناك مَن يتحرك بين الزحام تجاههُ هو وسيدهُ كانَ الأماريتي ومِن بعده خالد مغطي رأسه بِغطاء معطفه .. ثمَ توقف الأماريتي ونظر إلى خالد فَنظَر إليه هو الآخر مِن أسفل غطاء رأسه المُنسَدِل على جبهته .. و أومأ له دون أن ينّطق .. فأكمل الأماريتي طريقه نحو كبير القُضاة، ثمَ تعثرت قدماَه فإنهال بجسده على أحد الجنود المصطفين .. فاعتذر مِنه .. فدفعه الجندي غاضباً .. فواصَل الأماريتي تحرُكه وهوَ يعتذر لم يعلم الجندي أن هناك ما سُرق منه .. بينما عبَر خالد نحو جواد الحارس الحليق أمام أعين إياد الذي وقَف على أطراف قدَمه ليُبّصرهما .. يدرك داخله مدى تَهَور هذا الثُنائي وأمسك بيد منى يطَمئنها حين بحثت عينيها الخائفة وسط الزحام عن زوجها الذي تحرك فجأة مبتعداً عنهم دون أن يقول شيء.

وكان الهرَج والمرج يسود الزحام قبل أن يتجاوز خالد أقرب الأشخاص إلى الحارس .. الذي انتبه إليه فجأة ومد يده نحوه متوجساً ونزع غطاء رأسه .. فكُشِف رأس خالد .. وظهر وجهه المضطرب ينظر إليه في ترقب .. فحدق به كأنه تذَكر تلك الملامح في اللحظة ذاتها دوت صرَخات مُفاجِئة لنساء الّتَفَفن حول كبير القُضاة .. فحرك الحارس بصره سريعاً إلى سيده ليجد الأماريتي قد أحاط رقبته ذات العروق المنتفخة بخِنجر على مرأى مَن المُتزاحمين .. فهرول يجذب لجام حِصانه ليتحرك نحو سيده .. لكنَ خالد باغته وجَذَب طوق درعه المعدني فجأة بقوة لِيُسقطَه مِن أعلى حِصانه وبلَمّح البصر كان خالد قد ارتقى الحِصان ذاته وقَفز به متخطياً حاجز الجنود المتراصين على جانب الطريق .. وانطلق في طريقه نحو باب زيكولا وسط لحظة ذهول مِن رجل زيكولي رأى وجهه ونَطق في دهشة؛ الغريب.

كان المَنجنيق الأول يكاد يعبُر باب المدينة حين تجاوز خالد في تهَور الحيز الضيق بينهما ثم عبر المنجنيق فسد الباب بأكمله ولم يلحق به أي مِن فُرسان زيكولا .. الذين جُمّدوا في مواضِعِهِم .. لمّا وجدوا كبير قُضاتهم على وشك الذبح .. مِن شابٍ غريب لم يروه مِن قبل .. ومتى استوعبت عقولهم ما جال خلال تلك اللحظات كان خالد قد فر إلى خارج زيكولا .. وحاول أحد الجنود بالقرب مِن إياد أن يصوب سهمه نحو خالد فدفع إياد رجلاً آخر مِن خلفه فارتطم به وأسقطَه فأخطأ تصويبه دون أن يظهر إياد بِأنه مَن فعلها وابتسم وهو يهز رأسه قائلاً حين رأى خالد يعبُر باب زيكولا فاراً:

سيموتان متَهورَين

ثمَ انحسر الناس بعيدا عن الأماريتي الغاضب ليقترب الجنود أمامهم الحارس .. وأحاطوا به حذرين في إطار نصف دائري لم يعلموا أنهُ إطمأن لخروج خالد، ثمَ حرك بصره بعيداً فوجد أسيل ومُنى وقمر يترقبان وجهه فرفع خِنجره لأعلى وخفف مِن ضغطة ساعده على أسفل فك القاضي .. ثمَ أفلته فأسرع القاضي وعبر خلف جنوده ممسكاً برقبته حانِقاً فنزع الأماريتي قميصه وألقاه نحو الجندي الذي ارتطم به وسرق خنجره وقال له ضاحكاً :

احتفظ به..

فأقترب الحارس منه ولَكَمه لكمة أسقطته .. ثمَ ركله بقدمه .. وأخرج خِنجرَه تحت أنظار سيده .. وأمسك بِشعره وكادَ يقطع عنقه لولا أوقفه القاضي حين صاح به كي يتوقف .. بعدما رأى على كتفه الأيمن .. وشماً كان يعرفه، ثمَ دنا مِنه غير مُصدق لِما يراه .. حدَّق بِالوَشّم .. كانَ تاجاً يتوسط خمسة نجوم صغار في شكل دائري .. فهمس القاضي:

مَلك المدن الأماريتية الخمس.

ونظر إلى وجه الأماريتي الشاب .. فوجده يبتسم .. بعدما نجح وشمهُ في توصيل رسالته إليهِ .. بأنهُ مَلك أماريتا .. قبل أن يُقتل .. فصاح القاضي بحارسه .. أن يُكَبِلّه.

كان إياد قد تَرك رِفّقتَهُ واقترب مِن الأماريتي حين اعتقلهُ الجنود .. ثمَ عاد مُسرعاً إليهنْ .. ونَظَروا جميعاً إلى الملك تميم وَالجنود يقتادونه عاري الصدر مكبلاً وسط لَعنات أهالي زيكولا الذين هتفوا غاضبين .. مطالبين بذبحه على منصة بلادهم وقذفوه بالحجارة قبل أن يهتِفوا بحياة كبير القضاة .. فهمست أسيل إلى إياد:

كانَ بوسعه أن يرحل هو على جواد الحارس إلى جيشه ويترك خالد ليجز عنق كبير القُضاة .. لكنه خشي أن يقتلوا خالد دون تفكير .. كانَ يعلم إنهم على الأقل لن يقتلوا مَلك أماريتا بهذهِ السذاجة وتابعت:

قد يكون ضَحى بنصر جيشه مِن أجّلِنا.

فقالت قمر وهيَ تنظر إليه:

لقد أقسَم ألّا يترك زيكولا إلا وأنتِ بجواره تبتسمين سيدتي.

بينما ظلت مُنى صامتة .. بوجه مضطرب يعلوه التشتت .. وهيَ تنظر إلى العربة التي تحمله وتتحرك بعيداً عنهم .. لِيلّتف حولها الفُرسان .. فأمسكت أسيل يدها تُطمّئنُها .. وقالت:

لقد وضع الأماريتي ثِقته بِخالد .. سيعود خالد مِن أجّلِنا..

ثمَ أردفت:

على الأقل سيعود مِن أجلك.....

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن