الفصل الثالث عشر

21K 438 26
                                    


_زواج بهذه السرعة يا عزيز؟!!
هتفت بها رحمة بدهشة وهي جالسةٌ جواره على الأريكة في صالة منزلها البسيط...فتنهد بحرارة قبل أن يقول باستسلام:
_نعم يا أمي...للأسف أبي ورطني في الأمر...كنت أنتوي مجرد خطبة حتى أستطيع تقبل الأمر على الأقل لكنه فاجأني أمام والدها بطلبه للزواج مباشرة بعد أسبوع.
اتسعت عيناها بصدمة للحظة قبل أن تهز رأسها مغمغمة بأسف:
_كنت أتمنى لو أبارك لك زواجك وآضمك لحضني كما تفعل كل أم مكاني...لكن كيف أفعلها وأنا أراك لست سعيداً بهذه الزيجة .؟!!
ابتسم في مرارة وهو يقترب منها ليضع رأسه على صدرها هامساً بحزن:
_سأتجاهل صوت قلبي يا أمي وأستمع لعقلي هذه المرة...ميادة فتاة جيدة ...إذا كنتُ عجزت عن الحصول على السعادة فمن يدري...ربما منحتها لغيري.
ضمته إليها بقوة وهي عاجزة عن الرد...
هي ليست راضيةً عن شخص ابنها -الضعيف - نتاج تربية أبيه المتسلطة....
ربما لو كان تربى في حضنها هي لكانت صنعت منه رجلاً قوياً يعرف كيف يدافع عن قراره...
لكن نشأته المرفهة الباذخة في كنف أبيه جعلت منه هذا الكيان الضعيف المهتز رغم حنان قلبه اللا محدود...
هذا الكيان الضعيف الذي لا يجيد الوقوف سوى على أرضٍ ممهدة كالحرير..
لم يكن يوماً ك-ماسة - التي علمتها كيف تستقر خطواتها ولو على أرض صخرية حادة...
أو طينية لزقة...!!!!
أغمضت عينيها بقوة عندما تذكرت ماسة تقاوم دموع حنينها إليها...
ترى كيف حالها الآن...؟!!!
أين تعيش؟!!! ومع من تعيش؟!! بل ....كيف تعيش؟!!!
وكأنما شعر عزيز بها فقد رفع رأسه إليها ليسألها برجاء:
_ألم تعرفي شيئاً عن ماسة بعد؟!!! ألم تتصل بكِ؟!!
أشاحت بوجهها عنه تخفي دموعها فعاد يقول برجاء أقوي:
_أرجوك يا أمي أخبريني لو كنتِ علمتِ عنها شيئاً.
عادت تلتفت نحوه بإشفاق بدا واضحاً في عينيها الحنونتين...
قبل أن تضم رأسه لصدرها من جديد هامسةً بحكمة:
_ماسة ستعود لي يوماً يا عزيز...حضن رحمة وطنها الذي ستعود إليه مهما اغتربت ...لكنها أبداً لن تعود إليك...
ثم صمتت لحظة لتردف بنبرة أكثر حسماً:
_ما بينكما كان أشبه بكأسٍ من لبن...سقطت فيه قطرة خمرٍ فدنسته للأبد.!
========
وقفت ميادة أمام مرآتها تتأمل نفسها في ثوب الزفاف الأبيض الفخم...
والذي اختارته من أرقى بيوت الأزياء الباريسية...
الليلة ليلةٌ حاسمةٌ ...
ليلة انتصارها على "قلب الشاعر"!!!
نعم...الليلة تكسب رهان عقلها كالعادة وتنتزع عزيز من ماضيه - الباهت- لتجذبه لعالمها الزاهي بألوانه...
فتحت والدتها باب الغرفة لتدخل وهي تبتسم بسعادة متفحصةً إياها بإعجابٍ صارخ.....فالتفتت إليها ميادة لتقول بفتور لم تتعمده:
_ما رأيك؟!! هل أبدو جميلة؟!!
دمعت عينا الأم وهي تندفع لتضمها إليها بقوة هامسة وسط دموعها المنهمرة:
_بل جميلة الجميلات يا ابنتي.
تيبس ذراعا ميادة جوارها تقاوم احتضان والدتها كما العادة واكتفت بوقفتها الجامدة حتى رفعت والدتها رأسها إليها لتهمس وهي تتأمل ملامحها بعاطفة جياشة:
_ما أشبهكِ بي ليلة زفافي...سبحان الله...كأنني أتطلع لنفسي في المرآة ليلتها.
ابتسمت ميادة بسخرية لاذعة وهي تميل رأسها قائلة:
_أي ليلة تقصدين؟! الأولى أم الثانية؟!!
أغمضت الأم عينيها بألم وهي تخفي حسرتها متجاهلةً سؤالها المهلك...
ابنتها لم تنسَ لها فعلتها...ويبدو أنها لن تفعل...!!!

ماسة وشيطان   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن