السادس والعشرون

14.1K 352 10
                                    


_يسرا!!!
همس بها فهد بضيق وهو يراها واقفة أمام سيارتها على بعد خطوات منه...
تراها كانت تتبعه طوال تلك المسافة الطويلة؟!!
والإجابة جاءته منها وهي تتقدم نحوه لتهتف بذهول مشتعل بالغضب:
_طوال الطريق وأنا أكذب عيني!!لا أكاد أصدق أنك تركتني لتقيم هنا مع صديقك!!
كانت قد ذهبت إلى شركة جاسم الصاوي لتسأله عن فهد بعدما لاحظت تهرب جاسم من الرد على اتصالاتها الهاتفية...
لكنها فوجئت بفهد نفسه يخرج من الشركة ليستقل سيارته...
فتبعته إلى هنا وهي تتساءل طوال الطريق الطويل الذي استغرق بضع ساعات عما يمكن أن يكون وراء اختفائه الغريب هذا...
لكنها ما كادت تتبين المدينة حتى قفز اسم زوجها السابق لذهنها...
حسام القاضي!!!
معقول؟!!
هل اختفى فهد عنده طوال هذه الأيام؟!!
لماذا؟!!
وكيف؟!!
وإلى متى كان ينتوي الاستمرار في هذا العبث؟!!!
ألم يتذكرها ولو حتى بمجرد مكالمة هاتفية؟!!
أم أن الأمر كله مخطط؟!!
وعند خاطرها الأخير التهبت جميع خلاياها برغبة في الانتقام تنافس رغبتها في الصراخ بكل قوة!!!!
بينما انعقد حاجباه هو بغضب وهو يحاول كظم غيظه ما استطاع!!!
كيف نسي أن يطلقها بعد كل ما حدث؟!!
لكن الحقيقة أنه نسيها هي -نفسها- تماماً !!!
صدمته بموت جنة ثم ظهور ماسة جعلت رأسه يدور في دوامات لا متناهية من حزنه وحيرته...
لكن لا بأس...
هذا خطأ يسهل إصلاحه...
ب"كلمة"!!!
لكنها قطعت أفكاره وهي تلوح بذراعيها مردفةً بهياج هستيري:
_هل هذه خطتك مع حسام الحقير؟!!هل هي مؤامرتكما لتدميري؟!!تظنان أنكما ستنالان مني؟!!
تلفت حوله بضيق وهو يرى كيف اجتذب صياحها المارة والجيران...
فجذبها من مرفقها نحو المدخل ليغلق الباب خلفه مع مقاومتها العنيفة له وسط صراخها:
_كلاب!!كلكم كلاب!!!لكنني لن أسكت!!سأخفيكم خلف الشمس!!!لست أنا من تلعبون بها هذه اللعبة الدنيئة!!!سأدمركم ...سأدمركم كلكم!!!
كان حديثهامتزامناً مع ضربات عشوائية بكفيها له على كتفه ...
بينما زاد صراخها الهستيري من غضبه وإرهاقه فأمسك ذراعيها بعنف ليلصقها بالجدار خلفها مقيداً حركتها وهو يهتف بانفعال:
_اهدئي يا مجنونة!!!كلها خيالات مريضة برأسك!!!
لكنها كانت تهز رأسها بانفعال مبالغ فيه وكأنها ممسوسة...
جسدها كله كان ينتفض بانفعالها المحموم وتأثير "قرصها السحري" كان قد تلاشى...
وبالطبع كانت خلاياها كلها تئن بحاجتها إليه لكن الحقيبة كانت في سيارتها ...
لهذا دفعته بعنف لتفتح الباب وتندفع نحو سيارتها ...
وقف مكانه متردداً للحظة في أن يتبعها لكنه حسم تردده سريعاً وقد غلبه قلقه على تلك "المجنونة" التي قد تؤذي نفسها بأي حركة تهور...
فلحق بها بدوره ليستقل سيارتها جوارها عندما لاحظ ارتعاش أناملها الشديد وهي تتناول من حقيبتها شريط أقراص أدرك ب-سابق خبرته-ماهيته ومفعوله!!!
فاختطفه من يدها ليهتف بحنق:
_مخدرات؟!!هل وصلتِ لهذه الدرجة؟!!
لكنها صرخت به بجنون وهي تحاول انتزاع الشريط منه:
_لا شأن لك بي!!!هاتِه حالاً وإلا قتلتك!!!
رفع شريط الأقراص بعيداً عن متناول يديها لكنها كانت تقاتله بعنف لتحصل عليه هاتفة :
_دعني وانزل من السيارة ...انزل!!
لكن قلقه كان يتزايد مع تصاعد وتيرة انفعالها الذي أكد ظنونه بخصوص هذه الأقراص ...
فهتف هو الآخر بانفعال:
_لن أتركك في هذه الحالة!!!
ولما يأست من مقاومته صرخت صرخة هستيرية أخيرة وهي تستدير بجسدها لتشغل السيارة ...
قبل أن تهتف بجنون:
_حسناً!!!لا تريد أن تتركني؟!!!فلتذهب معي إذن إلى الجحيم!!!
قالتها وهي تنطلق بالسيارة بأقصى سرعتها فمد يده يحاول السيطرة على المقود وقد أنبأه حدسه بما تنتويه لكنها تشبثت به بدورها وقد فقدت سلطتها تماماً على عقلها المشوش...
فاستمر الصراع بينهما على القيادة لبضع دقائق فقد فيها اتزانه بفعل توتره....
قبل أن ينتهي بهما الأمر باصطدام السيارة بإحدى السيارات الأخرى بقوة مقلقة جعلت رأسها يصطدم بالمقود قبل أن تفقد وعيها بعدها تماماً....
=================
_أنت زوجها؟!
قالها الطبيب لفهد في المشفى الذي انتقلا إليه بعد الحادث فأومأ فهد برأسه إيجاباً وهو يتطلع بقلق لجسدها المسجى على الفراش وقد أحاطت رأسها المستلقى على الوسادة ضمادة كبيرة...
فخفق قلبه لها بعطف وقد أثار المشهد ذكرى أخرى له مع- جنته -المفقودة...
لكنه ازدرد ريقه ببطء مبتلعاً غصته وهو يقول للطبيب بحذر:
_ماذا بها؟!
عدّل الطبيب نظارته بارتباك ثم قال بحرج:
_جرح رأسها بسيط...لكن التحاليل التي أجرتها أثبتت وجود مواد مخدرة بالدم...الأمر قد يخضع لتحقيق رسمي!
عقد فهد حاجبيه بضيق ثم قال بحزم محاولاً تدارك الموقف:
_أنا فهد جاسم الصاوي وهي يسرا رفعت الصباحي!!لا أحتاج لإخبارك بما يفترض عليك فعله!!!
قالها وهو يشعر بالضيق لأنه اضطر لاستغلال منصبي والديهما لكنه لم يجد حلاً أفضل لتدارك هذه الفضيحة ولو مؤقتاً....
فازداد ارتباك الطبيب وهو يغمغم بمداهنة:
_لا تقلق يا سيدي!أعدكِ بتسوية هذه المسألة!
لكن فهد اقترب منه أكثر ليقول بنبرة أكثر صرامة:
_الأمر سريٌ تماماً...لن يعرف عنه أي أحد!
أومأ الطبيب برأسه في طاعة فأردف فهد :
_ولا حتى والدها سيادة اللواء.
غمغم الطبيب بموافقة قاطعة ثم غادره مسرعاً...
فتنهد فهد بحرارة ثم عاد ليجلس جوارها على طرف الفراش متأملاً ملامحها الساكنة...
وقد بدت له الآن في أضعف حالاتها بعيدة تماماً عن تلك المتنمرة المستفزة التي طالما احتك بها...
ظل يرقب وجهها لوقت قصير وهو يشعر ببعض الذنب نحوها ...
خاصةً عندما بدأت تسترد بعض وعيها لتهذي بلا توقف:
_كلاب...خونة...كلهم نسخة منه...كلهم "رفعت الصباحي".
كانت تكررها بلا توقف ورأسها يهتز يمنةً ويسرى حتى بدت وكأنها تختنق بهمساتها...
فانعقد حاجباه بإدراك وهو يرى هذا الوجه منها لأول مرة...
هل تكره يسرا أباها؟!!
هل هي حانقة عليه كما هو حانق على أبيه؟!!
عجباً!!!
لقد كان يظنها دوماً راضية متفاخرة بنسبها !!!
لكنها قطعت أفكاره عندما عادت لهذيانها الذي صاحبته دموعها هذه المرة :
_أمي...أمي...أريد أمي...لماذا رحلت وتركتني؟!!أمي...
ففاض قلبه بالعطف وهو يربت على كتفها دون كلمات...
لقد تشقق القناع عن وجه "الشقراء المتعالية" أخيراً لتبدو تحته على حقيقتها...
مجرد طفلة ضالة!!
بل ربما "ماسة" مدفونة في "الوحل" تنتظر فقط أن يكتشفها أحدهم ليطهرها من دنسها فيسمح لبريقها بالتوهج تحت شمس سماء "نقية"...

ماسة وشيطان   Where stories live. Discover now