كاتب || أن تحمل جرحا

9 4 0
                                    


لا نختار جراحنا أليس كذلك؟ لا أعرف أحدا سبق له فعل، ولكننا نحن وبكامل إرادتنا من نختار حملها أو التخلي عنها..

حسنا لنتفق أولا على أن العقبات التي تواجهنا خلال حياتنا تشكل جزءا كبيرا من شخصياتنا، تهذبها أو تطورها، أو حتى تمحيها وتطمسها، يعتمد ذلك على عوامل كثيرة، وفي النهاية طريقة تعاملنا مع تلك العقبات، أو لنسمها جراحا عندما تتسم بطابع المآساة؛ طريقة تعاملنا تؤثر بشكل كبير على المخرج النهائي.

قد يحمل الإنسان هما بطريقة بائسة للغاية، وقد يحمل هما يرقى به عاليا في حياته الدنيوية والأخروية، وقد يتنصل الإنسان من همومه ويهرب منها ويترك عبئ حملها لغيره وكأنها لا تعنيه، وهذا ما قصدته سابقا بالتخلي عن الجراح، وللحق فهذه الطريقة أسهل بكثير، لأن عبئ حمل جرح مدى الحياة لهو أمر صعب وقاسي، ووحيد في كثير من الأحيان.. ولكن هنا تظهر معادن البشر، وقوة إيمانهم بأفكارهم وعقيدتهم.

بالنسبة لي فقد حملت جرحا منذ ولدت، رُبيت على حمله، وعرفت عبئ السير في طريقه منذ نعومة أظافري، وكنت على أتم الاستعداد لكل التبعات القادمة معه، أو ظننتني كذلك.. مرت السنوات وكبرت، ووصلت إلى المرحلة التي يفرد فيها الإنسان كل أفكاره على طاولة المسائلة، ويستجوب قناعاته في غرفة تحقيق، ربما كنت قد تعبت قليلا، أو كنت أمرّ في مرحلة من مراحل النضج الفكري، المهم أن الأمر حصل، وبكل جدية ووضوح وألم، سألت نفسي لماذا أحمل ذلك الجرح؟ لماذا أعاني بسببه؟ لماذا علي اختيار السير في دربخ الصعب، والذي كان وحيدا جدا وقتها، تسائلت كثيرا، وبحثت كثيرا كثيرا، واستعرضت الأمر من كل الأبواب التي أمكنني التفكير فيها، من باب العقيدة أو الفكرة أو الإنسانية أو المادة أو الوطنية أو الثقافة.. الخ ووصلت في النهاية لهذه النتيجة:

أنا لم أختر حمل ذلك الجرح، وليس لي أن أتخلى عنه، كما أنه أصبح جزءا أصيلا من تكويني الشخصي، جزء لا يمكنني إزالته حتى بعملية بتر، والأهم؛ جزء سيكون إنكاره بمثابة إنكارٍ للشمس في وضح النهار..

لم يعد جرحي جرحا، ولم يعد حمله عبئا، فعندما أدركت حجمه ومكانته ووضعته في نصابه الصحيح بين بقية مكونات نفسي، رأيت العالم بعدها بصورة مختلفة كليا، صورة أخوض فيها حياتي برفقته، أعتز به، وأسعى لتضميده ما استطعت، وأخاف.. أخاف جدا جدا من أن أخذله يوما أو أضيعه..

كاتب مشوشWhere stories live. Discover now