#الحلقة الثلاثة والثلاثون

Start from the beginning
                                    

_ وفي حي المعصرة الشعبي... حيث تقطن دنيا تلك الفتاة المشاكسة التي أختطفت قلبه منذ الوهلة الأولي... كانت تقف في الشرفة توزع الثياب علي الأحبال وتثبتها بالمشبك الخشبي، فأنتبهت إلي سيارة الشرطة التي جاءت للتو وخرج منها مجموعة من العساكر وضابط.. دلف جميعهم إلي داخل البناء المقابل ليخرجو بعد أن قبضو علي هذا الشاب الذي كان يتعرض لها دوماً ويتوعد لها، ألقو القبض عليه بتهمة حيازة المخدرات وتجارتها.
ولجت إلي الردهة لتخبر جدتها فأوقفها رنين جرس المنزل... أتاها صوت جدتها من الغرفة:
_ مين الي بيخبط يا دنيا؟ .
أجابت وهي متجهة نحو الباب:
_ لسه هاشوف يا تيتا.
فتحت الباب... وقعت عينيها علي وجهه المليئ بالكدمات والجروح ويمسك في يده باقة زهور واليد الأخري علبة شيكولاتة.
_ أنت مين يا عم المتشلفط؟ .
قالتها دنيا ليجيب الآخر بضحك من هيئتها المبعثرة... فهي ترتدي جلباب مزركش مثل التي ترتديه جدتها المُسنة وترفع طرفه في ثنية بنطالها من الخصر ويغطي شعرها حجاب غير مهندم تخرج منه خصلاتها المشعثة وفي طرفه مشبك يتدلي.
_ لحقتي تنسيني! ... أنا كنان.
ظلت صامتة لثوان وهي تتذكره، فأنتابتها تلك الرجفة... وما كان منها سوي قالت:
_ دقيقة بس وجيالك.. أتفضل.
وقبل أن تذهب عادت قبل أن يدخل وقالت:
_ معلش يا كنان بيه أقلع الجذمة برة الله يخليك... زي ما أنت شايف بعينيك لسه ماسحة الشقة وفرشه السجاجيد الي قطمو ضهري في غسيلهم.
خلع حذائه ويكتم ضحكاته بصعوبة من كلماتها وأسلوبها الفكاهي الذي جذبه إليها أكثر.... وعندما دخل ركضت إلي غرفتها، نظرت لهيئتها في المرآه... شهقت وشعرت بالإحراج الشديد:
_ يا حوستي السوده ده شافني وأنا في أقذر حالاتي... حبكت يعني أقلب الشقة النهاردة... يلا أحسن أهو جه علي نضافه أحسن ما كان شافها وهي شبه مقلب الزبالة.
صاحت جدتها بصوتها ذو البحة من الغرفة الأخري:
_ مين يابت يا دنيا الي كان بيخبط؟.
أجابت عليها وهي تبدل ثيابها المتسخة بأخري نظيفة:
_ ده كنان بيه الي حكتلك عليه يا تيتا.
سمعها كنان وضحك بصوت لم يصل إليها... وبعد ثوان خرجت له الجدة تستند علي عكاز معدني... نهض مسرعاً ليساعدها حتي جلست علي الأريكة وهي تدعي له:
_ إن شاء الله يخليك ويكرمك ويباركلك يابني.
أجاب مبتسماً:
_ تسلمي يا أمي... ربنا يديكي الصحة.
نظرت له وأخذت تتأمل في ملامحه فقالت:
_ لا حول ولاقوة إلا بالله مين الي عمل فيك كده؟.
أجاب بإحراج:
_ دي كانت حادثة بسيطة كده والحمدلله ربنا ستر وبقيت كويس.
نظرت نحو غرفة حفيدتها التي ترمقها بتحذير من الداخل، حيث تعلم ما سوف تتفوه به من سخرية و تنمر
_ معلش يابني هي بنت إبني بومة أم.....
قاطعتها دنيا وهي تشير إليها بتوعد:
_ ماتهدي يا تيتا شويه... الراجل شكله تعبان ومش في حمل رغي و صداع.
أستطردت الجدة بلا مبالاه:
_ سيبك منها وخليك معايا.. أمها ماتت وهي بتولدها وأبوها مستحملش راح مات وراها... أنا الي ربتها لحد ما كبرت وخدت الدبلوم من هنا والثورة قامت في البلد... وكل ما تشتغل متعمرش في شغلانه ويطردوها... حتي العرسان كل ما يتقدملها واحد ينزل من عندنا يا يحصله حادثه ويموت أو يتشل أو يعيش بعاهة مستديمة.
قهقه كنان من حديث الجدة الساخر، حك فروة رأسه وقال بصوت غير مسموع:
_ ماشاء الله وأنا أول ما شوفتها كنت هاخبط فيها بالعربية وبعدها كنت هاتسلخ في سينا.. وراجع وأنا وشي زي الخريطة.
_ بتقول حاجة يابني؟.
قالتها الجدة وهي تضع يدها علي أذنها اليمني لتتأكد من وجود سماعة الأذن التي تساعدها علي السمع.
كاد يجيب، لكنه صمت محدقاً بهذه الحورية التي خرجت للتو وهي تقول:
_ ماشي يا تيتا عماله بتشرد لي أدام الراجل... أوعي تصدقها يا كنان بيه كل ده علشان ما أخدتهاش الترب معايا إمبارح وأنا بزور بابا وماما وجدي الله يرحمهم.
نظرت إلي جدتها بتوعد:
_ صح ولا لاء يا حليمة؟.
_ آه... ولا مقومتيش تعمليلي أم علي دلوقت هافضحك أدام البيه وأقوله علي الواد حمو الي غزتيه بالمطو......
أسرعت دنيا بوضع كفها علي فم جدتها، ضحكت وقالت من بين أسنانها بمزاح:
_ ما تاخدش في بالك تيتا بتحب تهزر كتير... صح ياتيتا؟.
لكزتها بخفة في زراعها، لتجيب الجدة بعد إزاحة يدها من علي فمها:
_ ولو مش عايزاني أتكلم روحي أعملي الي قولتلك عليه.
زفرت بحنق وقالت:
_ حاضر أمري لله.
أوقفها كنان قبل أن تنهض قائلاً:
_ أستني يا آنسه دنيا... أنا جاي عايزك وعايز جدتك في كلمتين.
قالت الجدة بإصرار:
_ لما تعملي أم علي الأول.
أجاب كنان برجاء:
_ أنا هاخدك لأجمد محل حلويات بيعمل أم علي و علي نفسه وباقي العيلة كلها.
إبتسمت الجدة بسعادة وقالت:
_ إن كان كدهون أتكلم براحتك... خير؟.
إعتدل في جلسته، و تحمحم مبتسماً ناظراً إلي دنيا ، فقال:
_ أنا جاي أطلب إيد الآنسه دنيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عهد الذئاب (الجزء التاني لصراع الذئاب)  «مكتملة» Where stories live. Discover now