الحلقة الثانية والثلاثون

13.3K 876 10
                                    

كانت شمس الصباح قد أشتد قيظُها حين أسرعت نادين إلى شوارع المنطقة الشَرّقية تجري حافية القدمين .. كمَن فقد عقلَه لا تعلم لها وجهة .. ويخطو خلفها الأماريتي مُسرعا دون أن يركُض لا يريد أن يلفت الإنتباه إليهما .. لكنها لم تَغِب لحظةً عن عينيه .. وإن غابت رَكَض قليلاً ثمَ سار مجدداً .. حتى وجدها قد توقفت بِأحد الأزقة الجانبية، وجَثت على ركبتيها .. وإنفجرت مجدداً في بكاءها فأقترب مِنها دون أن تراه وتركها تُكمل بكاءها وظل واقفاً موارياً جسده وراء جدار بيت، ثم جلس وأسند ظهره إلى ذلك الجدار .. ونظر إلى سماء زيكولا تسمع أُذنه نحيبها ثمَ سكتت فجأة فإلّتفت ومد رأسه إليها فوجدها تحدق كحيوان بَري بجندي يقف على مقرِبة منها .. وأمسكت بيدها حَجراً كان بجوارها ونهضت تتحرك نحوه بِبطأ تلتمِع عينيها بغضب كان كفيلاً لِهلاك صاحبه وكادت تُغادر الزُقاق .. فأمسك بِها الأماريتي وكمم فمها بيده وجرها إلى الزُقاق مرة أخرى وألقى بالحجر جانباً وهمس إليها:

عليكِ أن تهدأي .. ستُقتلين أنتي الأخرى..

فصرخت به:

دعني وشأني .. أنك السبب فيما حدث..

فسكت وترَك يدها .. فَنَظرت إليه حانقة، ثمَ جلست موضعها .. وعادت دموعها لِتسيل على وجهها .. وقالت بصوت هادئ:

كنت قبل سبعةِ أشهر .. مجرد جسد يشتهيه الرجال لا أكثر .. جسد يسعَد بوحدات ذكاءهِم .. مقابل إرضاء شهواتهم، ثمَ اختبئنا معاً .. فتبدل كل شيء..

وابتسمت ابتسامةً مُرة .. وأكملت:

كان خجولاً للغاية، كلما حاولت غِوايتَه .. احمر وجهه .. اختلق حديثاً آخر .. قبل أن يدعي النعاس .. حتى وإن كنا ظُهراً، كان بسببي يَنام اليوم بأكمله .. أدركت بعدها إنه كان يسهر حين كنت أنام، ويوم بعد يوم وجدت جسدي لم يعد يشتهي الرذيلة .. وحدثَني عقلي بِأن أعمل مثل باقي نساء زيكولا الشُرفاء .. إن نَجَونا، ثم حدثته بذلك .. فإحتضنني خجلاً دون أن يقول شيئاً .. شعرت إنني أسعد فتاه بهذا العالم وقتها

كنت في بداية اختبائنا .. ألعن أيامي .. لكني في آخر الأيام .. أدركت إنها الخمسة أشهر المُثلى بحياتي، وإن لم اكتسب وحدة ذكاء واحدة خلالها .. وأُطعمت بِأرِدَأ الأطعِمة .. كي أحافظ على مخزوني.

كان يعلم إنني أُحبه .. لذا أخبرك متيقناً إنني سأذهب عبر سرداب فوريك لا مِن أجل زيكولا ولا مِن أجل الطبيبة .. بل مِن أجلهِ فقط .. مِن أجل رجلٍ جعَل لي قيمة.

ثمَ هزت رأسها وقالت:

لم أكن أُدرك قبله .. إن شعور المرأة بقيمتها .. يَغنيها عن ثروات العالم جميعها..

فقال الأماريتي هادئاً:

هذا البلد ملعون بكل ما به .. سنُغادر وستعيشين حياةً جديدةً ببلدنا .. لن أنسى مساعدتكِ لنا..

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن