بلدة غريبة ـ الحلقة الخامسة والعشرون

12.4K 858 11
                                    

هبطت السُلَم الخشبي وَودعني يامن فأومأت له باسمة .. ثمَ دَلفت زاحفة على رُكبَتي إلى النفق الأُفقي الضيق .. تعطيني كلماتهُ بأن أعود سالمة طاقة كبرى لِأعبُر أنفاق العالم جميعاً .. تعمقت أكثر فَأكثر إلى داخل النفق يضيئ المصباح أمتاراً أمامي مُظهِراً قوائمه الخشبية فأتجنَبُها .. ثمَ توقفت للمرة الأولى كي أُزيل شِباك العناكِب التي زادت مِن اختناقي.. وإلتقطت معها أنفاسي .. ثمَ أكملت زحفي دون أن أنظر إلى ركبتي المُتَألِمتين .. كنت أعلم أنها تقرحت مع حِدة أرضية النفق الصخرية.

ملأت صدري بالهواء وإنفرجت أسارير وجهي حين ظهرت أمامي فتحة النفق الأخرى .. يتسلل خلالها ضوء القمر .. فأسرعت أتحمل ألم، ركبتي ودنوت مِنها ثمَ قذفت بجسدي خارجها .. فإنغمس وجهي بِرمال ناعمة .. ونهضت لِأنظر خلفي فوجدت سور زيكولا شاهقاً يضيئه القمر .. فحملت مصباحي الملقى على الرمال .. وتَحركت خطوات أمام إلتِقاء ضلعَيه كما أخبرني يامن .. فإنزّلقت قدمي فجأة بِحفرة ابتلعتني وهوى جسدي بها لِأسفل يرتطم بِجدرانها وظل يهوى أكثر فأكثر دون أن يتوقف أو أستطيع التحكم به كانت يدي تمسك مصباحي بقوة وحاولت يدي الأخرى أن تحمي رأسي وأستَمر سقوطي وإرتطامي قبل أن تقل حركتي شيئاً فشيئاً ويتوقف جسدي عن الارتطام لأجِد نفسي أمام نفق أستطيع النهوض والسير به .. تظهر معالم جدرانه واضحه دون الحاجة إلى مصباحي كان يتجه بإنحناء لِأسفل فنهضت غير مُصَدقة لما أراه حتى إنني نسيت آلام ركبتي وذراعي مِن الدهشة وبدأت أسير به ينتعش صدري بالهواء وأسرعت مِن خطاي خِشية أن يمر الوقت .. ثمَ وجدت وجه أحد الأشخاص منقوشاً على جِداره فأكملت تقدُمي فاهتزت الأرض أسفَلي وسَمعت صوت إرتطام قوي فَنظرت خلفي فوجدت جدران النفق قد بدأت في الإنهيار فأبتسمت ونظرت إلى الوجه بجانبي وقلت:

مرحبا سيد فوريك

ثمَ أمسكت بطرف فُستاني المشقوق وركضت والإنهيار يسرع مِن خلفي يكاد يبتلعني كنت أعلم أنهُ يدفعني إلى طريق مقصود فأسرعت بكل طاقتي أخشى أن أنظر خلفي فتنزلق قدماي فأُدفن أسفل صخوره ثمَ هدأت الأصوات مِن خلفي .. وقَل معها اهتزاز الأرض .. فَنظرت أمامي فوجدت نفقاً أكثر اتساعا وإرتفاعا .. جدرانه ضخمة مليئة بِنقوش كثيرة لِأشخاص وحيوانات وتتناثر على أرضيته عظام وجماجم كثيرة ونظرت خلفي بعيدا فوجدت النفق الذي جئت منه مكتمل الجدران وكأن شيئاً لم يحدث يجاوره نفق آخر و وجدت بجانبي رسمة أخرى منقوشَة للوجه ذاته الذي رأيته مِن قبل فَنظرت أمامي مجدداً وأخرجت زفيري وقلت لاهثة:

سرداب فوريك

ثمَ أكملت تقدُمي أتجنب العِظام أسفل قدمي وجال بخاطري زوال البدر فركضت كنت أتلفت بين الحين والآخر خشية أن يحدث الانهيار مرة أخرى، ثمَ توقفت حين وجدت سُلَماً طويلا فصعدته مسرعة حتى وصلت أعلاه فوجدت بنهايتهِ فتحة ضيقة ذات ألواح خشبية مُتكسرة فَازدت إنارة مصباحي .. وإلتقطت أنفاسي .. ثمَ مددت يدي بمصباحي داخلها ودَلَفت أُزيل بيدي شباك العناكِب الكثيفة أتذكر حديث يامن بأن أُسرع خلال ذلك النفق وإلا اختنقت وتدين نفسي إلى مصباحي الذي لَولاه لِما عرفت ماذا أفعل وتحركت بحذر خطوة وراء أخرى وتسارعت أنفاسي ودق قلبي مُسرعا حين زاد اختناقي قبل أن ألمح سُلَماً مِن قوائم حديدية .. لمع مع ضوء المصباح فاتجهت نحوه وصعدت درجة .. ثمَ مددت يدي أدفع بابه الحديدي فسقط مصباحي وَتَهَشَّم وإنطفأت نيرانه وساد الظلام مِن حولي .. فأكملت دَفعي للباب فأصدر صريرَه .. واندفع الهواء إلى صدري بعدما فُتِحَ قليلاً ثمَ دفعتهُ بقوة فَفُتِح عن آخرِه .. وقذفت بجسدي إلى الأرض بجواره.

كان ذلك البيت محاطاً بسور طوبي تسلقته وعبرته إلى جانبه الآخر .. لأجِد نفسي بطريق ترابي يسوده السكون .. فَخِفت أن أُضِل طريقي .. وعَزَمّت أن أبقى مكاني في إنتظار شروق الشمس .. وجلست ونظرت إلى البدر بالسماء .. ودار بُخُلّدي أن يكون يامن ينظر إليه متجهاً إلى خارج زيكولا مع رفقائه الجنود في الوقت ذاته .. فأغمَضّتُ عيني أتمنى له أن يبقى سالماً ثم وثب جسدي مِن موضعه حين دوت السماء بِنداءات اختلفت قوتها .. كانت جميعاً تقول؛ الله أكبر، فنهضت واتجهت تِجاه مصدرها .. فوجدت أمامي بعيداً أنواراً شتى .. تتخلَل ظلال المباني المتلاصقة يتوسطَها برج رفيع طويل تُزينهُ أضواء مُلَونة .. ينطلق الصوت مِن أعلاه بدت أنها بَلّدَةُ خالد الغريبة..

دقائقٌ قليلةةو كنت أسير بطريق مُعبَد تتراص المباني على جانبَيه .. خلف أعمدة معدنية تحمل مَصابيحا مُنيرة لا تشبه مصابيحنا، فتذَكرت حديث يامن .. بأن لا أُدهش مِن أي اختلاف هنا .. بعد ما رأيته مِن أمر السرداب لم تعُد لِدهشتي مجالاً وكلما رأيت شيئاً غريباً .. تجاهَلته ثمَ أبصرت رجلاً لم أتبين ملامحه .. يسير بعيداً بِشارعٍ خافت الإضاءة .. فأسرعت إليه وحدثته:

سيدي .. أريد أن أصِل إلى خالد حسني.

فنَظر إلى فُستاني الممزق وقدمي الحافيتين وتمتم خائفاً بكلمات لم أفهمها فأكملت إليه:

سيدي .. إنني غريبة عن هذا البلد..

فأكمل تمتمته وتحرك مبتعداً عني يتمتم .. فسرت خلفه فأسرع فأسرعت .. فَرَكَض فرَكَضت، ثمَ دَلَف إلى بِناء أرضي كان بابه مفتوحً على مِصراعيه تُضيئ أنواره بشدة فَدلفت فَوجدّته رُدِهَه واسعة يجلس بها رجال حافيين الأقدام نَظَروا إلَيَّ جميعهم في دهشة حين دَلَفت إليهم فقلت:

أبحث عن خالد حسني عبد القوي..

فصاح بِي أحدهم بِجملَة لا أتذكرها، ورأيت الغضب على وجوههم..

فتابعت:

إنني مِن أرض زيكولا.

فَظَلت نظرات الغضب على وجوههم .. ثمَ وجدت عجوزا يخرج مِن بينهم لم تظهر على ملامحه دهشة أو غضب مثل الباقيين وهمس إلي:

أرض زيكولا

قلت:

نعم

سألني:

تعرفين خالد؟

قلت:

نعم

فَنَظر إليهم وقال:

إنها مريضة

فقلت:

لست مريضة

فَهمس إلَيَّ أن أتبعه، فَسِرت خلفه كان يسير ببطء شديد دون أن ينطق بكلمة واحدة .. فسألّته:

أنت جد خالد .. فأجابني:

لا......

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن