قرار حاسم ـ الحلقة السادسة والعشرون

12.3K 886 17
                                    

إن تحدثت الليل كاملاً لن أستطيع وصف ذلك الشعور
ليلتها .. أيقظنا طرقات جِدي المفاجئة فجراً على باب شقتنا، وحدَثني فرِحاً بِأن هناك ضيفاً هاماً في انتظاري دون أن يُخبرني شيئاً آخراً أو يعبأ بِدهشتي مِن تأخُر الوقت وهبطت معه إلى الطابق الأرضي نَعِسَاً .. ليتوقف بي الزمن حين وجدتها أمامي تجلس على الأريكة بِفُستانها الممزق .. وتقول لي:

لقد إفتَقدْتُك كثيرا أيها الغريب.. قبل أن تُسرع نحوي وتَحتَضِنَني .. فتَسمرت ذاهلاً دون أن أنطق بِشيء .. وكأنني ابتلعت لساني .. ما أتذكره إنني هززت رأسي عَلَّني أُفيق مِن ذلك الحلم، لم تفيْقَني إلا كلمات منى مِن خلفي:

إنتي مين؟

فَنَطقت إلَيَّ الفتاة:

خالد ألا تتذكرني؟

فَحَملقَت بي منى في انتظار إجابتي .. ثمَ تحدث صديق جَدي - مجنون السرداب - الذي لم أُلحظ وجوده مِن المُفاجأة قائلاً:

دخلت علينا المسجد وأحناَ بِنصَلي وقالت إنها مِن أرض زيكولا وبِتدَوَر عليك..

فقالت مجدداً:

خالد إنني نادين فتاه المنطقة الشمالية أنا مَن دَلَتك إلى بيت هلال .. إنَ أصدقاءك مَن أرسلوني .. جميعهم في حاجةٍ إليك..

بالطبع كنت أتذكرها .. لكن أن يأتي أحد مِن أرض زيكولا إلى بلّدتي كان أمراً لا أتوقعه على الإطلاق .. وحين يأتي أحدهم .. تكون فتاه المنطقة الشمالية .. كان هذا يفوق خيالي، ثمَ إستطردت تُحدُثُني عما حدث بزيكولا خلال الأشهر الماضية بعد رحيلي .. وعن تورط أصدقائي وهيَ معهم بعد تكاسُل العُمال وعدم إغلاقهم نفق هروبي .. وذلك القانون الذي طبقته زيكولا عِقاباً لخونتِها .. فأقتص مِن أسيل وحدها لتصبح على وشك الموت .. بعدما فقدت وحدات ذكائها .. وتلك الحرب التي توشِك أن تقوم إن لم تنجو .. حرب كبرى لن يُشهد لها مثيل فُتِح معها باب زيكولا في غير موعده .. إنضم إليها يامن بين مقاتلي زيكولا.

كانت تتحدث .. وتتدور أيامي بزيكولا برأسي كأنها قبل ساعات .. وجلس جدي وصديقه يستمعان إلى كل حرف تقوله مدهوشين .. وينظُران إليَّ إن تحدثت عن أسيل .. أما منى التي لم تُصدِق يوماً حديثي عن أرض زيكولا ظلت صامتة كأن عقلها لا يستوعب ما يحدث .. ورمقَتْنيْ بنظراتها حين تحدثت نادين عن قُبلة أسيل لي مقابل وحداتها .. قبل أن تنتهي الفتاه قائلة لي:

يعلمون أنك مُدان بِخِيانة زيكولا .. لكنك أمل الطبيبة الأخير..

وصمتت في إنتظار كلماتي .. فنهضت منى وغادرت إلى طابِقُنا الأعلى في هدوء.

صمت تام أجتاحاني تلك اللحظات .. وتَكَفَل جدي وصديقه بأسئله جعلت نادين تَتعَجَب مِن علمهما تفاصيل كثيرة عن زيكولا .. كانت أسئلتهم عن اتهامي بالخيانة .. وعن نفق المنطقة الغربية .. وكيف عبرته .. ونظَروا إليَّ حين أجابتهم قائلة:

مِن المؤكد سَتُشدِد حِراسته بعدما أفقد يامن أحدهم وعيه .. كانت فرصة وحيدة لِعبوره .. لن تفلَح تلك الحيلة مجدداً..

كان حديثُها عن أمر نفق المنطقة الغربية .. يعني عدم وجود سبيل إلى سرداب فوريك .. وحديثُها عن اتهامي بالخيانة .. يعني عدم اكتسابي وحدات ذكاء مِن جديد للمعيشة داخل زيكولا .. فسَكتا .. ونظر إليَّ جدي دون أن ينطق .. كان يعلم إنني قد حسمّت قراري منذ نَطقت الفتاه بِحاجة أصدقائي إلَيَّ.

وكان الأوان ظُهِّراً .. حين ترَكتُ نادين مع جَدي وصديقه يتناقشون بأمر الكهرباء التي أبهرتها .. وصعدت إلى الطابق العُلوي بحثاً عن منى .. دون أن يجد لساني ما يتحدث به إليها .. وأبصرت باب غُرفتها مغلقاً .. فَمكَثتُ بالردهة أُرَتِب كلماتي .. ثمَ دَلَفّت إليها .. فوجدْتها تقرأ كتابي الذي عدت به مِن أرض زيكولا للمرة الأولى منذ زواجنا .. ولاحظت إحمِرار جفونها كعادتها إن بكت .. فَجلست بِجوارها ولم أنطق بِشيء فلم ترفع عينيها عن الكتاب وواصلت قراءتها لِصفحاته فقطعت ذلك الصمت وقلت هادئاً:

كنت أنا أفقَر أهل زيكولا .. ولولا أسيل كان زماني أتدّبحت يوم عيدهم ..

فلم تُجيّبَني، فسكت ولم أستطرد بأي كلمات عن حبي لِأسيل أو حبها لي .. كنت أعلم إنها تحبني كثيراً وَسَيؤلمها حديثي عن أسيل .. فلم أشأ أن أجرَح داخلها .. وقَبَلّت رأسها وتركتها وغادرت الغرفة .. وجلست بالرُدهة ساكناً أحدق لساعات ببابها المغلق أنتظر أن تخرج إليَّ وتصدر إيماءة حتى..

ثمَ صعد إليَ جدي .. وأخبرني أنَ نادين قد غلبها النعاس فتركتها نائمة .. بينما غادر صديقه وجلس وقال مازحاً:

واضح أن زيكولا قدر عِيلِتْنا إللي مفيش مفر منه.

فقلت:

كنت المرة الأُولى شايل همك .. دلوقت بقيتوا أتنين .. أنت ومُنى.

فقال باسماً:

ربنا إللي نجاك في المرة الأولى .. قادر يُنجيك في المرة الثانية..

فأومأت برأسي موافقاً حديثه .. فَنظَر إلى باب منى وأكمل:

قالت ايه؟

فَقُلت:

مَقالتش أي حاجة..

ولم أُكمِل كلماتي حتى وجدت بابها يُفتح وخرجت إلينا وجلست على مقعد بجوارنا فساد الصمت بين ثلاثتنا لدقائق وتلاقت أعينِنا دون أن ننطق بِشيء .. قبل أن تقول فجأة دون مقدمات:

أنا هاجي معاك

فقلت متعجبا:

مش هتقدري .. الحياة هناك صعب تتحمليها.

فقاطَعتني مُتَذَمِرَة:

فاكره كل كلامك القديم عن حياة زيكولا .. وقرأت كتابك .. فقاطعت كلامها وقلت:

ممكن منرِجَعَش

فقالت:

خالد أنا هاجي معاك......

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن