الحلقة السادسة والثلاثون

12.7K 923 13
                                    

كان الوقت وقت الضحى .. حين وقَف قائد أربعيني أعلى قمة جبلية على شاطئ مينجا، ينظر إلى سفن الأسطول الأماريتي التي اقتربت إلى بُعد مئات الأمتار مِن الشاطئ وتوقفت واحمر وجهه وكأنه لم يتوقع أن تأتي أماريتا بهذا العدد مِن السفن ودار بخُلّدِهِ إن حُمِلَت السفينة الواحدة بِمئة جندي لم يكن جيشه ليمثل ربع هذا العدد، ثمَ صاح إلى فارس بجواره .. أن يطلِق المجانيق كُراتها الزيتية الحارقة، ولم تمُر لحظات بعد أمره إلا وانطلقت بالسماء على امتداد الشاطئ كُرات اللهب المُتتالية .. لِترتفع عاليا في اتجاه الإسطول الأماريتي لكنها سقطت جميعا بالمياه قبل أن تصل إلى السفن الأماريتية أمام أعين القائد جرير الذي وقَف بموضعه متجهِما، ثمَ أشار إلى قائد آخر يكبره سِناً كان يقف بجواره دون أن ينطق بِكلمة ..

ولم يلبث أن أُطلق بوقً عالٍ .. فأُلقيت المَجاديف الطويلة إلى المياه .. وشرع البحارة في تجديفهم .. فابتعدت السفن الأمامية المتجاورة عن بعضها ليزيد عرض الأسطول اتساعاً ثمَ شقت السفن الكبرى المحملة بِالمجانيق طريقها بين السفن إلى الصفوف الأمامية .. واصطفت متوازية قبل أن يصيح قائد أوسطَها إلى طاقمه، فانطلقت أولى الكُرات .. تابعتِها عشرات الكُرات مِن السفينة ذاتها ومِن السفن الأخرى لِتشُق السماء في اتجاه شاطئ زيكولا.

كانت كُرات معدنية ضخمة .. قُطر الواحدة مِنها أربعةُ أقدام .. حُمِّلَت بزيت يشبه زيت السهام المضيئة، ما أن يطلق المنجَنيق الواحد إحداها حتى تتحول في السماء إلى كُرة مِن اللهب الحارق .. تجتاح مَن يقف بطريقها، وتساقطت جميعها على صفوف الجيش الزيكولي المتزاحِمين .. فأحرقت تجمعاتهم وسقط بعضها على العربات الخلفية .. المُحَمَّلة بكُرات لهب المجانيق الزيكولية، فأحدثت إنفجاراً هائلاً، تشتت معه الجند خائفين تحت أعين قائدهم الذي قال لمن بجواره بِبِرود:

يمتلكون مجانيق أطول مدى مِن مجانيقنا .. عُد بِالصفوف إلى الوديان .. حرب مكشوفةٌ الآن .. لا تعني إلا هلاك جيشنا بأكمله قبل غروب الشمس.

مضى وقت قليل بعد انتصاف الشمس بالسماء .. كان الأماريتي قد اقترب مِن نهاية الطريق الثُعباني، ثمَ صعد السهل الرملي مُتعبا إلى المُنخفَض الصخري وإلتقط أنفاسه قبل أن يمد قَدمه إلى حافته الملاصقة لِلجبل العمودي المجاور، وخطا خطوة وراء أخرى بِحذر يُلاصق بِظَهَره صخور الجبل مِن خلّفِه كما فَعل في ذهابه، كان يظن إنها ستكون أكثر سهولة بدون حِصانه، لكنه لم يكن يعلم أن جزء مِن منتصف الحافة قد انهار مع مرور جواده .. فبات ذلك الجزء أقل بروزاً وتوقف مكانه حين مد قدمه إليه وكاد يفلِتها فعاد بقدمه مجدداً ونظر إلى الفراغ العميق أسفله، ثمَ رفع عينيه ومد قَدمه عن آخرها مرة أخرى واتكئ بِها على أطراف أصابعه .. وأمسك بِيده نتوءً صخرياً حاداً برز بين صخور الجبل، ثمَ خطَى بقدمه الأخرى فَلامَس بِطرفِها الحافة دون أن يفلِتها ثمَ تنفَس الصُعداء .. حيثُ أكمل خطواته بحذر .. قبل أن يصل إلى جانب المنحدَر الآخر، ويعبُر التبة التي وِجدَ بِجوارها النعل اللامع، ثمَ أبصر صخوراً بيضاء قَبَعَت بِجانب الطريق .. كانت الواحدة في حجم طفل في الخامسة مِن عمره، فَحَمَل سبعة مِنها صخرة واحدة كل مرة وصفَّها في شكل هَرَمي أعلى التبة.

ثمَ واصَل رَكضه عبر وادي التِلال الذي قطعه بيومه السابق، وغربت الشمس حين دَلف إلى الطريق المكسر فانزلقت قَدَمَه وتقَلَص وجهه مِن الألم، ثمَ نهض وأكمل طريقه تعرج قدماه لا يفكر رأسه بِشيء سوى الوصول إلى خالد وأسيل، ومرت ساعات قليلة أخرى بعد حلول الليل حين وصل إلى الطريق الرملي الممتد إلى زيكولا فأكمل رَكضه نحو المدينة ثمَ سقط مجددا ونهض فَسَمَع مَن يناديه قائلاً:

إنني ذاهب إلى زيكولا

كم تدفع مِن الذكاء؟

فَنظَر خلفه فوجد رجلاً مُسناً يقود عربة خشبية ذات صندوق يتكوم به ثلاث رجال وإمرأتان ومثبت بجانب العربة شعلة اظهرت ملامحهم وتابع المسن:

خمس وحدات أو تُكمل طريقك سَيراً..

فأومأ الأماريتي إليه برأسه متعباً، ثمَ قفز إلى صندوق العربة وجلس بين الرجال الذين أفسَحُوا له مكانا ضيقاً، ونظر إلى السماء التي إمتلأت بِالنجوم ثمَ قال المسن ضاحكاً:

إنكَ محظوظ لم نكن لنعود إلى زيكولا في هذا الوقت .. لولا قيام الحرب فسألهُ ذاهلاً:

هل قامت الحرب؟

فقال المسن:

نعم .. لقد وصل الأماريتيون هذا الصباح قابَلت رِجالاً في طريقي قالوا:

لم تكُف كُرات اللهب عن التحليق منذ الظهيرة.

فَنَظَر الأماريتي إلى سور زيكولا الذي ظهر بالأُفق مع اقتراب العربة مِن بابها دون أن يقول شيئاً وتَرَك المسن يكمل ثرثرته عن مصير الحرب ثمَ عَبرَت العربة باب زيكولا فَقفز مِنها ورَكَض إلى بيت خالد و رفقته وعَبَر بوابة سوره فَرَأته منى التي كانت تقف بشُرفة غرفتها بالطابق الأعلى .. وقالت لخالد الذي كان يجلس على مقعد شارداً بالغرفة:

لقد عاد الملك !

فَنَظَر إليها فَكرَرت حديثها:

لقد عاد الملك تميم بِالأسفل..

فنهض وهبط إلى الطابق السفلي مسرعاً .. وما إن فَتَح بابه حتى حَدثه الأماريتي بصوت متعب:

لقد وجدت طريق الفُقراء إلى أرض زيكولا.....

فـــولو انستاا : _.i0zx._

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن