كاتب || لا ينسى بسهولة

26 6 3
                                    

لمدة طويلة اعتقدت أنني عادي تماما بالنسبة إلى التذكر، أميل لأتفوق على المتوسط عندما يأتي الأمر لقصة\رواية أو مسلسل\فلم، وحتى مع ذلك اعتقدت أن ذلك عائد لكوني أنظر للعمل دائما بنظرة ناقدة، أهتم جدا لتراكب القصة، كيفية سرد الأحداث، الانتقال بين المشاهد، ظهور الشخصيات، كيفية التعريف بها، كيفية إضفاء روح مميزة تخص كل منها، وما شابه من المعايير الفنية التي تلقطها عين الكاتب والرسام، كما أنني أبحث دائما عن أفكار وحبكات جديدة، وكثيرا ما استخدمت ما أراه وأقرأه لدراسة موضوع معين يتعلق بفنون الكتابة.
المهم، تلك الأمور توضح لمَ لا أنسى ما أقرأ وأشاهد بسهولة، ولمَ كلما أخبرني شخص حول عمل يفكر بإعادته أكون على استعداد لسرد العمل كاملا على الرغم من أن كلانا قد قرأه أو شاهده في نفس الفترة، وتلك الفترة تكون قبل سنوات عديدة.

حسنا كنت أظن ذلك عادي تماما حتى فترة قريبة جدا حيث أدركت أنه قد لا يكون كذلك.

أجزم أن معظمنا يحتفظ بمشاهد قليلة من طفولته، ومع أن بعضها ليس صحيحا بالضرورة إلا أنها هناك، لازالت بين ثنايا الذاكرة، كم مشهدا بإمكان الشخص الطبيعي تذكره وعمره 5 سنوات أو أقل؟ لا أدري كيف أصيغ هذا ولكنني أتذكر الكثير! الكثير جدا والذي لا يبدو طبيعيا، مثلا عندما فُتح باب الذكريات ذات مرة أثناء جلوس العائلة على مائدة الطعام ذكرت إحدى شقيقاتي بأن المنزل الذي عشنا فيه صغارا كان له مطبخ مظلم، أخبرتها بوضوح أنه لم يكن كذلك، فقد كان يحوي ناذفتان كبيرتان كما أن إحداها تقابل بابه، ومقابل الباب كان يقبع براد المياه، و بإمكاني وصف بقية المنزل ومواضع الأثاث في كل غرفة، في الواقع كنت أعلم أن حواسي الجغرافية جيدة ولكن يبدو أنها كذلك منذ الصغر، بالطبع من حكم على صحة المعلومات كان والدي، وهذا مثال واحد للكثير من الأمور التي أذكرها وأنا لم أتجاوز الرابعة.

المشكلة هي أنني لا أملك ذاكرة خارقة إطلاقا، العديد من الأمور صعبة جدا للتذكر بالنسبة إلي، الوجوه مثلا، لا أحسن تمييزها بشكل مبالغ، لقد عاملت شخص لا أعرفه مرة بجلافة لأنني ظننته شخصا آخر اعتمادا على مظهر ملابسه، ليس الأمر وكأنني شككت بهويته -رغم أنهما لا يتشابهان شكليا إطلاقا- بل لم أفكر بالأمر أصلا، ولم أعرف بموضوع الخلط بينهما حتى نبهني أحد لذلك، رغم اني أرى كلاهما كل يوم! بصدق لا أدري إن كنت قد اعتذرت من المسكين الذي أحرجته لاحقا رغم أننا بطريقة ما أصبحنا أصدقاء بعد ذلك الموقف بفترة.

لا أفهم حقا لم يستمر عقلي بحفظ كل المواقف والأحداث الماضية بينما يغفل عن أشياء مهمة جدا توقعني بالمشاكل، ما نفع معلومة أسماء وأماكن زملائي في الصف الأول التي لازلت يحتفظ بها للآن؟ وماذا سأفعل بألوان قمصاني المفضلة من ذلك الوقت؟ أو حتى الأحلام التي راودتني حينها؟!

قد يعطي المنظور الفلسفي إجابة ما!
لربما الأمر سبب من الأسباب التي تصنع الكاتب؟ يطفح فيه شيء ما حتى لا يعود هناك مجال إلا لإخراجه؟ ربما؟ ربما!

كاتب مشوشWhere stories live. Discover now