الواحد والعشرون

16.1K 368 14
                                    



_جنة؟!!!!
هتفت بها رؤى بدهشة ممتزجة بسعادتها وهي تستقبلها في بيت حماتها عندما فوجئت بها تطرق الباب...
قبل أن تضمها بقوة مردفة باشتياق حقيقي:
_كم افتقدتك حبيبتي!!!
ربتت جنة على ظهرها برفق وهي تضمها بقوة أكبر وسط نظرات عفاف وهيام الفضولية..
قبل أن تهتف عفاف بترحاب:
_أهلاً يا ابنتي...تفضلي.
التفتت نحوها رؤى لتقول ببعض الخجل:
_عفواً يا أمي...سأصطحب جنة لشقتي حتى نتحدث براحتنا بعيداً عن الأطفال.
مطت هيام شفتيها باستياء ثم هتفت بتحفز:
_تقصدين أن أولادي مزعجون؟!!
تجهمت ملامح رؤى وهي تشعر بالحرج من جنة لكن عفاف تداركت الموقف وهي تقول بحنان:
_لا بأس يا ابنتي...ولو أننا كنا نود الترحيب بصديقتك.
ابتسمت جنة بشحوب وهي تتمتم بعبارات شكر مبهمة...
بينما سحبتها رؤى من كفها لتصعد بها إلى شقتها وكأنها تمسك كنزاً...
حتى أغلقت الباب خلفها لتحتضنها بقوة من جديد هاتفة بحرارة:
_جنة حبيبتي...لا تتصورين قدر احتياجي للحديث إليكِ.
دمعت عينا جنة وهي ترمقها بتفحص لتهمس بصوت متحشرج:
_دعيني أولاً أطمئن عليكِ....صفا تخبرني دوماً أنك بخير لكن عدم امتلاكك هاتفاً كان يؤرقني وكنت أشعر بالحرج من زيارتك.
ابتسمت رؤى وهي تدفعها برفق لتجلسها على الأريكة وتجلس في حجرها مسندةً رأسها على ساقيها قبل أن تهتف بمرح :
_هل تذكرين عندما كنت أزوركِ في مكتبك لأنام هكذا على ساقيكِ على الأريكة بالساعات نتسامر ونحكي؟!!
دمعت عينا جنة وهي تتذكر- شخصاً آخر- كان يحب هذه الجِلسة أيضاً...
شخصاً ...ما عاد ينتمي الآن لحياتها وقد وقفت بينهما كلمة القدر...
شخصاً توقن كم أحبها وأنه لم يبتعد إلا لأجلها...ومع هذا كانت تتمنى لو كان أقوى في المواجهة!!!
بينما أردفت رؤى بعاطفة صادقة:
_منذ تعرفت عليكِ صدفةً منذ سنوات وأنتِ لستِ مجرد صديقة...بل أختٌ وأم.
أغمضت جنة عينيها بألم وهي تشعر بالذنب نحو رؤى...
ماذا عساها تخبرها الآن...؟!!
أنها أحبت ذاك الرجل الذي انتهك حرمتها بل سمحت له بامتلاكها هي الأخرى؟!!!
أنها ضعفت أمام نداء قلبها وتجاهلت كل نداءات العقل والمنطق؟!!!

أنها استسلمت لوهم لم ولن يكون لها ونسيت أو -تناست- مبادئها التي لم يعد لها الآن سواها؟!!
ياللخزي!!!
بينما شعرت رؤى بألمها الواضح فرفعت إليها رأسها لتقوم قائلة بلهفة:
_ماذا بكِ يا جنة؟!! يا لغبائي!!!كيف نسيت أن أسألكِ عن حالكِ مع ذاك الوغد؟!!لا ريب أنه يؤذيكِ!!!
سالت دموعها على خديها أخيراً فمالت رؤى عليها لتحتضنها هاتفة بدموع أسفها:
_يا إلهي!!!سامحيني يا جنة...أنا من فعلت بكِ هذا...سامحيني!!!
تماسكت جنة نوعاً وهي تمسح دموعها فعادت رؤى تتفحصها مردفة بجزع:
_ماذا فعل بكِ؟!
ماذا فعل بي؟!!
ليتني أعلم حقاً ماذا فعل بي؟!!
أيّ جنونٍ تلبّسني وأنا أهيم معه في بحر عشق هائج تاركةً عقلي على الشاطئ؟!!
أي غفلةٍ طوقتني وأنا أذوب في لهيب هواه بلا حول ولا قوة؟!!!
بل أي لعنة أصابتني وأنا أسير مغمضة العينين -بعصابة مزركشة الألوان بالحب- نحو الهاوية؟!!
كانت هذه أفكارها الصامتة المزدحمة المشتعلة و التي ناقضت كلمتها الباردة الوحيدة:
_طلّقني!
تنهدت رؤى في ارتياح ثم هتفت بسعادة:
_الحمد لله أنكِ تخلصتِ من هذه المصيبة ...طالما كنتُ أدعو الله لكِ أن يخلصكِ من شره.
ابتلعت جنة غصتها وهي تغتصب ابتسامة شاحبة لتعاود سؤالها بحنان:
_دعكِ مني وأخبريني...كيف حالكِ مع زوجك ؟!! صفا تكاد تنظم فيه أشعاراً.
ابتسمت رؤى بخجل ممتزج بعاطفة قرأتها جنة بسهولة خاصةً عندما همست رؤى بحرارة:
_يستحق يا جنة ...يستحق وأكثر!!
ربتت جنة على رأسها وهي تهمس ببعض القلق:
_أموركما...طبيعية؟!!
ترددت رؤى قليلاً وهي تنظر لجنة بتفحص ممزوج بتوجسها...
بينما رمقتها جنة بنظرة حملت تساؤلها الخجول عن الأمر الذي استحت السؤال عنه...
لكن رؤى أطرقت برأسها بعد لحظات هامسة باقتضاب :
_من ستره الله لا يفضحه أحد!
تنهدت جنة بارتياح محترمةً تحفظها في الحديث عن الأمر....
بينما حافظت رؤى على إطراقها الصامت...
كم تود الآن لو تخبرها بحقيقة علاقتها براغب كاملة ...لكن شيئاً ما بملامح جنة الذبيحة بألمها يجعلها تشعر أنها لن تحتمل المزيد من الحزن...
كما أنها ارتأت أن تبقى علاقتها براغب سراً شخصياً بينهما هما فقط دون تدخل مخلوق حتى ولو كانت جنة رفيقة روحها...
لهذا اكتفت بابتسامة كبيرة حقيقية وهي تعاود إسناد رأسها على ساقي جنة مسترجعة ذكرياتهما السعيدة معاً...
وكأن هذه الجلسة أعادت لها تلك اللحظات من الدفء الذي كان يغمرهما قديماً...
قبل أن تهمس بوداعتها التي اكتسبت الآن شيئاً من الانطلاق:
_رجلٌ حقيقيٌّ يا جنة...حنانه وقوته...عطفه وشدته...الأمان الذي أشعر به جواره والذي لم أعرفه إلا معه...هل تصدقينني لو قلت لكِ أنه يبدو لي وكأنه أعاد تشكيل روحي من جديد كعجينة طرية في يده؟!!
ابتسمت جنة بمزيج غريب من السعادة والشجن...
رؤى تبدو وكأنها تتحدث بلسانها هي عن فهد...
لقد منح القدر للصديقتين حباً بحجم السماء قلب حياتيهما من أقصى اليمين لأقصى اليسار...
وإن كان نصيب جنة أن تنتهي قصتها ها هنا...فيبدو أن قصة رؤى ستستمر لتمنحها السعادة التي تستحقها...
لهذا عادت تربت على رأسها هامسةً بصوت متهدج:
_أنا سعيدة لأجلكِ حبيبتي.. أنتِ صرتِ كل أهلي هنا بعد سفر شقيقتيّ...لهذا جئت لأودعكِ قبل رحيلي.
شهقت رؤى بعنف وهي تنتفض من مكانها هاتفة بجزع:
_رحيلك؟!!لماذا؟!!وإلى أين؟!!
جاهدت جنة نفسها لتتكلف ابتسامة شاحبة قبل أن تغمغم بمرح مصطنع:
_(......)مدينة هادئة سأثبت وجودي فيها أكثر كمحامية...أنتِ تعلمين أن العاصمة ليست مكاناً مناسباً للمبتدئين؟!!
اتسعت عينا رؤى بدهشة وهي تتبين ابتعاد هذه المدينة التي ذكرتها لتهتف بحسرة واضحة:
_يا إلهي!!لكنها بعيدة عن هنا!!
ثم دار بخاطرها هاجس جعلها تسألها بمزيج من الأسف والذنب:

ماسة وشيطان   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن