الفصل التاسع عشر

16.6K 377 16
                                    

› 

الفصل التاسع عشر

  

_الحقير!!!!
هتفت بها ماسة بحنق وهي تستمع من دعاء التي -زارتها في قصر الرفاعي-لتفاصيل ما حدث بينهما في آخر لقاء....
فهتفت دعاء بعجز:
_لقد أساء فهم ما سمعه...ظنني أتلاعب بالرجال حتى أضمن فرصة مناسبة...ورغم أنه يزعم أنه يثق بأخلاقي لكنه عاملني كالبغايا....لن تتخيلي بشاعة ما شعرت به في تلك اللحظات التي...
قطعت عبارتها وقد عجزت عن إكمالها فغامت عينا ماسة بذكرياتها -البغيضة- لتهمس بعد شرود قصير:
_بل أتخيل...وأدرك قسوة هذا الشعور.
ثم تنهدت بحرارة لتنفض عن رأسها التفكير في هذا الأمر وهي تلتفت نحو دعاء من جديد هاتفةً بانفعال:
_وماذا ستفعلين الآن؟!
تأوهت دعاء بقوة ثم أجابتها وهي مغمضة العينين في استسلام:
_سأمضي في طريقي معه للنهاية.
أجابتها ماسة بصيحة استنكار لكن دعاء حتى لم تفتح عينيها وهي تردف بنفس الاستسلام:
_هل تعلمين؟!!عندما غادرته بعدها كنت أفكر في مصارحة والدي بكل شئ...نعم...رغم أنني كنت أشفق عليه من خيبة أمله بعد كل تلك الفرحة التي نالها أخيراً بزواجي هذا...ورغم أنني كنت أعلم أنه قد لا يصدقني فحسام يبدو أمام الجميع شديد التهذيب واللياقة...لكنني كنت على استعداد للمجازفة فقط لأستعيد شعوري بذاتي...بقيمتي...بأنني أستحق الأفضل .
دمعت عينا ماسة وهي تربت على كتفها لتسألها بهمسٍ مشفق:
_وما الذي غيّر رأيك؟!
ابتسمت دعاء بسخرية مريرة وهي تجيبها ولازالت عاجزةً عن فتح عينيها:
_بينما كنت أصعد الدرج نحو بيتنا سمعت حوار جارتينا اللتين لم تنتبها لي...إحداهما كانت تحسد دعاء المريضة التي نالت زوجاً متميزاً لم تنله أيٌّ من بناتها كاملات الحسن والصحة...والثانية كانت تواسيها بقولها أن هذه الزيجة لن تستمر وأن "العريس المغفل" سيفيق لنفسه سريعاً وينفد بجلده من هذه الورطة.
انعقد حاجبا ماسة وهي تشعر بالغضب فهتفت بانفعال:
_هل ستتزوجينه فقط لأجل المظاهر؟!!لأجل كلام الناس؟!!
فتحت دعاء عينيها ببطء لتجيبها بشرود:
_ولمَ لا؟! إلى متى سأبقى أحتمل السخرية والانتقاص من قدري؟!!إلى متى سأظل "الدمية المعيبة" التي زهدها المشترون فبقيت مكانها على الرف؟!!العقل يقول أن حسام فرصتي الأخيرة.
أمسكت ماسة كتفيها تهزهما بعنف وهي تهتف بحدة:
_أيّ عقلٍ هذا؟!!هل تدركين ماذا ستكون عليه حياتكِ مع وغدٍ قاسٍ كهذا؟!!
عضت دعاء على شفتيها بقوة تكتم دموعها وهي ترد بصلابة زائفة:

_سأحتمل...لن أواجه أقسى مما تحملته طوال عمري....ومن يدري ربما ينصلح حاله معي مع الأيام!!!!
هزت ماسة رأسها وهي تهتف بغيظ فجره خوفه على هذه البائسة أمامها:
_وكرامتك ؟!!!
أطرقت دعاء برأسها وهي تهمس بمرارة:
_وأين ستكون كرامتي تلك لو طلقني حسام الآن؟!!لو كانت فرصي في الزواج قبله قليلة فبعده ستكون معدومة!!
خبطت ماسة أحد كفيها بالآخر وهي تهتف محاولةً إقناعها:
_الزواج ليس نهاية العالم...ليس جائزة "اليانصيب "التي ستفتح لك أبواب السعادة...على العكس ...هذا الرجل قادرٌ على تحويل حياتكِ لجحيم....وربما بقاؤكِ وحيدة خيرٌ لكِ من مرافقة رجلٍ مثله في طريق حياتكِ الطويل.
صمتت دعاء للحظات ثم رفعت إليها عينيها لتقول بابتسامة شاحبة:
_هل تعلمين أنني قلتُ له يوماً هذا الكلام؟!! وكنت وقتها مقتنعةً به تماماً...لكنني الآن وبعدما سمعت بأذنيّ حديث والديّ عن حملي الثقيل عليهما ...وخدشت نميمة الجيران أذني والتي لن تكون أول ولا آخر مرة...اقتنعت أنني محظوظةٌ حقاً بحسام...هو نعمة القدر التي لن أكفر بها!
همت ماسة بالاعتراض ورأسها يكاد ينفجر غيظاً عندما رن هاتف دعاء لتجدها والدة حسام...
فتحت الاتصال لتجيب المرأة الطيبة بودٍ لا تدعيه فهي حقاً تحبها بصرف النظر عن تصرفات ابنها المريضة...
ثم أنهت الاتصال معها بعد قليل لتقوم من مكانها قائلةً لماسة بابتسامة مصطنعة وقد عاد إليها قناع مرحها الواقي:
_حماتي تريدني في أمرٍ هام الآن...سأذهب لأرى ماذا تريد.
تنهدت ماسة بحرارة ثم ضمتها إليها بقوة وهي تغمغم بحزمٍ حانٍ:
_اعتني بنفسكِ يا دعاء...أنتِ لستِ منقوصة القدر بل هم منقوصو العقل والإيمان...المرض ابتلاءٌ من الله ليس لنا ذنبٌ فيه...حتى لو اخترتِ أن تكملي طريقكِ مع حسام هذا فكوني قوية....لا تجعليه يكسرك...بل رممي أنتِ شروخ روحه التي جعلت منه ذاك الصنم القاسي...أنا واثقةٌ أنكِ قادرةٌ على فعلها...فقط ثقي بنفسكِ أكثر!!
رفعت إليها دعاء رأسها بابتسامة امتنان...
ثم أومأت برأسها إيجاباً وهي تخفي دموعها خلف ابتسامتها المكسورة قبل أن تغادر غرفة ماسة التي أوصلتها للخارج...
ثم عادت تتوجه نحو غرفة عاصي فقد كان ينتظرها على الغداء كعادته...
طرقت الباب برفق تنتظر أمره بالدخول...
لكنها فوجئت به يفتحه بنفسه فابتسمت تلقائياً وهي تقول بعفويتها - المستحدثة - معه:
_يبدو أنني تأخرت.
تألقت عيناه بوهجٍ دافئ وهو يمد ذراعه ليجذبها برفقٍ من كتفها قائلاً بعتاب حنون:
_جداً!
قالها ثم أغلق الباب خلفها برفق فتقدمت لتجلس مكانها على المائدة الصغيرة في زاوية الغرفة...
قبل أن يجلس هو جوارها فالتفتت نحوه لتهمس باعتذارٍ رقيق:
_آسفة...دعاء واقعة في ورطة...الحديث بيننا طال ولم أنتبه للوقت.
انعقد حاجباه بضيق ثم سألها بحذر:
_هل يمكنني المساعدة؟!
ابتسمت بامتنان وهي تهز رأسها لتهمس بهديلها الذي داعب أذنيه :
_عفواً...أسرار شخصية ولا يمكنني البوح بها.
ازداد تألق عينيه بإعجابٍ صارخ رغم هدوء عبارته بعدها:
_غريب!! ما أعرفه أن النساء ثرثاراتٌ جداً في العادة.
اتسعت ابتسامتها التي نثرت الدرّ في أمواج فضتها لتزداد فتنة وهي تغمغم ببعض المرح:
_يمكنك إذن استثنائي من صنف النساء في هذا الشأن.
فتوهجت شموسه الزيتونية بألَقٍ دافئ وهو يقترب بجسده منها أكثر ليهمس أمام عينيها:
_ليس في هذا الشأن فقط...أنتِ دوماً بين كل النساء...استثناء!!
تجمدت ابتسامتها على شفتيها مع تلك الرعدة التي سرت في أوصالها ...
وذاك الارتباك اللذيذ الذي غزا روحها الآن....!!
فأطرقت برأسها بسرعة هاربةً من مشاعرها الغريبة التي صارت تخيفها حقاً مؤخراً...
وهي تجاهد نفسها لتفكر في شئٍ آخر بعيد عن هذا الرجل وما يثيره بداخلها من فوضى حقيقية...
فجذبت عقلها قهراً لمشكلة دعاء محاولةً البحث لها عن حل...
المسكينة واقعةٌ بين ضغط أهلها وضغط المجتمع...
تخاف العنوسة أكثر مما تخاف الظلم الذي ستلقاه على يد رجلٍ غريب كحسام...
وتقنع نفسها كما تفعل الكثيرات مثلها بأنه سيتغير مع الأيام...
وأن" المرأة العاقلة قادرةٌ على احتواء عيوب زوجها"..
تلك المقولة التي داست بين قدميها أحلام الكثيرات ممن تجاهلن نداء العقل ولهثن فقط خلف حلم الزواج الوردي وبريقه الآسر!!!
لكن ...من يدري؟!!!
ربما كان حسام حقاً معذوراً فيما فهمه....!!!
أيّ رجلٍ مكانه- خاصة في مجتمع منغلق كهذا -كان سينتفض غضباً وغيرة عندما يرى خطيبته التي هي في مقام زوجته تجالس رجلاً آخر ويعترفان لبعضهما بالحب !!!!
ربما جاءت ردة فعل حسام متطرفةً بعض الشئ...
لكن....لعلها طبيعة عمله التي جعلته أكثر ميلاً للعنف والتسلط!!!
وعند هذه الفكرة وجدت نفسها تتعجب تفكيرها بشدة...
لماذا الآن تدافع عن حسام هكذا؟!!!

ماسة وشيطان   Dove le storie prendono vita. Scoprilo ora