الرابع والعشرون

14.7K 335 13
                                    


_أخبري هيام أنني أريد الزواج من شقيقتها!!
اخترقت العبارة قلبها قبل أذنيها لكنها حاولت الحفاظ على ثبات ملامحها قدر ما استطاعت...
هي كانت تتوقع هذا على أي حال...بل إنها هي التي طلبته منه صباحاً...
وكما يقولون ..."وقوع البلاء أفضل من انتظاره"...
لهذا اكتفت بصمتها المستسلم بينما رمقتها عفاف بنظرة مشفقة قبل أن تقول لراغب ببعض التردد:
_أنت واثقٌ من قرارك هذا يا ابني؟!!
أشاح راغب بوجهه محاولاً ألا تلتقي نظراته برؤى التي أطرقت برأسها الآن...
فتنهدت والدته بحرارة قبل أن تغمغم بخفوت:
_لله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم التفتت نحو رؤى لتقول بإشفاق:
_أنتِ كنتِ تعلمين عن هذا؟!!
اغتصبت رؤى ابتسامة شاحبة وهي تشعر بتعلق نظراتهما معاً بها ...لتقول بتماسك زائف:
_بالطبع يا أمي!!أنا لا أمانع!!
أومأت المرأة برأسها في استسلام وهي تتمتم لهما بالدعاء...
قبل أن يغادرها كلاهما ليصعدا نحو شقتهما كالمعتاد ولم يكد يغلق بابها خلفه حتى التفتت نحوه لتبادره بقولها:
_مباركٌ مقدماً.
ابتلع غصة مرارته وهو يسير بضع خطوات مبتعداً عنها ثم قال دون أن ينظر إليها:
_أنتِ واثقةٌ أنكِ ستحتملين هذا الوضع؟!
سارت نحوه بخطوات متمهلة حتى وقفت قبالته لتقول بصلابتها المدّعاة:
_نعم سأفعل!
التفت نحوها أخيراً لتلتقي عيناهما لأول مرة منذ علمت هي عن الخبر...
فروعته تلك النظرة الذبيحة في عينيها رغم استطرادها الواثق في الكلام بعدها:
_هذا حقك...وأنا لن أخسر شيئاً على كل حال...أنت لم تكن لي يوماً زوجاً ...بل كنت وستبقى صديقي الذي أثق به...
ثم تهدج صوتها وهي تردف :
_والذي أتمنى أن يأتي يوم ويثق بي هو الآخر!
انفرجت شفتاه وكأنه سيهمّ بقول شئ ما مع امتداد أنامله وكأنه سيربت على كتفها لكنه تراجع ليعيدها مكانها جواره قبل أن يطرق برأسه دون رد...
لقد فعل الصواب...!!!
لا أحد يمكنه لومه على ما فعله...
هو أولاً وأخيراً حقه في أن يعيش حياته بصورة طبيعية...
أن تكون له زوجةٌ هو أول من يقتطف زهور أنوثتها...
زوجةٌ ترضي كبرياءه ورجولته...
زوجةٌ يأمن عليها داخل داره وخارجها لا أن يقضي يومه يصارع شكوكه بشأنها!!!
العقل والمنطق يقولان هذا!!!
حتى ولو خالفتهما تضرعات قلب يوقن أنه لن يتنفس إلا هواءها هي...
هي "رؤى" فحسب!!!
حسناً...لكن لماذا عزة بالذات؟!!
ربما لأنه يشعر بمسئوليته تجاهها بعد ظروفها الأخيرة والظلم الذي تعرضت له...
وربما لأنها فقط "متاحة" وهو يريد إتمام الأمر بسرعة...
بسرعة؟!!!
نعم...يريد أن يقطع على عقله طريق تردده في هذا الأمر...
ويريد أن يثبت لرؤى قبل أن يثبت لنفسه أنه جاد بهذا الشأن لعلها تعدل عن رغبتها بالبقاء على ذمته...
لعلها توافقه في صحة قراره بوجوب فراقهما...
فراقهما الذي سيذبحه قبلها لكنه للأسف لا يملك خياراً آخر...!!!
لهذا بادلها الصمت الطويل للحظات قبل أن يتنحنح ليقول بصوته الأجش:
_كما تريدين!!لن يتغير وضعكِ كثيراً...ستقيمين هنا في هذه الشقة وسأنهي تشطيب الشقة العلوية لتكون ...لها!!
انقبض قلبها بشعور حارق بالغيرة لم تعرفه من قبل عندما سمعت منه فقط عبارته الأخيرة...
لتدرك وقتها -بحق- أن الأمر لن يكون بالسهولة التي تظنها ...
لكنها لا تملك الآن رفاهية الاعتراض...
قلبها وعقلها وكيانها كله يقسمون لها أن مكانها الوحيد هنا...
هنا ...بجانبه...
بأي مسمى...وبأي صفة...
المهم أن تكون جواره!!!
فأغمضت عينيها بألم وصله صادقاً رغم ما تحاول التظاهر به من ثبات ....
ليتنهد بحرارة قبل أن يردف بنبرة أكثر رفقاً:
_أنا أخبرت أمي أنكِ تعانين مشكلةً ما تمنعكِ من الإنجاب...اضطررتُ لهذا لأمنحها مبرراً منطقياً ..لكن لا تقلقي.. هي أقسمت لي أنها لن تخبر أحداً...حتى هيام لن تعلم سوى أنني سأتزوج شقيقتها فقط لحمايتها من ذاك الوغد خطيبها السابق...أنا تعمدت هذا كي لا تؤذيكِ لو شعرت بضعف موقفك.
هزت رأسها للحظات قبل أن تشيح بوجهها لتهمس بخفوت:
_لا تقلق...لن يؤذيني شئٌ هنا بعد الآن!!
رمقها بنظرة أخيرة طويلة حملت لها بعضاً من صراع نفسه الآن ...
قبل أن يغادرها بتثاقل نحو غرفتهما لتكون كلماتها هذه آخر ما يدوي في أذنيه هذه الليلة:
_كن سعيداً يا راغب...لأجلك ولأجلي...صدقني من الآن ستكون سعادتك أنت هي سعادتي أنا...فلا تحرم كلينا منها!!
======================
_ما هذا الكلام الذي سمعته؟!!
هتف بها عبد الله وهو يجلس في غرفة "الصالون" الخاصة ببيت راغب الذي حافظ على صمته بينما كان هو يهدر بعنف:
_تتزوج امرأة أخرى على شقيقتي أنا؟!!لماذا؟!!
عقد راغب حاجبيه وقد أسقط في يديه فلم يعد يدري ماذا يقول...
لن يستطيع إقناع عبد الله الثائر الآن بما أقنع به أمه أو ما حاول أن يوصله لهيام...
لن يستطيع أن يدعي "عيباً" لرؤى ولا أن يتذرع ب"مروءة" حملته على زواج ثانٍ...!!!
لهذا اكتفى بصمته المطرق الذي استفز عبد الله ليصرخ فيه بعنف أقوى:
_لماذا لا تجيبني؟!!لماذا تريد الزواج بأخرى؟!!
_لأنني عاجزةٌ عن الإنجاب!!
قالتها رؤى بنبرات مرتعشة وهي تدخل الغرفة بملامحها التي عاد إليها ذعرها وإن حاولت صبغه بقوتها الهشة هذه المرة...
فالتفت كلاهما إليها ليهب عبد الله واقفاً مكانه وهو يهتف بذهول:
_ماذا؟!!ماذا تقولين؟!!
ضم راغب قبضتيه جواره وهو يرمقها بنظراتٍ مشفقة رغم صدمته بتصرفها...
لكنها أخذت نفساً عميقاً لتكمل كذبتها بصلابة:
_نعم يا عبد الله...هذه هي الحقيقة التي اكتشفناها...حقه أن يتزوج من أخرى لأجل هذا...ألم تكن على وشك فعلها مع صفا؟!!
اتسعت عيناه بذهول للحظات قبل أن تفيضا ببحور من ألم...
إنه -بالكاد- يحاول تجاوز خسارته الفادحة ل"صفا روحه" التي فقدها بلا رجعة هذه المرة...
والآن تأتيه صفعة القدر هذه لترد له "دَيْنَه" في شقيقته!!!
هل هو عقاب السماء له على تفريطه في امرأة كانت له "رزق العمر"؟!!
لا...لم تزرْ وازرةٌ يوماً وزر أخرى...
لكن هذا لا يعني أن رؤى على حق...!!!

ماسة وشيطان   Kde žijí příběhy. Začni objevovat