تَداخل.

374 59 75
                                    


صوتُ أغنيةِ أوراقِ الميتة لأيف مونتاند كان تنبيهاً لي بأني وصلت منزلي،فجارتـي وندي لا تتوقف عن تشغيلها
أحياناً أسئل نفسي ما نوع الأصوت التي تريد أسكاتها داخل رأسها لترفع الموسيقى الى هذا الحد، على الدوام ؟!

ترجلتُ من السيارة لسعني نسيمٌ باردٌ ومعتم
خطوت خطوة نحو منزلي لأشعر بتشانيول بجانبـي

-:قلتَ أن شقيقكَ أنتقل ليسكن معك دعنى نتعرف عليهِ!

نزل صوتُ تشانيول كفاجعة على مسامعي
لطالما كان عالمي حيث الأسرة معزولاً تماماً عن عالمي حيث الاصدقاء

بالنسبةِ لي تداخل هذين العالمين فجيعةٌ لا أحتمل حلولها
حتى مع كون شخصيتي ذاتها في العالمين

لكن تداخلهما سيجعلنـي مشوشاً قلقاً سيجعلُ وجودي مهدداً ومتداعياً
فدمجُ الاشياء يفسدُ ما هي عليه

-:لم أسمعك تتحدث عن عائلتك من قبل يا كريس لدي فضولٌ أتجاههم !.

نظرتُ خلفي لأرى صاحب الصوت واقفاً يتكأ على جانب السيارة وأنظارهُ على منزلِ السيدة وندي حيث لم تتوقف بعد أغنية الاورق الميتة.

نفث دخان سيجارتهِ بينما نظر أتجاهي وأردف
-:لا يبدو بأن الأمر أعجبك !.

-:ليسَ كذلك لكن بيكهيون سيكونُ نائماً الآن!

قلت بينما حولتُ نظري من تاو لتشانيول الذي لم يزحزح عينيهِ عن باب منزلي كأنهُ يرى ما بداخلهِ

يرانـي أجوب المنزل مترهلاً من القلق أو خفيفاً فارغاً كشبحٍ لرجلٍ ميت.

يرى بيكهيون ناصعاً أبيض هزيلاً شارداً في أفكارهِ شديدة الصلابة

يبدو أن الزَمن لديهِ ما يفعله لذا يركض سريعاً

فما أسرع ما رأيت سيارة تشانيول تبتعد
معها قلقي من تداخل العوالم وصوت موسيقى السيدة وندي
والعالم الخارجيُ بأكمله أضحى يبتعد ويخفضُ صوته
وأنا أعود الى داخلـي.

عدتُ معزولاً مغيباً لا أسمع غير صوتِ أفكاري الداخلية
لا أرى غير أحشائي وهي تتورم

في داخلي صخبٌ عظيم وصوتُ شيءٍ ما يتكسر منذ طفولتي
أسمعُ هذا الصوت
كان أعلى من صوتِ أبي أعلى من صوت الكنائس والعالم الخارجي
أبقاني هذا الصوت معزولاً
صوتُ شيء يتكسر يصدرُ من جوفي
مالذي تراهُ يتكسر!؟

فتحتُ باب المنزل وأدلفتُ لداخل
كان لايزال جو منزلي ذاته
جوٌ بارد شاحبٌ وهادئ
يشبهُ الموت
بشبهُ غياب الحياة.

شككتُ للحظة بكون بيكهيون هنا
لم يكن ثمة شيءٌ يدل على وجودهِ
لم يكنُ هناك ذاك التدفقُ الهائل للحياة
ذاك الأشراق والوهج المضيء الذي لطالما كرهتهُ.

فكرتُ بأنهُ قد يكونُ نائماً حقاً
هذا سيخفف ثقل الأمور وحده منحاها
سيخفف ثقل اللقاءِ الأول بعد تسعة أشهر
ثقل اللقاء بالتجسيد الجسماني للأيام التي لم أرد عيشها.

أن يكَون شَجرة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن