الفصل التاسع عشر

Start from the beginning
                                    

ولماذا تشعر ببعض الميل لبقاء دعاء معه رغم تحفظها الشديد على قسوته ورغم أنها منذ دقائق فقط كانت تحاول إقناع دعاء نفسها بالعكس؟!!
ألأنه...يذكرها بعاصي مثلاً؟!!!
نعم...!!!
بل ...لا!!!!!
عادت الحيرة تتلقفها بين ذراعيها القاسيين وهي لا تدري حقاً...
هل يكون حسام بحنان عاصي رغم قسوة واجهته الصلبة؟!!
أم أن عاصي الرفاعي حالةٌ خاصه وحده بين الرجال...
نسيجٌ مختلف من قوة تضافرت مع حنان عجيب ليصنعا معاً ثوب أمانٍ تشتهيه أي امرأة...!!
ترنيمة سحرية من لحن صعب يشاكس روحها فلا يمكنها التغني به مع أنها تعشق سماعه!!!
هذا الذي يحدثها أنها بين النساء استثناء ولا يدري أنه هو الذي صار بعينيها كل الرجال!!!
وجوارها كان هو يتأمل ارتباكها -اللذيذ-برضا خفيّ...
وهو يكاد يستقرئ حديث روحها بشفافية تامة...
غريبةٌ هذه المرأة التي تتبدل وجوهها الساحرة ...
فتارةٌ هي طفلةٌ تائهةٌ تمد له كفها -ضعفاً-على استحياء...
وتارةً هي امرأةٌ قوية تكاد تمسك الشمس بنفس الكف!!!
نعم...هي المزيج الآسر بين القوة والضعف...
بين صلابة الصخر ورقة الندى...
هي المذاق الفريد للحُلو بعد المالح...والمالح بعد الحُلو!!!
وبهذا الشعور تناول كفها ليحتضنه بأنامله هامساً:
_طال شرودكِ يا ماسة.
رفعت إليه عينيها برسائلها الفضية الصادقة فغمغم ببعض الأسف:
_تبدين حزينة لأجل صديقتك.
تزينت شفتاها بابتسامة باهتة وهي ترد بامتنان:
_لا تشغل بالك.
تركت أنامله كفها لتعرف طريقها إلى شفتيها حيث تحسست ابتسامتها الشاحبة برقة مقاوماً شعوره الجارف بها الآن بجهاد كبير...
قبل أن يعتقل نظراتها بسجونه الزيتونية هامساً بشرود:
_لم أرَ ضحكتكِ مرة واحدة منذ التقينا!
أغمضت عينيها ببعض الألم وعبارته تهيج جروح روحها القديمة...
قبل أن تهمس برضا:
_على الأقل أنا الآن أبتسم...يوماً ما ظننتني لن أفعلها أبداً!
ثم فتحت عينيها لتعاود التعلق بشموسه الزيتونية وهي تردف بحنانها الفطري:

_أنت أيضاً...لم أركَ يوماً تضحك ...لكن ابتسامتك ...تغيرت.
داعبت أنامله وجنتها بحنان قبل أن تتخلل خصلات شعرها لتجذب وجهها برفق نحوه أكثر...
ثم همس بترقب:
_كيف تغيرت؟!
توردت وجنتاها بخجلها -الآسر- وهي تهمس بصدق مس قلبه:
_كانت جانبية مختنقةً بقسوة سوداء...ثم تلونت بالحنان شيئاً فشيئاً حتى صارت حقيقية كمرآة صادقة لقلبك...لكنها للأسف تصطبغ أحياناً بمرارة رمادية تجعلها بعيني أقسى من الدموع.
كان وجهه الآن يكاد يلاصق وجهها...
حتى ما عاد يفصل بينهما سوى أنفاسهما وهو يبحر بنظراته العميقة وسط أمواج فضتها التي كانت تهدر الآن بمشاعرها المضطربة...
للحظات طويلة بسط فيها الصمت سلطانه...
حتى قطعه هو بهمسه الحاني:
_تجيدين قراءة ابتسامتي...كما أجدتِ قراءة عينيّ من قبل.
ازدردت ريقها بتوتر وهي تبتعد بوجهها في ارتباك لم يخفَ عليه...
فربت على رأسها برفق ...ثم قبل جبينها هامساً بصوته الذي احتكر قوة العالم وحنانه معاً:
_ستعود ضحكتكِ تدوي قريباً في أذني كأجمل لحن...هذا وعد!!
ابتسمت وهي ترفع عينيها إليه لتهمس بترقب:
_وأنت؟!
أشاح بوجهه وهو يتنهد بحرارة ثم صمت قليلاً ليهمس بشرود:
_وهل تظنين الشياطين تضحك؟!
مدت أناملها بتردد لتدير وجهه إليها من جديد فتهولها تلك المرارة التي التهمت بريق عينيه فرأتهما باهتتين كعهده مؤخراً...
قبل أن تهمس بقوتها الرفيقة وسهامها الفضية تغزوه برقة مسيطرة:
_لست شيطاناً يا عاصي...أنت فقط تلبست قناعه لسببٍ لا أعلمه....لكن روحك تجاهد للخلاص من كل هذا...فلماذا لا تطلق سراحها وتنزع عنك هذا القناع؟!
تناول أناملها المتعلقة بوجنته ليقبل باطن كفها برقة دغدغت مشاعرها...
قبل أن يعاود التقاط رسائلها الفضية الرائقة هامساً بشرود:
_الذنب بعد الذنب قيدٌ فوق قيد...وأنا أعلم الناس بذنوبي وقيودي...فلا تسرفي بحسن ظنك فيّ ...دعي الأيام تصدر حكمها بشأني.
============================
_كيف حالك يا ابنتي؟!
قالتها والدة حسام بطيبتها الشديدة أمام دعاء التي كانت تجلس معها في صالون بيتها ...
فردت دعاء بفتور:
_الحمد لله .
ربتت المرأة على كتفها وهي تقول برفق:
_وما هي أخبارك مع حسام؟!
أطرقت دعاء برأسها ونفسها تسول لها الكذب بأنهما بخير لكنها عجزت حتى عن الكذب...
فاكتفت بصمتها العاجز الذي قرأته المرأة بخبرتها فتنهدت بحرارة...
ثم قامت لتحضر "ألبوم" صورٍ كبير ناولته لدعاء وهي تقول بحزنٍ غلف نبرات صوتها :
_تفحصي الصور وأخبريني هل هو نفسه حسام الذي تعرفينه الآن!!
فتحت دعاء "الألبوم" بتردد لتطالعها صور كثيرة له منذ كان طفلاً صغيراً بحركات بريئة...
ومروراً بصورٍ أخرى له في مراهقته التي بدا فيها أكثر تحرراً وانطلاقاً مع أصدقائه...
لتأسر عيناها صورته بعدها في "بدلة" التخرج الأنيقة ...
لا...لم تأسرها وسامته ولا أناقته ...بل تلك النظرة الغريبة على ما اعتادته هي في عينيه الصقريتين...
نظرة رضا!!!
نعم...نظرةٌ مشعة بالسكينة والسعادة والاطمئنان...
بعيدةٌ تماماً عن نظراته الحالية المشبعة بقسوتها وسخطها!!!
ورغماً عنها شعرت بقلبها يخفق في صدرها بقوة وهذه الصورة -بالذات-تستفز حنانها نحوه...
لا...لم تعد تراه ذاك الوغد السادي المريض الذي أذاقها ويلات إهاناته ...
بل تراه شاباً عادياً تنطق ملامحه بالحيوية والأمل...

ماسة وشيطان   Where stories live. Discover now