الفصل السابع

16K 415 4
                                    


_أنس؟!!!!
هتفت بها صفا في دهشة وهي تطالع ابن عمها أنس الذي كان مطرقاً بوجهه في تهذيب واضح...
ليختلس نظرة إليها قبل أن يقول بهدوئه المعهود:
_آسف لإزعاجكِ في هذا الوقت يا صافي...لكن عمكِ مريض ويطلب رؤيتك.
شهقت صفا بعنف وهي تسمع منه هذا...
عمها هو كل ما بقي لها من عائلتها ...
وهي تحبه كثيراً رغم أنه كان ساخطاً على زيجتها بعبد الله...
فطالما أرادها لولده أنس الذي لم يتزوج حتى الآن...
لا تريد الإفراط في غرورها فتظن أن أنس لم يتزوج بسببها...
لكن جزءاً منها يشعر بذلك!!!
تركته واقفاً على الباب حتى بدلت ملابسها بسرعة...
ثم توجهت معه لبيت عمها الذي لا يبعد عن بيتها الكثير...
وعلى سريره كان عمها ينتظرها بلهفة...
وما إن رأته حتى ارتمت بين ذراعيه وهي تشعر بحاجتها الماسة إليه...
طالما اعتبرت عبد الله عالمها كله...
وعندما خذلها ...وجدت نفسها وحيدة...
كشجرة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار...!!!
دمعت عيناها وهي ترفع رأسها نحوه لتقول بحنانها الفريد:
_شفاك الله يا عمي.
تنهد عمها بحرارة وهو يربت على رأسها...
ثم نظر لأنس الذي كان واقفاً يراقبهما بعاطفة صادقة..ليقول له بحزم:
_اتركني مع صافي قليلاً!!
ابتسمت صفا وهي تسمعه يدللها هكذا كما كان يفعل منذ سنوات...
فيزداد حنينها لتلك الأيام البعيدة حيث كانت طفلة...
لم تحمل هماً بعد...
ولم تدرك ما الذي تخبئه لها الأيام...
دفنت وجهها في صدره تخفي دموعها وهي تهمس بحزن:
_أحتاجك يا عمي...أحتاجك لتكون ظهري الذي أستند عليه...اعتنِ بنفسك أرجوك...لأجلي.
فربت على ظهرها في حنان...ثم قال بغضب مكتوم:
_لقد علمت أنه طلقك للمرة الثانية...وأنكِ تقيمين الآن وحدك.
رفعت رأسها لتمسح دموعها برقة...ثم قالت بتماسك:
_أنت تعرف عبد الله يا عمي...سريع الغضب...لكنه يحبني ولا يمكن أن يتخلى عني أبداً!!
لكنها لم تكد تنهي عبارتها حتى انهارت في البكاء من جديد...
كاذبة...
كاذبة!!!
هي لا تثق في حب عبد الله المزعوم هذا....
بل على العكس...
كل يوم يمر عليها بعدما ألقى عليها يمين الطلاق يشعرها أن المسافة بينهما تزداد بعداً...
وأنها لم تكن تعدو سوى خلف سراب....
كطفلة حمقاء حاولت الاحتفاظ بضوء الشمس بين أصابعها فتفلت منها ...
لتجد نفسها بعد كل هذا العمر معه ...
قد عادت بكف فارغة...وقلب كسير!!!
شعر عمها بكل ما يدور برأسها...فهز رأسه في عجز...
صفا ...بقلبها الكبير وعقلها الأكبر لن تتغير...
ستبقى تدافع عن عبد الله بكل استماتة....
محظوظٌ هو بها...
ومنكوبةٌ هي به!!!
تنهد في حرارة ثم ربت علي رأسها ليهمس بخشوع:
_لله الأمر من قبل ومن بعد...اسمعيني يا ابنتي...أعرف أنه لن يجوز أن أخطبك لولدي وأنتِ لازلتِ في عدتك...لكنني أخاف أن يدركني الموت قبلها...أريحي قلبي يا ابنتي...لو طلبكِ ابن عمك للزواج..فلا ترديه خائباً...لن يحافظ عليكِ مثل أنس.
اتسعت عينا صفا في تأثر لكنها عجزت عن الرد...
لن تستطيع الزواج من أنس...
ليس لعيب فيه...كلا...
بل لأنه لا يستحق بعد كل هذا أن يتزوج امرأة قلبها معلق بآخر...
وهي تظن أنها حتى لو طلقها عبد الله...
فلن يعرف قلبها مالكاً له غيره...!!!
لهذا أطرقت برأسها وهي عاجزة عن الرد...فربت عمها على رأسها في تفهم...
ثم همس برجاء:
_فقط فكري في كلامي...واعقليه.
أومأت برأسها إيجاباً...
لتتركه بعدها بقليل عائدة لشقتها مع أنس الذي أصر على توصيلها في هذا الوقت المتأخر...
لكنه لم يتحدث إليها ولو بكلمة واحدة...
وكذلك هي كانت عاجزة حتى عن النظر إليه بعدما سمعته من عمها...
دخلت شقتها تفكر في كلام عمها بشرود...ثم بدلت ملابسها بتثاقل...
عندما سمعت طرقات عنيفة على باب شقتها...
عقدت حاجبيها وهي تظنه أنس قد عاد ليخبرها شيئاً...
فارتدت حجابها بسرعة وفتحت الباب ...
ليندفع عبد الله إلى الداخل مغلقاً الباب خلفه ....وهو يهتف بغضب هادر:
_ما الذي كنتِ تفعلينه مع هذا الرجل في هذه الساعة؟!!!!
لكنها مدت يدها لتفتح الباب ثانية ...
ثم قالت بهدوء لا يعكس شيئاً من مشاعرها الآن:
_هو ليس رجلاً...هو ابن عمي ...وأنا ذهبت معه للاطمئنان على عمي المريض...لكن أنت...ماذا تفعل هنا...وبأي صفة تسألني عن هذا؟!!!
اشتعل جنونه أكثر وهو يسمعها تحدثه بهذه الطريقة....
صفا لم تكلمه يوماً بهذا الأسلوب ...
بل كانت تحيطه دوماً بحنانها واحتوائها....
كانت تتفهم نيران غضبه وتعرف كيف تخمدها بشلال عاطفتها الجارف....
لهذا هتف بحدة أشد:
_ماذا تقولين؟!!! لا تعرفي صفتي هنا؟!!
عقدت ساعديها أمام صدرها وهي حريصة على ألا تنظر إليه...
نظرة واحدة لوجهه قد تثنيها عن عزمها...
قد تجعلها تستجيب لنداء قلبها الذي يرجوها الآن أن تضمه إليها كعادتها لتحتوي غضبته...
لكنها لن تفعلها ...
فجرحه هذه المرة أكبر من غفرانها...
أقوي من حبها...
وأعمق من شوقها!!
وأمامها كان هو واقفاً يشعر بغليان صدره...
مرآها تسير مع ابن عمها أوقد نيران غيرته...
لم يحتمل أن يراها مع رجل غيره...
صفا المعموري ملكية خاصة له...
لن يصدق إلا هذا مهما حدث...
مهما ادّعت من صلابة وبرود كما تفعل الآن...
سيذيبها بين ذراعيه حباً ...
سيعرف كيف ينتزع استجابة قلبها وجوارحها له من جديد....
فهو يعرف كم تعشقه...
هذه هي الحقيقة الكونية الخالدة التي لن يغيرها شئ!!!
وبهذا اليقين أغلق الباب من جديد ...
فرفعت وجهها إليه بترقب وقد عاد قلبها يخفق بقوة عاطفته...
عندما اعتقل عينيها بحصار عينيه للحظات...
قبل أن يهمس بصدق لا يدعيه:
_افتقدتكِ يا صفا روحي!!
قالها ليس كاذباً ولا مدّعياً...
لا ليسترضيها ولا ليداهنها...
بل قالها وهو يعني كل حروفها....
هي حقاً صفاء روحه التي لا تصفو بسواها....!!!!!
لقد اشتاقها فوق الشوق وأكثر....
رغم كل هواجس عقله الذي يشعر نحوها بالنقص....
ورغم كل ذنوب خلواته التي يشعر أنها تحرقه قبل أن تحرقها...
ورغم مشاعره المتخبطة نحوها والتي لا ترسو أبداً علي قرار...
لكنه ...حقاً اشتاقها...
هل هو مجرد احتياج لما كانت تمنحه له من عناية واهتمام...؟!!!!
ربما....!!!
لكن ما يثق به حقاً هو ضرورة وجودها في حياته...
حتى لو لم يكن لهذا مسميً عنده...!!!!

ماسة وشيطان   Where stories live. Discover now