رائحةُ خَشب الصَندل .

209 28 48
                                    


ذاك النَهار كان فُستَانُ أُختي الأبيض وشعرُها الفَحمي الطُويل في مهبِ الريح

كانَ حفيفُ الأشجارِ قويًّا عندما عُدنا من المدرسة ذاك النهار وقفنَا فوق التل حين نزلَ بيكهيُون مهرولاً الى جانبِ النَهرِ

تَمدّدَ على العُشب الطَري بقدميِنِ حَافيتين كانت اطرافهُ مُحمرة كان مُشرقاً كأنه وِلِدَ  للتو

لحقتهُ جيهُو كان شَعرها المرفرفُ خلفَ ظهرها جعلني أتخيل كأنَّ الليلَ يرتجف ويرحلُ مبتعداً الى الأبد
عندما مَالت بوجها لتناديني كانت صوتهَا يرنُ كأجراس كنيسة بشفتيهَا الورديتين ووجهَا الشَاحب الابيض كانت عينها الواسعتين السَعيدتين تتسعَان لكل هذا العَالم

عندما تمدّدتُ على العُشبِ جنبَ أخي الأصغر كان مَنظرهما بَهياً كنتُ سأبكي لأن جمالهُمَا كان مُؤلماً يبعثُ الحَسرةَ في نفسي لمَجرد شعوري بأنهُ مؤقت

شعرتُ بأني أُريد المُوت في ذلكَ الوقت لأني رأيتُ كل الجمَال الذي مَن المُمكن للأنسان منَا انْ يراهُ

اقتربتُ منهما كانَ كُل شيءٍ ساكناً عدا الرياح،
على الجانب الاخر من النَهر كانت الشمسُ تغوصُ غارقةً بأشِعتها الخفيفة .

كانت لحظةُ غُروبٍ ناعمةٍ كانت سلِسة كغزالٍ يهربُ بعيداً، الرياحُ كانت تنسلُ بهوادةٍ وخفةٍ .

رفعتُ راسي نحوَ الاعلى وامتلأت رئتي تماماً
تمدّدتُ بينهما للحظةٍ شعرتُ بأننا نكادُ نكونُ كائناً واحداً

كانت جيهو شَاخصةً تنظر للسمَاء كانها تراها لأوّلِ مرّة كانت نظرتُها غريبة، أراها لأوّلِ مرّة، كانت عيناها طموحتانِ أتجاه شيءٍ غامض شعرتُ بأنها غَرِقت في فكرةٍ ما

حينَ مِلتُ بوجهي عنها رأيت بيكهيون كانت تفوحُ منهُ رائحةُ خشبِ الصَندل الدافئة كانَ وجههُ مُسالماً وآخاذاً يمكنكَ أن تحب حياتكَ كلها اذا نتظرت اليهِ

سمعتُ هسهسةَ جيهو كانها تهمس لنفسها
" لو أكونُ طيراً ."

بينما أنظر لبيكيهون أمسكتُ يدها كانت ناعمة وشعرت بأني اذا لم أمسكها بقوة ستنزلق

لم أرد التفكير بأن هذهِ السعادة ستختفي وانَّ القمر الشَبق سيحلُ مَحلَ الشمسِ وأنَّ صوتَ المطرِ سينوبُ عن صُوتِ الرياحِ وأننا سنعود الى منزلنَا المحطم وغرفنَا الخاوية

في لحظةِ التَمسك تلكَ كنتُ أتخيلُ لحظةَ الأفلات و لحظة التهَاوي لذا كنتُ دائماً أصف نفسي بأني أملكَ عقلاً مسموماً يمكنُ في أي لحظة أن تنسكبَ منه أفكارٌ تفسد كُل الجمال المُتاحِ والممكن  .

هنَاك حيث يخنقَنا صوتُ أبي وعيون أمي الذابل في محجريها تضعنا في خزانِ أحباطٍ وبؤس

لكنني فكرت بأن هذه الحياة بأكملها ستمضي لما قد أكون محبطاً لجل لحظةٍ واحدةٍ من لحظاتهَا
مع هذا كنت محبطاً

كنتُ قد نسيت هذهِ الذكريات من وقتٍ طويل لكنني تذكرتهَا تواً حين تركت تَاو في الخارج وادلفت للمنزل رأيت بيكهيون ممدداً على العشب كان تشانيول جالساً بجانبهِ يتمتم بكلمات لم أعرفها  غارد بعد لحظات فقط

أقتربت لبيكهيون وكنتُ مذعوراً مَن فكرة إن الذكرياتِ المَنسية قد تركض في اي لحظة لترتطم برأسي وكأنها حدثت تواً

وتمددت قربهُ كانت رائحة خَشب الصَندل مرةً اخرى تفوح منه كان القَمر شبقاً في الأفق غفوت ببطئ، غفوةً خفيفة شعرت بأصابع بيكيهون شَابكت أصابعي 

"نسيتُ صوتها ماذا لو إني سأنسى صوتكَ "
سمعتُ كلماتهِ كان صوته مختنقاً وحنجرتهُ متعبةٌ من البكاء

" المرءُ لا ينسَى ،ستنسى للحظة ثم ستأذكر في وقتٍ ما الى الأبد ." أخبرتهُ كان صوتي كانهُ همس حتى أنا سمعتهُ بصعوبة

في أفكاري في جسدي في روحي كنت أعلم ان العواصف ستنتهي نهايةً هادئة وأن دفئ يدهِ سيبقى عالقاً في يدي كما بقيِ دفئ يد جيهو تماماً

كان صوتهُ رقيقاً وأخضر عندما فتح عينيهِ وانهمرت دموعه كما يخفي الليلُ نوراً تحت ظلمتهِ كنت اخفي أكثر من لتراً من الدموع

أنبثقَ من اعماقي شعورٌ مُفجعٌ بالحزنِ
دفنتُ راسي في العُشب ، وتمازجت شَهقاتنا بكينَا معاً كالأطفالٍ ، في لحظة جزعٍ و أدراكٍ مدوية، أدركنا أنهُ ليسَ ثمةَ شيءٌ يُنسى ، وأن الذكرياتَ بقدر حلاوتهَا سَتكون مُستقبلاً مكسوةً بحزنٍ  سَميك وأننا لن نكون معاً كما كنا مرةً اخرى  .

-

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Oct 14, 2020 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

أن يكَون شَجرة.Where stories live. Discover now