تُزهر في فَمي.

261 43 51
                                    

لَقد حَاكَ الالمُ خيوطهُ حَول جَسدي
وتَشرنق قَلبي رأيتُ رمادَ روحَي يتناثرُ في الأنحاء
حَاولتُ جداً قتَل كآبتي وتَجاوز نَكستي وعَدم الحديث عن ما يستعرُ في جوفي حَاولت بأخلاصٍ شديد لكن كانَ الأمر يَنتهي دائماً بنوبةِ بكاءٍ غير مُحتملة.

أردتُ أن أذهبَ الى مرحلةٍ عاليةٍ منَ الكتمَان والكَبت بصفَتي رَجلاً أردتُ ألتزام الصَمت وأحذر أثناء التعبير عَن نفسي وحَرمتُ نفسيَ من الكلماتِ الوديعةِ والرقيقة
فقط بسبب الخجلِ من آراء الآخرين حولَ ما أقولهُ

حَاولتُ أن ألوكَ الكلماتِ في فَمي وأمضغها مانعاً أياها من الخُروج لكنها كانَ تَخرجُ، تندفعُ بل تَفيض
تَتدفقُ من أعماقي كسيلٍ عارم
مسببةً لي حالةً عظيمةً من النشوة وحُب الذات

أميَ كانت دائماً تقول أن الكلماتِ شيءٌ مهدرٌ نافذُ القيمةَ وأن علي التَوقفَ عن كوني ذو ألفاظٍ شاعرية!

لكن بالنسبةِ لي لستُ أملك شيئاً أقوى من الكلمات
آنها تَتبرعمُ وتزهرُ في فَمي

كانت تَحاولُ أخراسي دائماً تقول أن كلماتِ غريبة
صَه أسُكت كنتُ آسمعها دوماً

لذا في سِن الثالثةَ عشر قَلت كلماتِي وأصبحتُ أميل للكَبت وتَكتم خشيةَ قولِ شيءٍ لا قيمةَ لهُ

بعد هذا شعرتُ بأني أفقدُ بَجهتي ورونقَ روحي
في تلكَ الفترةِ تعرفتُ على كُتب الشعر

وَهبني هذا قدرةً متجددةً على التَعبير وصرتُ أنجرف منتشياً آثناء خوضِ حوارٍ ما لذا أقول إني مدينٌ لشعر بحياتي

كانَ تشانيول زميلي في الثانويةِ قال لي
"تَاو أنتَ محمومٌ بالكلماتِ "

كانَ تعبيرهُ رائعاً وجزلاً
هذا كانَ كافياً لأتخذهُ صديقاً لي
كنا معاً دوماً كان يملكُ جانباً تافهاً في شخصيتهِ لكنَ تلكَ النوعيةُ من التفاهةِ السعيدةِ والمُبهجة التي أحببتُها
أضافةً لقدرةِ الهائلةِ في التعبيرِ عن النَفس

في الجَامعة تعرفتُ زميلاً يُناقضني وينَقضُ تشانيول كان شاحباً فاقداً للوهجِ الوجود البَشري مرصوصاً في مكانة هامداً يشبهُ الى حدٍ بعيد الحجر، بل أنهُ يميلُ لكونهِ حجراً أكثر من ميلهِ ليكونَ أنساناً

مع الوَقت صرنا رفاقاً بشكلٍ تَقليدي
أنا وتشانيول كنَا نَميلُ للثرثرةِ والصَخب ونقاشاتِ والمجاشرة
أما هو كان دائماً راكداً كنهرٍ متجمد
في بعض الوقتِ كنا ننسى أنهُ معنا
غالباً كان يود قَول شيءٍ وينتهي بهِ الأمر دون قول شيء

في ذاتِ مرة كنا جالسيِنَ تحتَ شجرةٍ ما في الجامعة أخبرتهُ

-أن كتمتَ دواخلكَ أكثر من هذا سيصبحُ قلبكَ فحمة
أنكَ قليلُ الكلام بشكلٍ سيجعلكَ معتلاً

هو قال عندهآ
-ليِس لدي شيءٌ لأقولهُ!

-لماذا؟!هل أنتَ حَجر
نظرناَ لمصدر الصوتِ المنعش كانَ تشانيول منبطحاً على العُشب

تأملتُ وجهَ كريس وقتها لم يكَن غاضباً ولا مُنزعجاً من كَونهِ وصفَ بالحجر بل أنهُ أبتسم أبتسامةً فارغة

أنا وتشانيول في تلكَ اللحظةِ أدركنا أن هناكَ شيءً صلباً متيبساً فوقَ كاهلةِ روحهِ

كانَ أقرب لأن يكونَ ميتاً ومتحجراً تَمنيتُ في أعماقي أن ينفجَر من هذا التَحجر شلالٌ ما !

نَظرت لتشانيول وكانَ قد غفى ونَام صار كريس مغيباً
تأملتُ السماء فوقنا صرتُ أرددُ كلمات فروغ

قَلبي يريدُ أن يصبحَ بحجمِ طير ثَم يحلق ليكونَ بقربك.



أن يكَون شَجرة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن