اِنطواء

1.9K 124 6
                                    

سارت عبر ممرٍ طويلٍ به منعرجات تختفي خلفها أبواب أحياناً وسلالم أحياناً أخرى، أرادت أن تلتف وتعود أدرجها وكان الرجوع قراراً حاسماً لولا ظهور قامة تونيا آخر الممر بعد أن أدركت أنها هي ترتدي ميدعة الطبيب البيضاء، أول مرة تشاهدها هيلدا بهذه الهيئة فقد بدا وجهها وإن كانت بعيدة مسالماً.

 كانت تتحدث مع مجموعة من الأشخاص يظهر على ملامحهم القلق الذي لم يدم طويلاً واختفى بعد ثوانٍ، أدركت هيلدا أن تونيا أخبرتهم بشيء مطمئن ربما، على كل حال كيف لوجه مسالم نَاجِي أن يقول أخبار سيئة.

لا تعلم ما الذى أتى بها إلى هنا، فكرت بعد أن حصلت على عملها الجديد واستقرت جزئياً في كينت أن تتجه لزيارة تونيا بعد مرور شهرين من الزيارة الأخيرة لها في منزلها.

غار شعور محرق إلى صدرها وغاب  تنفسها بسعادة مسترجعةً بذلك آخر ما حدث  في غرفتها البسيطة التي تطل على سهلٍ باردٍ، كيف تقلصت خلفها أرضاً تطلب الدفئ بينما الأن تقف بكامل ركوزها ورشاقتها، تربط يداها ثم تنزلهم ببطئ في جيوب ميدعتها البيضاء، يدها التي كانت في يد هيلدا قبل أيام تدخل في الجيب مختبئة، أيام كثيرة أم قليلة مرّت لم تعلم! لم تكن تحسب الوقت،وقفت تجسّر تنفسها الدافئ أسفل شعرها فينضج جلدها بالشعور كما لو أن اللحظة حدثت قبل يوم.

أيقظها جرس الطوارئ الذي ضرب أرجاء المستشفى فجأةً مما جعلها تصحو وتعلم أن قراراها بالمغادرة كان قد تأخر، حَوّلَ الجميع نظرهم إليها فجأةً أو هكذا ظنت حين علمت بعد ثوانٍ أنها تقف في واجهة المدخل ومن خلفها دخلت الحالة الطارئة، لم تنتبه إلّا لتونيا تقف أمامها بغير مواجهة، نظرت إلى هيلدا باستغراب سريع وتجاوزها مهرولةً نحو حالة المريض خلفها، طفلٌ مصاب بحروق شديدة، عاينته واتجهت لسكرتير القسم الذي بدا على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي شيء، طلبت  منه أن يستدعي الطبيب جوهانسون إلى غرفة الطوارئ، عمّت الفوضى لدقائق قبل أن يتم السيطرة عليها.

سارت هيلدا في الحديقة الخارجية مغادرةً المستشفى، لكن أوقفها صوتاً مبحوحاً عند نهاية امتداده

_هيلدا

مالت للحظة للخلف نحو الصوت، خففت تونيا سرعة خطواتها بعد أن توقفت هيلدا لتصل إليها وتقول وهي تلهث ببطئ لم يكن ليظهر إن لم تتحدث

_أعتذر لم اتمكن من قول شيء قبل دقائق

لم تكن هيلدا مستعدة لقول شيء بعد، نظرت إلى تونيا وغاب جسدها في قشعريرة امتزجت مع اصطدامه بنسمات الهواء الباردة، استراحت تونيا على كرسيٍ قريب منها في الحديقة تستجمع أنفاسها، وجدتها هيلدا رائعة وأرادت أن تهبط عليها، تَلُقها وتنكزها بطرف أصبعها، كانت مثل غيمة ربيعية في جوٍ عاصف خصوصاً بعد أن رأتها عن قرب بميدعة الطبيب البيضاء، بقيت تقف تاركةً مسافة جيدة بينهما إلى أن تحدثت تونيا بصوت أفضل ثابت غير مهتز

غابَ نهارٌ آخرWhere stories live. Discover now