الخامس والعشرون

15.5K 305 10
                                    

_هل جننتِ يا دعاء؟!!لا أصدق أنك أقدمتِ على فعلٍ كهذا؟!!
هتفت بها ماسة في استنكار لم يخفِ شفقتها على صديقتها التي روت لها تفاصيل ما حدث مع حسام كاملة وهي تجلس معها في المشغل...
فغمغمت دعاء بثقة رغم شرودها وهي تستعيد بدورها ذكرى ما حدث:
_كنت أعلم أنه لن يتركني أسقط...رغم كل مساوئه كنت أراهن على بقايا قلب لازال ينبض بصدره!!
اتسعت عينا ماسة بدهشة للحظة قبل أن تبتسم لتهتف في عدم تصديق:
_إذن...كنتِ تخدعينه؟!!
تنهدت دعاء بحرارة لتفيق أخيراً من شرودها وهي تلتفت نحو ماسة قائلة بأسى:
_ليس خداعاً!!!هو كان يحتاج صدمة كهذه ليفيق من أوهامه التي تغذي قسوته عليّ وعلى نفسه قبلي...أنا فقط أردت أن أريه الصورة البشعة في مرآة الانتقام كيف تبدو...
ثم أطرقت برأسها لتردف بخفوت:
_وهو لم يخيب ظني فيه...على الأقل في هذه النقطة .
ربتت ماسة على كتفها في مؤازرة ...فرفعت دعاء إليها رأسها بابتسامة شاحبة لتقول بنبرة قوية:
_لقد تذكرت عبارتك يوم قلتِ لي أن قوتي أنا هي ما ستنقذنا معاً...لهذا انتشلت نفسي من شعوري بالضعف والإهانة بعد ما فعله بي لأنفذ هذه الخطة.
هزت ماسة رأسها وهي تسألها باهتمام:
_والنتيجة؟!!
اتسعت ابتسامة دعاء الشاحبة وهي تجيبها بانطلاق:
_كنت على حق في شعوري به...هو ليس بهذه القسوة التي يتعمدها ...كان فقط يحتاج للتغلب على شيطان انتقامه مني ومن نفسه قبلي بسبب شعوره بالذنب.
تفرست ماسة في ملامحها وهي تفكر بحيرة....
هل من الصواب أن تخبر دعاء الآن بأن طيف لاتزال على قيد الحياة؟!!
أم أن الأفضل أن يبقى الأمر سراً؟!!!
ليس فقط لأنها وعدت عاصي بهذا ...
لكن للحفاظ على علاقة صديقتها بزوجها والتي تشعر أنها بدأت تتخذ منحنيً جديداً مشرقاً ....
وتخشى أن يؤثر هذا الأمر عليهما...!
لهذا آثرت كتمان هذه الحقيقة عن صديقتها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً....
بينما أردفت دعاء وقد عادت لشرودها:
_تعلمين؟!!بعدما أنقذني ووجدت نفسي بين ذراعيه سمعته يتمتم بحمد الله بخفوت شديد...لكن وقعها على أذني أنا كان عظيماً...لقد كان يخشى أن يخسرني...هل تدركين معنى هذا لامرأة عاشت طوال عمرها تشعر أنها بلا قيمة؟!!
دمعت عينا ماسة في إشفاق وهي تضمها لصدرها بقوة ...فيما أردفت دعاء بتأثر:
_لم يتركني لحظة واحدة بعدها حتى نمت على صدره...حضنه كان عامراً بدفء انتظرته طويلاً...بالتأكيد هو ليس شعور العشق الذي أسمع عنه...لكنه شعورٌ بالاحتواء...بالسكينة...هو لم يهمس بكلمة واحدة لكنني كنت أشعر بحرارة انفعالاته...ورغم أنه حتى لم يعتذر لكنني قرأت بعينيه ندماً بلا حدود...
ربتت ماسة على رأسها وهي تسألها بحذر:
_هل سامحتِه بهذه البساطة؟!!
تنهدت دعاء بحرارة وهي تهمس بصوت كسير:
_لا أدري...حقاً...لا أدري...أنا متعَبة...مستنزفة...لا طاقة لي الآن بأن أعاتب أو أكره أو حتى أقسو...منذ وفاة والديّ وأنا أحتاج لدعم كهذا الذي منحه هو لي بالأمس...قد تظنينني حمقاء تهاونت بشأن كبريائها أمام أول بادرة عطف... ونسيت طول ساعات قسوته أمام أول حضن...لكنني حقاً ...كنت أحتاجه!!
تنهيدةٌ حارة سبقت عبارتها الأخيرة التي عقبتها نوبة بكاء خفيضة جعلت ماسة تضمها إليها أكثر وهي تدرك بحق شعورها الآن...
دعاء التي عاشت كل هذا العمر بعقدة "الدمية المعيبة" تحتاج الآن حقاً لعاطفة رجل مثل حسام...
ليس فقط لمميزاته التي تجعله فتى الأحلام الوردي لأي فتاة...
لكن لأنه ارتضاها كما هي...بعيوبها- التي علمها- قبل مميزاتها -التي ربما لم يستكشفها كلها بعد-...
هو يرضي عقدة -شعورها بالنقص- التي تخنق أنوثتها خنقاً!!!
وإن كان شعوره هذا لم يرتقِ بعد لمرحلة الحب لكنها واثقةٌ أن الأيام كفيلةٌ بأن تؤلف بين قلبيهما...
