يشفُّ عن أَلقٍ أساكْ

2K 116 9
                                    

هرع بيرنارد مذعوراً تاركاً التشيلو بإهمال عنيف يسقط أرضاً بعد محاولة فاشلة من جيري لإسناده، مخترقاً حلقة ثلاثية الأشخاص أمامه ومفسحاً المجال وهو لا يكاد يصدق قبل دقائق ما نبهه إليه جيري الذي لاحظ تخبط هيلدا بين الحضور فهو لم يستطع أن ينأى بنظره عنها طوال وجودها في المكان الذي بإمكان بصره مسحه، لم يكن يحتاج الأمر إلا لثوانٍ قليلة حتى وصل بيرنارد إليها، بينما ظن الأشخاص القريبون أنها كانت تترنح من الخمر كما يحدث عادةً في معظم الأمسيات كان يدعو هو أن يكون هذا صحيحاً، لكنه لن يستطيع اخفاء ذعره لأنه يعلم ما تعاني منه هيلدا منذ صغرها، "لكن دَعهُ يا إلهي يكون الخمر" تحدث مع نفسه غير واثقاً، جثا ملتقطاً رأسها قبل أن تهبط ركبتاه أرضاً، حمل رأسها بين كفيه شاداً جسدها أقرب لمكانه، متعرقاً أخذ يلامس وجهها ووجد جلدها متعرق أيضاً فلم يعد يدري هل هي تتعرق ام أن عرق قلقه جعله يشعر هكذا، اخذ ينادي بصوت متفخم باسمها، بدا صوته اشبه بهتاف بينما نقل كفيه فوق خديها باهتزازات مضطردة محاولاً حثها على استعادة الوعي، سرقه الزمن وعاد ليخترق ذاكرته نفس مشهد خالته بايلي وهي تقوم بالأمر نفسه قبل سنوات ولم يستطع فعل شيء بل تسمر في مكانه غير متيقظ لصوتها وهي تطلب منه اعطائه حقنة الأنسولين، فتش في جيوب معطفها عله يجد شيئاً يفيده لكن لم يجد، لم يتابع إلا اشخاص قلة ما يحدث، وَجّه نظره لواحدٍ منهم واستحث عقله على التفكير ثم قال بصوت مبحوح صادح "هل هناك قطعة سكر قريبة"، تراجع الرجل فور شعوره بالمسؤولية وهو الذي كان يستمتع قبل قليل بالنظر نحو النساء، ما شأنه الآن في كل هذا، عاد بيرنارد ليجد نفسه وحيداً حتى كاد أن يبكي وتشدق فكه كلما حاول التكلم وشعر أن صرخة مباغتة على وشك الخروج، إلا أن انحناء جسد أحدهم جانبه ومكوثه أرضاً أسندها وجعله يبتلعها.

"ما الحالة؟"

كانت تونيا قد طرّفت عيناها وهي تعتلي الدرج الخشبي المنعطف يميناً بينما والدها يلقي خطابه، اختلطت عليها وجوه الكثيرين دون تركيز لكنها رأت تلك المرأة النحيلة تخطو بشكل منفرد في مساحة فارغة عائدةً بخطاها من حديقتها، وبعد دقائق اختلط وجهها ضمن الحضور، لكنها ظنت لوهلة انها رصدت لمحات منها بعد دقائق دون فقدان الأثر، لم تكن تلتفت لذلك لكنها كانت تتأكد من انفرادية اللحظة منذ قليل، فهي تمرست على التعامل مع المدعوين طوال حياتها مذ كانت طفلة، بمجرد لقائِها بالرجال والنساء كانت على استعداد لمخالطتهم واسترسال الحديث تارة وقطعه تارةً أخرى، قامت بتنحيتهم في عقلها كي تقدر على التصرف بالمستوى الاجتماعي والحضاري اللائق بعائلة فوربس، لكن شيئاً ما جعلها تدرك أنها ليست بحاجة لتنحية فنانة رسم المحكمة، كما لو أنها كانت جزء من شيء خارجي ليس له علاقة بهذا كله، فأخذت ومضات تسطع امامها رغماً عنها لمرورها بشكل متقطع حينما كانت تتنقل بشكل بطيء بين الضيوف مرحبةً بهم.

غابَ نهارٌ آخرWhere stories live. Discover now