فقط لو يعطي هو نفسه فرصة ليعرف دعاء الحقيقية بعيداً عن أطياف وهواجس ماضيه!!!
لهذا صبرت قليلاً حتى انتهت دعاء من بكائها ثم نظرت لعينيها هامسة بقوة:
_أنتِ بدأت خطوة صحيحة على أول الطريق...وظني أن الخطوة التالية ستكون له هو...لو أردتِ مسامحته فلن يلومكِ أحد...ولو أردت معاقبته فافعلي...فقط تخلصي من شعورك بالنقص كما تخلص هو من شعوره برغبة الانتقام...ربما ساعتها فقط تلتقي خطواتكما في نفس الطريق.
أومأت دعاء برأسها في تفكر...
بينما قالت ماسة بعد تردد:
_أعتقد أيضاً أنه لن يسمح لكِ بزيارتي فيما بعد....هل يعلم عن مجيئك هنا اليوم؟!!!
هزت دعاء رأسها نفياً قبل أن تغمغم بقلق:
_لا...أنا جئت بعد ذهابه لعمله...لكن لماذا تقولين ذلك؟!!
زفرت ماسة بقوة ثم مضت تروي لها تفاصيل اللقاء -الكارثي- بينها وعاصي وفهد وحسام....
كانت دعاء تستمع إليها مذهولة حتى انتهت من روايتها فهتفت مصعوقة:
_يا إلهي!!!كل هذه الحقائق دفعة واحدة!!!
ثم هزت رأسها لتبتسم قائلة بعينين ملتمعتين:
_فهد الصاوي الذي يقيم عندنا....أخوك؟!!
"أخوك"!!!
داعبت الكلمة أذني ماسة لتدغدغ قلبها بشعور غريب جعلها تبتسم بدورها وهي تقول بحنان:
_احكي له عنه يا دعاء...ما هو رأيك فيه؟!!
رفعت دعاء أحد حاجبيها بمكر وقد عاد إليها مرحها -نوعاً-لتهتف بانطلاق:
_وهل يحتاج فهد الصاوي لرأي؟!!لو لم أكن قد تورطت بحسام هذا لطلبته منكِ للزواج!!!
ضحكت ماسة أخيراً ضحكة قصيرة وهي تخبطها في كتفها قبل أن تغمزها هامسة:
_سأبلغ سيادة الرائد أنك تغازلين أخي!!!
فابتسمت دعاء ابتسامة حقيقية أزالت بعض شوائب حزنها لترد بجدية هذه المرة:
_فهد صديق حسام منذ فترة طويلة...لقد عرفت عنه كل شئ من والدة حسام بعد إقامته معنا...قصته غريبة جداً...
ثم تنهدت بحرارة وهي تقول بأسف:
_جاسم الصاوي هذا جبار...لقد ظلمه كما ظلمك!!!
عقدت ماسة حاجبيها بتساؤل بينما اندفعت دعاء تروي لها ما تعرفه عن قصة فهد وانتهائها بمقتل جنة بعد زواجه من طليقة حسام ...
وهو ما دفعه لترك كل شئ خلفه والمجئ إلى هنا...
فشهقت ماسة بحدة وهي تضع كفها على شفتيها قبل أن تتمتم بذهول:
_جاسم الصاوي قتلها؟!!قتل زوجة ابنه؟!!
ابتسمت دعاء بإشفاق وهي تهز رأسها قائلة:
_لماذا تتعجبين؟!!رجلٌ رمى ابنته رضيعة طوال هذه السنوات ...ماذا تريدين منه؟!!
فتوهجت عينا ماسة بقسوة ممتزجة بالإصرار وهي تجيبها:
_أريد حقي!!
رمقتها دعاء بنظرة متعاطفة فيما أردفت هي بقوة أكبر:
_لو لم يأتيني هو فسأذهب إليه أنا....لن أتنازل عن حقي في اسمه...ليس فخراً ولا طمعاً...لكن لأنني لن أفرط في حقي بعد الآن...ولو دفعت عمري بالمقابل.
ربتت دعاء على كتفها وهي تتمتم لها بالدعاء...قبل أن تقول برفق:
_لا تقلقي...فهد سيساعدك...لن تكوني وحدك في مواجهته.
فأومأت ماسة برأسها ثم قالت لها بعزم:
_أريد أن أراه ثانية يا دعاء...أحتاج حقاً أن أتكلم معه وحدنا.
===================
_أين زوجك يا يسرا؟!!لم تظهرا سوياً منذ زواجكما!!!
هتفت بها إحدى صديقاتها في تساؤل غارق بشماتته لكنها تمالكت نفسها بأنفتها المعتادة لتضع إحدى ساقيها فوق الأخرى مع قولها بكبرياء ممتزج بدلالها:
_لا تذكريني بمعاناته !!!والده دفعه للسفر لأجل عمل هام وهو يكاد يموت هناك اشتياقاً إليّ!!!
رفعت الفتاة أحد حاجبيها في شك...
فيما هتفت أخرى بخبث وقح:
_لم تحكي لنا تفاصيل ليلتكما الأولى يا "ياسّو" !!!مع "فهد الصاوي" بالتأكيد كانت ليلة مميزة!!!
كُنّ يجلسن في النادي بركنٍ خاص لهن اعتدن التجمع فيه لسرد أخبار "غزواتهن" العاطفية...
لا فارق بين متزوجة وعازبة...
فلا خطوط حمراء في الحديث ها هنا!!!
ورغم أنها كانت أحدثهن انضماماً لهذه "الرفقة الفاسدة" لكنها تكيفت معهن بسرعة...

ماسة وشيطان   Unde poveștirile trăiesc. Descoperă acum